الأسبوع:
2025-01-30@15:22:08 GMT

تربية الضمير

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

تربية الضمير

سَمِعَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - جَلَبَةَ خِصَامٍ عِنْدَ بَابِهِ، فَخَرَجَ عليهم فَقالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ، وإنَّه يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضًا أنْ يَكونَ أبْلَغَ مِن بَعْضٍ، أقْضِي له بذلكَ وأَحْسِبُ أنَّه صَادِقٌ، فمَن قَضَيْتُ له بحَقِّ مُسْلِمٍ فإنَّما هي قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أوْ لِيَدَعْهَا.

[رواه البخاري].

لقد حرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذين الخصمين الإيمان، وارتفع بهما إلى مستوى رائع من التربية الوجدانية، وبناء الضمير، فكانت هذه التربية حاجزا لهما عن الظلم والحرام.

والضمير هو قوة روحية تحكم مواقف الإنسان وتفكيره، وهو منحة من الله للإنسان يدله بها على الخير والشر، وفي شريعة الإسلام إلى جانب ما شرعته من أحكام وحدود وعقوبات، فإنها سعت لتربية الفرد المسلم على يقظة الضمير، والخوف من الله ومراقبته، حتى إذا غابت رقابة البشر، وهمت نفسه بالحرام والإفساد في الأرض تحرك ضميره الحي يصده عن كل ذلك، ويذكره بأن هناك من لا يغفل ولا ينام ولا ينسى.

إن المرء لينظر في حياة الناس فيجد عجباً: مشاكل وصراعات، وتهاجرا وقطع أرحام، وغمطا للحقوق، وتنكرا للمعروف على أتفه الأسباب، بل إنك تجد من يكون سببا في شقاء المجتمع، بسبب سوء أخلاقه وتصرفاته، فيستغل المواقف، ويتحين الفرص، ليشبع رغباته، ويحقق شهواته على حساب القيم والأخلاق والدين، ومصالح الآخرين، ومنافع العباد.

وما وصل الناس إلى هذه الأمور إلا بسبب غياب الضمير الذي يهذب الأخلاق، ويقوم اعوجاج السلوك، ويكون سببا في صلاح النيات، وقبول الأعمال، وكثرة العبادات والطاعات، بل إنه يورث الخوف من الله والخشية من عذابه وسخطه.

إن تربية الضمير وتقوية الوازع الديني في نفوس الناس فيه سعادة الأفراد والمجتمعات والدول، وبدونه لن يكون إلا مزيدا من الشقاء، مهما تطورت الأمم في قوانينها ودساتيرها، وطرق ضبطها للجرائم، وإدارة شؤون الناس، فإنه سيأتي يوم وتظهر ثغرات في هذه القوانين.

وبالتالي ما الذي يمنع الموظف أن يرتشي، والطبيب أن يهمل في علاج مريضه، والمعلم أن يقصر في واجبه، والقاضي أن يظلم في حكمه، والمرأة أن تفرط بواجبها، والتاجر من أن يغش، ويحتكر في تجارته.. إلى غير ذلك من المفاسد والموبقات؟.. لا شيئ أقوى من الضمير اليقظ الذى يستشعر به الإنسان رقابة الله له فى كل أفعاله وتصرفاته.

هذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في عام الرمادة، وقد اشتد بالمسلمين الفقر والجوع، جاءت تجارته من الشام ألف بعير محملة بالتمر والزيت والزبيب، فجاءه تجار المدينة، وقالوا له: تبيعنا ونزيدك الدرهم درهمين؟ فقال عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لهم: لقد بعتها بأكثر من هذا، فقالوا: نزيدك الدرهم بخمسة؟ فقال لهم عثمان - رضي الله عنه -: لقد زادني غيركم الدرهم بعشرة، فقالوا له: فمن الذي زادك؟ وليس في المدينة تجار غيرنا؟ فقال لهم عثمان - رضي الله عنه -: لقد بعتها لله ولرسوله، فهي لفقراء المسلمين.

ماذا لو لم يكن يحمل سيدنا عثمان بين جوانحه ضمير المؤمن الحي؟، لكانت هذه الفرصة لا تعوض ليربح أموالا طائلة، ولو كانت على حساب البطون الجائعة، والأجساد العارية، وآهات المرضى والثكالى، وهموم أصحاب الحاجات.

إن ضمير الإنسان إذا لم يكن موصولا بالله، فإنه سيأتي يوم ويعرض ذلك الضمير للبيع في سوق الحياة، وعندما يباع الضمير تهمل الواجبات، وتضيع الحقوق والأمانات، ويوسد الأمر إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتحاك المؤامرات، وتقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة، فلنحذر من الغفلة، وبيع ضمائرنا.

اللهم ارزقنا خشيتك في السر والعلن.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الضمير مقالات رضی الله عنه

إقرأ أيضاً:

لماذا خلق الله بعضنا فقراء وآخرون أغنياء؟.. الأطفال يسألون شيخ الأزهر بمعرض الكتاب

يقدِّم جناح الأزهر الشريف بمعرِض القاهرة الدولي للكتاب، في دورته الـ56 لزوَّاره كتاب «الأطفال يسألون الإمام.. الجزء الثاني»، والذي يشتمل على إجابات لـ 31 سؤالًا للأطفال، يجيب عليها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، من إصدارات سلسلة كتاب «نور».

وفي الجزء الثاني من الكتاب، يسأل الأطفال عن: لماذا خلق الله بعضنا فقراء وبعضنا أغنياء؟، ويجيب شيخ الأزهر بأنَّ التفاوت بين الناس في الأموال مهم جدًّا لتسير عجلة الحياة ويستمر العمران البشري، موضحا أن الغنى مجرد ليس كثرة المال فقط، كما أن الفقر ليس مجرد قلة المال فقط، فالغنى الحقيقي هو غنى النفس، فكم من غني هو من أفقر الناس نفسًا، وكم من فقير هو من أغنى الناس بقناعته ورضاه، كما أن الله تعالى وصف كل الناس بالفقر إليه سبحانه، قال عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: ١٥].

يُذكر أنَّ أسئلة كثيرة تدور في ذهن الأطفال الصغار لا يستطيع الكبار الإجابة عنها أحيانا ظنًّا منهم أنَّ تلك الأسئلة مسيئة للعقيدة ويطلبون من أطفالهم التوقف عن ذلك، لهذا جاءت فكرة هذا الكتاب الذي جمع أسئلة مهمة للأطفال ليجيب عنها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بنفسه، ليرشدهم ويعلمهم صحيح دينهم، وتكون رسالة تربويَّة لأولياء الأمور توجههم إلى أهمية الانتباه إلى أسئلة أبنائهم الصغار والإجابة عنها بعقل متفتح بل وتشجيعهم على التفكير والتدبر في أمور العقيدة وغيرها من الأمور الحياتية.

اقرأ أيضاًندوة حول «الأمن القومي للدولة.. المقومات والتحديات» على هامش معرض الكتاب

معرض الكتاب 2025.. الصالون الثقافي يحتفي بمئوية الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى

إقبال كبير على ندوة «الفتوى والدراما» للدكتور علي جمعة والفنان محمد صبحي بمعرض الكتاب

مقالات مشابهة

  • كيف كان النبي يستقبل شهر شعبان؟ أعمال مأثورة ومستحبة
  • المأثور عن النبي في شهر شعبان .. علي جمعة يوضح بالدليل
  • عالم أزهري يوضح لماذا يحب الناس زيارة آل البيت؟.. فيديو
  • سائق توصيل يجسد الكرم السعودي بمبادرة إنسانية للمحتاجين.. صورة
  • دار الإفتاء: بعد غد الجمعة أول أيام شهر شعبان 1446 هـ 2025 م
  • مصطفى ميرغني: أضغطوا أبنص قافل رحمكم الله ليقبر القحاتة إلى مالا نهاية
  • لماذا خلق الله بعضنا فقراء وآخرون أغنياء؟.. الأطفال يسألون شيخ الأزهر بمعرض الكتاب
  • نائب رئيس جامعة الأزهر: العداوة والبغضاء سبب عدم إقامة العدل والمساواة بين الناس
  • لماذا خلق الله البعض فقراء والآخر أغنياء؟.. الأطفال يسألون الإمام بمعرض الكتاب
  • عثمان جلال يكتب: وتتوالى بشارات معركة الكرامة