سَمِعَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ، أقْضِي له بذلكَ وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا.
لقد حرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين الخصمين الإيمان، وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية، وبناء الضمير، فكانت هذه التربية حاجزا لهما عن الظلم والحرام.
والضمير هو قوة روحية تحكم مواقف الإنسان وتفكيره، وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر، وفي شريعة الإسلام إلى جانب ما شرعته من أحكام وحدود وعقوبات، فإنها سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضمير، والخوف من الله ومراقبته، حتى إذا غابت رقابة البشر، وهمت نفسه بالحرام والإفساد في الأرض تحرك ضميره الحي يصده عن كل ذلك، ويذكره بأن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا ينسى.
إن المرء لينظر في حياة الناس فيجد عجباً: مشاكل وصراعات، وتهاجرا وقطع أرحام، وغمطا للحقوق، وتنكرا للمعروف على أتفه الأسباب، بل إنك تجد من يكون سببا في شقاء المجتمع، بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، فيستغل المواقف، ويتحين الفرص، ليشبع رغباته، ويحقق شهواته على حساب القيم والأخلاق والدين، ومصالح الآخرين، ومنافع العباد.
وما وصل الناس إلى هذه الأمور إلا بسبب غياب الضمير الذي يهذب الأخلاق، ويقوم اعوجاج السلوك، ويكون سببا في صلاح النيات، وقبول الأعمال، وكثرة العبادات والطاعات، بل إنه يورث الخوف من الله والخشية من عذابه وسخطه.
إن تربية الضمير وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس فيه سعادة الأفراد والمجتمعات والدول، وبدونه لن يكون إلا مزيدا من الشقاء، مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناس، فإنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين.
وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، والمعلم أن يقصر في واجبه، والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجبها، والتاجر من أن يغش، ويحتكر في تجارته.. إلى غير ذلك من المفاسد والموبقات؟.. لا شيئ أقوى من الضمير اليقظ الذى يستشعر به الإنسان رقابة الله له فى كل أفعاله وتصرفاته.
هذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في عام الرمادة، وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع، جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب، فجاءه تجار المدينة، وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان - رضي الله عنه -: لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان - رضي الله عنه -: لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين.
ماذا لو لم يكن يحمل سيدنا عثمان بين جوانحه ضمير المؤمن الحي؟، لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموالا طائلة، ولو كانت على حساب البطون الجائعة، والأجساد العارية، وآهات المرضى والثكالى، وهموم أصحاب الحاجات.
إن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولا بالله، فإنه سيأتي يوم ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة، وعندما يباع الضمير تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة، فلنحذر من الغفلة، وبيع ضمائرنا.
اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الضمير مقالات رضی الله عنه
إقرأ أيضاً:
عياد: الفتوى بدون علم تجرؤ على الدين وتؤدي إلى ضلال المجتمعات (فيديو)
قال الدكتور نظير عياد، مفتى الديار المصرية، إن الفتوى في الشريعة الإسلامية من أهم المسؤوليات التي تتطلب تقوى الله ومعرفة عميقة بالواقع والفقه، مؤكدا أن بعض الأشخاص يتصدرون للفتوى دون علم، ويغفلون عواقب هذه الفتاوى التي قد تؤدي إلى ضلال المجتمعات.
وقال مفتى الديار المصرية، خلال حلقة برنامج مع المفتي، المذاع على قناة الناس: من أخطر الأمور التجرؤ على دين الله تبارك وتعالى، خصوصًا وأن التجرؤ على الفتوى هو تجرؤ على الدين، وخصوصًا وأن النظرة للمفتي هي نظرة مكسوة بمزيد من الإجلال والاحترام والتقدير نتيجة عظمة هذه المهمة التي كُلف بها من قبل الله تبارك وتعالى، فهو يوقع عن الله تبارك وتعالى، وبالتالي، لابد لمن يتصدى لهذا الجانب أن يستحضر الخشية من الله تبارك وتعالى، لأن فتوى قد تؤدي بإنزالها أو إعلانها إلى ضلال العالم بأسره، ولذا قيل: إذا ذل العالم، ذل بذلته عالم.
وتابع: "هنا بشكل عام، إذا ما توقفت على قضية الحلال والحرام، قضية الصحة والبطلان، تجد أن الأمر أعظم لأنه يتعلق بأعمال مكلف، هذا المكلف الذي سيحاسب على الصحة أو على الخطأ، وبالتالي لابد لمن يعمل على تجلية هذه الأمور لمن يستفتيه أن يكون مدركًا لهذه الأبعاد، لأن الفتوى هي أشبه، بل هي دين، وبالتالي نص العلماء على ضرورة النظر في من نأخذ عنه هذا الدين، ونهانا عن حرمة القول على الله تعالى بدون علم، كما نهانا القرآن الكريم عن التجرؤ على الحلال والحرام بدون علم، لأن ذلك كله يلزم عنه هذه الأمور التي تؤدي إلى فتاوى غير رشيدة، يلزم عنها اختلال الموازين والحكم على الأشخاص والمجتمعات، بل وربما انتشار الاختلاف، بل ربما واد النفوس وواد العقول، والحكم على الأمور بغير ما ينبغي أن تكون عليه.
واستكمل: "ومن ثم نقول أننا نتحدث عن أحد الموضوعات المهمة، حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووجدنا منهم من يتحدث بأنه كانت تأتيه الفتوى فيلقيها إلى من هو بجواره، ووجدنا من التابعين من ينص بأنه عايش أو عاصر أو التقى بقُرابة 120 من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كانت تعرض الفتوى على الأول فيقوم بنقلها إلى الثاني، وفي الثالث حتى تعود إليه مرة أخرى، أجركم على الفتيا أجركم على الدين، فهي قضية في منتهى الخطورة، ومن ثم ينبغي لمن يسلك هذا الطريق أن يستحضر أولاً الخشية من الله تبارك وتعالى، ثم لابد أن يكون ملمًا بأدواته وأصول هذا العلم".
وأَضاف: أنا أقول الخشية من الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنك ربما تجد من بين الناس من هو من أهل العلم، لكن لديه الجرأة على الفتيا في الدين، فيعمل أحيانًا على التوفيق أو التلفيق أو تتبع الرخص في المذاهب، ثم يفتي للناس بأمور بعيدة عن مناط الشارع الحكيم، اعتمادًا منه على قوالب الوعي أو اعتمادًا منه على أن الشخص السائل إنما يعتمد على المقولة الشائعة بأن السائل مذهبه مذهب مفتيه، وهنا قضية خطيرة، وإذا كان الإنسان عالمًا جامعًا لأدوات العلم المتعلق بالفتوى من فقه وأصول ولغة عربية ومقاصد ومعرفة بالمقالات وواقع، لكنه لا يكون خائفًا من الله تبارك وتعالى، مستحضرًا ربنا تبارك وتعالى فيما يمضيه من أحكام تتعلق بأحوال المكلفين والعلاقات التي تربطهم في تعاملاتهم مع ربهم أو مع غيرهم أو مع أنفسهم أو مع عناصر الكون، أدى ذلك إلى خلل في الفكر والسلوك، ومن ثم غياب ما يسمى بالأمن الفكري، الذي إذا غاب، غاب معه الخير.
وكانت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، قد أطلقت قناة الناس في شكلها الجديد، باستعراض مجموعة برامجها وخريطة الجديدة التي تبث على شاشتها خلال 2023.
وتبث قناة الناس عبر تردد 12054رأسي، عدة برامج للمرأة والطفل وبرامج دينية وشبابية وثقافية وتغطي كل مجالات الحياة.
اقرأ أيضاًنظير عياد: دار الإفتاء تمتلك خبرات واسعة في مجالات الفتوى وتصحيح المفاهيم المغلوطة
الدكتور نظير عياد: دار الإفتاء ستعمل بكل جِدٍّ للمشاركة في المبادرة الرئاسية لبناء الإنسان
نظير عياد يستقبل وزير الأوقاف السابق لتهنئته بتولي مهام منصب الإفتاء