الجزيرة:
2024-09-17@03:02:28 GMT

الحَسْبَرة.. كيف تخفي أثر الجريمة؟

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

الحَسْبَرة.. كيف تخفي أثر الجريمة؟

لم يكن في سيناء من فدائيين فلسطينيين عندما قال مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، 1956؛ إنّ بلاده اضطرت لاحتلالها لإبعاد الفدائيين عن الحدود، ولإيقاف المجازر التي تُرتكب بحق شعب إسرائيل.

كانت إسرائيل تعمل من أجل فرصة للانقضاض على شبه جزيرة سيناء، وقد أتاح لها العدوان الفرنسي – البريطاني على مصر فرصة لتحقيق ذلك.

وقفت أميركا ضد العدوان، ونفذت إجراءات اقتصادية عقابية بحق بريطانيا، ووبخت إسرائيل.

كان آيزنهاور يستعد لجولة انتخابية جديدة، وكانت الدبابات الروسية تقتحم الأراضي الهنغارية. علل الرئيس الأميركي موقف بلاده بالقول؛ إنّ اللجوء إلى القوة لحل الخلافات السياسية سيضر بالأمن العالمي.

من أجل إدانة الزحف السوفياتي على شرق أوروبا، وحشد العالم ضد ذلك الغزو، كان لا بد من إدانة غزو مثيل ينفذه حلفاء آيزنهاور. راحت إسرائيل تفسّر الجزء الخاص بها من الحرب، فهي لا تغزو وإنما تدافع عن حق شعب إسرائيل في الوجود. تعلمت إسرائيل من تلك الحرب أن عليها أن تلبس ثياب الضحية قبل إطلاق النار، حتى لا تضطر لخوض عمل دعائي شاق دفاعًا عن أفعالها.

في الأسابيع التي سبقت نكسة يونيو/ حزيران، 1967، قرّر عبد الناصر إغلاق مضيق تيران بقوات محدودة بلا غطاء جوي. انطلق الإعلام الإسرائيلي في موّال من البكاء والتفجع حول شعب إسرائيل الذي يتعرض للخنق والتجويع. وعندما طلب الأميركيون تقريرًا يفصّل حجم الضرر الذي سيلحق بإسرائيل جراء إغلاق مضيق تيران رفض قادة تل أبيب الرد، إذ باستثناء النفط القادم من إيران فإن المبادلات التجارية مع العالم كانت تمر عبر الموانئ الأخرى.

عكفت إسرائيل على التحكم في السرديات قبل الأزمات وبعدها. بحلول الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت قد ملأت "يوتيوب" ومنصة "إكس" بإعلانات مؤثرة حول المأساة التي حلّت بأطفالها

التدمير الذي ألحقته القوات الإسرائيلية بالبلدان العربية، بعد ذلك بأيام، حمل مشروعيته الأخلاقية. فلا يوجد جيش في العالم يقف متفرجًا والأعداء يخنقون شعبه ويمنعون عنه الوقود والغذاء.

إن حسبرة (Hasbara)  كلمة عبرية أثيرة وتعني في العبرية الكلاسيكية التوضيح. مع الأيام صارت تشير إلى الدبلوماسية العامة لإسرائيل، وهي لون من البروباغندا المستدامة التي تتحكم بالسردية الطالعة من الشرق الأوسط، وتديرها بما يحقق أمرين في آن واحد: ترك صورة حسنة عن إسرائيل، وأخرى قاتمة عن شعب فلسطين.

داخل نظام الحسبرة تحرص إسرائيل على تقديم نفسها كضحية تتعرض للتهديد، وأن ذلك يحدث بسبب كونها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وبسبب ديانة شعبها. الفلسطيني، وفقًا للحسبرة، هو نظام فاسد في رام الله، جماعات إرهابية في غزة، ومجموعات بشرية متناثرة تلقن أولادها كراهية اليهود.

تدرك إسرائيل أهمية الرأي العام العالمي، وتبذل جهدًا كبيرًا في سبيل صيانة صورتها الخارجية. فهي وإن لم تنجح في أن تصير بلدًا لكل يهود العالم، فقد تحولت إلى كعبة الديانة اليهودية، ولا بد من إبقاء صورتها لامعة وملهمة في نظر العالم.

الاستطلاع الذي أجراه مركز بيو، المتخصص في قياس الرأي، في العام 2019 كشف عن أن 45% من اليهود الأميركيين قد زاروا إسرائيل مرّة واحدة على الأقل في حياتهم، وأن 82 %منهم يرون العناية بإسرائيل وشؤونها مسألة تقع في صلب هويتهم اليهودية. تشمل أنشطة العناية، صيانة صورة إسرائيل، والتدريب على وسائل الحسبرة وتقنياتها.

في العام 2002، تحت إيقاع الانتفاضة الثانية، نشر الاتحاد الدولي للطلبة اليهود "كتاب حسبرة، كيف تدافع عن إسرائيل في الحرم الجامعي؟". يقع الكتاب في 131 صفحة، أخذ نصفه الأول في شرح عدد من المسائل المتعلقة بالاتصال بالعالم كالكتابة، الخطابة والمراسلات. بينما انفرد الجزء الأخير منه بتلقين الطالب اليهودي المعضلة وحلّها، مثل: مسألة اللاجئين، الإرهاب، مفاوضات كامب ديفيد، الاستيطان، وسواها.

في شأن الاستيطان يتوجب على الطالب اليهودي أن يردد هذه الكلمات: لا توجد مشاريع استيطانية جديدة، هناك توسع طبيعي للأسر اليهودية التي تضاعف عدد أفرادها.

وأمام "الادعاء" القائل إن وجود إسرائيل يزعزع أمن الشرق الأوسط، يتعيّن على الطالب اليهودي، في أي مكان في العالم، أن يعالج المسألة بهذه الكلمات: يعاني الشرق الأوسط من اضطراب عميق بسبب الانقسام الديني بين شعوبه، وكنتيجة طبيعية للإرث الاستعماري. فضلًا عن جملة من الأزمات المعقدة، مثل: الحرب العراقية – الإيرانية، الثورة الإسلامية الإيرانية، الاحتلال العراقي للكويت، الصراع الإسلامي- العلماني في مصر، وبفعل الثروة النفطية الهائلة التي يذهب رَيعها للنخب الحاكمة دون شعوبها.

عكفت إسرائيل على التحكم في السرديات قبل الأزمات وبعدها. بحلول الثاني عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2023 كانت قد ملأت "يوتيوب" ومنصة "إكس" بإعلانات مؤثرة حول المأساة التي حلّت بأطفالها.

بعض تلك الإعلانات ينتهي بعبارة: "نعلم أن الأطفال لا يستطيعون قراءة ما هو مكتوب هنا، ولكن الآباء يقدرون. صلوا لأجل الأسر التي فقدت أطفالها في إسرائيل". في واحدة منها تبرز صورة ضبابية لجثة طفل مضرّج بالدماء، مع مناشدة إلى الآباء – الغربيين تحديدًا- بأن يحتضنوا أطفالهم.

استخدمت إسرائيل الطفولة في صناعة الضحية منذ سنوات التأسيس المبكّرة. أثناء الحرب العالمية الثانية، بعد العام 1942، شرعت آنّا فرانك، 13 عامًا آنذاك، في تدوين يومياتها في قبو بمدينة أمستردام. في الوقت نفسه كانت يهودية أخرى تفعل الشيء نفسه من النرويج، وكانت تدعى روث ماير، فرّت إليها من مدينة فرانكفورت.

ما دونته ماير أكثر شمولًا وبلاغة مما فعلته فرانك، إلا أنها كانت شابة في الثانية والعشرين، حين فقدت حياتها في معسكر للنازية، لذا فقد بقيت مذكراتها مهملة حتى العام 2008، وبالكاد لاقت رواجًا.

تبحث الحسبرة عن صور ثرية، غير تقليدية، لتعزيز خطابها، وهو ما توفره أنّا فرانك أكثر مما تقدمه روث ماير. من خلال حكاية أنّا فرانك استطاعت إسرائيل أن تعذب الضمير الأوروبي لما يزيد عن نصف قرن.

تعمل الظاهرة الاستعمارية، بمختلف تشكيلاتها، على الحط من إنسانية السكان الأصليين، كالادعاء بأنهم يحملون جينات مجرمين في حمضهم النووي، كما لاحظ الكاتب النيجيري بيكو أغوزينو. شيطنة السكان الأصليين سهلت من عملية محوهم، فعندما تكون المشكلة في الجينات فإن كل وسيلة إصلاح تغدو عبثًا.

في الأيام الأولى من الحرب على غزة وصف نتنياهو أطفال فلسطين بأبناء الظلام، مقابل أبناء النور في إسرائيل. تذهب إسرائيل إلى كل حرب بعد أن تبني قصة الضحية وتنشرها على نطاق واسع. الضحية لا يُتوقع منها أذى، وهكذا تتجرأ إسرائيل على الحديث حول الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، والديمقراطية الوحيدة في المنطقة.

صار العالم، بسبب من وفرة المعلومات، أكثر قدرة على الرؤية، وصار بمستطاع الفرد العادي وصل الأزمنة ببعضها وإلقاء نظرة شاملة على ما يجري فيها.

من المثير أن نلاحظ أن خطاب الحسبرة لا يزال يعمل بالطريقة نفسها: الضحية الإسرائيلية المحاطة بالهمجي. تركت إسرائيل خلف ظهرها جملة من التعقيدات التي لا يمكن إخفاؤها عن طريق الحسبرة وحدها، كاللاجئين، الاحتلال، الحصار، الفصل العنصري، وانتهاك القانون الدولي.

مع كل عملية عسكرية تشنها إسرائيل داخل الأراضي الفلسطينية يُعاد إنتاج كل هذه القضايا بما يفقد الحسبرة قدرتها على التأثير. لا تجري الحروب في الفراغ، بل في سياق تاريخي مركّب. فقد قالت نتيجة الاستطلاع الذي أجرته منظمة "غلوب سكان"، مقرها كندا، في العام 2013 وشمل 25 دولة في العالم: إن 21% فقط يحملون صورة إيجابية عن إسرائيل.

جاءت هذه النتيجة بعد عام من حرب غزة 2012. في يوليو/تموز 2014 عاودت إسرائيل حربها على غزة، معززة بضجيج الحسبرة العالي عن الجيش الأخلاقي الذي يدافع عن حق اليهود في العيش.

بُعيد انتهاء الحرب أجرت "تشاتام هاوس" استطلاعًا داخل بريطانيا، نشرت نتائجه في العام 2015، لتلاحظ أن كوريا الشمالية هي الدولة الوحيدة التي تفوقت على إسرائيل في سوء السمعة.

وفي هذه الحرب استطاعت منظومة الحسبرة أن تضع أكاذيبها على لسان الرئيس الأميركي نفسه، وأن تدفع قادة الدول الديمقراطية إلى ترديد أحط أنواع الأكاذيب، وبرغم كل ذلك فقد ذهبت إسرائيل لأول مرّة إلى محكمة العدل الدولية محاطة باتهام عالي المعقولية بارتكاب جريمة إبادة بشرية.

ليس لإسرائيل سياسة خارجية بل داخلية، كما لاحظ كيسنجر. تستعيض عن السياسة الخارجية من خلال الحسبرة. يقول كتاب حسبرة، المشار إليه أعلاه: إن على الطالب اليهودي أن ينقل النقاش حول السلام كمبدأ إلى السلام كصيرورة، وأن يتجنب الخوض في المآلات. تتطلب الحسبرة صورة صغيرة لتبني عليها كيانًا كبيرًا، وإذا لم تجدها فإنها تخترعها.

فعندما وقف إدوارد سعيد، يوليو/تموز 2000م، بالقرب من الحدود الإسرائيلية- اللبنانية ورمى حجرًا باتجاه الحاجز انطلقت آلة الحسبرة لتفعل فعلها، وكاد بروفيسور الأدب الإنجليزي يخسر مكانه في جامعة كولومبيا.

الحجر الذي ألقاه سعيد، في سباق مع ابنته، صار دليلًا إضافيًا على همجية الفلسطيني وإن كان أستاذًا للأدب الإنجليزي. تحت وقع سياط الحسبرة عاتب سعيد أصدقاءه العرب، قال؛ إنه كان يود لو استطاع مجاملتهم بطريقة أخرى غير تلك، كما يروي شكيب كاظم في القدس العربي.

تستطيع آلة الحسبرة خلق حقائق بديلة، أولى ضحايا تلك الآلة الشعب الإسرائيلي نفسه. في كتابهما "النكبة بالعبرية"، الصادر حديثًا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، يتحدث الزوجان إيتان وإليونور برونشتاين عن الحسبرة داخل منظومة التعليم المدرسي، إذ يبدو العربي الفلسطيني بربريًّا يعمل بلا كلل من أجل اجتثاث إسرائيل.

يتعلم التلاميذ أنه ما من مساحة للالتقاء مع الفلسطيني، إما إسرائيل من البحر إلى النهر أو فلسطين. يعمل الجيش – يقول المؤلفان- في خدمة تلك السردية، ومن وقت إلى آخر يقتحم جنرالاته المدارس ويتحدثون إلى التلاميذ على نحو مباشر.

في الحرب الراهنة تعمل آلة الحسبرة داخليًا ببراعة بعد أن خسرت أثرها الخارجي، ولا يزال شعب إسرائيل بأغلبية ملاحظة يؤيد المزيد من الحرب على غزة، ويشعر بالخوف.

ليست الحرب هي سبب الخوف الإسرائيلي المستدام، بل آلة الحسبرة التي تضع الإسرائيلي على صفيح ساخن، تعيده إلى تاريخه حيث نام طويلًا على حقائبه المعبأة، متأهبًا للرحيل على الدوام. فقد قالت دراسة أجراها مركز الكنيست للبحث والمعلومات، 2019: إن قرابة نصف الإسرائيليين في الشمال والجنوب لا يشعرون بالأمن، وأن ثلثهم يفكرون بالرحيل إلى مناطق أكثر أمنًا.

تتذكر إليونور برونشتاين في "النكبة بالعبرية" اللحظة التي اكتشفت فيها، وهي فرنسية الأصل، يهوديتها. كانت تلعب في طفولتها مع ابنة خالتها، ووجدت نفسها تقول: "إذا عاد النازيون فإنك ستكونين على رأس القائمة عندهم، لأنك يهودية"، لترد عليها: "أنت أيضًا يهودية، وسيأخذونك كذلك". تصاب بالخوف فجأة، فذلك معنى أن يكون المرء يهوديًا.

الحسبرة التي لا تكف عن القول؛ إن خطرًا وجوديًا يحيط بإسرائيل تعجز عن غش العالم كل الوقت، ولكنها تنجح داخليًّا، تخلق المواطن الخائف، والحقائب المعبأة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات شعب إسرائیل إسرائیل على إسرائیل فی فی العالم فی العام التی ت

إقرأ أيضاً:

‏كتابات في زمن الطوفان: حكاية المقاتل الفلسطيني الذي أدهش العالم

كان كميناً محكماً للغاية . . استطاع فيه “سعد” ورفاقه الإيقاع بمجموعة من جنود لواء جولاني داخل أحد المباني المدمرة في شارع قيزان ابو رشوان بمدينة خان يونس
. . .
أفرغ سعد رصاصاته في أحد الجنود الإسرائيليين الذي كاد يقتل رفيقه الذي كان يداويه باعتباره جريحا واستغل التفاتة رفيقه لأخذ حقيبة العلاج من جديد ليشهر خنجره يريد طعنه في جانبه . . .
. . .
ظهر “سعد” في تلك اللحظة وهو يشاهد الجندي الإسرائيلي ويده الممسكة بالخنجر تهوي على يد رفيقه “نجاح” ليشهر بسرعة بندقيته في سرعة مدهشة ويكمل إفراغ خزانة بندقيته في الجندي الإسرائيلي، ليهوي صريعا، فيما رفيقه نجاح لم يلتفت بعد والتفت مذعورا على صوت الرصاص، ليشاهد سعد ممسكا ببندقيته فيما الجندي الإسرائيلي يرقد في بركة من الدماء والخنجر لا يزال على راحة يده المضرجة بالدماء . .
. ..
يعود رفاقهم على صوت الرصاص وبكلمات سريعة يشرحان لهم ما حصل . .
ليعودوا لإكمال مهمتهم بتجميع وتكديس جثث الجنود العشرة .
. . .
يخرج سعد لاستطلاع وتأمين المكان ليغادروا المكان بتوجيه من قائده . .
يواصل سعد المشي ويعاين الطريق يبتعد قليلا بمسافة منزلين من رفاقه وفجأة . . تلتقطه إشارة طائرة درون هجومية . . .
. . .
كشف الجيش الإسرائيلي عن أنه بدأ استخدام طائرات مسيّرة عن بعد من نوع «نيتسوف» في كافة أنحاء قطاع غزة، ضمن مشروع «غيوم العاصفة» الذي كشف عنه لأول مرة عام 2022.
وتعدُّ هذه المسيّرات هادئة لا يشعر بها من تهاجمه، وتستطيع البقاء لفترة طويلة فوق أراضي العدو دون اكتشافها، وتعمل بمجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار المتقدمة. وقال الناطق بلسان الجيش: إن هذا النوع من الطائرات من دون طيار يستطيع تحديد مواقع عناصر «حماس» في المناطق المعقدة في غزة.
تم إنتاج المسيَّرة في مصانع شركة رفائيل الحكومية، وأُطلق عليها اسم «الغيوم العاصفة». وقد تم تكليف «السرب 144» بتشغيلها مع سلاح المشاة، وأن يطلقها من قاعدة «حتسيريم». وستكون مهمتها الأساسية جمع معلومات استخباراتية عن خلايا ميدانية منتشرة في مناطق واسعة النطاق، حيث يعمل المسلحون في المناطق الضيقة والمتشابكة والمأهولة بالسكان. وهي تنقل المعلومات بسرعة إلى المروحيات القتالية في سلاح الجو وشعبة الاستخبارات العسكرية كي تهاجمهم. ولذلك تسمى أيضاً «برق» وقد تمت إضافة خدمة اطلاق الرصاص من هذه المسيرة مؤخراً .
واصل سعد ركضه عكس اتجاه رفاقه . . . وبعد أن أصبح بعيدا عن زملائه كفاية وعلى بعد أربعة منازل . .
عرف سعد أن الطائرة “الزنانة” لا تزال تلاحقه وعرف أنه لا مناص منها . . أمسك جهاز المناداة، أخبر قائده أن طائرة بدون طيار قد التقطته . .
عليك بالعودة فوراً
ما بقدر
لماذا هل أنت جريح سناتي إليك
لا لكنهم سبكتشفون مكانكم
لا عليك عُد بسرعة
ما بقدر
هذا توجيه يا سعد عُد الآن
يصرخ من جوار القائد شقيقه أحمد : براس امنا تعود يا سعد
يصمت سعد ويغلق جهاز المناداة . .
واصل سعد تحركه مبتعدا عن مكان زملائه . . كان يجري بطريقة متعرجة
قفز لداخل حوش صغير يستخدم كمستودع مفتوح، خلع جهاز المناداة وقام بتكسيره وتدميره تماما.
بعد أن اطمأن لتدمير جهاز المناداة .
حانت منه التفاتة للأعلى تجاه الطائرة ليصوب بندقيته باتجاهها تك تك . .
سعد أدرك أن خزانة بندقيته كانت فارغة تماما .
فبدأ بالهروب من الطائرة التي أصابته إحدى رصاصاته في كتفه . .
واصل سعد هروبه منها بالركض بخط متعرج وفجأة رصاصة تصيبه في منتصف ظهره تماما ليهوي للأرض ويشعر بالنار تخترق أحشاءه من الخلف . . كانت الآلام مروعة . .
تحامل على نفسه وبدأ بالزحف باتجاه مدخل بناية مدمرة . . رصاصتان أخريان تصيبه في فخذه بدأ سعد ينزف بغزارة .
يتذكر سعد والدته العجوز الطيبة السبعينية . . زوجته. وطفلتيه اللائي استشهدوا في عدوان 2014
يشاهد طفلتيه التوأم وزوجته تهدهد هما للنوم بالأغنية الفلسطينية الشهيرة :
يالله تنام يلاتنام لاذبحلها طير الحمام
روح يا حمام لا تصدق بضحك ع ريما لتنام
يتذكر مشهد مقتل الطفل محمد الدرة .. كيف كان الجنود الإسرائيليون يقتلونه ببطء لأكثر من ساعة أمام مرأى العالم .
تواصل الطائرة رصده واستهدافه، يلوح بيده ساخراً منها .
يشاهد أمه وهي تدعو له ولشقيقه على سجادتها : اللهم اجعل آخر دنيتي من الدنيا سجدة رضا لك يا ملاذ الحائرين .. يا دليل التائهين .. يا أمان الخائفين . .
لترصد الطائرة سعد ومن ورائها الصهاينة ومن ورائهم العالم مشهداً أرعبهم وتحول مشهد الضعف الذي أرادوه لمشهد اقشعر منه العالم طمأنينة وثباتا .
فسعد المقاتل الفلسطيني- ورغم كل جراحه والدماء التي نزفها – توجه لله بالسجود سجدة الحامدين الشاكرين العظماء .
شهيداً عظيماً على طريق القدس . .

مقالات مشابهة

  • ‏كتابات في زمن الطوفان: حكاية المقاتل الفلسطيني الذي أدهش العالم
  • عمرو خليل: إسرائيل في أزمة كبرى أمام العالم ولا يوجد ما يبرر جرائمها
  • إسرائيل تخفض تقديرها لنمو الاقتصاد إلى 0.7% في الربع الثاني
  • أبو الغيط: إسرائيل تزرع الكراهية وتقوض هيكل السلام الذي استقر لعقود
  • شخص يقتل والده ويدفن جثّته لإخفاء الجريمة في لواء الرويشد
  • ناهد الحلبي: والدتي كانت الزوجة الـ12 لأبي الذي كان يكبرها بنصف قرن
  • معلومات عن الصاروخ الذي أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • 10 علامات من السماء: المعجزات التي شهدها العالم يوم ميلاد النبي
  • صحف عالمية: الحرب جعلت غزة أغلى مكان في العالم وبيانات إسرائيل غير حقيقية
  • ‏الشهري: الأهداف التي تلقاها النصر كانت من أخطاء في بناء الهجمة.. فيديو