إيقاف وإنهاء الحرب ولكن كيف؟ (2-4)
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
د. شمس الدين خيال
المانيا، في 18.03.2024
1- في الجزء الأول من هذه الورقة تم تسليط الضوء علي ما استخلصته أبحاث السلام والصراع (Peace and Conflict Research) من سيناريوهات أساسية لإيقاف وانهاء الصراعات، وعلي ما يرتبط باليات ايقاف القتال مثل الهدنة والتجميد للحرب من اشكاليات. وتم تقديم بعض الامثلة لمجري الصراعات في الماضي وفي الحاضر، بما فيهم الصراع المسلح الجاري الآن في السودان بين "الجيشين الرسميين".
1- الدبلوماسية السياسية
2- ضغوطات الانهيار الاقتصادي، أو، والانفجارات الشعبية السياسية العريضة والقوية
3- الانتصار العسكري لإحدى الفريقين المتحاربين على الآخر
التي تبلورت عبر الصراعات المسلحة في تاريخ البشرية، محور الجزء الأول.
مقدمة
هذه الحرب الجارية في السودان تعتبر حربا غير كلاسيكية، بمعني أنها ليست حرب بين دولتين، أو بين سلطة مركزية ومجموعة سياسية مسلحة لها اهدف سياسية واجتماعية وحاضنة سياسية في المجتمع المدني. كما هو معلوم، حرب السودان القائمة هي حرب بين المنظومة الدفاعية والامنية بقيادة الجيش السوداني التقليدي وبين جيش قوات الدعم السريع. وتم تكوين قوات الدعم السريع من ميليشيات قبلية أثنية، والتي سميت ب"الجنجويد"، بموجب قانون دولة خاص بها، في ظل نظام دكتاتوري شمولي بايدلوجية ترتكز علي "الهوية الدينية الاسلامية والثقافية العربية الجماعية". طبقا للوضع القانوني القومي لقوات الدعم السريع، لا تفرق جميع الجهات الإقليمية والدولية ومجلس الأمن، والاتحاد الأفريقي، والايغاد والدول المجاورة بينها وبين الجيش. لذلك تتحدث هذه الجهات الفاعلة في مبادرات مشتركة لإيقاف وأنهاء الحرب عن "طرفي الصراع".
* تبعاً لطبيعة الحرب هذه، لا يمكن أن تكلل أي عملية دبلوماسية لإيقاف ولأنهاء الحرب في السودان بالنجاح، من غير فهم حقيقي لطبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وللداعمين لهم في الداخل، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب الي الآن. ويتم علي أساس هذا الفهم تنفيذ رؤية بخارطة طريق واضحة وواقعية متفق عليها بين قوي الثورة والتغيير الديموقراطي - وكل القوي المدنية المؤمنة بالانتقال السياسي الديمقراطي وتأسيس دولة سودانية ترتكز علي مبادئ المواطنة والقيم الإنسانية الكونية المتمثلة في الحرية والعدل والمساوة، وبناء جيش وطني واحد ذو عقيدة مهنية يخضع لسلطة مدنية، ليس له أي دور سياسي واقتصادي مدني.
1. طبيعة المنظومة الدفاعية والامنية والقناعات السياسية والاقتصادية للقيادات العليا
لفهم جزور الحرب القائمة، والتي تمثل استمرار للحروب الاهلية منذ الاستقلال، وتعتبر بذلك فقط "قمة جبل الثلج"، يجب معرفة أسباب تكوين هذا "الجبل الثلجي" – أي جزور استمرارية الحروب الاهلية المرتبطة ب"عسكرة" الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الدولة السودانية الحديثة (كما كان سائدا في أوربا من بداية القرن الثامن عشر الي قيام الحرب العالمية الاولي). حيث تقلب منذ الاستقلال السياسي في عام 1956، نظام الحكم ثمانية مرات من نظام مدني ديمقراطي الي نظام عسكري دكتاتوري شمولي. وجرت في هذه الفترة أربعة انقلابات عسكرية ناجحة، سميت ثلاثة منهم نفسها "ثورة" وسمي كل قائد لها نفسه "قائد ثورة" و"قائد وطني". بموجب هذه الانقلابات حكمت الانظمة العسكرية الدكتاتورية البلاد لمدة 55 عاما من عمر الدولة السودانية البالغ 68 عاما، وبلورت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشعب السوداني.
بعد ثلاثين عامًا من حكم نظام عسكري دكتاتوري شمولي عقائدي إسلاموي، كرس كل جهده لتسخير اقتصاد وثروات البلاد الطبيعية والبشرية لبسط سلطته السياسية والاقتصادية، وبعد أكثر من خمسة أعوام من سقوطه في 19 ديسمبر 2018، لازالت المنظومة الدفاعية والأمنية، بقيادة القيادات العليا للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، التي أدلجها وهيئها النظام الساقط لخدمة تمكينه السياسي، وبنفس الهياكل والقيادات تتحكم في مصير ما تبقي من الدولة السودانية، بعد انفصال الجنوب في يونيو 2011. وتتم ممارسة هذه السلطة المطلقة، ليس بتكليف شرعي، بل بقوة السلاح والهياكل الأمنية والمادية والتنظيمية السياسية الموروثة من النظام الساقط. وحتي خلال الحرب القائمة تتحكم المنظومة الدفاعية والأمنية، سواء أن كانت قيادات الجيش أو الدعم السريع، على مفاتيح السلطة السياسية والاقتصادية، وتعمل علي تعزيزها بخلق تحالفات سياسية وعسكرية مع مكونات سياسية مسلحة، أو مدنية جهوية واثنية وعشائرية، معظمها مرتبط بالنظام الساقط. ورغم أن المنظومة الدفاعية والامنية تمثل الاساس والمسبب للازمات المتعددة، التي تعيشها البلاد منذ الاستقلال، يظهر قادتها للشعب السوداني وللعالم الخارجي، علي انهم الجهة الوحيدة التي في استطاعتها الحفاظ على أمن ووحدة البلاد، وتحقيق الانتقال السياسي والاقتصادي، والسلام مع المجموعات السياسية المسلحة، التي حاربت النظام الساقط لعشرات السنين.
وبعد انقلاب 25 اكتوبر 2021 اتضح جليا ما راح له بعض المراقبين أن "انقلاب" قادة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع علي نظام البشير، لم يكن بدافع الانحياز للجماهير ولثورة ديسمبر، بل، وبعد أن وضحت حتمية سقوطه، مدفوع بالقناعات السياسية لدي القيادات العليا في القوات المسلحة، والمتمثلة في: أنهم الوريث الشرعي والطبيعي للنظام السابق، ومن واجبهم وأحقيتهم الوصاية على الدولة والشعب السوداني. في ذلك المضمار قال البرهان بحضور نائبه السابق في مجلس السيادة، وقائد قوات الدعم السريع في خطابه بمناسبة تخريج دفعة من "عسكر العمليات الخاصة" بمنطقة فتاشه العسكرية: "نحن أوصياء علي البلد دي". ومن أجل الحشد والتعبأة السياسية للحفاظ علي السلطة "الموروثة"، وضد السياسيين المدنيين الذين "يخططون" الي إنهاء هذا الوضع، يستغل القائد العام للقوات المسلحة ايضاً الحرب الجارية بينه وبين حليفه في الامس. حيث يصنف القوي المدنية الرافض للحرب، والمتمثلة في قوي الحرية والتغيير (قحت) وفي تنسيقة القوي الديموقراطية المدنية (تقدم) كحليف لقوات الدعم السريع في الحرب القائمة، ومسببا لها.
وكما معلوم، فإن مصدر دعاية تصنيف قوي الثورة والتغيير الديموقراطي كحاضنة سياسية لقادة قوات الدعم السريع، هو "معامل" الدعاية السياسية للقوى المعادية للانتقال السياسي الديموقراطي، والمتمثلة في فلول النظام الساقط داخل وخارج المنظومة الدفاعية والأمنية. وجاء ضمن حملة الدعاية لهذا التصنيف وصم قيادات الكيانات المنضوية تحت تحالف قحت بالخيانة الوطنية، والخروج عن الدين، وبذلك وجوب محاربتهم بموجب الشرع. في ذلك وضح أن الهدف الأساسي لهذا التصنيف والعداء لقوي التغيير الديموقراطي، هو تبرير الحرب على قوي الثورة المنظمة في الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية وفي لجان المقاومة، من اجل وئد ثورة ديسمبر والرجوع العلني للسلطة واحكام الهيمنة علي ثروات البلاد! في هذا المضمار صرح نائب القائد العام للجيش، الفريق أول ياسر العطا في 16 مارس في قاعدة عسكرية في أمدرمان، عند مخاطبته لقادة "تنسيقية القوى الوطنية"، التي تضم مجموعات سياسية وحركات سياسية مسلحة، كان لها موقف مؤيد لانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021، برئاسة مالك عقار، وتهدف الي دعم الجيش في الحرب الجارية عبر ما تسمي "المقاومة الشعبية"، بإن "الجيش لن يسلم السلطة إلى قوى سياسية مدنية دون انتخابات، أما فترة الانتقال فإن رأس الدولة فيها سيكون قائد القوات المسلحة".
1.1 منابع وخلفيات القناعات السياسية والاقتصادية للمنظومة الدفاعية والامنية
إرتباطاً بتجذر القناعات السياسية والاقتصادية للمنظومة الدفاعية والأمنية اكدت القيادات العسكرية والأمنية الحالية في ممارساتها الأمنية أو سلوكها السياسي، سواء ان كان تجاه المواطنين المشاركين في المواكب السلمية، أو تجاه الصحفيين والمبدعين والناقدين لها، أو تجاه شركائها المدنيين في قيادة الفترة الانتقالية، فقدها لأي قناعات بمبادئ حقوق الإنسان في حرية الرأي والتظاهر والتجمع، وبذلك بالديموقراطية كنظام حكم مدني. ويرجع فقد هذه القناعات، خصوصًا داخل القوات المسلحة، الي الادلجة السياسية التي مارستها الأحزاب العقائدية بين القيادات العليا في القوات المسلحة منذ نيل الاستقلال السياسي، والي هياكلها الإدارية، والي نشاطها الاقتصادي المتزايد وما يرتبط به من امتيازات مادية وخدمية، والي العلاقات والانتماءات المحورية الإقليمية والعالمية التي نمت وتثبتت خلال حكمها للبلاد. ولعب دورا اساسيا في بلورة هذه القناعات السياسية والاقتصادية: تنظيم الأخوان المسلمون ثم الجبهة الإسلامية، ونظام الإنقاذ بعد الاستيلاء علي السلطة في 30 يونيو 1989 ثم سلطة حزب المؤتمر الوطني بموجب مشروع "الدولة الاسلامية" على أساس "أسلمة" مؤسسات الدولة الدفاعية والامنية والمدنية.
ومن أهم مفاهيم الادلجة الإسلاموية للقوات المسلحة ولباقي المنظومة الأمنية مثلت – سياسة اعتماد عقيدة "الجهاد الاسلامي" و"الدفاع عن الإسلام" وعن "دولة الإسلام" ...الخ، كعقيدة عسكرية، بدلًا عن العقيدة الوطنية، وخوض الحروب ضد مواطنين الدولة علي اساسها، سواء ان كان في جنوب السودان أو دارفور وجبال النوبة، أو ضد السياسيين المدنيين المعارضين. "لأسلمة" المنظومة الدفاعية والأمنية أتبع نظام الإنقاذ سياسة توظيف الكوادر الإسلاموية وأتباعهم والمقربين منهم، خصوصاً في الرتب العليا، ومنح الحوافز المالية بسخاء وغيرها من الخدمات المالية والصحية والاجتماعية. ولتأمين واستدامة هذه الامتيازات توسع النظام الساقط في بناء المؤسسات الإنتاجية والتجارية والخدمية المدنية التابعة للمنظومة الدفاعية والأمنية. وقادت كل هذه الامتيازات الي نشؤ "مصلحة فئوية" لمنتسبي المنظومة الدفاعية والامنية، ينعكس في التوجهات والمواقف السياسية وفي الوضع والسلوك الاجتماعي، ايضاً للرتب الصغيرة.
1.2 أهداف سياسة المنظومة الدفاعية والأمنية
ارتباطًا بخلفية قناعات قادة المنظومة الدفاعية والأمنية وتوسع دور مؤسساتهم في سياسة واقتصاد البلاد، ووضع محتسبيها المادي والاجتماعي المتميز -خصوصاً في الرتب العليا، ومقارنةً بقطاعات الشعب الأخرى-، تهدف السياسة الداخلية والخارجية لقادتها، علي التصدي لإي سياسة أو مجموعة سياسية تهدف الي تغيير الهياكل الاقتصادية والادارية لمؤسساتها. تحديداً تحارب القيادات العليا في الجيش وفي المؤسسات الأمنية أي برنامج سياسي يهدف الي هيكلة المؤسسات الامنية، وإيلاء الشركات التجارية والصناعية المدنية التابعة لها لملكية الدولة ووضعها تحت ادارة ومراقبة مدنية. في هذا الصدد جاء الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021، لمنع تولي المكون المدني لرئاسة مجلس السيادة، حسب ما نصت عليه الوثيقة الدستورية، وتوقيف عمل لجنة تفكيك هياكل التمكين السياسي والاقتصادي التابعة للنظام الساقط وإرجاع الأموال المنهوبة الي خزينة الدولة. وقبل والانقلاب لم يظهر قادة المنظومة الدفاعية والأمنية جدية لإظهار الحقائق في مجزرة فض اعتصام القيادة، او في حوادث قتل المتظاهرين بعد الانقلاب. وينطبق هذا السلوك من قبل المسؤولين في المنظومة الدفاعية والامنية والعدلية طيلة الفترة الانتقالية وبعد انقلاب 25 اكتوبر علي ملف تسليم مطلوبي المحكمة الجنائية الدولية، الي أن تم اطلاق سراحهم عشية اندلاع الحرب الجارية.
اما خارجياً، فيبذل قادة الجيش منذ سقوط نظام الإنقاذ، خصوصاً في ظل الحرب القائمة، كل جهدهم للحفاظ علي التحالفات والعلاقات العسكرية التي بنها نظام الإنقاذ خلال عزلته العالمية، مع روسيا والصين وتركيا ومصر. وترتبط العلاقات مع هذه الدول بمصالح عسكرية واقتصادية متبادلة. حيث ينطلق قادة الجيش من تطابق للمصلحة، مع هذه الدول، في استمرارية دورهم السياسي والاقتصادي في السودان. وقبل اندلاع الحرب في الخرطوم كانت العلاقات العسكرية مع روسيا هي القناة الاساسية للحصول على السلاح والتدريب العسكري. ويمثل لها مشروع القاعدة البحرية الروسية علي ساحل البحر الأحمر ورقة ضغط مهمة علي الإدارة الأمريكية من أجل الوصول إلى تغير في سياستها الداعمة للتغيير السياسي الديمقراطي والمناهض لأي دور السياسي والاقتصادي لها في مستقبل السودان.
وبسبب ضغوطات المؤسسات الاممية والاتحاد الافريقي والاوربي والولايات المتحدة علي دول الإقليم والدول التي تربطها علاقات ومصالح عسكرية واقتصادية مع الفرقين المتحاربين بهدف الامتناع عن تقديم أي دعم عسكري لهم، كثفت حكومة الأمر الواقع مجهوداتها الدبلوماسية لإعادة العلاقات مع جمهورية ايران الاسلامية، بعد قطيعة دامت لأكثر من 8 اعوام. وتشير تقارير اعلامية خارجية وداخلية الي ارتباط هذا الحدث باستخدام مكثف لطائرات بدون طيار في المعارك الأخيرة من قبل الجيش. وتطمح ايران في تعزيز نفوزها في البحر الأحمر، بخلق تحالف جديد مع حكومة الأمر الواقع، بجانب تحالفها مع جماعة الحوثي في اليمن.
1.3 الاستقطاب السياسي في سياسة المنظومة الدفاعية والأمنية
منذ سقوط نظام الإنقاذ تستخدم المنظومة الدفاعية والأمنية هيمنتها علي إدارة الدولة سياسياً واقتصادياً في سياسية الاستقطاب التي تمارسها بين المجموعات المسلحة المنضوية تحت "اتفاقية سلام جوبا" من اجل تامين "حقها" في وراثة السلطة السياسية من النظام الساقط. وتشمل سياسة الاستقطاب زعماء العشائر والطرق الصوفية، والأحزاب السياسية التي كانت متوافقة ومتعاونة مع نظام الانقاذ، وشخصيات من التنظيمات والأحزاب السياسية الإسلامية، والرأسمالية المرتبطة أيضًا بالنظام السابق من أجل خلق مكون سياسي مدني موازي "لقوى الحرية والتغيير، المجلس المركزي"، و"تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية" (تقدم)، والتي تكونت بعد اندلاع الحرب. وبعد توقيع تقدم مع قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، في الثاني من يناير هذا العام على وثيقة تفاهم، عرفت بإعلان أديس أبابا، تستهدف ايقاف وإنهاء الحرب، جاء رد الفعل لذلك الحدث من مجموعات سياسية وحركات سياسية مسلحة، كان لها موقف مؤيد لانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021 بتكوين ما يسمي "تنسيقية القوى الوطنية"، برئاسة مالك عقار، تهدف الي دعم الجيش في الحرب الجارية عبر "المقاومة الشعبية". وحسب خبر نشر في جريدة الراكوبة الالكترونية في 13.03.2024، "..اعلنت أنها ستوقع ميثاق سياسي مع الجيش السوداني". وتعيد ظواهر الانشقاق بين القوي السياسية المدنية في ظل الحرب القائمة إلى الأذهان تشكيل "الكتلة الديمقراطية"، التي انشقت قبل انقلاب 25 اكتوبر عن قوى الحرية والتغيير، والتي انحازت حينها الي سلطة الانقلاب العسكري.
وقبل اندلاع الحرب الجارية بأيام قليلة، اعلنت القوى المعادية للانتقال السياسي المدني الديموقراطي بقيادة فلول النظام الساقط، "جهازيتها" بقوة السلاح لمنع تحقيق "الاتفاق الإطاري" الذي تم التوصل إليه بين قادة الجيش وقائد قوات الدعم السريع وقوي الحرية والتغيير. وفي أول يوم للحرب اعلنت هذه القوي مناصرتها ومساندتها للجيش. وتقدمت قوات الجيش علي جبهة القتال في الخرطوم الكتائب الإسلاموية المسلحة مثل "كتيبة البراء"، التي تضم المئات من مقاتلي الدفاع الشعبي (سابقا)، ويقوم ما تبقي من التنظيم الأمني لحزب المؤتمر الوطني، تحت شعارات الجهاد الاسلامي بتنظيم حملات تجنيد للشباب في ما تسمي "المقاومة الشعبية"، لإرسالهم الي الصفوف الامامية في جبهات الحرب. بينما ايضاً الي صفوف الجيش، عدد من كوادر "غاضبون بلا حدود"، الذين كان لهم تواجد بشكل قوي في الصفوف الأمامية للاحتجاجات الشعبية ضد نظام البشير، ولاحقا ضد الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021، وعرفت بتصديها لقوات الأمن والشرطة في خطوط التظاهر الأمامية.
وتعج وسائل التواصل الإجتماعي بأدلة كافية على التعاون والتداخل بين تلك المجموعات السياسية الداعمة للحرب وبين قيادات القوات المسلحة. وبعد خروج البرهان من الخرطوم، تقدم بالشكر الي الذين "وقفوا" مع الجيش، حسب تصريحه! وتجاه قرار مجلس الأمن في مطالبته للفرقين المتحاربين بإيقاف الحرب في شهر رمضان، أعلن أمين عام "الحركة الإسلامية" في السودان علي أحمد كرتي، رفضه القاطع لهذا القرار ولأي هدنة للقتال. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت علي أحمد كرتي المطلوب للعدالة في السودان في قائمة الأشخاص والكيانات التي تعوق مسيرة الحل السلمي في السودان، ما يعني وجود ادلة كافية وقناعة دولية بشأن تورط الإسلاميين في الحرب التي قتلت أكثر من 9 آلاف شخص مدني، وشردت ما يزيد عن 7.4 مليون مواطنة ومواطن سوداني.
2. طبيعة قوات الدعم السريع وجزور القناعات والطموحات السياسية والاقتصادية لقادتها
الخلفية السياسية لنشؤ ولتطور الدور العسكري الأمني لقوات الدعم السريع تمثل الاساس لنشؤ ولتعميق طموحات قادتها في لعب دور سياسي واقتصادي، كبقية مؤسسات وقادة المنظومة الدفاعية والامنية. وتم تكوين قوات الدعم السريع في عام 2013 كحرس حدود مع ليبيا ومصر، بقرار رئيس النظام عمر البشير. وقبل تكوينها كمؤسسة أمنية لحراسة الحدود، نشأت قوات الدعم السريع كميلشيات قبلية اثنيه تحت مسمى "الجنجويد"، تحت مظلة "جهاز الامن والمخابرات" وتحت ائتمار رئيس الدولة، عمر البشير، كوحدة قتالية لدعم القوات المسلحة في حربها ضد الحركات السياسية المسلحة في دارفور وفي جبال النوبة والنيل الأزرق. تابعاً لمصادر داخلية وخارجية، لعبت هذه القوات في دورها العسكري في الحرب في دارفور دورًا أساسيًا في الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الذي جري ضد المجموعات الاثنية الداعمة للحركات السياسية المسلحة. ومع الوقت شرع البشير في تطوير قوات الدعم السريع كثقل معاكس للقوات المسلحة، ووضعها تحت قيادته الشخصية المباشرة. وهدف بذلك قفل الطريق أمام أي محاولات انقلابية ضده من داخل القوات المسلحة، وذلك لأن البشير كعسكري -وصل الي السلطة عبر انقلاب عسكري- يعرف ويخشي القناعات والطموحات السياسية الشخصية السائدة بين القيادات العليا في الجيش، خصوصا في ظرف تواجد ولاءات وتوجهات اسلاموية معارضة لخطه السياسي.
وفي عام 2015 أضيفت إلى مهامها مهمة الحد من الهجرة الغير الشرعية الي أوروبا عبر الحدود السودانية. وفي اتجاه المجتمع الدولي، وخصوصاً للدول الأوربية تقدم قيادة الدعم السريع، كجزء شرعي من المنظومة الأمنية، نفسها كقوي حليفة وقادرة للحد من "تجارة البشر" المرتبطة بالهجرة الغير شرعية، وتوقيف تدفقات اللاجئين الى أوربا عبر الأراضي السودانية. إرتباطاً بهذا الدور، كان قد أعلن قائدها حمدتي، في عدة مناسبات، آن قواته تحارب توقف المهاجرين عبر الحدود، وزعما انه يتحصل مقابل ذلك دعم مالي من أوربا! لكن نفيت سلطات الاتحاد الاوروبي في بروكسل هذه المزاعم! وتوسعت دائرة نشاطها العسكري الي خارج الحدود السودانية بمشاركتها في الصفوف الأولي في الحرب الأهلية في اليمن. وفتحت لها هذه المشاركة نوافذ للتعاون العسكري والاقتصادي، وبناء علاقات سياسية إقليمية وعالمية. وكسبت مالًا عبر إرسال آلاف من الجنود كمرتزقة في حرب اليمن وفي ليبيا! الأمر الذي رفع من مقدراتها المالية والعسكرية، واكسبها بذلك استقلالية متزايدة عن منظومة الدولة الأمنية وعن أجهزة الدولة الأخرى.
بدافع تقليل هذه الاستقلالية وتحجيم قواها العسكرية والاقتصادية، ووضع حداً للتجاوزات الأمنية لمحتسبيها في مناطق تواجدها، وارتباطا بتزايد الضغط العالمي علي نظام الإنقاذ المتمثل في قرارات محكمة الجنايات الدولية في طلب مثول رأس الدولة الجنرال عمر البشير وبعض رموز نظام حزب المؤتمر الوطني، اصدر برلمان النظام الساقط في يناير 2017 قانون يلزم تبعيتها للقوات المسلحة، وائتمارها بأمر قائد القوات المسلحة. ولم يلاقي هذا القانون قبول من قيادة قوات الدعم السريع، التي تمددت وبنيت سياساتها التجنيدية والتحفيزية والتحالفية وهياكلها السياسية والاقتصادية على الوضع المستقل لتنظيمها ولعملها. وبعد حوالي أقل من شهرين من "مجزرة فض اعتصام القيادة العامة" في 3 يونيو 2019، أقر الجنرال عبد الفتاح البرهان في 30 يوليو2019 إلغاء المادة 15 من "قانون قوات الدعم السريع"، التي تحدد تبعيتها للقوات المسلحة. وتم ذلك الإجراء من غير تسمية أسباب عسكرية أو سياسية تعلل ذلك. وبرهن قيام الانقلاب العسكري في 25 اكتوبر 2021 ودور قوات الدعم السريع فيه، ما راح له بعض المراقبون، في أن هذا الاجراء تم تلبية لرغبة قائد الدعم السريع في ارجاع الوضع المستقل لقواته، واراد قائد الجيش به كسب ولاء ودعم قائد الدعم السريع لتطلعاته في حكم البلاد.
طبقا لهذا الوضع القانوني لقوات الدعم السريع لذلك تتحدث اليوم الجهات الفاعلة في مبادرات مشتركة لإيقاف وأنهاء الحرب عن "طرفي الصراع". وقبل قيام الحرب كان قائد الفريق أول محمد حمدان دقلو يقوم بطرقية رسمية برحلات دبلوماسية في الخارج، اخرها وابرزها رحلته بصحبة وزير مالية حكومة الأمر الواقع، جبريل ابراهيم الي روسيا، بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأيام قليلة. وبموجب مبادئ القانون الدولي الإنساني وفق معاهدات جنيف وقعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مع قوات الدعم السريع في منتصف ديسمبر في العام الماضي، مذكرة شراكة، بحضور قائدها و نائب رئيس مجلس السيادة.
وفي ظل الحرب القائمة تتعامل المؤسسات الاممية والاقليمية، والمجتمع الدولي عامة مع الدعم السريع كمؤسسة سودانية قومية، اسوة بالجيش. كذلك فتحت لها المشاركة والتعاون العسكري والاقتصادي، وبناء علاقات سياسية إقليمية وعالمية، كسب المال عبر إرسال آلاف من الجنود كمرتزقة في حرب اليمن وفي ليبيا امكانيات كبيرة لرفع مقدراتها العسكرية، والتي خلقت الفرق في الحرب الجارية، بينها وبين الجيش. وتشير تقارير اعلامية خارجية وداخلية الي استمرار التعاون العسكري بينها وبين الجيش الوطني الليبي والإمارات العربية المتحدة، ومجموعة فاغنر الروسية. واتهم الفريق ياسر العطا في تصريح له دولة الإمارات العربية بأرسل إمدادات عسكرية لها عبر أوغندا وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد، وشمل الاتهام ايضاً دولة جنوب السودان واثيوبية. ومن المعلوم، ان "الجبهة الثالثة (تمازج)" و"قوات درع السودان" كانت قد انخرطت مبكرا في الحرب الي جانب قوات الدعم السريع.
2.1 منابع وخلفيات القناعات السياسية والاقتصادية لقوات الدعم السريع
كما تم إيضاحه اعلاه، فإن، وبعكس مؤسسة "قوات الشعب المسلحة" التي تأسست ونشئت علي هدف حماية أرض الوطن وعلي مبادئ مهنية، تكونت قوات الدعم السريع كميلشيات من قبل نظام المؤتمر الوطني من اجل دعم ومساندة الجيش في حربه ضد المجموعات المعارضة والمسلحة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. وتم علي ارضية النزاعات القائمة بين المجموعات الاثنية في دارفور على الأرض والمراعي، استقطاب مجموعات قبيلة اثنية بعينها علي نهج "سياسة الهوية القبلية الاثنية الجماعية". وتم هذا الاستقطاب تحت استقلالية إدارية عن المنظومة الدفاعية والأمنية، وبموجب تقديم امتيازات مادية وتمليك للأراضي وتوزيع عريض للسلاح. وتمددت هذه الامتيازات مع الوقت لتشمل امتيازات في التعدين، وفي تجارة الحدود مع الدول المجاورة، وفي التجارة الخارجية والداخلية. ومع الوقت امتدا عمل مؤسسة الدعم السريع، مثلها مثل القوات المسلحة، الي قطاع استخراج وتجارة الذهب.
حيث تملك قوات الدعم السريع عبر شركة الجنيد و GSK أثنين من أكبر الشركات القابضة في السودان. ويغطي عمل الشركات التابعة لها المجالات الآتية: استخراج وبيع الذهب، ومجال البناء والتشييد، مجال التقنيات الإلكترونية المختلفة (IT Sector)، مجال تجارة المحاصيل، مجال السياحة والفنادق. وحسب بحث مشترك قامت به The New Zurich Times واخرين، عملت شركة أمنية خاصة تتبع لقوات الدعم السريع، حتي بعد اندلاع الحرب في الخرطوم، بحراسة مباني سفارات أوربية، مثل السفارة الألمانية والسويسرية والسويدية والنرويجية، ومنظمات تنموية وإغاثية أوروبية، بما فيهم German Society for International Cooperation (GIZ). وتقوم هذه الشركات المختلفة بتنفيذ مشاريع وأعمال لبعضها، أو لشركات وأفراد آخرين، (وقد أكد تسريب في نهاية العام الماضي من بنك السودان المركزي هذه المعلومات). واعتمد مجلس الاتحاد الأوروبي في قائمة الحظر الاقتصادي ثلاث شركات تنشط في شراء معدات عسكرية لقوات الدعم السريع وهي شركة (الجنيد المتعددة للأنشطة المحدودة، وتراديف للتجارة العامة، وجي أس كيه أدفانس كومباني ليمتد. وادرجت وزارة الخزانة الأمريكية والحكومة البريطانية شركتين مرتبطتين ايضاً بقوات الدعم السريع إحداهما تعمل في تعدين الذهب، في قائمة الحظر والمقاطعة الاقتصادية.
ارتباطا بتلك الخلفيات لنشؤ ولتطور قوات الدعم السريع كقوي عسكرية وسياسية واقتصادية، تكونت عند قادتها قناعات بانها تملك الحق والإمكانيات لتكون لاعبا مهما في الحياة السياسية والاقتصادية في سودان ما بعد سقوط نظام حزب المؤتمر الوطني. لتحقيق هذه القناعات والطموحات السياسية والاقتصادية يلعب هدف الحفاظ علي "الوضع المستقل"، الذي اكتسبته بموجب طبيعتها كميليشيا قبلية اثنية والأدوار التي كانت تقوم بها تحت نظام الانقاذ دوراً اساسياً في الموقف السياسي لقياداتها، قبل وبعد الحرب. حيث يعني دمجها تحت قيادة موحدة للقوات المسلحة السودانية: فقدانها لقاعدة سلطتها السياسية والاقتصادية. وتتمثل الاساسيات السياسية والاقتصادية، التي تريد قيادة قوات الدعم السريع الحفاظ عليها: الحق في استقلالية كاملة لإدارتها، واختيار منسوبيها وطريقة عملها الميداني وتحالفاتها وعملها خارج الحدود السودانية، واقتناء السلاح والتعاون العسكري الخارجي، والحق في النشاط الاقتصادي خصوصاً في مجال التعدين، والحق في إنشاء مؤسسات اقتصادية خاصة بها، والحق في الميزانية المنفصلة عن وزارة الدفاع. وتمثل كل هذه الاساسيات الادارية والسياسية والاقتصادية والمالية القواعد الاساسية لجاذبية هيكل مرتبات قوات الدعم السريع علي مستوي الرتب المتوسطة والدنيا، -بالمقارنةً بهيكل رواتب الجيش-، وبذلك مقدرتها علي جذب الشباب، ومستخدمين في الجيش وفي مؤسسات المنظومة الأمنية للعمل في صفوفها.
الآن، وبعد عشرة اعوام من تكوينها كميليشيا قبلية اثنية، وتطورها الي "جيش ثاني" بموجب قانون خاصاً بها، استطاع قائد قوات الدعم السريع، الجنرال محمد حمدان دقلو، من الصعود الى لاعب سياسي واقتصادي مؤثر في الدولة السودانية، وفي مستقبلها.
خلاصة
كما معلوم، نفذ طرفي الحرب القائمة انقلابا في 25 اكتوبر 2021 علي الحكومة المدنية الانتقالية، أدا إلى خروج المرحلة الانتقالية عن مسارها بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في عام 2019. وهدف الانقلاب الي وئد ثورة ديسمبر والانفراد بالسلطة السياسية والتحكم في ثروات البلاد. وفشلت سلطة الانقلاب طيلة الوقت في تكوين حكومة لتسير دولاب الدولة، وفي نيل الاعتراف الشعبي والاممي والاقليمي والدولي بسلطتها. وفي منتصف أبريل 2023 اندلعت الحرب الجارية بين "حليفي الامس" في ظل توترات بشأن خطة لاستأنف الانتقال السياسي إلى حكم مدني ودمج قوات الدعم السريع في القوات النظامية. وبينما يحارب قادة الجيش في هذه الحرب من اجل ورثة السلطة السياسية والحفاظ علي تحكمهم – الذي يقدر ب 80% - في ثروات واقتصاد البلاد بشراكة مع ما تبقي من شبكة مجموعات وافراد تربطها علاقات بسلطة النظام الساقط،، تحارب قوات الدعم السريع علي حسابها الخاص من اجل البقاء والحفاظ علي مكتسباتها السياسية والاقتصادية.
بغض النظر عن الاجابة علي سؤال: من المعتدي ومن المدافع، يعرف كلاً من الجانبين، الذي بداء الحرب والذي أجبر على الدفاع، آن الهزيمة في الميدان تعني نهاية الوجود الفيزيائي في اسوأ الحالات، ونهاية السلط السياسية والاقتصادية في أحسن الحالات! تبعاً لهذا التصور عند قادة الفريقين، يتزايد مع كل يوما جديد للحرب، العداء الشخصي بينهم، وتتزايد رغبات الثأر وافناء الاخر! إرتباطاً بهذه الحالة النفسية لكلا من القائدين وإتباعهم يمثل الحفاظ على القوي العسكرية والسلطة السياسية من أجل البقاء في الحياة والإفلات من المحاسبة، هدفا اساسيا. ارتباطا بذلك يسعي كلاهما لتوجيه العاطفة وتأطير الوعي الجمعي لخدمة مصالحه الخاصة والافلات من المساءلة على الجرائم المرتكبة خلال ثورة ديسمبر وعبر العقود الماضية، على أسوأ الفروض، والحفاظ على السلطة والثروة المنهوبة في أحسن الأحوال. وكلما كانت السيطرة السياسية والعسكرية على الارض عالية، كلما زادت فرصة تحقيق هذه الأهداف!
تبعاً لما تم سرده هنا عن طبيعة الجيشين الرسميين المتحاربين وعوامل واهداف الحفاظ علي الدور السياسي والاقتصادي لهم في الدولة، ولأسباب حدوث واستمرار الحرب الي الآن، يحتاج نجاح أي عملية دبلوماسية وسياسية لإيقاف وانهاء الحرب حزم للكل المبادرات الاممية والاقليمية والدولية في رؤية موحدة وفي منبر واحد، تتكثف خلاله كل الضغوطات السياسية والاقتصادية والقانونية لأجبار الطرفين علي إيقاف وانهاء الحرب، وقبول عملية سياسية تفضي الي قيام حكم مدني انتقالي وبناء جيش وطني واحد يعمل تحت ائتمار سلطة مدنية.
في الجزء الثالث والرابع والاخير من هذه الورقة سوف يتم التعرض للأوضاع العسكرية للفريقين، وللتداعيات الإنسانية والاقتصادية، التي افرزتها الحرب خلال 11 شهرا، وللتدخلات الخارجية لإيقاف القتال، ودورها كعوامل وشروط أساسية للوصول الي إيقاف وانهاء دائم للحرب.
shamis.khayal@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: قائد قوات الدعم السریع قوات الدعم السریع فی السیاسی والاقتصادی لقوات الدعم السریع الدولة السودانیة الانقلاب العسکری السلطة السیاسیة الحریة والتغییر المؤتمر الوطنی للقوات المسلحة القوات المسلحة الحرب القائمة الحرب الجاریة اندلاع الحرب نظام الإنقاذ ثورة دیسمبر عمر البشیر الحفاظ علی المسلحة فی قادة الجیش فی السودان فی دارفور الحرب فی الجیش فی فی الحرب من أجل فی حرب فی عام من اجل
إقرأ أيضاً:
شهادات حية يرويها المتضررون.. كارثة إنسانية فى السودان بعد عامين على الحرب.. ميليشيات الدعم السريع ارتكبت إبادة جماعية ضد مجتمع المساليت فى دارفور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
منذ يومين، مر عامان على الصراع فى السودان الذى بدأ فى ١٥ أبريل ٢٠٢٣، وبحسب الأمم المتحدة، فإن البلاد تشهد أكبر أزمة إنسانية فى العالم. خلفت الحرب فى السودان آلاف الضحايا و«١٣ مليون نازح ولاجئ»، ونصف سكان البلاد فى حاجة إلى مساعدات، بحسب مسئول فى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين. كما ارتكبت ميليشيات الدعم السريع إبادة جماعية خلال هذا الصراع ضد مجتمع المساليت فى دارفور.. بعد عامين فقط من اندلاع الحرب، تسلط إذاعة فرنسا الدولية الضوء، من خلال شهادات حية يرويها أبناء السودان لعدد من مراسلى الإذاعة، حول معاناتهم من هذه الحرب التى يكاد أن ينساها العالم تدريجياً.
وصلت رادا آدم عبدالرحمن مطر إلى أدري، على الجانب التشادى من الحدود، إلى مركز الإسعافات الأولية التابع للصليب الأحمر. وبعد أن غادرت نيالا، عاصمة جنوب دارفور على الجانب السوداني، قبل ثلاثة أيام، أصبحت مرهقة للغاية. وتقول إنها لم يكن أمامها خيار سوى الفرار وتضيف "الحرب لن تتوقف فأجبرنا على الرحيل. وبعد ذلك نشعر بالجوع، ونعانى كثيرًا بسببه. ليس لدى أطفالى ما يأكلونه. ولم نعد نتلقى أى أموال. هذه هى الأسباب التى دفعتنا إلى مغادرة البلاد. فى كثير من الأحيان، لا نأكل أى شيء طوال اليوم، ومن الممكن أن نستمر لمدة تصل إلى يومين أو ثلاثة أيام دون أن نأكل أى شيء. المجاعة منتشرة فى جميع أنحاء السودان وذلك بسبب الحرب".
نعمت هارون خميس محمد، ٢٦ سنة ولديها أربعة أطفال، وهى أيضاً من نيالا. لقد عبرت الحدود فى نفس الوقت مع رادا. تقصفنا طائرات الدعم السريع. غالبًا ما يحدث هذا فى منتصف الليل وأنت نائم، وعندما تستيقظ تكتشف من قُصف أثناء نومك. قصفٌ أودى بحياة عمتى وأطفالها الستة فى منزلهم".. وعلى مدار العام الماضي، يسافر محمود محمد بحري، وهو تشادى يبلغ من العمر ٥٦ عامًا، ذهابًا وإيابًا بين مدينتى الحدود: أدري، على الجانب التشادي، وأدينكون، على الجانب السوداني. هو من أحضر المرأتين على عربته كما أحضر الكثير من اللاجئين. وقد شهد وصول العديد منهم خلال الاثنى عشر شهرًا الماضية. يقول سائق العربة: "إنهم مفلسون. وضعهم مأساوي. لم يأكل بعض الناس شيئًا لمدة يومين أو ثلاثة أيام. إنهم جائعون جدًا لدرجة أنهم مستعدون لتناول أى شيء".
فى الأشهر الأخيرة، أدى التحول فى ميزان القوى بين المعسكرين إلى تحول الصراع، وفرض الجيش السودانى نفسه أواخر عام ٢٠٢٤ فى وسط البلاد. وحرر ولاية سنار، ثم الجزيرة، وأخيراً (فى نهاية مارس الماضى) العاصمة الخرطوم. فى قلب المدينة، أصبح القصر الرئاسى الآن تحت سيطرة الجيش. وكان من المقرر أن تعلن ميليشيا الدعم السريع وحلفاؤها عن تشكيل حكومتهم الموازية من هذا المبنى الرمزى للغاية، ولكنهم فوجئوا بالأمر.
بعد عامين من الحصار، كان رحيل قوات الدعم السريع بمثابة ارتياح لكثير من سكان العاصمة. تقول هناء، وهى شابة من أم درمان "لقد كان خبرًا رائعًا! استيقظنا ذات صباح وكان الجميع من حولنا يصرخون: هل سمعتم ذلك؟ لقد رحل رجال الدعم السريع!"، وتشرح كيف أطلق أفراد من القوات شبه العسكرية النار على حيّها، فدمروا المنازل والمدارس ومركزًا صحيًا. وتضيف: "خرجت أنا وأصدقائى للاحتفال فى الشارع . لقد مر وقت طويل لا أستطيع فيه الخروج"!.
وتقول دعاء، وهى أم شابة تعيش فى شرق العاصمة: "إن الأحياء التى احتلتها القوات شبه العسكرية فى الخرطوم هى التى عانى السكان منها أكثر من غيرها". وأضافت وهى تشعر بالارتياح: "فى السابق، كان من الممكن أن تُختطف المرأة، وكانت النساء دائمًا عرضة للاغتصاب. أما الآن، فيمكننا النوم بسلام، ويمكننى الخروج وشراء ما أتناوله". وتواصل "يمكنك أن تتخيل أن طفلى لم يشرب الحليب أو عصير الفاكهة أبدًا، لم نكن نعيش، بل كنا ننجو!".. هذه الشابة، التى تعمل فى مطبخ مجتمعى (مطابخ أُنشئت بأموال أرسلها المغتربون)، تُعرب عن أسفها للوضع الإنساني. وتضيف: "اليوم، نرى شبابًا فى الثلاثينيات من عمرهم يبدون وكأنهم فى الخمسينيات. إنهم نحيفون، مُرهقون، شاحبون، مجرد جلد وعظام.. لقد عشنا فى جو من الخوف الدائم، وهذا واضح على وجوه الجميع".
مدثر، مصور شاب، يرثى حالة العاصمة. يقول إن منطقة وسط المدينة، حيث يقع متجره، كان أشبه بمدينة أشباح: "لا أحد فى الشوارع، والأبواب مفتوحة على مصراعيها، والمبانى خالية تمامًا. نما النبات فى كل مكان، على الطرقات، وعلى الأسطح. أما المبانى المهمة أو التاريخية، فيتحسر قائلًا: لقد احترقت، ولم يبقَ شيء فى داخلها مثل المتحف الوطنى الذى تم نهبه وكان يضم أشياء لا يمكن تعويضها".
واعترفت قوات الدعم السريع مؤخراً ليس بسحب قواتها بل "بإعادة انتشارها"، وذلك بعد هزيمتهم فى العاصمة. لكن القتال يتركز حول مدينة الفاشر فى شمال دارفور. أغلبية أفراد قوات الدعم السريع الذين انسحبوا من الخرطوم ينتشرون فى هذه المنطقة. كما استهدفت البلدات المحيطة بالمدينة بقصف عنيف. وأعلنت قوات الدعم السريع الخميس الماضى سيطرتها على مدينة أم كدادة، التى تقع على بعد نحو ١٨٠ كيلومترا شرق الفاشر. وفى الأسبوع الماضي، أدت تفجيرات سوق نيفاشا ومعسكر أبو شوك إلى مقتل ٢٥ مدنياً وإصابة العشرات. لكن الفاشر لا تزال صامدة فى وجه هذه الميليشيات.
وتسيطر هذه القوات على بقية دارفور. وتعتبر مدينة الفاشر التى يحاولون السيطرة عليها منذ عام، آخر منطقة فى المنطقة لا تزال بعيدة عن متناولهم. وهى أكبر مدينة فى دارفور، بالنظر إلى مساحتها وعدد سكانها، فضلاً عن عدد النازحين الذين يعيشون فى المخيمات المحيطة بها منذ حرب عام ٢٠٠٣. أعلنت القوات شبه العسكرية، الأحد الماضى، سيطرتها على مخيم زمزم، أكبر مخيم للنازحين فى السودان. وبحسب عدد من المنظمات غير الحكومية، فإنه منذ ١١ أبريل، يصل ٢٠ ألف شخص يوميا إلى طويلة، وهى بلدة تقع على بعد نحو ٧٠ كيلومترا من زمزم. ولجأ آخرون إلى مدينة الفاشر الأقرب. وبحسب المنظمات الدولية فإن المخيم أصبح خالياً تماما من سكانه.
يقول عبد الكريم يحيى، أحد النازحين من زمزم: "بعد الهجمات الأخيرة، تدهور الوضع فى زمزم بشكل كبير. وتدهورت الحالة الطبية أيضًا. أما بالنسبة للمنتجات الغذائية فقد أصبحت نادرة. كل هذا بسبب حصار زمزم والفاشر الذى لا يسمح بنقل هذه المنتجات إلى المعسكر". يتابع قائلًا: "أصبحت الحياة صعبة، لأن قوات الدعم السريع أغلقت جميع مداخل المخيم وتمنع دخول المواد الغذائية. تعرضت القرى المحيطة بزمزم، والتى يزيد عددها عن ٧٠ قرية، للنهب والحرق على يد قوات الدعم السريع. فرّ سكانها. بعضهم جاء إلى زمزم، والبعض الآخر إلى الطويلة".
مرة أخرى تهدد قوات الدعم السريع وحلفاؤها بالاستيلاء على الفاشر، كما تزايدت دعواتهم لسكان المدينة بالبحث عن ملجأ فى أماكن أخرى. ويترافق ذلك مع تزايد عمليات القصف باستخدام المدفعية الثقيلة أو الطائرات المسيرة. وتتعالى الدعوات إلى ضمان توفير ممرات آمنة للمدنيين الذين يغادرون المدينة. والحال نفسه ينطبق على سكان مخيم زمزم وسكان أبو شوك.
ويتسم الصراع الذى اجتاح السودان بالعنف الشديد. فى ٧ يناير ٢٠٢٥، اتهمت واشنطن قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية فى دارفور. وتتكون هذه الميليشيات فى معظمها من أفراد القبائل العربية من غرب السودان، وهى ورثة الجنجويد الذين زرعوا الرعب فى دارفور منذ عام ٢٠٠٣ لمواجهة ظهور الجماعات المتمردة. وتتهم الولايات المتحدة هذه الأطراف بأنها "قامت، فى هذه الحرب الجديدة، بقتل الرجال والفتيان - وحتى الرضع - على أساس عرقى بشكل منهجي"، ولكنها تتهمها أيضاً بأنها "استهدفت عمداً النساء والفتيات من مجموعات عرقية معينة بالاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسى الوحشي". وتابعت وزارة الخارجية الأمريكية: "إن هذه الميليشيات نفسها استهدفت المدنيين الفارين، وقتلت الأبرياء الذين يسعون إلى الفرار من الصراع، ومنعت المدنيين المتبقين من الوصول إلى الإمدادات الحيوية ".
روضة عبد السلام، ٤٤ عاماً، من مدينة الجنينة فى دارفور. تعيش فى مخيم جوروم بالقرب من جوبا، عاصمة جنوب السودان. لقد شهدت هذا العنف فى غرب بلادها. منذ عام ٢٠٠٣، تمكنت من البقاء على قيد الحياة على الرغم من التهديد المستمر من قبل الميليشيات الجنجويد. لكن عندما اندلعت الحرب فى أبريل ٢٠٢٣، ازداد عنف ورثتهم، قوات الدعم السريع، عشرة أضعاف، وتقول: "ما دفعنى للرحيل هو أن قوات الدعم السريع تقتل الرجال والأطفال، وتغتصب النساء. يغتصبونك أمام زوجك، ثم يضربونه ويقتلونه أمامك. وإذا كان لديك طفل ذكر، يقتلونه. حتى لو كان رضيعًا ما زلت ترضعينه، يقتلونه. أصبحت الحياة جحيمًا مع هذه الحرب. يضربونك ويمكنهم فعل ما يحلو لهم بك. أنت لست آمنًا فى أى مكان. لهذا السبب غادرت". لا تزال صور العنف تطاردها، وخاصة صور اغتيال حاكم غرب دارفور خميس عبد الله فى يونيو ٢٠٢٣. وكان قد أدان آنذاك الإبادة الجماعية. وأدى ذلك إلى اختطافه وقتله بالرصاص على يد قوات الدعم السريع، وتشويه جثته وسحلها فى شوارع الجنينة.
ولا تزال ذكريات هذه المجازر واستهداف المساليت تطارد مخيمات اللاجئين الواقعة فى شرق تشاد. إن قصص الفرار من دارفور مروعة. فايزة خاطر، ٢٠ عامًا، ولدت أيضًا فى الجنينة. وصلت فى عام ٢٠٢٣ إلى مخيم أدرى فى تشاد. تقول "غادرنا منازلنا، وجئنا سيرًا على الأقدام. مشينا ليومين للوصول إلى أدينكون، قبل أدرى مباشرةً.. كان هناك نهب على الطريق. يُقتل الناس، حتى الأطفال. رأيتُ ذلك بأم عيني. هؤلاء هم الجنجويد الجدد. يغتصبون فى شوارع السودان. بدأوا بالإبادة العرقية. سألوا عن عرقنا. على سبيل المثال، إذا كنتَ من المساليت، تُعامل معاملة قاسية. لم يُؤذَنى أحد، لكن الكثيرين عانوا. كثيرًا ما نفكر فى الحرب، رأينا الدماء تسيل، كثيرًا ما نفكر فى ذلك".
وقد أدى هذا السياق من الحرب والمجازر ضد المدنيين إلى إرباك اقتصاد البلاد وخلق حالة غذائية مثيرة للقلق بشكل خاص. وبحسب منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، فإن ما يقرب من نصف السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائى الحاد. وتقدر المنظمة الأممية أنه سيكون من الضرورى هذا العام استيراد ٢.٧ مليون طن من الحبوب (القمح فى الغالب) لتغطية احتياجات الاستهلاك المحلي. وفى حين من المتوقع أن تكون المحاصيل القادمة، وخاصة الذرة الرفيعة، أفضل هذا العام، فإن قنوات التوزيع تعطلت بسبب الصراع المستمر.
وعلى أرض الواقع، فإن القتال والتدمير والسيطرة على الأراضى الصالحة للزراعة تمنع المزارعين من زراعة أراضيهم. وهذا هو الحال فى دارفور وكردفان، وخاصة فى ولاية الجزيرة، سلة الخبز فى البلاد. ولم تسلم من هذا الدمار الذى خلفته الميليشيات المستودعات والمختبرات وبنوك البذور والمعاهد الزراعية فى الخرطوم وود مدني، بحسب دراسة مفصلة أجراها مركز الأبحاث الهولندى كلينجندايل.
وأوضحت منظمة الأغذية والزراعة أن الصراع ألحق أضراراً بالغة بالبنية التحتية، وخاصة الطرق، مما أدى إلى تعطيل سلاسل التوريد. هناك عقبة أخرى: الحواجز و"القواعد" على الطرق التى تتغير باستمرار. ويقول أحد سائقى الشاحنات إن سير شاحنة محملة بالبضائع من بورتسودان إلى غرب دارفور قد يستغرق شهراً، حيث تمر عبر ٢٥ نقطة تفتيش.
ويضاف إلى ذلك القيود المالية، إذ تؤدى الأزمة الاقتصادية إلى تعطيل الترتيبات المعتادة مثل تسليم المدخلات عن طريق الائتمان للمزارعين الصغار. وبينما تمكن النظام المصرفى من التعافى جزئياً، فإن نقص السيولة وانخفاض قيمة الجنيه السودانى يفرضان ضغوطاً على المنتجين وسلسلة التوريد بأكملها، التى تعانى بالفعل من التضخم.
طوال عامين، فشلت كل محاولات الوساطة. لقد اقترحت كل من جنوب السودان ومصر وكينيا والصومال وأوغندا وإريتريا وجيبوتى وتركيا، فضلاً عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، مبادرات أو عقدت قمم، ولكن كل هذه الوساطات لم تؤد إلى وقف الحرب.
خلال الأشهر الأولى من الحرب، عقدت قمم فى الدول الإفريقية والعربية المجاورة لإيجاد حل، ولكن لم يتم التوصل إلى وقف إطلاق النار. وأسفرت هذه الاجتماعات بشكل رئيسى عن إصدار بيانات تعبر عن القلق إزاء تدهور الوضع الإنسانى ودعوات إلى وضع حد للتدخل. لكنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى حل.
والأمل فى الوقت الحالى لا يوجد إلا فى قدرة بعض السودانيين على الصمود والطاقة، كما هو الحال فى مخيم جوروم للاجئين. الآن تعمل روضة عبد السلام فى المطعم الصغير الذى افتتحته. عند مدخل الهيكل الخشبى المصنوع من الخيزران، والمغطى بالحديد المموج، وتخدم روضة موظفى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين واللاجئين على حد سواء. بعد أن فقدت كل شيء فى حرب السودان، بدأت هذا العمل بالأساس لكسب قوت يومها وتقول "عندما وصلنا إلى جوروم، كنا نفتقر إلى كل شيء. بدأت ببيع الشاى لشراء الطعام لعائلتي. ثم تمكنت من شراء خمسة كراسي. واصلت العمل، وشيئًا فشيئًا، تمكنت من افتتاح هذا المطعم. نطهو اللحوم وأنواعًا مختلفة من اللحوم فى الصلصة، والباذنجان والفاصوليا والكرشة والبامية.. الحمد لله، الآن أصبح هذا العمل مناسبًا لي. وإذا كان أحدهم جائعًا وليس لديه مال، أخدمه، لأننى لا أفعل هذا من أجل الربح، ما أريده هو مساعدة الناس".
تواصل رضوة أيضًا دعم عائلتها التى بقيت فى السودان: "لديّ عائلة باقية فى البلاد، والقليل الذى أكسبه أرسله لهم. أفضل البقاء هنا لأن الوضع فى السودان ليس جيدًا. ولا أعرف متى ستنتهى هذه الحرب".
ورغم الانتصارات الأخيرة التى حققها الجيش السوداني، وخاصة فى الخرطوم، لا تزال رضوة تتخوف من خطورة قوات الدعم السريع فى دارفور. لذلك فهى متمسكة بالحياة الجديدة التى بنتها لنفسها، هنا فى جوروم.