الجزيرة:
2025-01-31@16:45:40 GMT

القسام.. فكرة القوة أم قوة الفكرة؟

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

القسام.. فكرة القوة أم قوة الفكرة؟

الجيش، نفوذ عسكري، كان ولم يزل، في نظر العديد من المؤرخين، ميزانًا للقوّة في مواجهة الأخطار الخارجية، وضمانًا لاستقرار الحكم والسيادة، ضمن ما يسمى: العنف المقنن، وهو ما ثبتَ وَهْمِيّتهُ، حسب ما صرح به نفرٌ من علماء الذرة، رأوا في مبدأ توازن القوى" السيئ السمعة" نظامَ حرب متكاملًا، إما يكرر إخفاقاته، وإما يصنع حربًا جديدة من بقايا أخرى لم تحقق أهدافها.

لم يَعُدْ اعتبار هذا النفوذ -الذي يتبلور إلى شكل من أشكال الجريمة التكنولوجية المنظمة- مجرد ممارسة شرعية للعنف، أمرًا ممكنًا، ولم تعد الذرائع الأمنية الفالتة من قبضة الضوابط الأخلاقية، كافية للاقتناع بأسباب النفوذ، ما دامَت أنها مفتوحة على حلْبة الجحيم، ومدججة بصواريخ نووية في رأس الشيطان، وكتائب دموية ليوم القيامة؟!

لم يكن المؤرخون الغربيون على خطأ إذن – نعوم تشومسكي مثالًا- عندما توقعوا انهيار المنظومة العالمية برمتها على يد الآلة التي فاقت الإنسان غرورًا وبلطجة، ورغم ذاك فإننا نشهد صعود فئة تصحح مسار التاريخ، عبر استعادة الإنسان من آليات استلابه ومحاولات تجريده من جوهره الإنساني، لتعيده إلى حقبة الفروسية، منذ أن كانت القوسُ سرًّا من أسرار الشرف العسكري، ولك أن تتخيل كيف خطفت " الولّاعة " في يد القسامي أنظار العالم المهووس بالتكنولوجيا، فأعادت الاعتبار للجندي (الرّامي) في زمن جيوش الروبوتيك والأوتوماتيك.

القسام إذن لم تكن قوة مسلحة، بل قوة متسلحة بعناصر قيمية، ورسالة إيمانية أشجع بكثير مما يحظى به جنديٌّ إسرائيلي وغربي، ملحد

أنماط الحروب وأخلاقيات التكنولوجيا

تحدث " فولتير" عن أولئك الذين يرفضون اعتبار القتل الجماعي جريمة، ما دام أنه يُرتكب خلال الحرب.. فالحرب تبرر عندهم كل شيء، ما دامت هي القوة، ولذلك فرضتْ روما العظمى التجنيد الإجباري، وقد حشدتْ من المرتزقة صفوة الصفوة لهيكلة جيشها الأسطوري، بينما كانت أسبرطة ترسل الأطفال من سن السابعة، للخدمة الإلزامية العسكرية التي تمتدّ حتى عمر" الستين" في مجتمعات أوروبية كرستْ تاريخها كله في ميادين الدم.

تلك أممٌ مَجّدَت الحروب، وجعلتْ لها آلهة تُساق إليها القرابين البشرية، في عبودية مطلقة لقوة الشر العمياء!

لم يختلف الواقع الغربي المعاصر عن نواته الفكرية الغابرة، فحضارة القوة هي قوة الحضارة الوحيدة، إذ تغدو تكنولوجيا السلاح المنطقة الآمنة لتجار الساسة والهيمنة، ليس لأنها توفر بيئة أخلاقية للصراعات الدولية تحدّ من الخسائر البشرية والعنف، وتحتكم إلى نظام معلوماتي دقيق وحاسم، بل لما تم نشره من قراءات لأكاديميين ومؤرخين، تُنبئ بانحسار التجنيد الإجباري في المستقبل المنظور، مقابل دور محوري للقوة النارية التكنولوجية في إدارة النزاعات وإطالة أمد الحروب، وهو ما نراه رأي العين في أوكرانيا، وغزة، التي توعد "يوآف غالانت" بخوض حربه ضدها في كل مكان، وإلى أجل غير مسمى!

فأين هي جيوش (السكراب) العربية من كل هذا؟ نحن لا نراها إلا في حفلات النصب أو التنصيب، بالتالي لا يمكنك أن تعتبرها أمة مسلحة على طريقة نابليون؛ لأن سلاحها ينخره السوس ورصاصها (فيشنغ)، لا يكفي سوى لحراسة ممالك مارقة، لا تعبر عن مفهوم الدولة القومية، ولا تليق حتى بمتاحف الشمع أو حروب الدانتيل!

أثارت الحرب السيبرانية جدلًا أخلاقيًا، لافتقارها لتجليات النبل والبسالة في الأداء كما في حقول المواجهة الميدانية، مقلصة بذلك المجال الحيوي لمشاعر الجماهير وعواطفهم الجياشة التي يتفاعل معها إيقاع المعركة والتمَثُّل البطولي للمحارب.

كاد هذا الطقس ينقرض فعلًا، لولا اللقطات الموثقة للقسام، التي تداولها نشطاء العالم على السوشيال ميديا، مأخوذين بمشاهد الإقدام والاستبسال والاستهداف من "المسافة صفر".

كسبت القسام المعركة الأخلاقية والإعلامية بجدارة، فأطاحت بالدعاية الغربية، التي تنضوي تحت لوائها الأهداف العنصرية لإعادة تدوير الحملات الصليبية، وأسطورة الأرض التوراتية، فحتى الوعي العالمي بدا ناضجًا بما يكفي لرفض اجترار السردية ذاتها مجددًا، وكأنه كان ينتظر قوة بمواصفات مختلفة – روحية وفكرية – يتماهى معها ويستلهم منها أسباب ثورته على المفاهيم المشوهة وأساليب تخدير الوعي وحرف الحقائق، فكانت: "الطوفان".

القسام إذن لم تكن قوة مسلحة، بل قوة متسلحة بعناصر قيمية، ورسالة إيمانية أشجع بكثير مما يحظى به جنديٌّ إسرائيلي وغربي، ملحد، لا يؤمن بالتوراة والإنجيل، وليس مستعدًّا لخوض حرب خارج الشاشات والتطبيقات الرقمية؛ لأن المعركة بالنسبة إليه جولة تسلية، أو لعبة أزرار، يقتحم غمارها بحكمته السوداء: تكنولوجيا الموت!

وهذا تحديدًا ما صنع الفارق الأخلاقي والبطولي بين النموذجين، من حيث أعاد المقاوم القساميُّ الاعتبار للجندية كالتزام منهجي تحكمه معايير العزة والكرامة التي تستنبط مقومات القوة من الإعدادات التربوية للنفس، وتكشف عن دلالات جديدة للقتال، والصمود والتضحية، ما يفوق احتمال البشر، واستيعاب العقل الغربي الذي لا يتوقع بالطبع، أن يضحي جنوده بأرواحهم في سبيل التكنولوجيا أو في سبيل البروباغندا، أو حتى في سبيل العنصرية!

سوق سوداء للمرتزقة والحيوانات

يستند توماس فريدمان إلى علم النفس التطوري – ليفسر طبيعة الصراع بمنطق حيواني – فيعيد تدوير خطاب بابا الفاتيكان"أوربانوس الثاني- 1095″ لما دعا الأوروبيين إلى تحرير الكراهية بالبحث عن موارد الكلأ والسكن، في أراضي كنيسة القيامة، ثم نزعها من العرق الملعون، مُقدمًا لهم حروبَ بقاءٍ حيوانية، وصكوكًا للغفران يُدخلهم بها الجنة.. فهل هناك جنة للحيوانات غير الغابة، يا بابا؟!

الحروب بهذا الفهم الشاذ، لن تكون (عملية سياسية بطرق مختلفة)، فالحيوانات لا تتعاطى السياسة، ولم تعرف الخصخصة التي عمتْ أوروبا في عصورها المظلمة، حيث كانت الإمبراطوريات " البيضاء الفاضلة"، تُشيّد أجنحة عسكرية "5 نجوم" لمرتزقة تشتريهم من سوق العبيد، تمامًا كما يفعل الاحتلال مع مرتزقة جدد يلتقطهم من السوق العنكبوتية السوداء، ليلقي بهم في حفرة الجحيم!

لا يختلف فريدمان عن زميله في مزرعة أورويل للحيوانات: " روسو"، فقد اعتبر هذا الحربَ شكلًا من أشكال العلاقات بين دول عالم الحيوان، مع العلم أن عتاة الجنرالات لم يغادروا الغلاف الفلسفي لمقالة فريدمان، حين رأوا في الحرب حرباء الغابة، فما الذي أبقته شلة داروين هذه، لأبناء آدم من حكمة وعقل، يا ربّاه؟!

يقولون لك إن الدول تصنع الحروب كما تصنع الحروب الدول، ما يعني أن الحرب عقيدة، وطريقة يؤسسها كهنة المقامات من أصحاب الدم الأزرق، ويتشربها أتباعهم ومريدوهم، أما المال فطقس من طقوس الدخول في مسالك العقيدة، وأما الجيش الإسرائيلي فلم يبارح مزرعة عمه أورويل، حتى بعد ترقية الغابة إلى مملكة، في مقالة فريدمان للنيويورك تايمز، لكنه نسي أن جيش المرتزقة لا يملك عناصر الانتماء الموجودة في المجتمعات الحيوانية، والتي يستبسل أفرادها بالدفاع عنها حتى الموت، ولذلك لن يجد نتنياهو قردًا محترمًا، يستعين بفئران مأجورة لحماية جمهورية الموز خاصته، فمهام الشرف لا توهب للُّقطاء أو للفرائس، حتى في عالم الحيوان!

الأمانة الإلهية في سورة العاديات

يضع موقع أكاديمية " جنيفا" قائمة لأكثر من خمسة وأربعين نزاعًا مسلحًا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع مصادر نشأتها ودعمها الأجنبية.. بحيث تغدو مليشيات النزاع أشبه بحجارة النرد اليابانية" غو"، التي يتحكم بها لاعبان يوسّعان رقعة اللعب حسب الحاجة.

تدير أميركا الحجارة في سياق من الشراكة الإستراتيجية، وخصخصة الحروب عبر عملاء مزدوجين: (مسلحين موقوتين، أو جيوش بديلة) لصالح كيان "إسرائيل" يفتقر إلى "محاربين أبطال".. ما يؤكد أن الحربَ عنصر وجودي لأميركا وإسرائيل، ولكن بنسق تجاري له وجه إقطاعي يحول المسلح إلى سلعة، والجندي إلى كبسة إلكترونية بمواصفات تناسب آلهة الحروب ومتطلبات السوق.

ولهذا تحديدًا لا يمكنك أن تعتبر القسام حجر طاولة في هذه المعمعة، ما دام أن القسام فكرة لها منطقها النفسي ومبدؤها الوجودي الذي يتحرك بين حسْنَيَيْن: النصر أو الشهادة؟

لو تأملتَ الخيول ضمن الرؤية القرآنية، في سورة العاديات تحديدًا، لوجدتَ أن الفروسية هي الرسالة وهي الأمانة، فمشهد الإغارة وما يسبقه من تدرجات ذهنية واستنفار روحي، يصاحبهما تصاعد أدائي مُحكم – لا يشوبه تخاذل ولا تردد – ما هو إلا انعكاس بلاغي للمقومات النفسية للمحارب المسلم، الذي لا يتعامل مع الحرب كهدف للبقاء أو الهيمنة، بل كاستثناء، لا بد من تجنبه قدر المستطاع، فمن اضطر لا باغيًا ولا عاديًا، فالجهاد سنام يقينه.

يتجاوز الإيقاع الفكري للمعركة القسامية ميدان المواجهة، إلى مجال أكثر حيويةً وامتدادًا: الجنة، وكل ما يحتاجه المحارب لإدراكها هو: تكبيرة ورمية وسجدة خلود، وكلها مشاهد حيّة رسّخت " الطوفان " كقوة مركزية تنطلق من مركز قوة نفسية، تتغلب على نوازعها، وتنعتق من أغلالها التي تشل الهمم وتكبل العزائم، بحيث يغدو هذا التشريح التقييمي للأداء، هو الحاضنة القيمية لخصال الشرف في المعركة: الحق والحماسة.

حسنًا إذن، الجنة هي الأمانة الإلهية في الفكر القسامي، أما الحرب التي لا قلب لها، فهي في الفكر الدارويني حجر الفلاسفة الصّدِئ، أو العشبة الملعونة للغابة: العنصرية!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات

إقرأ أيضاً:

من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود

أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الخميس 30 يناير 2025، استشهاد قائدها العام محمد الضيف، بعد مسيرة طويلة، توجها بعمليتي "سيف القدس" (2021) و"طوفان الأقصى" (2023).

ولم توضح القسام، في كلمة مصورة لمتحدثها أبو عبيدة، ظروف استشهاد الضيف الملقب بـ"أبو خالد"، واكتفت بالإشارة إلى أنه ارتقى في ساحات القتال بقطاع غزة ضد إسرائيل "مقبلا غير مدبر".

ونعاه أبو عبيدة قائلا إنه "استشهد هو وثلة من الرجال العظماء أعضاء المجلس العسكري العام للكتائب في خضم معركة طوفان الأقصى حيث مواطن الشرف والبطولة والعطاء".

وأضاف أن هؤلاء القادة "حققوا مرادهم بالشهادة في سبيل الله التي هي غاية أمنياتهم كختام مبارك لحياتهم الحافلة بالعمل في سبيل الله، ثم في سبيل حريتهم ومقدساتهم وأرضهم".

وشدد على أن "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون لقب الشهيد ووسام الشهادة في سبيل الله؟".

وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل محاولات عديدة لاغتيال الضيف، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، رغم إصابته في إحدى تلك المحاولات.

آخر محاولة لاغتياله أعلنتها إسرائيل كانت في 13 يوليو/ تموز 2024، حين شنت طائرات حربية غارة استهدفت خيام نازحين في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها "منطقة آمنة"، ما أسفر عن استشهاد 90 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 300 آخرين.

لكن "القسام" نفت آنذاك صحة اغتياله، قائلة: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".

** فمن محمد الضيف؟

ولد محمد دياب إبراهيم الضيف عام 1965، لأسرة فلسطينية لاجئة عايشت كما آلاف العائلات الفلسطينية آلام اللجوء عام 1948؛ لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.

وفي سن مبكرة، عمل الضيف في أكثر من مهنة ليساعد أسرته الفقيرة، فكان يعمل مع والده في محل "للتنجيد".

درس الضيف في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع خلال دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي.

وبدأ نشاطه العسكري أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث انضم إلى حماس في 1989، وكان من أبرز رجالها الميدانيين، فاعتقلته إسرائيل في ذلك العام ليقضي في سجونها سنة ونصفا دون محاكمة بتهمة "العمل في الجهاز العسكري لحماس".

وأوائل تسعينيات القرن الماضي، انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة "القسام" في قطاع غزة، ومكث فيها مدة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك.

في عام 2002، تولى قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها صلاح شحادة.

** مدافع عن القدس والأقصى

وعلى مدار حياته وقيادته في القسام، انشغل الضيف بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في مواجهة اعتداءات إسرائيل.

هذا الأمر جعل اسمه يترد في الهتاف الشهير "إحنا رجال محمد ضيف" الذي بات يردده الفلسطينيون بالمسجد الأقصى في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية له، رغم أنهم لا يهتفون عادة لأي شخصية سياسية سواء كانت فلسطينية أو عربية أو إسلامية.

وبدأ الشبان الفلسطينيون في ترديد هذا الهتاف بمنطقة باب العامود، أحد أبواب بلدة القدس القديمة، في بداية شهر رمضان عام 2021 الذي وافق آنذاك 13 أبريل/ نيسان، حينما كانوا يحتجون على إغلاق الشرطة الإسرائيلية المنطقة أمامهم.

وبعد احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها إطلاق أكثر من 45 صاروخا من غزة، على تجمعات إسرائيلية محاذية له، تراجعت إسرائيل وأزالت حواجزها من باب العامود.

وآنذاك، حذر الضيف إسرائيل من مغبة الاستمرار في سياساتها في القدس.

ولاحقًا، تكرر اسم الضيف في مظاهرات تم تنظيمها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، احتجاجا على قرارات إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين.

وعلى إثر ذلك، خصّ الضيف، في بيان صدر في 4 مايو/ أيار 2021، سكان الشيخ جراح بأول إطلالة بعد سنوات من الاختفاء الإعلامي.

إذ قال إنه يحيي "أهلنا الصامدين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب”.

ووجه "تحذيرا واضحا وأخيرا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”.

وبعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، عاد الضيف للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يُعتبر من مهندسيها.

إذ كان من أبرز مبررات إقدام "القسام"، على تلك العملية، تمادي إسرائيل في العدوان على القدس والمسجد الأقصى.

وعلى مدى نحو عقدين من الزمن، جاء الضيف على رأس قائمة الأشخاص الذين تريد إسرائيل تصفيتهم، حيث تتهمه بالوقوف وراء عشرات العمليات العسكرية في بداية العمل المسلّح لكتائب القسام.

ويفتخر جل الفلسطينيين بالضيف وبما حققه من أسطورة في التخفي عن أعين إسرائيل عقودا من الزمن، ودوره الكبير في تطوير الأداء العسكري اللافت لكتائب القسام، وخاصة على صعيد الأنفاق والقوة الصاروخية.

ويعزو جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" فشله لسنوات طويلة في تصفية الضيف إلى شخصيته، وما يتمتع به من حذر، ودهاء، وحسن تفكير، وقدرة على التخفي عن الأنظار، لدرجة أنه سماه "ابن الموت".

** "كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا"

وسابقا، نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال منها في أغسطس/ آب 2014، حيث قصفت إسرائيل منزلا شمالي مدينة غزة بخمسة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 5 فلسطينيين بينهم زوجة القيادي الضيف (وداد) وابنه علي.

كذلك، حاولت إسرائيل اغتيال الضيف عام 2006، وهو ما تسبب، وفق مصادر إسرائيلية، في خسارته لإحدى عينيه، وإصابته في الأطراف.

وحاولت إسرائيل اغتياله للمرة الأولى عام 2001، لكنه نجا، وبعدها بسنة تمت المحاولة الثانية والأشهر، والتي اعترفت إسرائيل فيها بأنه نجا بأعجوبة وذلك عندما أطلقت مروحية صاروخين نحو سيارته في حي الشيخ رضوان بغزة.

وكان آخر المشاهد المسجلة للضيف ظهوره ضمن وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لعملية "طوفان الأقصى".

وحينها ردد كلمات لخصت مسيرته وهو يشير إلى خريطة فلسطين، جاء فيها:

كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا

ولِي في هذه الأرض آلافُ البُذُور

ومهما حاوَل الطُّغاةُ قلعَنَا ستُنبِتُ البُذُور

أنا هنا في أرضِي الحبيبة الكثيرة العطاء

ومثلُها عطاؤُنا نواصِلُ الطَّريق لا نوقفُ المَسير

مقالات مشابهة

  • من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
  • محمد الضيف.. الشبح الذي قاد كتائب القسام إلى طوفان الأقصى
  • الكشف عن قادة حماس الذي قتلوا إلى جانب محمد الضيف (أسماء)
  • ترحيل 1835 أسرة لمحلية جنوب الجزيرة من المناقل
  • ما السلاح الإسرائيلي الذي أظهرته القسام أثناء تسليمها أسيرة بجباليا؟
  • ساحة تسليم الرهائن.. حماس تحدد "رسالة القوة"
  • هل انتصرت “إسرائيل” في حربها على غزة؟ 
  • ساحة تسليم الرهائن.. حماس تحدد "رسالة القوة"
  • مراسلو الجزيرة بقطاع غزة بين فاقد ومفقود ومولود
  • بلينكن يستعد لإطلاق كتاب حول الحروب والأزمات في عهد جو بايدن