أثبتت الأيام الماضية أن شعب فلسطين شعب الجبارين الذين اختارهم الله للرباط حول المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قدموا التضحيات وفازوا بخيري الدنيا والآخرة، ونالوا الشهادة التي يصطفي الله لها من يشاء وكأن الآيات تتنزل واصفة حالنا اليوم قال تعالى “إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” آل عمران (140) فالحرب التي مستكم بالجراح والدماء وسقوط الشهداء أثبتت صدق توجهكم وإيمانكم وتسليمكم لله رب العالمين وهي في ذات الوقت امتحان وتزكية وإثبات جدارة لاستحقاق رضوان الله، أيها الشهداء، أيها الصابرات الحرائر المكلومات، أيها الأبطال الشرفاء الذين برزتم كالأسواد في ميدان النزال والمواجهة للمجرمين رغم خذلان الخونة والعملاء، وغدر وخسة المجرمين من الحلف الصليبي اليهودي القذر الذي يمارس أبشع الجرائم دون خوف من الله ولا من المجتمع الإنساني عامة، لأنهم بمثابة كلاب متوحشة اعتادوا على سفك دماء الأبرياء والضعفاء والمساكين، حاصروا فلسطين براً وبحراً وجواً واطلقوا المجرمين والخونة، حرب استئصال لكل شيء على أرض غزة، رفعت الأصوات استغاثتها من الام، والطفل والشيوخ والعاجزين ولم يتحرك لنجدتهم سوى الأحرار وهم قلة موزعون على أصقاع الأرض، أما هبل والعزى والبقية فقد أغاثوا المجرمين ناكثي العهود وقتلة الأنبياء والمتطاولين على رب العزة والجلال سبحانه وأكثر من ذلك فعل الهندوسي المستعلي بماله وسلطانه بتسيير القوافل من موانئه نجدة وغوثا لمن أوجدوه وسلطنوه، وتفرد أبو الهول بإغلاق المعبر وتشييد الحواجز ومحاصرة أهلنا في أرض غزة وفلسطين وتوزعت البقية من الأقطار العربية الأخرى في المساهمة في الخذلان أو السكوت، وكانت اليمن هي الاستثناء في كل المواقف المشرفة، ومثل ذلك موقف حزب الله في لبنان والحشد العراقي والموقف الكويتي والقطري، الأول بمواقفه السياسية والإغاثية والثاني في الإغاثة والحوار، بخلاف ذلك الأردن التي أسكتت الرأي العام وذهبت مع غيرها لإسقاط الغذاء في عرض البحر وكأنها تنجد الأسماك الجائعة، وهكذا فالصمود تفرد به الرجال الذين حطموا الأسطورة الكاذبة والدعايات المضللة عن جيش ينتصر بالعمالة والخيانة، وبالإجرام والإبادة والجرائم ضد الإنسانية.
لماذا صمت الأكثرون عن هذه الجرائم الموجهة ضد إخواننا وأشقائنا في أرض فلسطين؟ ولماذا ساندوا المجرمين ودعموهم بكل ما يملكون؟ لأنهم اتخذوهم أولياء قال تعالى ” الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا” النساء (139).
لقد طلبوا العزة من غير الله، وطلبوها بدماء الأبرياء والضعفاء والمساكين ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل وصل إلى المشاركة والمساعدة على القتل وسفك الدماء، فتركوا الجرحى يموتون دون دواء، والجائعين يموتون دون غذاء، وكل هذه الجرائم المشهودة يتحملون إثمها في الدنيا والآخرة ولن يطول الأمر بل إن الله سينتقم منهم عاجلا أم آجلا، فهو عالم بدخائل النفوس ولا تخفى عليه خافية.
أيها الصامدون على أرض غزة وفلسطين، قد نحزن على ما أصابكم من جراح وما تعرضتم له من إجرام وحرب إبادة هي الأقذر في سجلات المجرمين من يهود ونصارى وخونة وعملاء، لكن ذلك أساس في الامتحان والابتلاء والتحميص ونيل أعلى الدرجات في جنان الخلد قال الله تعالى” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” التوبة (16)، فقد جاهدتم وصبرتم وألحقتم الخزي والعار بالمجرمين بكل أشكالهم وألوانهم والخونة والعملاء أيضا، ويكفيكم أنكم طلبتهم رضوان الله وربحتهم دنيا وأخرى.. “أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ” البقرة (214)، قد سلكتم الطريق الصحيح دروب الأنبياء والمؤمنين الذين ينصرون الله أولا، وجاهدتهم ولامستم البأساء والضراء، وتكالب عليكم المجرمون من شذاذ الآفاق شرقا وغربا، لكن نصر الله آتٍ ونصر الله قريب.
يحسب القتلة والمجرمون ومن تحالف معهم من المنافقين خونة وعملاء أنهم حققوا انتصارا بسفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والعاجزين الذين قطعت أجسادهم أشلاء وتناثرت بين الركام والحطام، لكن عدل الله وإنصافه ورحمته وقوته وجبروته ستخزيهم وقد كستهم الخزي والعار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- أما أنتم أيها المجاهدون الشرفاء فإن الله أراد بكم خيري الدنيا والآخرة قال تعالى ” أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ” آل عمران (142)، فالجنة سلعة غالية، لا يسابقها إلا من أخلص في جهاده وعمله، وبذل النفس والنفيس من أجل إعلاء كلمة الله، وإسقاط طواغيت الشرك والكفر، والإجرام والطغيان.
لقد أكدها الإمام الشهيد زيد بن علي بن الحسين -رحمه الله ورضوان الله عليه- أن نفوسكم غالية فلا تبيعوها إلا بالجنة- ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة، ويأتي موقف اليمن تأييداً للمظلومية الحاصلة على الأشقاء في أرض فلسطين الذين خذلهم الأقربون واجتمع عليهم إجرام الحلف الصليبي الصهيوني.
وبينما تتجه قوافل الإغاثة من بلاد أرض الحرمين لإنجاد ضحايا حرب أوكرانيا وروسيا، تنجد أوكرانيا وروسيا وتنجد اليهود بالقوافل والطائرات والمواقف السياسية والدينية التي تجعل حماس هي الشر بعينه، لكنها لا ترى في الإبادة والجرائم ضد الإنسانية ما يستحق العناء أو الشجب أو التنديد في إجرام لا يقل بشاعة وإثما عن أفعال الحلف الإجرامي اليهودي الصليبي، وهو ذات التوجه الذي تسير عليه حكومة المملكة المغربية، والحكومة التونسية والجزائر وموريتانيا وليبيا والسودان وسوريا والعراق ومنظومة دول الخليج باستثناء بعض المواقف الحكومية والشعبية المشرفة.
إنها متوالية من الخذلان نتيجة التآمر والخيانة والعمالة، أثمرت تأسيس الكيان الصهيوني ورافقت قيادته وتوسعته ومازالت تحوطه وترعاه وتحميه وكلما سقط أو أسقط منها كيان جاء آخر أشد عداوة وإجراما وظلما وطغيانا.
نشروا الخراب والدمار في الأخلاق والسياسة والاقتصاد والاجتماع وكل مناحي الحياة وكان أبرز النتائج ما نشاهده من إجرام على أرض فلسطين الذي يعتبر نتاجا طبيعيا لتلك الخيانة والعمالة والإجرام والطغيان ولو اندثر اليهود من أرض فلسطين وأتيح المجال أمامهم لممارسة نفوذها على أهلها لتماثلت أفعالهم سواء بسواء “إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا”، وهم كما قال الله تعالى ” أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ”، فهم أخوة في الإجرام والظلم والطغيان.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
” الحِكمة ” في مشروع الشهيد القائد
أينما تجد الحكمة تجد العقل، تجد التدبير الصحيح، تجد الأخلاق السامية، تجد المواجهة ضد الظالمين وعدم الاستسلام للمستكبرين … سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات..
فلا رقي ولا حضارة ولا عزة ولا كرامة إلا بوجود الحكمة واستخدامها في السير في هذه الحياة وفق المنهج الإلهي الذي رسمه لنا في كتابه الكريم الذي قال فيه(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شيء) .
وإذا ما فقدت المجتمعات الحكمة كانت الفرقة والشتات والجهل والتخلف والخنوع والاستسلام لأعداء الله تعالى
إن الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي – رضوان الله عليه – عندما تكلم عن الحكمة إنما تكلم عنها بالمفهوم الواسع وليس بالمفهوم الضيق، لأنه – رضوان الله عليه – كان يحمل هموم أمة يريدها أن ترتقي من التخوم إلى أعالي النجوم يريدها أن تنطلق وتتحرك بحركة القرآن الكريم كما كان نبيها العظيم – صلى الله عليه وآله وسلم – قرآناً يمشي على وجه الأرض، يتحرك بحركته، ويسير على منهجه (إن اتبع إلا مايوحى إليَّ)[الأحقاف:9] .
ولهذا قال الشهيد القائد- رضوان الله عليه – : ((الحكمة أن تكون تصرفاتهم حكيمة، أن تكون مواقفهم حكيمة، أن تكون رؤيتهم حكيمة … وقال – أيضاً- الحكمة هي تتجسد بشكل مواقف، بشكل رؤى، بشكل أعمال، هي تعكس وعياً صحيحاً، وعياً راقياً، تعكس زكاء في النفس تعكس عظمة لدى الإنسان ….)).
لقد انطلق الشهيد القائد في كلامه عن الحكمة من قوله تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)[البقرة:269] .
والحكمة اسم لإحكام وضع الشيء في موضعه، والحكيم هو من تصدر أعماله وأقواله عن رويّة ورأي سديد…
يُقال: فلان من أهل الحكمة أي من أهل العلم والمعرفة والتبصر بحقائق الأمور وكنهها ….
والحَكَمَة (بفتح الحاء والكاف) هي في اللغة ما أحاط بحنكي الفرس وتُسمى بحَكَمَة اللجام وهي حديدته التي تكون في الفرس لإحكام لجامه وسميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد وتذلل الدابة لراكبها حتى تمنعها من الجماح ومنه اشتقاق الحِكمة- التي نحن في صدد الكلام عنها – لأنها تمنع صاحبها من أخلاق الأراذل ومن المهانة والابتذال ومن الانحطاط في سفاسف الأمور وما يخل بالمرؤة والفتوة .
والحكمة المذكورة في قوله تعالى :(ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)[البقرة:129] ليس المراد بها السنة كما ذهب إليها المفسرون..
فقد استبعد الشهيد القائد هذا المعنى وقال رداً عليهم : ((إن الله تعالى قال في آية أخرى لنساء النبي ( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ)[الأحزاب:34]، هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت ؟ لا…)).
قلتُ: لايُعقل أن يكون المراد بالحكمة هي السنة في قوله ( و يُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وذلك لأمور كثيرة منها -إضافة لما ذكره الشهيد القائد -:
– أن الحكمة هي من القرآن وليس منفصلة عنه قال تعالى:(وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..)[النساء:113] فالإنزال واحد، والحكمة هي من الكتاب مما يتلى على نساء النبي- صلى الله عليه وآله وسلم – قال تعالى:(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) فهل الأحاديث كانت تتلى على نساء النبي – صلى الله عليه وآله وسلم-؟! مع أن الأحاديث بدأ تدوينها مع مطلع القرن الثاني للهجرة، قال ابن حجر في فتحه[ 1/ 277] : (( وكان ابن شهاب الزهري أول من دوّن الحديث على رأس المائة بأمر من عمر بن عبدالعزيز ))
– إن كلمة الحكمة مجردة عن إضافة الرسول أو النبي يعني لم يقل الله : “ويعلمهم الكتاب وحكمة النبي أو وحكمة الرسول وإنما قال:(ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وأما واو العطف فهو مثل قوله تعالى:(وَلَقَدْ آَتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآَنَ الْعَظِيمَ)[الحجر:87] فالسبع المثاني هن من القرآن وليس هن السنة !! .
– إذا كان المراد بالحكمة هي السنة فكيف نفهم معناها في قوله(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ..)[آل عمران:81] .
فهل الله آتى أنبياءه الأحاديث التي لم يتم تدوينها إلا في مطلع القرن الثاني الهجري والتي قام بتدوينها الزهري؟!
قال الشهيد القائد – رضوان الله عليه – : (( كلمة (حكمة) في القرآن الكريم لا تعني سنة إطلاقاً، رسول الله – صلى لله عليه وآله وسلم – مهمته هو أن يعلِّم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات وهي: أعلام وحقائق في كل مجال تتناوله )).
قلت: من هذا نعلم أن المراد من ذلك المفهوم الواسع للحكمة حسب ما تكلم عنها الشهيد القائد وهي منبثقة من القرآن وهي أيضاً آيات من القرآن تمنح الإنسان الحكمة إذا ما أتمر بأوامر القرآن وانتهى عن نواهيه..
قال الشهيد القائد: ((القرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ)[الإسراء:39] كما قال في سورة الإسراء بعد أن ذكر عدة وصايا ثم قال (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ)….)).
وهذا يعني أن الوصايا هن آيات الحكمة لأنه تعالى قال عقبها: (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) .
وهذه حقيقة تفرد بها الشهيد القائد وغفل عنها العلماء، ولا أظن أحداً تفطن إليها ونحن فهمناها من مضمون كلامه -رضوان الله عليه – وإليك توضيح ذلك :
ذكر الله تعالى آيات في سورة الإسراء تشتمل على وصايا
وكل آية منها تبدأ بصيغة (لا تفعل) وبعضها تبدأ بصيغة (افعل) وهي الأقل :
– (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ….. وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا – وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ…
– وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ….
– وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا….
– وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ….
– وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ …..
– وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ…
– وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ …
– وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا…..)[انظر سورة الإسراء من آية 22 – 27 ]
ثم قال تعالى عقب هذه الوصايا (ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ) يعني أن هذه الآيات
– الوصايا – هي مما أوحى الله لنبيه من الحكمة …
كذلك قال الله تعالى في لقمان الحكيم(وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)[لقمان:12] ثم ذكر بعد هذه الآية وصايا لقمان لابنه وهي من الحكمة التي آتاها الله إياه :
_ (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ……
– يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ…
– وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا…
– وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ …)[انظر سورة لقمان من آية 13 – 19]
وهكذا كل آية تبدأ بصيغة (افعل) أو (لا تفعل) تدخل ضمن آيات الحكمة التي ذكرناها آنفا.
وآيات الحكمة هن المراد من الحكمة في قوله(وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ..) ومن قوله (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ..) ومن قوله (وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) وغيرها من الآيات التي تُعرف بالقرينة والسياق وهذه الآيات – الوصايا الحكيمة – تمنحك الحكمة كما أشار إلى ذلك الشهيد القائد.
نعم تمنحك الحكمة بالعمل بها بأن تأتمر بأوامرها وتنتهي عن نواهيها بل إن العمل بمنهجية القرآن هو من سيجعلنا كلنا حكماء لأنه (كتاب أُحكمت آياته.) .
قال الشهيد القائد – رضوان الله عليه-(( إنه _ أي القرآن _ في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته يُمنحون الحكمة، والعكس الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن، لا يهتمون بالقرآن، سيفقدون الحكمة، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم في القضايا التي تواجههم…))إهـ .. ثم أتى الشهيد القائد بمثال عن من فقدوا الحكمة قال – رضوان الله عليه – :((الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية، الأمة الإسلامية، ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين ومن علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً تجد موقف الناس بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة أي هم فقدوا الآن الموقف الحكيم مما يواجهون، الرؤية الحكيمة لما يواجهون، النظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون …)).
إذاً لا مخرج لهم من هذا الإنحطاط الذي وصلوا إليه إلا بالتمسك بالقرآن الكريم وذلك بالتثقف بثقافته والسير على نهجه حتى يمنحهم الله الحكمة ويكونوا كما قال الله (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)[المائدة:54].