موجات هجوم أم “محاولات انتحارية”.. ماذا يحدث بالخرطوم بحري؟
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
عادت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع إلى مدينة الخرطوم بحري، بعد أن شهدت المدينة حالة من الهدوء خلال الأيام الماضية، إذ تجددت الاشتباكات بين الطرفين في عدد من المحاور القتالية بالمدينة التي يفصلها النيل الأزرق عن العاصمة السودانية الخرطوم.
وتصنف الخرطوم بحري، كضلع ثالث في العاصمة السودانية المثلثة، التي تضم الخرطوم، وأم درمان، والخرطوم بحري.
ونفذت قوات الدعم السريع أكثر من 30 موجة هجومية على مقر سلاح الإشارة في الخرطوم بحري، “بهدف الاستيلاء على المقر”، بحسب منصات إعلامية تابعة لقوات الدعم السريع.
وفي المقابل، أشارت منصات إعلامية تابعة للجيش، إلى أن “قوات سلاح الإشارة صدت هجوم الدعم السريع على المقر، الذي يفصله النيل الأزرق عن القيادة العامة للجيش في الخرطوم، مما أعطاه أهمية جغرافية وعسكرية.
وبحسب تلك المنصات، تمكن الجيش من تدمير عدد من الآليات العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع، حاولت الهجوم على مقر سلاح الإشارة.
وفي توقيت متزامن، شنّت قوات الدعم السريع هجوما على مقر سلاح الأسلحة الذي يقع في منطقة الكدرو بالخرطوم بحري، كما نفذت قوة منها هجوما آخر على معسكر خطاب شمال الخرطوم بحري.
وتضم الخرطوم بحري أكثر من ألفي مصنع، في مجالات متعددة من الصناعات الخفيفة والثقيلة، تمثل موردا أساسيا لتوفير المواد الغذائية، في وقت تضرر معظم المصانع كليا أو جزئيا من جراء الحرب، وفق اتحاد الغرف الصناعية في السودان.
يرى الخبير العسكري عبد العظيم الطيب، أن “قوات الدعم السريع جددت الهجوم على المقرات العسكرية في الخرطوم بحري، بهدف البحث عن نصر جديد، تعوّض به خسارتها مقر الإذاعة والتلفزيون في أم درمان”.
وقال الطيب، وهو ضابط سابق بالجيش السوداني، لموقع الحرة، إن “الروح المعنوية لعناصر مليشيا الدعم السريع تدهورت بعد فقدان مقر الإذاعة والتلفزيون، ولذلك سعت إلى تجديد هجومها على المقرات العسكرية في الخرطوم بحري”.
وأضاف “هذه محاولات انتحارية، ستجعل المليشيا تفقد مزيدا من المسلحين والعتاد الحربي، لكونها نفذت عشرات المحاولات منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي، لاستلام تلك المقرات، ولم تتمكن من تحقيق ما تخطط له”.
ومع اندلاع الحرب سيطرت قوات الدعم السريع على معظم مناطق وأحياء الخرطوم بحري، وأضحت تنتشر بكثافة في المدينة، وسط غياب الجيش الذي ظل يتمركز داخل مقراته العسكرية.
ووضعت قوات الدعم السريع يدها على مصفاة الجيلي للبترول، الواقعة في الخرطوم بحري، مما مكنها من الحصول على امداد إضافي من الوقود.
وفي يناير الماضي، نفذ الجيش عملية برية في الخرطوم بحري، مكنته من استعادة عدد من المناطق من قبضة الدعم السريع، كما أفلح في انتزاع كوبري (جسر) الجوفة الذي يربط منطقة الكدرو بمصفاة الجيلي.
في المقابل، يرى الأكاديمي والباحث السياسي، عبد الله حمدان، أن “قوات الدعم السريع تسعى للاستيلاء على سلاح الإشارة لأهميه العسكرية والجغرافية، وليس لأنها تبحث عن نصر بعد فقدان مقر الإذاعة والتلفزيون”.
وقال حمدان لموقع الحرة، إن “سلاح الإشارة له أهمية عسكرية كبيرة، كونه يعتبر أهم موقع معلوماتي للجيش، ولأنه رأس الرمح في عملية التواصل بين الوحدات العسكرية، ولذلك ظلت قوات الدعم السريع تهاجمه باستمرار”.
ولفت إلى أن “استيلاء قوات الدعم السريع على مقر سلاح الإشارة، سيمكنها من السيطرة على كوبري النيل الأزرق، والعبور مباشرة للسيطرة على مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة الخرطوم”.
ويلفت خبراء عسكريون إلى أن “وجود سلاح الإشارة في قبضة الجيش يمثل حائط صد أمام هجمات الدعم السريع التي يمكن أن تنطلق من الخرطوم بحري ناحية القيادة الرئيسية للجيش في الخرطوم”.
ويسيطر الجيش على كوبري النيل الأزرق الرابط بين العاصمة الخرطوم ومدينة الخرطوم بحري، ويتقاسم السيطرة مع الدعم السريع على كوبري كوبر الذي يربط المدينتين أيضا. إذ يسيطر الجيش على كوبري كوبر من الناحية الجنوبية، بينما تسيطر قوات الدعم السريع على الناحية الشمالية منه.
ويشير أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية، عز الدين المنصور، إلى أن “استيلاء قوات الدعم السريع على مقر سلاح الإشارة سيمكنها من عبور النيل والهجوم على مقر القيادة العامة للجيش في الخرطوم”.
ولفت إلى أن “فقدان الجيش لمقر قيادته العامة سيكون أكبر ضربة يتلقاها، بسبب الأهمية والرمزية الكبيرة لذلك المقر، لأنه يضم وزارة الدفاع، وكل إدارات الجيش العليا، وكل وحداته العسكرية المهمة مثل قيادة العمليات البرية والجوية والبحرية”.
وأضاف “لذلك عزز الجيش قدراته في سلاح الإشارة بالخرطوم بحري، مما أفشل كل الهجمات التي شنتها قوات الدعم السريع على مدى 11 شهرا للاستيلاء على المقر”.
ويتفق المنصور مع الطيب، بخصوص الهدف من الهجوم المتكرر والمكثف لقوات الدعم السريع على المقرات العسكرية في الخرطوم بحري، ويشير إلى أن “الهدف من الهجوم فيه جوانب معنوية، بجانب الأهمية الجغرافية والعسكرية”.
ونوّه إلى أن “الهجوم المتكرر على مقر سلاح الإشارة، سيجعل قوات الدعم السريع تفقد كثيرا من مقاتليها وعتادها الحربي، لكن الطرف الآخر “الجيش” يكون في وضع دفاعي، يجعله يقاتل من وراء ستار، مما يقلل خسائره، إلا في حالة فقدانه المقر كليا”.
ويشير حمدان إلى أن “قوات الدعم السريع لا تنفذ عمليات انتحارية كما يصورها البعض، “بل تقوم بعمليات هجومية مدروسة ومخطط لها بعناية، يقف وراءها قادة كبار مثل عثمان عمليات”.
وأشار إلى أن “قوات الدعم السريع تملك غرفا لإدارة الطائرات المسيرة، ودائما ما تسخدمها كظهير قتالي جوي، في أي هجوم تنفذه على مقرات الجيش، مما ساعدها في الاستيلاء على عدد من المقرات”.
وأضاف “استخدام الطائرات المسيرة في مواقع ثابتة مثل مقرات الجيش يكون تأثيره أكبر من استخدمها في الهجوم على مجموعات متحركة وليست مستقرة في مكان واحد، على نحو ما يفعله الجيش مع قوات الدعم السريع التي تميل إلى الانتشار بدلا من الارتكاز في مواقع بعينها”.
ويشرف على العمليات في قوات الدعم السريع، اللواء عثمان محمد حامد المعروف باسم “عثمان عمليات”، وهو ضابط بالجيش السوداني تم انتدابه منذ أكثر من 10 أعوام، ضمن عشرات الضباط من الجيش، للعمل على تأهيل قوات الدعم السريع.
وحينما اندلعت الحرب في 15 أبريل وجه القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان ضباط الجيش المنتدبين إلى قوات الدعم السريع، بالعودة إلى صفوف الجيش، فاختار عثمان البقاء في الدعم السريع، رفقة ثلاثة آخرين. بينما استجاب عشرات الضباط للتوجيه.
اشتعال المعارك في الخرطوم بحري تزامن مع تحركات يقودها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان، رمطان لعمامرة، والمبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، بهدف إنعاش عملية التفاوض بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهو ما يثير تساؤلات بشأن التأثيرات المحتملة للتصعيد على المسار السلمي.
يقول الطيب، إن “الجيش حسم أمره، وقرر المضي قدما في إنهاء الحرب عبر الحسم العسكري والقضاء على قوات الدعم السريع، بعد سلسلة الانتهاكات التي تورطت فيها ضد المدنيين”.
وأضاف “لم يعد المسار التفاوضي مقبولا لدى قادة الجيش، خاصة بعد الانتصارات الكبيرة التي حققها في أم درمان، بما في ذلك استعادة مقر الإذاعة والتلفزيون من قبضة الدعم السريع”.
ولفت إلى أن “الجيش أعلن أنه ماض في القضاء على قوات الدعم السريع، للوصول إلى فترة انتقالية يرأسها البرهان، وفق ما أعلنه مساعده ياسر العطا، مما يعني أنه لا مجال لأي عملية سياسية على نحو ما تسعى له المبادرات الرامية لإنهاء الحرب في السودان”.
كان مساعد القائد العام للجيش السوداني، الفريق ياسر العطا، قال خلال مخاطبته مجموعات سياسية موالية للجيش، إن “البرهان سيرأس حكومة الفترة الانتقالية بعد الحرب، وإن الجيش لن يسلم السلطة للمدنيين إلا عبر الانتخابات”.
بدوره، يرى حمدان أن “قرار التفاوض ليس بيد الجيش، وإنما بيد عناصر نظام الرئيس السابق عمر البشير، الذين يديرون العمليات القتالية حاليا، ويرفضون التفاوض”.
وأضاف “لا اتوقع أن يسمح قادة النظام السابق لقادة الجيش، بأن يذهبوا إلى التفاوض، لأنهم مدركون أن أي عملية سياسية تنتج عن التفاوض ستنص على إبعادهم من المعادلة السياسية في الفترة الانتقالية، لأن ثورة ديسمبر قضت بإبعادهم من السلطة”.
من جانبه، يشير المنصور إلى أن “فرص التفاوض تراجعت كثيرا بعد التقدم الذي حققه الجيش في أم درمان، مع أن واقع الحال السوداني يحتم ضرورة اللجوء إلى التفاوض لوضع حد لمعاناة السودانيين”.
ولفت إلى أن “أوضاع السودانيين المعيشية تدهورت بشكل غير مسبوق، كما أن انتهاكات قوات الدعم السريع تصاعدت بحدة تجاه المدنيين، وكل ذلك ينبغي أن يحفز قادة الجيش للاتجاه إلى إنهاء هذه المعاناة عبر التفاوض، بعد أن فشل خيار الحسم العسكري في القضاء على الدعم السريع”.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أدى الصراع بين الجيش والدعم السريع إلى مقتل أكثر من 13 ألف شخص، وأجبر أكثر من 7 ملايين على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى تشاد ومصر وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، يحتاجون إلى الدعم والحماية، من جراء تداعيات الحرب التي تدور بعدد من أنحاء البلاد.
وحذر منسق المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، في مذكرة لمجلس الأمن، الجمعة، من أن “ما يقرب من 5 ملايين شخص قد يعانون من جوع كارثي في بعض مناطق السودان خلال الأشهر المقبلة”، بحسب رويترز.
الحرة
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: مقر الإذاعة والتلفزیون قوات الدعم السریع على فی الخرطوم بحری النیل الأزرق الهجوم على على کوبری على المقر أم درمان للجیش فی أکثر من عدد من
إقرأ أيضاً:
المعارك تقترب من القصر الرئاسي بالخرطوم والجيش يسيطر على مدينة بكردفان
قال مصدر عسكري ميداني في الجيش السوداني اليوم الخميس للجزيرة إن قوات من الجيش والقوات المساندة له أطبقت حصارها على القصر الرئاسي بشارع النيل وسط الخرطوم، في حين أفادت مصادر بدخول قوات الجيش مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان بعد معارك مع قوات الدعم السريع.
وبحسب المصدر العسكري السوداني، فإن المعارك تدور ضد قوات الدعم السريع على مقربة من "العمارة الكويتية" غربي القصر الرئاسي بالعاصمة.
وأوضح المصدر أن قوة أخرى من الجيش تحركت من ناحية الجنوب والجنوب الشرقي لإطباق الحصار على القصر، الذي يوجد به مكتب رئيس وأعضاء مجلس السيادة السوداني.
وترافق ذلك مع معارك في غرب أم درمان، إذ شن الجيش والقوات المساندة له هجوما على من سماها مليشيا الدعم السريع غربي المدينة صباح اليوم الخميس.
مناطق السيطرة في الخرطوم (الجزيرة)كما أوضحت المصادر أن الجيش "أحرز تقدما غربي أم درمان وكبّد قوات الدعم السريع خسائر في العتاد والأرواح، في حين أصيب عدد من منسوبي الجيش وتم نقلهم إلى مستشفى وادي سيدنا لتلقي الرعاية الطبية".
وأمس الأربعاء، قال مصدر عسكري إن الجيش والقوات المساندة له سيطرت بشكل كامل على مدينة الخرطوم بحري بما في ذلك جيوب بالجزء الجنوبي الغربي من المدينة كانت خارج السيطرة، في حين أعلنت قوات الدعم السريع مقتل قائد كبير في صفوفها أمس الأول.
وتأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من فك الحصار عن القيادة العامة وسط الخرطوم، وسلاح الإشارة، ومقر تابع لجهاز المخابرات يقع بالقرب منه في الخرطوم بحري، ليبدأ الجيش في تنفيذ المرحلة الثالثة من العملية العسكرية التي أطلقها يوم 26 سبتمبر/أيلول الماضي.
إعلان معارك كردفانواليوم الخميس، أفادت مصادر عسكرية بدخول قوات الجيش السوداني إلى مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان بعد معارك مع الدعم السريع.
وأكدت المصادر أن الجيش تمكن من تأمين المدينة وفرض سيطرته على المواقع الإستراتيجية فيها، مع التأكيد على استمرار العمليات العسكرية في المنطقة لتأمين الطرق والمرافق الحيوية.
وتعد أم روابة من المدن الإستراتيجية وسط السودان، ومثلت مركزا إداريا وتجاريا مهما، فهي تربط ولايات غرب السودان وجنوب كردفان بالعاصمة وميناء بورتسودان، إلى جانب أنها تعد سوقا ضخما للمحاصيل التي تصدّر إلى الخارج.
واندلعت المعارك في السودان في منتصف أبريل/نيسان 2023 بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وقد خلفت هذه الحرب عشرات آلاف القتلى وشردت أكثر من 11 مليون سوداني، وتسببت -وفق الأمم المتحدة- في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث، في ظل اتهامات متبادلة بين طرفي الصراع بارتكاب جرائم حرب عبر استهداف المدنيين ومنع المساعدات الإنسانية.