المسلسلات الرمضانية.. تغييب للتاريخ والقيم المغربية وتمرير للتفاهة
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
بقلم: الصادق بنعلال
تعد المملكة المغربية من دول العالم القليلة الموغلة في القدم، المتوجة بأكاليل الإبداع والمجد والعزة، تظافرت جهود أبنائها الأمازيغ والعرب والصحراويين.. من أجل بلورة أشكالا سياسية بالغة المكانة حضاريا وعلى مستوى الامتداد الجغرافي العظيم، وإذا اقتصرنا على المرحلة التاريخية الممتدة بين الفتح الإسلامي إلى يوم الناس هذا، و استحضرنا أبرز الدول التي حكمت المغرب من الأدارسة إلى العلويين مرورا بالمرابطين والموحدين والمرينيين والوطاسيين والسعديين، فإننا نكون أمام مشاهد تاريخية مفصلية شكلت مركز الثقل في العالم الإسلامي.
وبقدر ما أن مغربنا الأقصى كنز لا ينضب من العطاء والتوهج عسكريا و حضاريا وسياسيا.. بقدر ما أن المعنيين بشأن "الصناعة الصناعة الثقافية" ببلادنا تنقصهم وبشكل مهول الإرادة والكفاءة والجدية لاستثمار هذا التراث الإنساني الوارف، على الأقل في ميدان التشجيع على الإنتاج التاريخي والفني والديني والاجتماعي..
وفي الأثناء، حري بالعاملين في مجال الدراما السينمائية والتلفزيونية أن ينخرطوا في إحياء النماذج المغربية الأصيلة، والتي كانت في ماضينا البعيد نجوما ساطعة في سماء العالم، عوض التمترس وراء "إبداعات فنية ترفيهية" ضحلة حتى لا نقول أكثر من ذلك. متى يشاهد المغاربة إبداعاتهم المخصوصة ذات الصلة بمراحل الشخصيات الفاعلة، من قبيل إدريس الأول والقائم بأمر الله ويوسف بن تاشفين ويعقوب المنصور وأبو عنان والمولى إسماعيل.. والقائمة طويلة؟
إن الأعمال الدرامية المفترض أن تستوحى من هذه الشخصيات الفذة كفيلة بأن تصل حاضرنا بماضينا التليد، وان تساهم - إلى جانب مكونات مجتمعية أخرى أقلها التعليم والإعلام - في استنبات قيم العزة والأنفة والقوة والكرامة والنبل والعدل والحرية.. في قوالب فنية محكمة البناء والسبك، عوض إنتاج التفاهة وتفاهة الإنتاج والسقوط "الفني" المدوي.
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
رمضان زمان.. حكايات على ضوء الفانوس| "أوبرا عايدة".. دراما القضاء والصراع بين العدالة والمصالح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قبل أن تتحول الشاشة إلى ساحة سباق محموم، كان رمضان زمان يأتي ومعه سحر خاص، حيث كانت المسلسلات جزءًا أصيلًا من طقوس الشهر الكريم، لا مجرد عروض تملأ الفراغ، كنا ننتظر دقات الساعة بعد الإفطار لنلتف حول التليفزيون، نتابع الحلقات بشغف، ونحفظ تترات المسلسلات عن ظهر قلب، كأنها نشيد مقدس يعلن بداية الحكاية.
من "ليالي الحلمية" إلى "بوابة الحلواني"، ومن "هند والدكتور نعمان" إلى "رحلة السيد أبو العلا البشري"، كانت الدراما تلمس قلوب المشاهدين، تحكي عنهم، تناقش همومهم، وتضيء واقعهم بصدق وبساطة.
لم تكن مجرد مشاهد عابرة، بل كانت انعكاسًا لأحلام واحتياجات جمهور كان يبحث عن الدفء، عن الفن الذي يشبهه، عن قضايا تُروى بعمق دون صخب.
رمضان زمان لم يكن مجرد موسم درامي، بل كان موعدًا مع الإبداع الأصيل، حيث اجتمع الكبار والصغار أمام الشاشة، ليشاهدوا فنًّا يحترم عقولهم، ويسافر بهم إلى عالم من المشاعر الحقيقية.
واليوم، وسط زحام الإنتاجات الحديثة، يبقى الحنين لتلك الأيام حاضرًا، حيث كانت المسلسلات ليست مجرد أعمال درامية، بل ذكريات محفورة في الوجدان.
في أجواء مليئة بالتشويق والإثارة، جاء مسلسل "أوبرا عايدة" ليقدم دراما قانونية وإنسانية نادرة في الدراما المصرية، العمل الذي جمع بين التحقيقات الجنائية والصراعات العاطفية والاجتماعية، كان واحدًا من أبرز المسلسلات التي تناولت كواليس القضاء والمحاماة بشكل عميق ومؤثر.
تدور الأحداث حول أوبرا المحامي، الذي يجسد دوره الفنان يحيى الفخراني، وهو رجل قانوني صاحب مبادئ، يسعى لتحقيق العدالة مهما كان الثمن. يتورط في قضية معقدة تمس حياته الشخصية والمهنية، حيث يجد نفسه بين خيارين: اتباع القانون بحذافيره أو التورط في لعبة المصالح من أجل إنقاذ حياة أقرب الناس إليه.
وسط هذه الأحداث، تظهر عايدة، التي تجسدها حنان ترك، وهي فتاة موهوبة تعمل دكتورة لكن حياتها تتقاطع مع قضية أوبرا بطريقة غير متوقعة، مما يضيف بُعدًا إنسانيًا ورومانسيًا للصراع.
تميز "أوبرا عايدة" بحبكة درامية قوية، حيث لم يكن مجرد مسلسل عن المحاكم والقضايا، بل سلط الضوء على الجانب الإنساني في حياة المحامين والقضاة، وكيف تؤثر مهنتهم على قراراتهم الشخصية. كما قدم مشاهد قوية تكشف عن صراعات الضمير، وطرح تساؤلات حول مفهوم العدالة ومدى تحقيقها في الواقع.
حقق المسلسل نجاحًا كبيرًا عند عرضه، حيث أشاد النقاد والجمهور بأداء يحيى الفخراني الذي تألق كعادته في تقديم شخصية المحامي الحائر بين القانون والمشاعر. كما تألقت حنان ترك في واحد من أدوارها المهمة، إلى جانب أحمد خليل، صفية العمري، سامى العدل، الذين أضافوا للمسلسل لمسات درامية قوية.
الإخراج كان للمبدع أحمد صقر، الذي أخرج العمل بأسلوب مشوق جعل المشاهدين في حالة ترقب دائم، بينما كان التأليف للكاتب أسامة أنور عكاشة، الذي أبدع في نسج القصة بحواراتها العميقة وأحداثها المتشابكة.