الجزيرة:
2024-11-25@08:53:00 GMT

هاييتي.. عندما تجتمع لعنات التاريخ والجغرافيا!

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

هاييتي.. عندما تجتمع لعنات التاريخ والجغرافيا!

تتداول أغلب وسائل الإعلام العالمية في الأسبوعين الأخيرين، أخبارًا مؤلمة عن هاييتي، ذلك البلد الكاريبي الذي ارتبط اسمه بالزلازل والأعاصير والسيول الجارفة، وتاريخ حافل بتلاعب القوى الاستعمارية بثرواته.

لكن الأخبار الأخيرة تتعلق بانفجار الأوضاع الاجتماعية والسياسية، التي منعت رئيس وزراء البلاد المؤقت أريال هنري من العودة للبلاد، وأجبرته العصابات في النهاية على الاستقالة، وسط عجز تام للسلطات الهاييتية في وضع حدّ للانفلات الأمني.

ولئن بدت هذه الأحداث مؤلمة، فإن الأسباب التي قادت هاييتي إلى هذا الواقع هي أشدّ إيلامًا.

مجلس رئاسي انتقالي

صحيح أن المظلمة الفلسطينية وحرب الإبادة الممنهجة التي تقودها إسرائيل، بضوء أخضر من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على غزة وأهلها، تعلو على كل الجرائم المقترفة ضد الإنسانية، غير أن ما حدث ويحدث في هاييتي، هو دليل آخر على نفاق القوى العظمى، وتكالبها على استنزاف البلدان الضعيفة، فقط من أجل تحقيق مصالحها المادية دون أدنى اعتبار لشعارات الديمقراطية والعدالة وحق تقرير المصير التي ترفعها.

ما تعيشه هاييتي مؤخرًا، هو انهيار الدولة بأتمّ معنى الكلمة، فأزمة الشهر الجاري انطلقت بتمكّن عصابات المخدرات والجريمة المنظمة من اقتحام أهمّ سجن في العاصمة وتحرير سجنائه، والسيطرة على الشارع وشلّ حركة المطار والموانئ، ممّا حال دون عودة رئيس الوزراء المؤقت أريال هنري من القمة الإقليمية التي كان يحضرها في جامايكا، ورضخ لقرار الاستقالة، تحت ضغط المحتجّين ونفوذ العصابات.

ورأت القوى السياسية في البلاد، بتنسيق مع أطراف أجنبية، أن الحل العاجل يتمثل في تأسيس مجلس رئاسي انتقالي يمنح البلد فرصة للخروج من الانسداد، ويرسم خارطة طريق للمشهد السياسي القادم.

ولم يعارض أريال هنري هذا القرار، نظرًا لهشاشة دوره، وتوقّع حدوث السيناريو الحالي من قبل الجميع. حيث تولى الرجل إدارة البلاد، على إثر اغتيال الرئيس السابق جوفينيل مويسي في عقر قصره في 2021، على أيادي فريق كولومبي من القتلة المأجورين وبمساعدة من عسكريين هاييتيين.

وهي ظروف تكاد تكون اعتيادية في هاييتي، حيث إن الفترات الانتخابية فيها لا تكتمل، ولطالما ارتبطت بمتغيرات حالت دون إنهاء أغلب الدورات منذ زمن طويل وعطّلت إجراء أخرى، فمثلًا تداول على البلاد من 1911 إلى 1915، ثمانية رؤساء، في المقابل، لم تجرِ البلاد انتخابات منذ 2016.

اختطاف وابتزاز

وفي الحقيقة، عاشت هاييتي تقلبات لأكثر من خمسة قرون، تداولت فيها القوى العظمى على استعمارها، وتفنّنت في تركها مُكبّلة، بشكل تعجز فيه عن تحقيق استقلال حقيقي، وهو ما أدّى إلى تباين صارخ في واقعها: ثروات طائلة منهوبة واستعمار مالي يجثم على إيراداتها إلى اليوم، مقابل فقر يفتك بـ 63% من سكانها، وعصابات الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات تعيش على "فديات" ابتزاز الأهالي، واختطاف الأجانب.

وهو ما جعلها تُصنّف البلد الأشدّ فقرًا في القارة الأميركيّة، علمًا أنّ تعدادها حوالي 11 مليون ساكن، يعيشون على 27 ألف كيلو متر مربع، ويصل متوسط أعمارهم إلى 24 سنة، ويصنّف نصفهم في قائمة الأمّيّة.

فهاييتي التي تعتبر أفقر بلد في النصف الغربي من الكرة الأرضية اليوم، كانت أولى وجهات الغزو الإسباني بقيادة كريستوفر كولومبوس في 1492، ومثّلت مكسبًا ثمينًا للإسبان بفضل الثروات المعدنية والزراعية التي كانت تحتويها.

ونظرًا للتوسع الذي حققته الإمبراطورية الإسبانية في ذلك الوقت في جنوب ووسط القارة الأميركية، قامت بتمرير المستعمرة إلى فرنسا في 1697، التي أغرقت المستعمرة بأعداد هائلة من العبيد استجلبتْهم من أفريقيا، وحولتها إلى أغنى مستعمرة في القرن الثامن عشر، مكّنتها من إنتاج 60% من احتياجات القهوة للقارة الأوروبية، إضافة إلى خيرات أخرى، مثل السكر والمعادن.

الغريب في الأمر، أنه وتحت وطأة الاستعمار الفرنسي المتوحش، نجح سكان هاييتي والذين كانوا يسمون بـ "الدومانغيين" في تلك الفترة، بالقيام بأول ثورة للعبيد في التاريخ الحديث بزعامة الأيقونة توسان لوفرتير. ونجحت انتفاضتهم في افتكاك حريتهم في 1793، واضطر برلمان فرنسا بعد ذلك بسنة، إلى إلغاء العبودية في جميع مستعمراتها. وتمكنوا في 1804 من الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.

فوضى سياسية

لكن الأغرب هو ما حدث بعد ذلك، في 1825، عندما قام الملك الفرنسي المتشدد، شارل العاشر بتهديد هاييتي بالغزو ثانية، في حال عدم دفع تعويضات لفرنسا، وكان ذلك بمباركة من الولايات المتحدة، التي لم تعترف، شأنها شأن فرنسا بثورة هاييتي. وقد مثّل المبلغ الذي طالب به شارل العاشر، رقمًا خياليًا بلغ 150 مليون فرنك (مايعادل 21 مليار دولار اليوم)، مع منح الواردات الفرنسية تخفيضًا بـ 50% لرسومها، وهو ما رضخت له هاييتي واستمرّت في تسديده لأكثر من قرن، وأدّى إلى الإجهاز على اقتصادها وإغراقه في الديون.

أما الأمر الأكثر استفزازًا مِمّا سبق ذكره، فهو دخول الولايات المتحدة على خطّ الاستعمار، بعد أن كانت ترصد منطقة الكاريبي بطمع في نهاية القرن التاسع عشر.

حيث مثّلت الفوضى السياسية التي عاشتها هاييتي بين 1911 و1915 الحجّة الأقوى لها للتدخل، وحرّكت لأجلها أساطيلها العسكرية لقطع الطريق أمام تدخل ألماني محتمل، رافعة شعار التدخل المؤقت لاستعادة الأمن في هاييتي، غير أن التدخل انقلب غزوًا والمؤقت دام 19 سنة.

وبهدف فرض النظام في البلاد، اشترطت واشنطن معاهدة على هاييتي تمنحها إدارة الشؤون المالية والجمارك والموانئ، وأسست لها جيشًا متكونًا من قوات من الهاييتيين والأميركيين، تحت إمرة البحرية الأميركية.

كما نجحت واشنطن في تثبيت الرئيس فيليب سودري في منصبه حتى 1922، رغم احتجاج الشعب عليه، ممّا مكنها من تحقيق مآربها في ظلّ استقرار سياسي غير مسبوق في هاييتي.

ووفقًا لعدد من الوثائق التاريخية، قامت القوات الأميركية بسلب مخزون بنك هاييتي المركزي من الذهب، ونقلته إلى بنوك أميركيّة، تحت حجج واهية، ولم تُعده إلى اليوم.

ورغم كل هذه المظالم، تجدر الإشارة إلى أن جان برتران أريستيد، الرئيس الهاييتي الوحيد الذي تم انتخابه ديمقراطيًا، وطالب فرنسا بإرجاع الأموال التي فرضتها على هاييتي جورًا، تمّت الإطاحة به قبل انتهاء فترته الانتخابية بتدبير فرنسي وأميركي مُعلن.

قد يبدو الحلّ في استعادة السلم والنظام في هاييتي، هدفًا مستحيلًا أو بعيد المنال، إلّا أن المؤكد أن القوى العظمى لو لم تكن منشغلة بمهامها في غزة وأوكرانيا، لكان السيناريو القادم في هاييتي، مختلفا تمامًا عن كل ما كانت ستشهده من سيناريوهات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات فی هاییتی

إقرأ أيضاً:

المعارضة المصرية بين المبدئية والبراجماتية

مع تحميل النظام المصري الحاكم بقيادة السيسي المسئولية الكبرى عن حالة التأزم السياسي في البلاد؛ إلا أنه لا يمكن إعفاء المعارضة بشقيها الراديكالي والإصلاحي من المسئولية أيضا، أيا كانت النسبة. وليس خافيا أن سببا رئيسا من أسباب استمرار النظام حتى هذه اللحظة رغم فشله، ورغم حالة الغضب الشعبي الكبيرة منه، تعود إلى غياب المعارضة الموحدة والقادرة على تقديم بديل مقنع للشعب المصري، ولكل من يرغب في دعم عملية التغيير الديمقراطي.

يمكننا أولا التفريق بين المعارضة المنظمة، وتلك المعارضة العامة التي تنتشر بين قطاعات شعبية ونخبوية واسعة، وهذه الأخيرة تزايدت خلال السنوات القليلة الماضية مع تصاعد الأزمات الاقتصادية الناتجة عن سياسات الحكم القائم، وكذا شعور هذه القطاعات بتبدد الأمل في أي وعود لتحسين أوضاعها بعد تعهدات متتالية من رأس النظام بهذا التحسين خلال سنة أو سنتين.. إلخ، وقد مر من الوقت أضعاف ذلك دون تحقيق شيء سوى بناء مشروعات إسمنتية؛ من أكبر عاصمة إدارية (لا تمثل أولوية) إلى بناء أطول برج في أفريقيا، وأكبر مسجد وأكبر كنيسة، وبناء قصور رئاسية متعددة، وشراء طائرات رئاسية عملاقة دونما حاجة إلى ذلك، أو حتى شعور هذه القطاعات بجرح كرامتها وكرامة الوطن فيما يخص التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، وحقوق مصر المائية، وتقزم دور مصر الإقليمي في مواجهة دول أو دويلات لا تساوي مساحة أحد أحياء القاهرةّ.

هذه المعارضة الشعبية تتصاعد كمّا وكيفا، وترتفع الأصوات تدريجيا بنقد رأس النظام مباشرة، وتحميله مباشرة المسئولية عن كل مظاهر الفشل والفساد، والاستبداد، والإفقار، بعد أن كانت تقتصر على من هم دونه، لكن هذه المعارضة لا تجد من ينظمها ويتبنى مطالبها، ويضعها في المسار الصحيح، وكان المفترض أن تقوم بذلك المعارضة المنظمة في أحزاب وحركات شعبية.

المعارضة الشعبية تتصاعد كمّا وكيفا، وترتفع الأصوات تدريجيا بنقد رأس النظام مباشرة، وتحميله مباشرة المسئولية عن كل مظاهر الفشل والفساد، والاستبداد، والإفقار، بعد أن كانت تقتصر على من هم دونه، لكن هذه المعارضة لا تجد من ينظمها ويتبنى مطالبها، ويضعها في المسار الصحيح
المعارضة المنظمة بدورها منقسمة حتى الآن تأثرا بحالة الاستقطاب السياسي التي أعقبت ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، ولا يزال أغلبها واقفا عند حدود 2013 لا يستطيع أو لا يريد تجاوزها بكل ما تحمله من مرارات وأوهام، ولا يزال بعضها يرى عدوه الحقيقي ليس النظام الاستبدادي الحاكم؛ بل جزءا آخر من المعارضة التي تشاركه تجرع كأس المرار، والعذاب، والتنكيل.

عقب انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 انقسمت قوى يناير إلى فريقين، أولها وقف ضد الانقلاب من البداية، وثانيهما دعم ذلك الانقلاب بدرجات متفاوته، أو سكت عنه، لحسابات سياسية خاصة بكل فريق. وقف الفريق الأول مدافعا عن شرعية الخيار الديمقراطي وما أنتجه من برلمان منتخب وأول رئيس مدني، وضم هذا الفريق بشكل أساسي الإخوان المسلمين وأنصارهم من عموم التيار الإسلامي، أو من تيار الشرعية عموما بما شمله من شخصيات ليبرالية أو يسارية، فيما أيد الفريق الثاني المسار الجديد الناتج عن الانقلاب، ظنا أن الجنرالات لن يبقوا في الحكم، بل سيتنازلون عنه لصالحهم، وضم هذا الفريق أحزابا وقوى ليبرالية ويسارية.. الخ.

لم يستمر شهر العسل طويلا مع الحكم الجديد الذي استعان في البداية بحكومة يرأسها سياسي ليبرالي هو حازم الببلاوي، ومعه عدد من الوزراء الليبراليين والناصريين واليساريين، وإلى جانبهم نائب رئيس جمهورية كان أيقونة لثورة يناير هو محمد البرادعي، لكن الحكم العسكري وحاضنته الصلبة (البعيدة عن هذه القوى) أنهت عمل هذه الحكومة خلا بضعة شهور، ثم بدأ النظام الجديد ينطلق في تنفيذ سياساته الخاصة، وغير المدروسة، بعيدا عن أي شراكة سياسية. وكانت القاصمة الكبرى التي دفعت معظم القوى الليبرالية واليسارية (الينايرية) بعيدا عن النظام هي قبوله تسليم جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وما تلا ذلك من سياسات تفريط أخرى، وسياسات الاستدانة الواسعة، وتعويم الجنيه، ورفع الأسعار.. إلخ، وما تبع ذلك من تضييق واسع على تلك المعارضة في الداخل، واعتقال العديد من كوادرها بل من رموزها الكبرى، حتى امتلأت السجون بهؤلاء القادة والنشطاء، إلى جوار قادة ونشطاء الفريق الأول.

رغم اتساع قمع النظام ليشمل جميع معارضيه من كل القوى السياسية دونما تفريق، إلا أن ذلك لم يدفع تلك القوى لتوحيد جهودها في مواجهة هذا القمع، ولإنقاذ الوطن، إذ ظلت رواسب الماضي القريب غالبة على تفكيرها وأدائها، وهو ما انعكس سلبا على أدائها الباهت في معظمه، والذي لا يرقى إلى مستوى الغضب الشعبي.

كانت المعارضة الخارجية -ولاتزال- هي الأعلى صوتا، والأكثر مبدئية بحكم تحررها من قيود النظام، وبحكم حجم التضحيات التي قدمتها، لكنها ظلت قليلة الفعالية، كما أنها لا تزال في حالة تشرذم، بينما أصبحت المعارضة الداخلية التي اختارت البراجماتية السياسية أسيرة العمل تحت القصف، مع استمرار تشرذمها أيضا. ومع ذلك، نشير إلى بعض التجارب المتعثرة للعمل الوطني المشترك.

ففي الخارج جرت محاولات مثل تأسيس الجبهة الوطنية المصرية والتي استمرت عامين ليخلفها اتحاد القوى الوطنية المصرية في الخارج، ومعهما بعض المحاولات الشبابية، لكن التعثر وعدم القدرة على تمثيل أطياف متنوعة كان سمة جميع المحاولات.

وفي الداخل كانت المحاولة الأبرز هي تأسيس الحركة المدنية الديمقراطية، ولكنها اقتصرت على جزء من فريق 30 يونيو (الأكثر براجماتية)، حيث استُبعدت من البداية القوى أو العناصر التي رفعت سقف معارضتها للنظام. وتعيش الحركة حاليا شبه جمود بعد انقسام مكوناتها حول الانتخابات الرئاسية الماضية، والاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة، وبديلا عن ذلك تأسست جبهة يسارية (مجموعة أحزاب يسارية غير ممثلة في البرلمان)، كما جرت محاولة لتأسيس مظلة ليبرالية ماتت في مهدها أيضا. وإلى جانب ذلك، رأت بعض الأحزاب فرصتها الحقيقية لكسب عدد أكبر من نواب البرلمان في التنسيق مع الأجهزة الأمنية التي تحدد مسبقا أسماء وحصص الفائزين.

إضافة إلى تشرذم المعارضة المصرية حتى الآن، فإن أيا منها لم يقدم مشروعا سياسيا واضحا للتغيير يمكن الاشتباك معه قبولا أو رفضا أو تعديلا، ينطبق ذلك على معارضة الخارج كما ينطبق على معارضة الداخل. والفرصة لا تزال متاحة على الأقل في الخارج لبدء حوارات جادة بين قوى ورموز المعارضة الذين يمثلون كل الطيف الوطني الآن، والذين يتمتعون بحرية العمل والحركة
في ظل هذا الوضع المتردي للمعارضة المصرية لا يمكن أن نتجاهل المحاولة الجادة التي قادها النائب البرلماني السابق أحمد طنطاوي، بهدف الترشح للانتخابات الرئاسية الماضية من خارج المسرحية المرتبة سلفا، والتي شارك فيها (أي المسرحية) رؤساء أحزاب معارضة آخرون مقابل زيادة عضوية أحزابهم في البرلمان المقبل. لقد صنع طنطاوي حالة سياسية نشطة داخل مصر وخارجها؛ عبر عملية جمع التوكيلات التي كانت أشبه بمعركة عسكرية (من طرف واحد هو النظام)، ونجحت حملة طنطاوي في جذب شباب وكبار من كل التيارات الوطنية تقريبا، وصنعت تيارا جديدا (تيار الأمل)، لكن النظام لم يحتمل التجربة فسارع إلى اعتقال رائدها وعدد من داعميه، بعد أن حرم طنطاوي من جمع التوكيلات المطلوبة للترشح..

في كل التجارب النضالية العالمية ضد الاستبداد لم تنجح جهود التغيير إلا بعد توحيد المعارضة خلف أهداف وطنية جامعة، تمثل إرادة الشعب، حدث ذلك في تشيلي، وفي جنوب أفريقيا، وفي عدة دول أفريقية أيضا في السنوات الأخيرة.

إضافة إلى تشرذم المعارضة المصرية حتى الآن، فإن أيا منها لم يقدم مشروعا سياسيا واضحا للتغيير يمكن الاشتباك معه قبولا أو رفضا أو تعديلا، ينطبق ذلك على معارضة الخارج كما ينطبق على معارضة الداخل. والفرصة لا تزال متاحة على الأقل في الخارج لبدء حوارات جادة بين قوى ورموز المعارضة الذين يمثلون كل الطيف الوطني الآن، والذين يتمتعون بحرية العمل والحركة، والتواصل، ولو نجحت هذه القوى في هذه الخطوة فإنها ستلقى ترحيبا معلنا أو مستترا من معارضة الداخل ومن عموم الشعب المصري، وستتمكن من تقديم بديل وطني حقيقي مؤهل لإنقاذ البلاد والعباد، غير ذلك فإن جريمتها بحق الشعب والوطن تتزايد يوما بعد يوم.

x.com/kotbelaraby

مقالات مشابهة

  • القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة لحلف "الناتو"
  • كميات الأمطار التي رافقت عبور الجبهة الهوائية الباردة حتى عصر اليوم الأحد
  • حالة الطقس اليوم الأحد 24-11-2024 في محافظة البحيرة
  • المعارضة المصرية بين المبدئية والبراجماتية
  • اليوم.. مودرن سبورت يبحث عن الانتصار الأول فى الدورى أمام زد
  • عاجل - حالة الطقس ودرجات الحرارة اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024 في مصر..نصائح للشعور بالدفء
  • الطقس اليوم الأحد 24 نوفمبر 2024: أمطار ورياح نشطة وانخفاض درجات الحرارة
  • أجواء شتوية قاسية تبدأ من اليوم|الأرصاد تصدر تحذيرا عاجلا وتكشف أماكن الأمطار
  • اللجنة الإماراتية الفنلندية المشتركة تجتمع في هلسنكي
  • لينك يوتيوب.. بث مباشر مشاهدة مباراة الجزيرة وعجمان الأسطورة اليوم في الدوري الإماراتي