في مناهج قراءة رسالة القرآن الكونية.. الفلسفة إذ تؤسس علم التاريخ
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
لم يمثل طوفان الأقصى، زلزالا سياسيا فقط لجهة إسقاط مقولة الجيش الذي لا يقهر لدولة الاحتلال، وإنما أيضا مثل سؤالا فكريا وثقافيا وفلسفيا لا يزال يتردد منذ عصر النهضة العربية الأولى، عن سر النهضة والتقدم..
صحيح أن طوفان الأقصى وما تبعه من حرب إسرائيلية موغلة في الإبادة والوحشية، هو في ظاهره معركة بين حركات تحرر وطني وشعب يتوق إلى الاستقلال والسيادة، وبين قوة احتلال ترفض الانصياع للقانون الدولي، لكن ما تبعه من اصطفاف دولي غير مسبوق ضد الشعب الفلسطيني هو ما أثار علامات استفهام كبرى، حول مفاهيم الحرية والقانون والسيادة والمساواة والحقوق وغيرها من القيم التي عملت الإنسانية على مدى تاريخها بإسهامات تراكمية في صياغتها.
الفيلسوف والمفكر التونسي الدكتور أبو يعرب المرزوقي يعمل في هذه المقالات التي تنشرها "عربي21" في أيام شهر رمضان المبارك، على تقديم قراءة فلسفية وفكرية وقيمية للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف باعتبارهما المرجعية الأساسية التي يبني عليها العرب والمسلمون إسهاماتهم الحضارية..
الفلسفة تؤسس نظرية التاريخ
لم يكن التاريخ أبدا أحد العلوم الفلسفية الستة التي كانت تنقسم إليها في التصنيف الأرسطي لأن المنطق كان يعتبر أرجانون العلوم أي أداتها التعييرية للتواصل في نسبة الميزان للتبادل وليس أحدها (1)
1 ثلاثة للعلوم النظرية (الطبيعيات والرياضيات والميتافيزيقا أو الإلهيات)
2 وثلاثة للعلوم العملية (الأخلاقيات والاقتصاديات والسياسيات)
لم يصبح التاريخ علما فلسفيا إلا مع ابن خلدون في حضارتنا ثم في حضارة الغرب الحديثة بعد ذلك. ولا يعني ذلك أنه لم يكن موضوع درس في الفكر الإنساني إذ من خلال العمران الإنساني من المؤرخين وخاصة مؤرخي الأنظمة الحاكمة وتوالي الدول. لكن ذلك لم يكن من البحوث الفلسفية بالمعنى الذي يتضمنه المتن الفلسفي لأن موضوعه لا يمكن أن يكون كليا بل هو عيني وجزئي (2).
لكن لما بدأت الفلسفة تؤسس نظرية التاريخ بتردد بين ما بعد الأخلاق الروحية (هيغل) وما بعد الطبيعة المادية (ماركس) نكصت الفلسفة بالتخلي عن رؤية كنط النقدية (إلغاء مفهوم الشيء في ذاته بوصفه مفهوما حدا لقدرات العلم) التي ألغت ابستمولوجية المطابقة بين العلم الإنساني والأشياء في ذاتها فاقتضت وجود ما وراء الظاهرات التي لا يستطيع العلم تجاوزها وذلك لتأسيس الإيمان بالمسلمات وتأسيس شروط الأخلاق (3).
إن الحكمين المسبقين اللذين يقول بهما أصحاب هذه القراءة التي حالت دحضها هما بالذات الإبستمولوجيا الساذجة القائلة بالمطابقة بين العلم وموضوعه والقائلة بوحدة العالم الدغمائية العري عن كل ما يتعالى عليه. لكن موضوع القرآن الرئيسي رغم كونه ليس تاريخيا من حيث طبيعته المتعلق بالمتعالي عن المحسوس لا يمكن أن يتحقق إثباته إيجابا أو نفيه سلبا من دون أن يحدث ذلك في التاريخ. ومن ثم فرؤيته الإبستمولوجية لا يمكن أن تكون قائلة بابستمولوجية المطابقة ولا كذلك بوحدة العالم سواء كان طبيعيا أو روحيا وذلك هو موضوع أخوات سورة هود خاصة وعلة ما شيب رأس الرسول أي مبلغ الحيرة الوجودية التي عاشها(4).
وبذلك فرسالة القرآن الكونية تعرض نوعين من الحوار:
1 ـ الأول حوار مباشر بين الرب (المرسل) والإنسان (المرسل إليه). وهذه هي العلاقة التي تفسدها سلطتا الوسيطين اللاشرعين اللذين ألغاهما القرآن أي الكنسية روحيا والحكم بالحق الإلهي سياسيا.
2 ـ الثاني حوار غير مباشر لكونه يمر بالعلاقة التي ينبغي أن يكون عليها الإنسان مع الطبيعة ومع التاريخ وهي العلاقة التي تمثل رهانات الصراعات بين البشر حول الثروة والتراث والمنازل التي تتولد عنها مصدرا للتنافس بينهم.
فالفكر الإنساني عرف نوعين من الأرشيتاكتونيك (العلم الرئيس) أحدهما هو الميتافيزيقا في علاقة بالطبيعة وما بعدها خاصة والثاني في علاقة بما بعد الأخلاق في علاقة بالتاريخ وما بعده خاصة، والقرآن يستعملهما كليهما للدلالة على أنه لا واحدة منهما بكافية لفهم شروط الوجود الإنساني أو قابلة لأن تتصور من الثانية. وما هو حديث في الفلسفة هو أنها في الغاية اختارت تقديم الأرشيتاكتونيك التاريخية وما بعدها على الأرشيتاكتونيك الطبيعية وما بعدها.
وفعلا فإن الفلسفة لم يعد أساسها ما بعد طبيعي كما كان عليه الأمر في العصرين القديم والوسيط بل صار أساسها ما بعد الأخلاق. وقد بدأ ذلك في الغرب مع ديكارت عمليا (5) وهو كذلك في الشرق منذ نزول القرآن (6) .
ورغم أن ديكارت وصف تأملاته بكونها ميتافيزيقية فإن أساس فلسفته ليس علم الطبيعة بل هو بالأحرى إثبات وجود الله ضامنا لوجود الحقيقة ضد خداع الشيطان (الجني الشرير) أولا ثم قدرة الذكاء الإنساني على إدراكها بل هو يذهب إلى أن مبادئ العقل الفطرية تنتسب إلى خيار إلهي وليست ضرورة طبيعية.
إن الفلسفة لم يعد أساسها ما بعد طبيعي كما كان عليه الأمر في العصرين القديم والوسيط بل صار أساسها ما بعد الأخلاق. وقد بدأ ذلك في الغرب مع ديكارت عمليا (5) وهو كذلك في الشرق منذ نزول القرآنلذلك ففلسفة سبينوزا وخاصة فلسفة هيغل هما اللتان نكصتا إلى السذاجة الإبستمولوجية القائلة بالمطابقة ولنفس الدغمائية الوجودية القائلة بوحدانية العالم في رؤية الفلسفة القديمة والوسيطة.
لذلك فإنه بوسعنا أن نقول إن القراءة التي تستند إلى رد نص القرآن إلى سياقه الاجتماعي والتاريخي وإلى التناص ليست إلا التطبيق الحرفي لهذه الرؤيتين غير النقديتين لإبستمولوجيا المطابقة وأنطولوجيا وحدانية العالم الخالي مما يتعالى على الدنيا (7).
الهوامش:
(1) ـ المنطق أرجانون. وكونه أبرجانون لا يعني أنه ليس علميا بل هو يعني أنه شرط كل علم بمعنى أنه جزء منه لأنه يتعلق بنظام صورته. وهو من ثم جزء من الميتافيزيقا ليس بوصفها أحد العلوم بل بوصفها كما ترجم العرب معنى الارشيتاكتونين أي العلم الرئيس المشروط في كل علم لأنه متعلق بشكله أولا وبتأسيس الولياتته أو مسلماته التي يرد تعليلها إلى علم اسمى منه وفي الأخير إلى الميتافيزيقا التي تؤسس العلاقة بين الأبستمولوجي والاكسيولوجي والانطولوجي. وبعبارة أوضح فالعلم الرئيس يتمثل في التأسيس الذاتي أولا بوصفه مؤسسا لما عداه بتحديد ما تتسلمه منه وتستغني عن تأسيسه لأن كل علم أدنى يتأسس في علم أعلى. ولما حاول ابن خلدون تأسيس علمه اعترف بأنه يخل بهذا المبدأ أي إنه اعطى لعلمه منزلة الميتافيزيقا من حيث كونه مؤسسا لذاته أولا ولمجالات التخصصات التي قسمها إلى نوعين علم العمران البشري وعلم الاجتماع الإنساني بعد أن أسسها في نظرية الإنسان ونوعي دوره في الحياة كما جاء في عنوان المقدمة أي من حيث مستعمر في الأرض (علم العمران البشري) ومستخلف فيها (علم الاجتماع الإنساني).
(2) ـ أرسطو وكتاب الشعر والرأي في التاريخ: فعنده الادب أقرب إلى الفلسفة والعلم من التاريخ لأنه على الأقل يتكلم في الكلي الممكن ولا يقتصر على العيني الذي لا يمكن علمه. (كتاب الشعر الفصل التاسع).
(3) ـ النقد الكنطي والمسلمات. وذلك هو قصده بالتخلي عن اليقين الوهمي في العلم المحيط ليبقي محلا للإيمان بوضع المسلمات الثلاث التي لا بد منها لتحرير الأخلاق من أوهام الميتافيزيقا: حرية الإنسان وخلود النفس ووجود الله. ولا معنى لخلود النفس في الدنيا لأنها مائتة ولا إمكانية لحرية الإنسان إذا كان مثل الكائنات العادية خاضعا للضرورة ولا حاجة لرب في عالم الحرية والخلود من دون حاجة الإنسانية للعدل التام في الحكم الأخروي .
(4) ـ بعد التاريخي قبل ما بعد الطبيعي في القرآن: فالبعد الموجب يدرس الخلقي والسياسي دون إفساد الديني. والبعد السلبي يدرس مفسدي الدين. وهذا الفساد يهدف إلى تأسيس السلطتين الاستبداديتين أي السلطة الدينية المستبدة (الكنسية) والسلطة السياسية المستبدة (الثيوقراطيا أو سلطة الحكم بالحق الإله.
(5) ـ ديكارت والضمانة الإلهية. وهي شرط الخروج من الانطواء لأن الكوجيتو لا يكفي للقيس عليه ما لم يكن ديكارت قد اثبت بالتضايف بين محدودية علمه ولا محدودية العلم المحيط الذي يقتضي وجود إله لا يخادع مثل الشيطان فلا يكون ما يدركه الإنسان من الوجود ا لخارجي خداعا من الشيطان بل هو ناتج عن إله ضامن للحقيقة.
(6) ـ يكفي أن يتخلى المنتسبون إلى هذه المدرسة عن رؤيتيهما الدغمائتين حتى يكون بوسعهم بعض الشك على الأقل في يقينهم الدغمائي الذي بلغ عدم التسامح الحاقد. فبعضهم يذهبون إلى حد الزعم بأن الدين الإسلامي بمقتضى خيالهم الذاتي فيتحول كلامهم إلى تبشير مضاد للإسلام حربيا لصالح الإلحاد المتعصب.
(7) ـ لقد نقص هيغل إلى ابستمولوجية تلغي الإضافة النقدية الكنطية. فسبينوزا بمقتضي وحدة الوجود الطبعانية التي يقول بها وهيل بسبب وحدة الوجود الروحانية يؤسسان كلاهما فلسفتهما بالاعتماد على ابستمولوجية المطابقة وانطولوجية وحدة العالم العري عن كل تعال ما بعدي.
فهما لا يؤمنان إلا بعالم واحد هو الدنيا وينفون وجود أي شيء ما وراءها إذ يقول هيغل لا وجود لما هناك وراء ما هنا وأن التاريخ هو الحكم النهائي. لكن القرآن لا يكتفي بمطالبتنا بالإيمان بوجود ما وراء العالم بل هو يتكلم على تعدد العوالم المثيلة لعالمنا الدنيوي وهي ذات أبعاد فلكية. فاليوم في أحدها مدته تقدر بـ50 ألف سنة من سنوات عالمنا الأرضي. والمهم ليس معرفة إن كان ذلك حقيقي أم لا بل أن نفهم أنه يمتنع أن نثبت أنه كاذب. فنحن لا نعلم شئيا من ذلك رغم كوننا نتوهم أننا نعتقد أن العالم الموجود الفعل حقا هو عالمنا الشاهد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير القرآن القرآن رأي خطاب تاويلات أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وما بعد لا یمکن لم یکن ذلک فی
إقرأ أيضاً:
هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة الجمعة بعد غروب شمس الخميس؟ اعرف الوقت الصحيح
ما هل يجوز قراءة سورة الكهف ليلة يوم الجمعة؟ سورة الكهف يستحب تلاوتها لما لها فضل كبير عند الله وتقرأ سورة الكهف في ليلة الجمعة أو في يومها، وتبدأ ليلة الجمعة من غروب شمس يوم الخميس، وينتهي يوم الجمعة بغروب الشمس.. فيكون وقت قراءة سورة الكهف يوم الجمعة من غروب شمس يوم الخميس إلى غروب شمس يوم الجمعة، قال المناوي: فيندب قراءتها يوم الجمعة وكذا ليلتها كما نص عليه الشافعي -رضي الله عنه-.
ما سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؟
ثبت في السنة النبوية فضل كبير لمن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وذكر العلماء أكثر من سبب لقراءة سورة الكهف، حيث إن قراءة سورة الكهف تحمي من فتنة المسيح الدجال ومن فضل سورة الكهف أنه «من قرأها في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء»، وقراءة سورة الكهف ليلة الجمعة أو يومها مستحبة، ولها فضل عظيم في الدنيا والآخرة، ويبدأ وقت قراءة سورة الكهف مع غروب شمس يوم الخميس، إلى غروب شمس يوم الجمعة.
سبب نزول سورة الكهف
جاء في سبب نزول سورة الكهف أن المشركين أرسلوا رجلين من اليهود إلى الأحبار ليسألوهم عن رأيهم في دعوة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، فكان رد الأحبار عليهم بأن يسألوا محمدًا -صلى الله عليه وسلم-، عن مجموعة من الفتيان، وعن رجل طاف الأرض ووصل مغربها ومشرقها، فنزل الوحي بالرد عن تلك الأسئلة بنزول سورة الكهف، فجاءت سورة الكهف دليل من الأدلة التي جاءت تصديقًا على نبوة النبي -صلى الله عليه وسلم، ونزلت سورة الكهف في الوقت الذي عانى فيه أهل مكة من الظلم والقهر، كما بيّنت السورة ما عانى منه أصحاب الكهف، فكانت كالفرج بعد الشدة.
سبب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة
لماذا نقرأ سورة الكهف يوم الجمعة، وذلك لعدة أسباب:-
أولاً: أن قراءة سورة الكهف سبب في العصمة من المسيح الدجال: وهي فتنة عظيمة حذر منها جميع الأنبياء -عليهم السلام-، وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «مَن حَفِظَ عَشْرَ آياتٍ مِن أوَّلِ سُورَةِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»، وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: «مَنْ قَرَأَ الْعَشْر الْأَوَاخِر مِنْ سُورَة الْكَهْف عُصِمَ مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال».
ثانياً: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة تنزل عليه السكينة والرحمة وحضور الملائكة،، وروى الإمام مسلم في صحيحه: «قَرَأَ رَجُلٌ الكَهْفَ، وفي الدَّارِ دَابَّةٌ فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَنَظَرَ فَإِذَا ضَبَابَةٌ، أَوْ سَحَابَةٌ قدْ غَشِيَتْهُ، قالَ: فَذَكَرَ ذلكَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: اقْرَأْ فُلَانُ، فإنَّهَا السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ عِنْدَ القُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ».
ثالثاً: من أسباب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عصمة وضياء لقائلها طوال الأسبوع، فعن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: «مَن قَرَأَ سورةَ الكَهفِ يومَ الجُمُعةِ أضاءَ له من النورِ ما بَينَ الجُمُعتينِ»، وقال رسول الله - صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقوله -صلى الله عليه وسلّم-: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بين قدميه وعنان السماء».
رابعاً: استحقاق شفاعة القرآن لصاحبه يوم القيامة: لقوله - صلى الله عليه وسلم-: «اقْرَؤوا القرآنَ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه»، صحيح مسلم.
خامساً: قارئ القرآن له بكل حرف عشر حسنات، لقول رسول الله – صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ (الـم) حرفٌ ولكنْ (ألفٌ) حرفٌ و(لامٌ) حرفٌ و(ميمٌ) حرفٌ»، حديثُ حسن.
- يستحق قارئ القرآن علو الدرجات في الجنة: قال - صلى الله عليه وسلم-: «يقالُ لصاحبِ القرآنِ: اقرأْ وارتقِ، ورتِّلْ كما كنتَ ترتِّلُ في الدنيا، فإنَّ منزلَكَ عند آخرِ آيةٍ.
آداب قراءة سورة الكهف
- قراءة سورة الكهف من المصحف أفضل من قراءتها غيبًا، لأن النظر في المصحف عبادة يؤجر عليها القارئ.
- إخلاص النية لله -عزّ وجل- عند قراءة القرآن الكريم.
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، قبل الشروع بالقراءة
- البسملة بقول:«بسم الله الرحمن الرحيم»
- التسوك.. كما ورد في السنة النبوية، بحيث يبدأ من الجانب الأيمن من فمه.
- الطهارة.. فإذا قرأ القرآن محدثًا جاز له ذلك، وإن كان القارئ بفعله هذا قد ارتكب المكروه، وترك الأفضل.
- قراءة القرآن الكريم في مكان نظيف.
- استقبال القبلة عند قراءة القرآن الكريم، والجلوس بخشوع ووقار
- ترديد الآيات للتدبر، فإذا مرّ بآية من آيات العذاب، استعاذ بالله من شر العذاب
- تعظيم القرآن الكريم بتجنب الحديث أثناء تلاوته، وتجنب النظر إلى ما يشتت الذهن.
يستحب قراءة سورة الكهف يوم الجمعة؛ لما ورد في فضلها من أحاديث، وورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ» [رواه: الدارمي]، وعنه أيضًا، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ».
من فاتته قراءة سورة الكهف يوم الجمعة.. لديه فرصة حتى بعد العشاء أسرار في سورة الكهف
ومن السور التي تحتاج إلى تدبر سورة الكهف، حيث إن أغلبنا يقرأ نهاية كل أسبوع سورة الكهف، هل لاحظتم كلمات النهي العشر (لا) ستجعلك تتدبر أكثر.
● اللاء الأولى:
﴿فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَآءً ظَٰهِرًا﴾
(الآية ٢٢).
في نقاشك مع الناس لا تدعي إمتلاك الحقيقة ولا تجادل جدالاً عقيماً.
● اللاء الثانية:
﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا﴾
(الآية ٢٢).
فيما يُشكل عليك من أمور لا تطلب الفتوى من شخص غابت عنه حقيقة ذاك الشيء أو يرفض الحق.
● اللاء الثالثة:
﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىْءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ﴾
الآيتان (٢٣ / ٢٤).
وأنت تخطط لا توعِدْ نفسك أو غيرك بعمل شيء في المستقبل دون أن تعلق الأمر على مشيئة الله.
● اللاء الرابعة:
﴿وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا﴾
(الآية ٢٨).
وأنت تسير مع الصالحين لا تصرف نظرك عنهم لغيرهم طمعاً بالدنيا.
● اللاء الخامسة:
﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُۥ عَن ذِكْرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُۥ فُرُطًا﴾
(الآية ٢٨).
خفف من كل شيء لا يقربك إلى الله
لأنه يشغلك
لا تُطِعْ من كان غافلا عن ذكر الله
وآثَرَ هواه على طاعة مولاه
وصار أمره في أعماله ضياعًا وهلاكًا.
● اللاء السادسة:
﴿فلَا تَسْـَٔألنى عَن شَىْءٍ حَتَّىٰٓ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا﴾
(الآية ٧٠).
في ممارستك لفضولك المعرفي لا تستعجل بالسؤال قبل أن تُستكمل لك تفاصيله.
● اللاء السابعة:
﴿لَا تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ﴾
(الآية ٧٣).
تذكر أنهم بشر فلا تحاسبهم على نسيانهم أو ما استُكرهوا عليه.
● اللاء الثامنة:
﴿وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْرًا﴾
(الآية ٧٣).
لكل شخص قدرة وطاقة استيعابية فلا تطلب منه ما لا يستطع تحمّله وعمله.
● اللاء التاسعة:
﴿فَلَا تُصاحِبني قَد بَلَغتَ مِن لَدُنّي عُذرًا﴾
(الآية ٧٦).
لا تصاحب من استنفذت معه كل الوسائل..
● بقيت (لاءٌ) أخيرة تُضاف إلى تلك اللاءات التسعة ألا
وهي اللاء العاشرة وهي خاتمة هذه اللاءات
ومِسْكُها في آخر آية من آيات سورة الكهف:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)
(110)}
■ فإن كانت اللاءات التسعة تعتني بتربية المؤمن وتوجيهاته الإيمانية مع من حوله من الناس، فإن اللاء العاشرة جاءت وخُصت علاقة عمل المؤمن بمدى إخلاصه لربه، لتشترط قبول العمل الصالح بألا يراد به إلا وجه الله وحده لا شريك له.
قصة أصحاب الكهف
أهل الكهف هم مجموعة من الفتيان لجأوا إلى كهفٍ خوفًا على أنفسهم من الفتنة في دينهم حين رأوا ما عليه قومهم من عبادة الأصنام والأوثان في يوم عيدٍ لهم، ففتح الله على بصيرة الفتيان، وأيقنوا في قرارة أنفسهم أنّ ما عليه قومهم باطلٌ، فتركوا ما عليه قومهم إلى توحيد الله عزّ وجلّ، ولجأوا إلى دعاء الله -تعالى- قائلين: «رَبَّنا آتِنا مِن لَدُنكَ رَحمَةً وَهَيِّئ لَنا مِن أَمرِنا رَشَدًا» وناموا في الغار ثلاثمئة وتسع سنوات.
وتولّى الله تعالى حفظهم وكان يقلّبهم يمنةً ويسرةً؛ لئلا تأكل الأرض من أجسادهم، وكانوا في مكانٍ واسعٍ في الغار؛ ليصل الهواء إليهم فلا تبلى أجسادهم بانعدامه، وحين أفاقوا من نومهم كان قولهم: «قالَ قائِلٌ مِنهُم كَم لَبِثتُم قالوا لَبِثنا يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ قالوا رَبُّكُم أَعلَمُ بِما لَبِثتُم فَابعَثوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُم هـذِهِ إِلَى المَدينَةِ فَليَنظُر أَيُّها أَزكى طَعامًا فَليَأتِكُم بِرِزقٍ مِنهُ وَليَتَلَطَّف» فلم يعلموا حقيقة أمرهم ولا الزمان الذي هم فيه، فبعثوا أحدهم بالدراهم التي كانت معهم لشراء بعض الطعام من المدينة التي كانوا فيها مع حرصه على ألّا يلفت نظر أحدٍ ممّن حوله؛ حتى لا يفتنوهم عن دينهم، لكن أراد الله -تعالى- بأن يعلم الناس بأمرهم لتقوم عليهم الحجة ويعلموا أن أمر الله حق، أمّا عدد الفتية فلا تتحقّق أي أهميةٍ بمعرفته، ولذلك قال سبحانه: «قُل رَبّي أَعلَمُ بِعِدَّتِهِم ما يَعلَمُهُم إِلّا قَليلٌ فَلا تُمارِ فيهِم إِلّا مِراءً ظاهِرًا وَلا تَستَفتِ فيهِم مِنهُم أَحَدًا».
ويتبيّن من قصة أصحاب الكهف الأثر الكبير الذي يعود على الدعوة من باب أمر الشباب بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فهم عماد المجتمع، وقد فضّل الله تعالى أمّة محمدٍ وميّزها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: «كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ»، كما أنّ الشباب كانوا أكثر الناس استجابةً لدعوة الله تعالى ورسوله، ولذلك فقد نالوا الاهتمام الكبير من النبي -عليه الصلاة والسلام- والخلفاء الراشدين من بعده -رضي الله عنهم-، فحين جهّز أبو بكر -رضي الله عنه- جيش المسلمين بعد وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل الصحابي الشاب أسامة قائدًا للجيش رغم وجود عددٍ من كبار الصحابة.