جريدة الرؤية العمانية:
2024-12-26@14:48:52 GMT

احذروا ميناء اللؤم والخديعة!

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

احذروا ميناء اللؤم والخديعة!

 

حمد بن سالم العلوي

كيف يمكن للعدو أن يُنشيء ميناءً لعدوه أثناء المعركة؟! ويزعم أنَّه يُريد بها خيرًا لمن يحاربه وهو يحرص على قتله وفنائه! هذا أمرٌ لا يصدقه عقل، إذن أمريكا التي تحارب أهل غزة بأسلحتها، وأدواتها وبقرار منها، قد قررت أن تنشئ رصيفًا عائمًا على بحر غزة، وذلك بزعم أنَّها تريد إدخال المساعدات للغزاويين، الذين تعدهم هي عدوها الأول.

لكن أهل غزة الذين يقاومون المحتل الإسرائيلي والأمريكي معًا، لم يعودوا يعتبرون أن الأمريكي يمثل وسيطًا مقبولًا في رعاية القضية الفلسطينية، وذلك كما كان يصور لهم هذا قبل 7 أكتوبر 2023، لأنَّ ما بعد هذا التاريخ أجبر الجميع عن الإفصاح عن موقفهم الصريح، بأنهم في صف الكيان الصهيوني دون أية مواربة، وهذا الموقف أصبح شديد الوضوح، وقد اضطرهم إلى هذا الإعلان، تلك الانعطافة التاريخية التي أحدثتها معركة طوفان الأقصى، فقد عرّى السابع من أكتوبر كل المنافقين في الغرب وفي بلاد العرب.

إذن؛ كل أولئك الذين كانوا يوهمون الرأي العام، بأنهم يريدون الخير للشعب الفلسطيني، كشفتهم غزوة السابع من أكتوبر، فقد أظهرتهم على حقيقتهم، لأنهم أدركوا أن الشعب الذي كان يدافع عن نفسه بالحجارة والمقلاع، أصبح اليوم يمتلك الشيء القليل من السلاح، ولكن هذا القليل من السلاح عندما يكون في يد الفلسطيني المظلوم والذي أشبع ذلًا وقهرًا من عدو بلا رحمة أو إنسانية، قد أصبح سلاحه سلاحًا خطيرًا، لأنَّ أداءه في اليد الفلسطينية يكون مختلفًا ويضارع تلك الأسلحة الحديثة التي بيد العدو الصهيوني؛ بل كان الأكثر قسوة على جيش الاحتلال من أسلحة الجيوش العربية مجتمعة. وهناك تغريدة للواء الركن عبدالله الشديفات نائب رئيس هيئة الأركان الأردني السابق على منصة "X" يقول فيها إن قتلى جيش العدو منذ 7 أكتوبر ولحد الآن قد بلغوا  14500 من الضباط والجنود وأن الإصابات قد بلغت 46 ألفاً منهم 15000 بتر قدم ويد، ويقول هذه المعلومات قد حصل عليها من تقرير مرفوع للرئيس الأمريكي.

وإذا عدنا إلى الرصيف الأمريكي المشؤوم على بحر غزة، والذي ظاهره فيه الرحمة، ولكن في باطنه الشر والسم الزؤام؛ فأمريكا وكما هي معروف عنها، أنها لا تحل المعضلات؛ بل تتعهد بإدارة الأزمات والإبقاء عليها تحت نار هادئة حتى تحقق أهدافها المرسومة. وكمراقب ومتابع للسلوك الأمريكي، أعتقد أن أمريكا تهدف من وراء هذا الرصيف، لأحد أمرين أو كلاهما معًا، إما خديعة بعض البسطاء لإخراجهم من غزة عن طريق البحر، وليس مهماً لها أن تأخذهم إلى أية جهة معلومة، وإما أنها أرادت دق إسفين بين مصر والشعب الفلسطيني، حتى يقال إن مصر تغلق معبر رفح أمام الغزاويين، وهم في أحلك الظروف، وأمريكا تفتح لهم أبواب الرحمة باتجاه البحر، أما عن هدف التهجير للشعب في غزة، فإنه عشم إبليس في الجنة، ولا نحتاج أن نسأل الكبار من الغزاويين عن ذلك، ويكفي أن نسمع كلام أطفال غزة عن عقيدتهم في البقاء على أرض غزة.

والناس سرعان ما يتناسون حقيقة أن أمريكا بيدها فتح معبر رفح أو إغلاقه، إذا هي أرادت ذلك، فهي تقدر أن تأمر إسرائيل بالسماح بدخول الشاحنات المنتظرة والمحملة بالمواد الغذائية عن طريق مصر، أو حتى عن طريق أي معبر من الجانب الإسرائيلي، وهنا لن نحتاج إلى الإنزال الجوي للمواد الغذائية، ولا يحتاج إلى خط بحري من قبرص إلى غزة لجلب لقمة عيش بطريقة ملتوية؛ فالشاحنات التي تنتظر السماح لها بالدخول تقف على بعد أمتار من بوابة رفح المصرية، وهي محملة بالمواد التي يحتاجها قطاع غزة، وهذه المواد المشحونة قد قدمت بتبرع من دول عربية وغير عربية.

الكيان الصهيوني الذي زرعه الغرب في أرض فلسطين، قد خُطط له لكي يبقى، وذلك لهدفين مهمين؛ أولهما إشغال العرب بالحروب، وقمع أي تطور يسعون إليه، اغتيال النخب والعلماء، وذلك لمنعهم من التصنيع والاستقلال عن الغرب، وثانيهما إبعاد اليهود عن مشاغلة الغرب في شؤونهم الداخلية، وقد هيأت بريطانيا الظروف للدولة اليهودية، حتى تنشأ نشأة طبيعية، فقامت باحتلال الدولة الفلسطينية، وذلك لتمهيد الطريق لهجرة اليهود إلى فلسطين، وبذلك ضمنت النشأة القوية لهذا الكيان الصهيوني الغاصب، وقد زودت اليهود بأسلحة ليس للعرب مثلها، وهي في نفس الوقت كانت تسيطر على معظم الجيوش العربية، وذلك من خلال الضباط والقادة الإنجليز، وكانت تقف بالمرصاد لكل شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية، وتقضي عليها قبل أن تقوى وتشكل خطرًا على الصهاينة.

معركة "طوفان الأقصى" أحرجت بعض العرب وجعلتهم يخرجون عن سريتهم وكتمانهم، وأما البعض الآخر فقد أعلن موقفه مع إسرائيل دون حياء أو وجل، فيما ذهبوا إليه من تصهين فج وقبيح، وفي المقابل برزت دول عربية على النقيض تمامًا، ففي أضعف الإيمان أعلنت دول عربية موقفًا صريحًا وشديد الوضوح من مناصرة الشعب والقضية الفلسطينية، ولكن دولًا أخرى لم تكتف بذلك فأعلنت دخولها الحرب ضد الكيان الصهيوني، ومناصرة قوية للمقاومة الفلسطينية، فنفروا مجاهدين في سبيل الله، لقوله تعالى:{انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 194].

إن المقاومة الفلسطينية ومناصروها لمنتصرون بفضل لله، وحاشا الله- عز جل- الذي ظل يلعن اليهود من بني إسرائيل ويقرعهم في القرآن الكريم على كفرهم وفسادهم في الأرض، ويمسخهم إلى قردة وخنازير أن يجعلهم هم الغالبون، مع كل هذا الظلم والقتل الذي يقترفونه اليوم في غزة، وهو المنذر لهم بقوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: 32] فهل من وعيد أكبر من هذا الوعيد؟!

إن طوفان الأقصى الذي جرى في السابع من أكتوبر، لم يهزّ الكيان الصهيوني وحده، وإنما زلزل الغرب كله، وأشعرهم بدنو أجل صنيعتهم إسرائيل، وأن الذي صنع هذا الزلزال العظيم وهزّ الكيان الصهيوني، قادرٌ على تغيير كل خطط الغرب في المنطقة، وأن تحرير فلسطين أصبح أقرب من أي وقت مضى، وسينعكس ذلك إيجابًا على كل الدول العربية، وأن خسائر العدو الصهيوني عندما يعلن عنها ستكون مرعبة، لكنهم قد جبلوا على إخفاء الحقيقة.

فلا نقول إلا صبرًا أهل غزة العزة إن النصر آتٍ، وإن طوفان الأقصى بداية النهاية للصهاينة، وأنَّ لا أحد سيموت بغير تقدير من الله، وهم مُكرَّمون بالشهادة والحياة الأبدية ومن يجرؤ ويصبر ينتصر.. وإنه لجهاد.. نصر أو استشهاد.

 

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

“ميناء أم الرشراش” والمشروع التوسعي البحري الصهيوني

يمانيون../
لا تتوقف أطماع الصهيونية في الأراضي العربية برا وبحرا، ومنذ قيام هذا الكيان على الأراضي العربية الفلسطينية المحتلة، وعصابات الإجرام اليهودية تعمل على المزيد من التوسع الذي وصل إلى شواطئ البحر الأحمر، من خلال ضم منطقة أم الرشراش عام 1949، وتحويلها إلى ميناء بحري بات معروفا باسم ميناء إيلات.

وليس غريبا إن قلنا بأن الصهيونية تتكئ إلى مزاعم دينية في كل مشروعها الاستيطاني، وقد زعم اليهود ولا يزالون بأن البحر الأحمر من شماله إلى جنوبه، كان ضمن حدود “مملكة سليمان” عليه السلام قبل الميلاد. ولأن الموانئ والمضايق المحيطة بهذا الكيان اللقيط تشكل تحديا استراتيجيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ولا يمكن تجاهل أهميتها في استمرار وديمومة هذا الكيان، فقد شنت “إسرائيل” مع فرنسا وبريطانيا العدوان الثلاثي على مصر بعيد إعلان عبد الناصر تأميم قناة السويس في العام 1956، واحتلت سيناء وسواحلها على البحر الأحمر شرقي مصر. وفي عام 1967 احتل اليهود قناة السويس وسيطروا على حركة الملاحة الدولية منها وإليها.

لكنهم اضطروا للتخلي عن هذا المكسب الكبير بعد حرب أكتوبر 1973، إذ كان عليهم الانسحاب من القناة وتوقيع اتفاق الهدنة 1974، ثم ما لبثوا أن ثبتوا قواعد جديدة في معاهدة السلام مع مصر 1979، التي اعتبرت قناة السويس ممرا دوليا يحق لإسرائيل وسفنها الحركة فيه كسائر دول العالم.

وقد ساعدت هذه التطورات على تنشيط ميناء أم الرشراش، الذي يعتمد عليه الكيان في تبادل السلع مع أفريقيا ودول جنوب شرق آسيا، كما كان هذا الميناء لوحده يستقبل نصف احتياجات “إسرائيل” من النفط، الذي كان يأتي من الموانئ الإيرانية في عهد الشاه قبل الثورة الإسلامية 1979، مرورا بباب والمندب والبحر الأحمر.

لقد ظهرت عدة متغيرات دولية دفعت بهذا الكيان إلى التفكير جنوبا، حيث باب المندب، خاصة بعد انسحاب بريطانيا من عدن 1967، ثم عندما قامت مصر مع دولتي اليمن الجنوبية والشمالية آنذاك بإغلاق مضيق باب المندب في وجه الملاحة الدولية المتجهة إلى “إسرائيل” بالتزامن مع حرب 1973.

اليوم وبعد نصف القرن على المواجهة العربية مع الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، يعيش الكيان مأزقا حقيقيا بعد أن دخلت اليمن معركة طوفان الأقصى وقلبت الموازين بشكل كان خارج كل الحسابات.

أحكمت القوات المسلحة اليمنية حصارها البحري بعمليات عسكرية نوعية أدت إلى إغلاق ميناء “إيلات” في بضعة أشهر، وخروجه عن الخدمة كليا، مع إعلان إفلاسه، ما ترك تأثيرا مباشرا على الاقتصاد القومي للكيان الغاصب، وتكبيده خسائر باهظة.

على أن الأخطر بالنسبة لهذا الكيان أن طموحاته وسياساته التوسعية باتت في مهب الريح، فجبهة اليمن المساندة لغزة 2023-2024 يتعاظم دورها وفاعليتها، لدرجة أن قوات صنعاء الباسلة اشتبكت مع القوات الأمريكية البريطانية التي هرعت إلى البحر الأحمر دفاعا عن هذه العصابات الإجرامية التي لم تكف عن جرائم الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.

وباعتراف الخبراء والمحللين في الغرب وفي داخل الكيان نفسه، فإن المعركة مع اليمن دخلت طورا تصاعديا، أشد تأثيرا وأكثر تعقيدا، فلم يتمكن تحالف ” حارس الازدهار ” من كبح جماح اليمن، وباتت البحرية الأمريكية بحاملات طائراتها تلوذ بالفرار في مشهديه مفاجئة وغير مسبوقة، ومتكررة أيضاً.

فوق ذلك يدرك هذا الكيان أن المعركة مع اليمن مفتوحة على كل الاحتمالات، وليس من سبيل لإيقافها أو التخفيف من حدتها، إلا بإيقاف العدوان على غزة ورفع الحصار عن أهلها وشعبها.

تحليل | عبدالله علي صبري

مقالات مشابهة

  • “ميناء أم الرشراش” والمشروع التوسعي البحري الصهيوني
  • المقاومة مستمرّة: الكيان الصهيوني تحت مجهر القانون
  • “العدل الدولية” تبدأ إجراءات الفتوى بشأن إلتزامات الكيان الصهيوني بتواجد الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية
  • الأمم المتحدة تطلب رأي “العدل الدولية” في التزامات الكيان الصهيوني في فلسطين
  • الكيان الصهيوني يطلب تمديد إخلاء المستوطنات الحدودية شمالاً وجنوبا
  • الأمم المتحدة تطلب رأي العدل الدولية في التزامات الكيان الصهيوني في فلسطين
  • حماس تثمن مواقف وهجمات الحوثيين ضد الكيان الصهيوني
  • الكيان الصهيوني يعترف لأول مرة بمسؤوليته عن اغتيال إسماعيل هنية
  • أبو عبيدة: الكيان الصهيوني يخفي خسائره حفاظا على صورة جيشه
  • الكيان الصهيوني يعلن اغتيال البيك رئيس جهاز الأمن في حماس