أم درمان- ارتبطت إفطارات رمضان المفتوحة في شوارع المدن والأحياء ارتباطًا وجدانيًّا وثيقًا بالحياة الاجتماعية في السودان، وتحولت عبر السنوات والحقب إلى تقليد اجتماعي راسخ الجذور للحد الذي وسم الشخصية القومية للسودانيين وأصبح عنوانًا يميزهم بين شعوب العالم، وقيمة بالغة الأهمية في تراثهم الديني والاجتماعي.

لكن الحرب الدائرة منذ أبريل/نيسان الماضي، وما خلفته من أضرار كارثية على العاصمة الخرطوم وسكانها، هددت فرص استمرار هذا التقليد الاجتماعي هذا العام.

وتكمن الفكرة وراء إفطارات الشوارع المفتوحة في تحقيق قيم التكافل والتضامن والمساواة بين الناس، وذلك عبر مشاركة المائدة الرمضانية عند حلول ساعة الإفطار بين جيران الحي الواحد وضيوفهم المحتملين وعابري السبيل. فالمائدة الرمضانية المشتركة تضم كل أطياف المجتمع وطبقاته الاجتماعية على قدم المساواة.

الحرب أصابت مئات الآلاف من العائلات السودانية بالفقر المؤقت إثر سلب ممتلكاتهم ومدخراتهم (الصحافة السودانية) إفرازات الحرب

ومن بين التحولات المأساوية للحرب التي يخوضها الجيش السوداني ضد قوات الدعم السريع أن مئات الآلاف من العائلات السودانية طالها "الفقر المؤقت"؛ بعد أن سلب اللصوص المسلحون ممتلكاتهم ومدخراتهم وأجبروهم على الخروج من منازلهم إلى المجهول.

أصابت الحرب التي أوشكت أن تكمل عامها الأول العديد من القطاعات الحيوية بالشلل وهددت حياة الأفراد، وتسببت في موجة نزوح هائلة من الخرطوم (أكثر من 7 ملايين شخص) أجبروا على هجر منازلهم إلى مدن سودانية أخرى، وتقلص سكان العاصمة بمدنها الثلاث إلى حوالي 3 ملايين شخص.

والذين تمسكوا بالبقاء في الخرطوم ورفضوا الخروج منها، عاشوا بين شقي رحى وضع أمني خطر وشديد الهشاشة، تعكر صفوه أصوات الرصاص والمدافع والمعارك المتنقلة، وبين أثقال الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

وفي ظل هذا الواقع الماثل فقد كان متوقعا على نطاق واسع أن تكون المائدة الرمضانية المفتوحة أولى ضحايا الحرب، لكن ذلك لم يحدث.

تقليص أثر الحرب

وفي حي الحتانة العريق بأم درمان رصدت الجزيرة نت إحياء الأهالي لكافة المراسم المرتبطة بالإفطارات الجماعية منذ اليوم الأول في توقيتاتها المعروفة بدءا بنظافة المكان وفرش السجادات ورش محيط المكان بالماء ثم خروج أواني الطعام والمشروبات المثلجة والشاي والقهوة.

خرجت الموائد الرمضانية من البيوت إلى الشوارع في موعدها المعتاد وكأن شيئا لم يحدث. وكأن كل المخاوف والتحديات والصعوبات والمخاطر لم تكن تعني شيئا، وكأن غلاء الأسعار الشديد وضيق ذات اليد وأخطار التجمهر في منطقة عمليات حربية نشطة ليس له أي أثر، في مقابل إيفاء السودانيين بعهدهم وإعلان التزامهم بأهم تقاليدهم الدينية والاجتماعية في رمضان.

المظاهر المرتبطة بالإفطارات الجماعية هي ذاتها ما كان يحدث في كل حي من أحياء المدينة وفي كل عام، ولم تختلف كثيرا. إلا أن حجم ومستوى المائدة الخرطومية هذا العام، كما محتوى وطبيعة سمر الناس المصاحبة، كان رهينة للحرب وتأثيراتها العميقة.

وأدى تضافر الجهود لتوفير الظروف الملائمة لإحياء هذا التقليد السوداني الصميم وضمان استقراره وحمايته من الاندثار وسط عواصف الاضطرابات الأمنية والاقتصادية الناجمة عن الحرب.

مراكز العون الغذائي

عثمان الجندي صحفي شاب وناشط في مجال العمل الإنساني، كرّس جهوده بعد نشوب الحرب لتوفير الدعم الغذائي والدوائي لأهالي المدينة المنكوبة الذين تمسكوا بالبقاء فيها، أو الذين وجدوا أنفسهم عالقين بين خطوط النار من دون موارد مالية تساعدهم على الخروج إلى مناطق أكثر أمنا.

يقول الجندي للجزيرة نت إن مجموعات الدعم الإنساني كرست جهودها لسد الثغرات وتمكين السودانيين من أداء فريضتهم بالصورة والشكل الذي توارثوه من أجدادهم وعاشوا عليه طوال حياتهم، وذلك بالتعاون مع الداعمين في المؤسسات الحكومية والأهلية ورجال الأعمال.

وآتت الجهود المتفانية التي يقوم بها عثمان وفريقه مع طواقم أخرى أنشأت مراكز للعون الغذائي في مدن الخرطوم الثلاث ثمرتها، فقد منحت سكان العاصمة السودانية تجربة رمضانية كاملة رغم عسف الحرب وضغوط المعيشة.

وبطبيعة الحال فقد كانت هناك تباينات في الحجم والمستوى وحتى في المزاج العام، لكن تجربة هذا العام الاستثنائي ستبقى خالدة لسنوات طويلة ومصدرا للإلهام المتجدد، بعد أن يقلب السودانيون صفحة الحرب ويستأنفوا حياتهم الطبيعية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات

إقرأ أيضاً:

ابنة مارادونا تتحدى المافيا وتطالب بكشف السبب الحقيقي لوفاته

طالبت دالما ابنة أسطورة كرة القدم الأرجنتينية الراحل دييغو أرماندو مارادونا بالكشف عن الحقيقة فيما يتعلق بملابسات وفاة والدها عام 2020، واعترفت في الوقت نفسه بأن عائلتها تخشى من المافيا.

ومن المقرر أن تبدأ في 11 مارس/آذار الجاري محاكمة الفريق الطبي المتهم بالتقصير والتسبب في وفاة مارادونا، وعلى إثر ذلك تطالب ابنته بتحقيق العدالة.

وظهرت دالما (37 عاما) في -بودكاست- قالت فيه إن "أمي قلقة لأنها خائفة، نخاف من المافيا، من أولئك الذين لديهم المال والسلطة ويتحكمون بكل شيء".

Dalma Maradona se quebró en Bondi al pedir justicia por la muerte de su padre: "mi madre tiene miedo, a mi no me importa, pero esta gente maneja todo, ponen la plata y te hacen desaparecer del mapa" pic.twitter.com/1U43qRStWt

— emi (@eeemiliano) February 26, 2025

وأضافت "أمي تطالبني طوال الوقت بالصمت، توجه لي كلاما على شاكلة لا تقولي شيئا فأنا خائفة، لكن لا أستطيع، فأنا مدينة له بذلك (لوالدها لكشف الحقيقة)".

وأضافت باكية "لكن أنا لا أهتم لهم، فأنا أعرف من أواجه ولا يمكنني أن أبقى صامتة، يجب أن يعرف الناس الحقيقة".

???? El DESCONSOLADO LLANTO de Dalma Maradona A DÍAS DEL JUICIO por la muerte de su padre

Cc #ALaTarde @JotaxTV pic.twitter.com/Lwt9DEQMDu

— América TV (@AmericaTV) February 26, 2025

إعلان

وتوفي مارادونا يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 في منزله الكائن بالعاصمة الأرجنتينية بسبب أزمة قلبية.

وفي ذلك الوقت سجل سبب وفاة مارادونا بشكل رسمي على أنه "أزمة رئوية حادة ناتجة عن تفاقم فشل القلب المزمن" وفق ما ذكرت صحيفة "ذا صن" البريطانية.

وفي الوقت نفسه، اتهمت عائلة مارادونا الفريق الطبي بالإهمال واعتبرت أن تقصيره ساهم في وفاته.

Dalma Maradona, presente en el palco de Diego en La Bombonera. ¡FUERZA! pic.twitter.com/fFKPuSel5B

— TyC Sports (@TyCSports) November 29, 2020

وخلص تحقيق أُجري عام 2021 إلى نتيجة مفادها أن الفريق الطبي لمارادونا تعامل معه بطريقة "غير مناسبة، وغير كفؤة، ومتهورة".

وأكد ذلك التحقيق أن أسطورة كرة القدم الأرجنتينية كان سيحظى بفرصة جيدة للبقاء على قيد الحياة في حال تلقى "رعاية طبية مناسبة".

وفي حال إدانة الفريق الطبي المكوّن من 8 أفراد بالتسبب في وفاة مارادونا، فإنهم سيواجهون عقوبة السجن لمدة تصل إلى 25 عاما.

ويُعد مارادونا واحدا من أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم، وهناك من يعتبره بأنه الأفضل على الإطلاق.

وخلال مسيرته الكروية حقق مارادونا العديد من الألقاب أبرزها على الإطلاق كأس العالم 1986 مع منتخب الأرجنتين، كما أهدى لقب الدوري الإيطالي لفريق نابولي.

مقالات مشابهة

  • مكاسب الجيش في العاصمة… هل تُنهي حرب السودان؟ توقعات بأن تنتقل المعارك منها إلى غرب البلاد
  • السودان: هل تنهي مكاسب الجيش في العاصمة الحرب؟
  • عادات رمضانية في المغرب ومصر.. تنوع ثقافي ووحدة روحية
  • أشهرها الفروع والمفارش والفانوس .. زينة رمضان تدخل البهجة بشوارع القليوبية |شاهد
  • المسحراتي يجوب الشوارع.. بدون موافقات أمنية في سوريا
  • لجنة توفيق أوضاع مراكز الإيواء بالخرطوم تضع ترتيبات الإنتقال لمواقع بديلة دعما لاستقرار العام الدراسي
  • ابنة مارادونا تتحدى المافيا وتطالب بكشف السبب الحقيقي لوفاته
  • عادة رمضانية قد تسبب مشكلات صحية عديدة
  • أستاذ قانون دولي عن الحكومة الموازية السودانية: تعكس تحديات قانونية وسياسية
  • كيا تتحدى رينو وفولكس فاجن بهذه السيارة الكهربائية EV1