وسط حديث متكرر عن هدنة أو وقف دائم لإطلاق النار فى قطاع غزة المنكوب بفعل الهجمات الإسرائيلية الوحشية، يبقى الواقع المرير المهدد بمجاعة أشد قسوة وضراوة فى حصد أرواح سكان الشريط الساحلى الضيق الذى يأوى أكثر من مليونى فلسطينى، باتوا اليوم رهينة لألاعيب«انتخابية» بين رئيس الوزراء الإسرائيلى بينيامين نتنياهو، والرئيس الأمريكى جو بايدن.
ينشط الحديث حاليًا عن تصعيد بين بايدن ونتنياهو الذى لا يستجيب لسيده فى البيت الأبيض الذى يحاول أن يذكره مرة تلو الأخرى أن السلاح الأمريكى والمساعدات التى تقدمها واشنطن هى الفيصل فى بقاء كيان محتل تعرض جيشه فى السابع من أكتوبر الماضى لهزيمة مذلة على يد المقاومة الفلسطينة التى لا تزال تقاتل بعد أكثر من 5 أشهر على العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، وما خلفه من قتل وتشريد لعشرات ألوف الفلسطينيين.
يواصل نتنياهو التهديد باجتياح رفح، متجاهلًا الضغوط من أجل هدنة يمكن من خلالها تكثيف المساعدات الغذائية إلى سكان غزة مع تجديد مسئولى الأمم المتحدة تحذيرهم من الخطر الوشيك بحدوث مجاعة فى القطاع فى ظل موت المزيد من الأطفال جوعًا، وهى كارثة إنسانية تفضح الضمائر الخربة والمتخاذلة عن إنقاذ أرواح مئات آلاف البشر.
وللوقوف على حجم الكارثة الإنسانية التى تنتظر الفلسطينيين فى قطاع غزة، بسبب نقص الغذاء والدواء، واستنادًا لأحدث تقارير مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية فإن «خطر الموت جوعًا فى غزة آخذًا فى التزايد، ما يؤثر بشكل غير متناسب على الأطفال والنساء الحوامل، ويتفاقم بسبب عدم كفاية المياه وخدمات الصرف الصحى والخدمات الصحية، وانقطاع إمدادات الطاقة والوقود، وتدمير إنتاج الغذاء والزراعة».
أما منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) فتقول إنه واعتبارًا من 7 فبراير، فإن جميع سكان غزة البالغ عددهم 2ر2 مليون نسمة يواجهون مستويات عالية من انعدام حاد للأمن الغذائى، وأن أكثر من 50% منهم وصل إلى مستوى الطوارئ، ويواجه واحد على الأقل من كل أربعة ظروفًا كارثية.
بدوره قال مارتن جريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الإنسانية ومنسق الإغاثة فى حالات الطوارئ، إن «الحياة تستنزف من غزة بسرعة مرعبة». وغير بعيد ما قالته أيضًا وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) من أن «الجوع بات فى كل مكان بقطاع غزة، وأن الوضع فى شمال القطاع مأساوى، حيث تمنع المساعدات البرية رغم النداءات المتكررة».
لاحظ المفردات التى تستخدمها المنظمات ووكالات الإغاثة الانسانية فى توصيف ما يحدث فى غزة، مثل «الوضع المأساوى، والكارثى، والمرعب، وانعدام الأمن الغذائى.. إلخ»، وهى كلمات ربما تكون أقل بكثير لوصف الأمر على أرض الواقع بعد أن أكل الناس الحشائش وشربوا مياه البحر، وناموا فى العراء وغرقوا فى الماء من أجل حفنة طحين ألقتها طائرات من السماء.
وفى ظل هذه المأساة، لا تتوقف الألاعيب الأمريكية، ولا تخجل إدارة بايدن عن استغلال حاجة الفلسطينيين للمساعدات، فيقدم ورقته الجديدة لتحقيق أغراض يبدو بعضها مريبًا، عبر إرسال سفينة تحمل معدات لإقامة رصيف بحرى عائم قبالة سواحل غزة لاستقبال سفن المساعدات، بدلًا من الضغط لفتح المعابر البرية جميعا، لإيصال تلك المساعدات التى تتحكم إسرائيل فى تدفقها.
الرصيف البحرى أو الميناء الذى تعمل الولايات المتحدة على إقامته ندد به المقرر الأممى الخاص المعنى بالحق فى الغذاء مايكل فخرى واعتبره عملًا خبيثًا، كما قال إنه «للمرة الأولى أسمع أحدا يقول إننا بحاجة إلى استخدام رصيف بحرى.. لم يطلب أحد رصيفًا بحريًا، لا الشعب الفلسطينى ولا المجتمع الإنسانى».
شبح المجاعة يهدد غزة مع كل طلعة نهار، والصمت على ما يدور جريمة، ومنح تل أبيب وواشنطن الفرص لتحقيق أغراض دنيئة على حساب الشعب الفلسطينى لا يجب السكوت عليه، بل الواجب فضحة وتعريته، علنًا نمنع جزءًا من المأساة الفلسطينية الجديدة.
(الشروق المصرية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة امريكا غزة تجويع مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الترند.. و"حرمة البيوت"
كاميرا أى موبايل محدود الإمكانيات، تستطيع من خلالها الانتقال إلى عوالم من التفاعل مع أناس لا تعرفهم، وحصد الملايين من المشاركات والإعجاب بما تقدمه، وبالتالي حصد الملايين من الجنيهات بل والدولارات أيضا، وهو ما تابعناه خلال السنوات الأخيرة من "ربات بيوت" محدودات الإمكانيات، وقد تحولن إلى سيدات "ثريات" يسكنّ الفلل ويتنقلن بالسيارات الفارهة ويستقدمن الخادمات، كل ذلك بفضل فضاء السوشيال ميديا الذى أصبح الكثيرون يلهثون وراءه.
فوضى السوشيال ميديا التى أصابت الكثيرين بـ"الهوس" لم يقتصر تأثيرها على صانع المحتوى الذى استباح خصوصيات حياته وحرمة بيته ونشرها على الملأ، رغبة فى جني المزيد من الأموال، ولكنها أثرت أيضا على المتلقي الذى أدمن المشاهدة واعتاد عليها بعد أن تسللت كالمخدر إلى عقله وسيطرت عليه وعملت شيئا فشيئا على تفتيت الثوابت والقيم، منذ فترة تابعت صفحات بعض السيدات وكانت فى البداية عبارة عن استعراض مهارات الطبخ، ولكن مع تتابع الحلقات وزيادة عدد زوار الصفحات تطور الأمر بكثير منهن، وتطرقن إلى موضوعات ومسائل شخصية غاية فى الخصوصية، وهو ما دفعني إلى الغاء المتابعة لكل تلك الصفحات التى تمر أمامي على الفيسبوك من دون أن أبحث عنها.
للأسف الظاهرة يبدو أنها تحولت إلى النخبة من أصحاب المهن ومنهم الأطباء، ولعل ما أثارته طبيبة كفر الدوار من جدل بسبب طريقتها "الفاحشة" فى الحديث عن خصوصيات مرضاها، والتى أقسمت على الحفاظ عليها بحكم وظيفتها، جدد الحديث من جديد حول هذا "الجنون" الذى أصاب البعض جريا وراء الأرباح المادية، وهو هدفها ولا شيء غيره، ومن ثم فلا أتفق مع الرأى القائل إن الطبيبة لم تذكر أسماء ولكنها تحدثت عن واقع موجود بالفعل، وهو أمر مرفوض بالطبع، فإذا كانت تهتم بالتوعية فليست السوشيال ميديا مكانا مناسبا، وخاصة فى مثل هذه الأمور الدقيقة.
الأرباح الخيالية التى يحققها هؤلاء "اليوتيوبرز" يبدو أنها أصابتهم بالهوس، فاستباحوا خصوصياتهم لنشرها على الملأ، غير عابئين بتأثير ذلك على حياتهم الشخصية، ولا انعكاسات ذلك على الآخرين، فالمال هو المبتغى والمراد ومن أجله يهون كل شيء.
ظاهرة اليوتيوبرز بدأت فى مصر منذ عدة سنوات، لكنها أصبحت منتشرة على نطاق واسع خلال الآونة الأخيرة، ورأينا كيف حقق عدد كبير منهم وباختلاف المحتوى الذى يقومون بتقديمه، شهرة واسعة حتى تخطى المليون متابع على حساباتهم بالمنصات المختلفة، كما حققت القنوات الخاصة بهم عبر اليوتيوب ملايين الأرباح، ووفقا للأرقام المعلنة حقق زوجان أكثر من 92 مليون مشاهدة خلال شهر واحد فقط، بأرباح وصلت الى 4 ملايين و400 ألف دولار، وآخر وصلت أرباحه لما يزيد على 200 مليون مشاهدة خلال شهر واحد، وربحا سنويا بلغ 9 ملايين و600 ألف دولار.
بالتأكيد فإن خللا ما قد أحدث هذه الحالة الجديدة على مجتمعنا والتى أسهمت مواقع التواصل الاجتماعي فى الوصول إليها.. وبالتأكيد أيضا أن هوس الميديا فى بعض الاحيان والترند فى أحيان أخرى، أفقد البعض "اتزانهم النفسي"، وغيب الحكمة والعقلانية من تصرفاتهم، فأصبحوا مادة للفضائح والنميمة وكشف "الستر، وهو ما يستوجب وقفة مع النفس أولا ثم بإجراءات تقنين مسئولة تحد من هذا "الغثاء القاتل".