صحيفة الاتحاد:
2025-10-20@21:08:45 GMT

ذكر الله يحيي القلوب ويمحو الخطايا والذنوب

تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT

إعداد - إبراهيم سليم

أخبار ذات صلة أمسية رمضانية في «الأرشيف والمكتبة الوطنية» «العلماء الضيوف»: السعيد من يقضي رمضان في طاعة الله

دلت آيات القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية المطهرة على فضل الذكر وعموم نفعه، والثناء على أهله والحث على الإكثار منه، ولا شك أن من أعظم ما يتقرب به المسلم إلى ربه - عز وجل - خاصة في مثل هذه الأيام المباركات التي يضاعف فيها الأجر، ذكر الله تعالى الذي تحيا به القلوب، وتحط به الخطايا والذنوب، وترفع به الدرجات، فالحمد لله الذي أذن لنا بذكره، ورضي منا بشكره، فيقول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ.

..)، «سورة آل عمران: الآية 191». ويقول الله عز وجل: (... وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، «سورة الأحزاب: الآية 35»
وعن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»، (صحيح البخاري، 6044). ورمضان موسم للتنافس في عمل الصالحات والاجتهاد في تحصيل القربات، فهو شهر الخيرات والبركات، ومضاعفة الأجر والحسنات، فيه تتنزل الرحمات الربانية، وتتجلى النفحات النورانية، والصائم في هذا الشهر الفضيل يسارع إلى مرضاة الله تعالى، ويسابق في اغتنام الأجر والثواب.
وفضل الذكر في رمضان عظيم، وأفضل الذكر تلاوة القرآن الكريم، ويتضاعف الأجر والثواب للذاكر في رمضان، والذكر هو رياض المؤمن ومرتعه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا» قلت: يا رسول الله وما رياض الجنة؟ قال: «المساجد» قلت: وما الرتع يا رسول الله؟ قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر»، (سنن الترمذي، 3509). وإن الذاكر لله - عز وجل - يكون في معية ربه تعالى حال ذكره، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالى: أنا مع عبدي حيثما ذكرني وتحركت بي شفتاه»، (صحيح البخاري 7523). وإن من أفضل الذكر في رمضان تلاوة القرآن الكريم، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان رسول الله صلى الله عيله وسلم أجود الناس، كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة»، (صحيح البخاري، 6).  فينبغي للصائم أن يُكثر من تلاوة كتاب الله تعالى وتدبر معانيه والتفكر في آياته، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان ليجتمع قلبه وفكره على ربه عز وجل، ويكثر من ذكره ومناجاته. هذا ولقد سن النبي صلى الله عليه وسلم أذكاراً كثيرة، فيها الخير العظيم والثواب الجزيل، منها: أذكار الصباح والمساء، فحري بالصائم أن يواظب عليها في رمضان وغيره من الأوقات، ومنها كذلك: ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مئة مرة، حطت خطايا، وإن كانت مثل زبد البحر»، (متفق عليه).
فعلى الصائم أن يلازم ذكر الله تعالى دائماً، ولا يغفل عنه أو يتكاسل، وليكن ذلك أفضل ما يشغل به نفسه ووقته بعد أداء الفرائض، حتى يكتب عند الله من الذاكرين الله كثيراً، والذاكرات.
مستحبات الصائم
إنَّ الصيام من أجلِّ العبادات التي نتقرب بها إلى الخالق -عز وجل-، وهو خير زاد للآخرة، وقد جعل الله تعالى أجره على نفسه وتكفل به، مما يدل على عظمة ثواب الصيام، قال جل في علاه في الحديث القدسي عن رَسُولُ اللهِ: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: إِنَّ ‌الصَّوْمَ ‌لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه»، فحريّ بالمسلم أن يحرص على صيامه ويحفظه مما يفسده، ويصونه مما يجرحه، فيجتهد في أداء واجباته واجتناب مفسداته، ويحرص على مستحباته وآدابه. إنَّ للصيام مستحبات عديدة، منها: أكلة السحور، والتي بها تتنزل على الصائمين البركات، ويتقوون بها على الصيام والعبادات، فعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ: «‌تَسَحَّرُوا ‌فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»، وتعجيل الفطور من المستحبات أيضاً، ولو على جرعة من ماء، فقد ورد في الحديث أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا ‌عَجَّلُوا ‌الفِطْرَ»، ومن المستحبات كذلك أن يكثر الصائم من العبادات، كذكر الله وتلاوة القرآن وبذل الصدقات وإطعام الطعام وتفطير الصائمين، قال النَّبِيِّ: «‌منْ ‌فَطَّرَ ‌صَائِمًا، كَانَ لَهُ، أَوْ كُتِبَ لَهُ، مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا». والفطر على رطبات أو تمرات أو جرعات من ماء، سُنة مستحبة فقد «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُفْطِرُ عَلَى ‌رُطَبَاتٍ ‌قَبْلَ ‌أَنْ ‌يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ». ومن آداب الصيام المستحبة حفظ اللسان وتقليل الكلام، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا ‌يَرْفُثْ ‌وَلَا ‌يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ». ويجب على الصائم أن يجتنب المحرمات ويمتنع عن المنهيات، طاعة لربه جل وعلا، وطلباً للقبول والفوز بالثواب العظيم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «مَنْ لَمْ يَدَعْ ‌قَوْلَ ‌الزُّورِ ‌وَالعَمَلَ ‌بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» فينبغي على المسلم أن يحرص على واجباته ومستحباته، وأن يجتنب مفسداته، ليكون تاماً خالصاً لوجه الله.

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: القرآن الكريم رمضان السنة النبوية رسول الله صلى الله علیه وسلم رضی الله عنه الله تعالى فی رمضان عن أبی عز وجل

إقرأ أيضاً:

لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل؟.. لـ 5 أسباب

لاشك أن الاستفهام عن لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل؟، يفتح إحدى بوابات الأسرار بقصص القرآن الكريم التي تعظنا وترشدنا إلى الصواب والفلاح في الدنيا والآخرة، فإذا كانت قصة أصحاب السبت معروفة للبعض فلايزال السبب وراء لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل من الخفايا ، التي لا يعرفها كثيرون والتي فيها من الدروس والعبر النافعة ، وحيث نشهد اليوم السبت فلابد لنا من معرفة لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل؟ لعلنا نتعلم ونستقيم، إما طمعًا في رحمة الله عز وجل أو هربًا من العقوبة.

لماذا حرمت الصلاة بعد العصر؟.. النبي منعها لـ سببين لا تعرفهمالماذا سميت سورة الرحمن بعروس القرآن؟.. 5 أسباب عليك معرفتهالماذا أمر الرسول بالجلوس بعد الفجر إلى الشروق؟.. 10 أسبابلماذا خلق الله السموات والأرض في 6 أيام؟.. علي جمعة: لـ7 أسبابلماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل

ورد عن سبب لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل ؟، أن الله تعالى أمر أصحاب القرية بأن يتَّخِذوا من يوم السبت عيداً لهم، يذكرون الله فيه ويتفرغون لعبادته ولا يمارسون فيه أي عملٍ دنيوي، وكان أهل القرية يعملون في صيد السمك، وبذلك كان الصيد مُحرماً عليهم يوم السبت.

قد ذكرت حرمة يوم السبت في القرآن الكريم، في الآية الكريمة التي جاءت في سياق الحديث عن بنى إسرائيل: "وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِى السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ * فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ".

وقصة اعتداء بنى إسرائيل في يوم السبت أن الله عز وجل أمر موسى بيوم الجمعة وعرفه فضله، كما أمر بذلك سائر الأنبياء، فذكر ذلك موسى لبنى إسرائيل وأمرهم بالعبادة والخشوع فيه، فتعدوه إلى يوم السبت، فأوحى الله إلى موسى أن يدعهم وما اختاروا، فامتحنهم فيه بترك العمل وحرم عليهم الصيد فيه.

فكانت الحيتان تخرج يوم السبت ولا تخرج الأيام الأخرى، فاحتالوا لها أول الأمر فحبسوها يوم السبت وأخذوها يوم الأحد، فاهمتهم فرقة منهم عن هذا العمل فتمادوا، ومع مرور الوقت اصطادوها يوم السبت علانية فنهاهم المتقون منهم، لكنهم رفضوا، وقالت فرقة أخرى "لم تنتهك الحرام" لم تعظون قوماً الله مهلكهم، فلما فعلوا المنكر علانية عاقبهم الله تعالى بالمسخ، فتحولوا إلى قردة خاسئين أذلة صاغرين.

ويقول المفسرون: ونجى الله تعالى الذين كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأهلك بقيتهم بما فيهم الذين لم يرتكبوا المنكر، لكنهم يبعثون يوم القيامة على نياتهم، كما فى حديث زينب بنت جحش في الصحيحين: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: "نعم إذا كثر الخبث".

وقال ابن عطية: كانت قرية يقال لها أيلية على شاطئ البحر، وقيل كان ذلك زمن داود، وقصة أهل القرية ذكرت مفصلة في سورة الأعراف، حيث يقول الله تعالى: "وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِى كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِى السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ، فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ".

قصة أصحاب السبت

ورد في آيات الله -تعالى عن أصحاب السبت أنها قرية من قرى بني إسرائيل كان يعمل أهلها في صيد السمك، امتحنهم الله -تعالى- فلا تخرج الحيتان لشاطئ البحر على نظر الرائي طيلة أيام الأسبوع، أما يوم السبت يمتلئ شاطئ البحر بالحيتان، حتى أنه يُمسك مسك اليد.

 وكان الله قد حرّم عليهم العمل في يوم السبت. واحتال بعضهم فقاموا بوضع الشباك في البحر لتحمل الأسماك في يوم السبت، فيقوموا بجمع ما أخذته الشباك من الحيتان في يوم الأحد؛ فاستنكر عليهم فريق من القرية، وحرّموا ما فعلوه، وفريق آخر لم ينه العصاة ولم يوافقوهم، ولما أصروا على موقفهم، خرج من كره ذلك من القرية، وأنزل الله العذاب على أهل القرية من خلال مسخ شبانهم إلى قردة، وشيوخهم إلى خنازير.

وردت قصة أصحاب السبت في عدة سور من القرآن الكريم؛ كسورة البقرة والنساء، وكان التفصيل في القصة في سورة الأعراف التي ذكرت القصة من بدايتها إلى نهايتها، مع موقف أهل السبت، مما فعلوا والعاقبة التي حلت بهم. 

وقال الله -تعالى-: (وَاسأَلهُم عَنِ القَريَةِ الَّتي كانَت حاضِرَةَ البَحرِ إِذ يَعدونَ فِي السَّبتِ إِذ تَأتيهِم حيتانُهُم يَومَ سَبتِهِم شُرَّعًا وَيَومَ لا يَسبِتونَ لا تَأتيهِم كَذلِكَ نَبلوهُم بِما كانوا يَفسُقونَ* وَإِذ قالَت أُمَّةٌ مِنهُم لِمَ تَعِظونَ قَومًا اللَّـهُ مُهلِكُهُم أَو مُعَذِّبُهُم عَذابًا شَديدًا قالوا مَعذِرَةً إِلى رَبِّكُم وَلَعَلَّهُم يَتَّقونَ* فَلَمّا نَسوا ما ذُكِّروا بِهِ أَنجَينَا الَّذينَ يَنهَونَ عَنِ السّوءِ وَأَخَذنَا الَّذينَ ظَلَموا بِعَذابٍ بَئيسٍ بِما كانوا يَفسُقونَ* فَلَمّا عَتَوا عَن ما نُهوا عَنهُ قُلنا لَهُم كونوا قِرَدَةً خاسِئينَ).

سبب إيراد القصة

ذكرت الآيات الكريمة أصل سبب إيراد القصة؛ وهو قوله -تعالى-: (واسألهم)، أي يا محمد -صلى الله عليه وسلم- أسأل اليهود عن أهل هذه القرية، وماذا حل بهم؟، ولماذا يسألهم النبي -عليه السلام-!.

وقد ذكر ابن كثير في تفسيره الجواب، إذ قال: "أَيْ وَاسْأَلْ هَؤُلَاءِ الْيَهُودَ الَّذِينَ بِحَضْرَتِكَ؛ عَنْ قِصَّةِ أَصْحَابِهِمُ الَّذِينَ خَالَفُوا أَمْرَ اللَّهِ، فَفَاجَأَتْهُمْ نِقْمَتُهُ عَلَى صَنِيعِهِمْ، وَاعْتِدَائِهِمْ وَاحْتِيَالِهِمْ فِي الْمُخَالَفَةِ، وَحَذِّرْ هَؤُلَاءِ مِنْ كِتْمَانِ صِفَتِكَ الَّتِي يَجِدُونَهَا فِي كُتُبِهِمْ؛ لِئَلَّا يَحِلَّ بِهِمْ مَا حَلَّ بِإِخْوَانِهِمْ وَسَلَفِهِمْ".

تفسير الآيات

طلبت الآية الأولى من النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يسأل اليهود؛ وفي هذا تعريض لهم للاعتبار بما حصل ببعض أهل دينهم، لما تنكروا وتحايلوا على الشرع، حيث إن هذه القرية الساحلية، والتي كانت على دين اليهود؛ الذي يُحَرِم الصيَد يوم السبت، فكانت القرية ملتزمة ذلك الأمر، ثم إن الله -تعالى- ابتلاهم بكون الأسماك أصبحت لا تأتي إلا يوم السبت، ولا تأتي في بقية أيام الأسبوع.

وهنا في لحظة الابتلاء؛ يظهر التسليم لأمر الله -تعالى-، والصبر واللجوء إلى الله -تعالى-؛ فبدلاً من أن يلجأ أهل القرية إلى الله -تعالى- لجؤوا إلى الحيلة؛ ليحللوا ما حرم الله، فاحتالوا لانتهاك حرمات الله بما تعاطوا من الأسباب الظاهرة، التي معناها ففي الباطن تعاطي الحرام، كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره.

ونصبوا الشباك وحفروا البِرك؛ وربطوا الحيتان قبل يوم السبت، فتجيء الحيتان يوم السبت وتقع في البرك، والشباك والأربطة، فإذا انقضى السبت أخذوها بكونهم لم يصطادوها يوم السبت كما زعموا؛ فلما انتشرت هذه الحيلة في أهل القرية، كان لأهل القرية منها مواقف.

موقف أهل القرية

انقسم أهل القرية إلى ثلاثة أقسم، وهذه عادة الناس عند فُشُوِ السوء، وهي كما يأتي:

قسم منكر وهؤلاء أنكروا على المحتالين فعلهم؛ بأن يقدموا العذر إلى الله -تعالى-، أنهم لا يرضون بهذه المعصية والحيلة، ولعل المحتالين أن يتوبوا ويتقوا الله -تعالى-.قسم متوقف يستفسرون من القسم الأول؛ لماذا تعظون وتنكرون على المحتالين؟! .قسم المحتالين وهم الفَسَقة الذين احتالوا على أمر الله -تعالى-.العقاب

 تذكر الآيات الكريمة أن المحتالين لمَّا لم ينتهوا عن غيِّهم، ولَمَّا لم يمتثلوا أمر الله -تعالى-، ولم ينتهوا إذ نهاهم المنكرون الصالحون من أهل الحق؛ فالمنكرون نجاهم الله، والمحتالون عُذِبوا ومُسخوا قردةً ذليلةً حقيرةً مهانةً.

العبرة من القصة

ورد أن قصة أصحاب السبت لها عبر عظيمة جليلة، ونذكر بعضها فيما يأتي: الصبر على البلاء هو أهم ابتلاء، وآخر ابتلاء. أهمية الأمر بالمعروف والنهي فيه استمرار شرائع الدين، وفيه النجاة من العذاب الأليم. أن يبقى المؤمن مستمراً التذكر لوظيفته في الأرض؛ وهي إقامة دين الله -تعالى-. قدرة الله -تعالى- ورحمته بأهل الحق، وشدة غضبه وأليم عقابه على أهل الباطل.

فوائد من قصة أصحاب السبت

قصّ الله -تعالى في القرآن الكريم قصة أصحاب السبت، وما فعلوه من التحايل والأفعال السيئة، وذلك ليأخذ المسلمون العبرة والعظة من هذه القصة، وسنذكر بعض الدروس والعبر المستفادة من قصة أصحاب السبت فيما يأتي:

جاءت الآيات القرآنية كإجابة لبعض ادّعاءات اليهود فقد زعموا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأنه لم يكن في اليهود من قبل عصيان ولا فسوق، فأنزل الله -تعالى- من الآيات الكريمة ما يبطل دعواهم.

يحرص المسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتجنّب أن يكون موقف المسلم الإعراض عن المفسدين فقط، كما كان موقف فرقة من بني إسرائيل من أصحاب السبت، قال -تعالى-: (لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً).

كثرة المعاصي موجبة لعقاب الله -تعالى- يدرك المسلم بأن كثرة معصية الله -تعالى- يعرضه لوقوع عذاب الله -تعالى-؛ لذا يحرص المسلم على الهجرة من الأماكن التي يجاهر فيها بمعصية الله -تعالى-.

يدرك المسلم بعض الصفات التي جبل عليها اليهود ومنها التلوّن والتحايل على الشرائع الربانية، فحلّت عليهم سنة الله -تعالى-، قال -تعالى-: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ).

الآيات الكريمة الواردة فيها القصة قال -تعالى-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ* وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

وقد كانت عاقبتهم الهلاك، قال -تعالى- في سورة الأعراف: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ).

أصحاب السبت

قد قصَّ علينا القرآن الكريم قصصاً كثيرة من الأمم السابقة بشقيها؛ قصص الأنبياء، أو من هم من أتباعهم كقصة أصحاب السبت، وقصص غيرهم كقصة أصحاب الجنة، وكما قص علينا بعضا من الأحداث التي حصلت في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ مثل قصة الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.

وقصتنا عن أصحاب السبت؛ فقد ذكر غير واحد من أهل السير والتفسير، وذكروا في التعريف بهم أنهم قوم من بني إسرائيل، وكانوا يسكنون في منطقة أيلة؛ وهي بين المدينة ومكة، وكانوا من الأقوام المتمسكة بدين التوراة؛ في أن يوم السبت محرم في ذلك الزمان، وكان يحرم فيه الاصطياد في البحر، وكذلك كانت محرمة في جميع الصناعات والتجارة والكسب.

ومكان أيلة منطقة العقبة الآن، كما ذكر ذلك ياقوت الحموي أيلة مدينة على ساحل بحر القلزم -وهو البحر الأحمر الآن-؛ مما يلي الشام وقيل هي آخر الحجاز وأول الشام، وهي المنطقة التي وقعت بها أحدث هذه القصة.

طباعة شارك لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل لماذا حرم الله العمل يوم السبت حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل حرم الله العمل يوم السبت العمل يوم السبت فوائد من قصة أصحاب السبت

مقالات مشابهة

  • حقيقة "مقام سيدي شبل" بالمنوفية ونسبة لآل بيت رسول الله ﷺ
  • دعاء كفارة المجلس.. كلمات بسيطة تمحي ذنوبك
  • علي جمعة: الحيرةَ التي تعيشها أمةُ الإسلام جاءت بالتجرؤ على أولياء الله
  • هل التسامح في الإسلام مقيد بزمن أو أشخاص؟
  • سلامة داود: بلاغة النبي صلى الله عليه وسلم تكشف عن أسرار دقيقة في إسناد الأفعال بين الحقيقة والمجاز
  • الإفتاء: توقير وتعظيم الصحابة رضي الله عنهم فريضة شرعية
  • علي جمعة: اتباع تصرفات رسول الله ﷺ تحقق حب جلا جلاله لعبده
  • الإفتاء: توقير الصحابة وتعظيم شأنهم وصيانة حرمتهم فريضة شرعية
  • دار الإفتاء تحذر من التشهير وتتبع العورات.. وتؤكد: فعل محرم ويوجب العقوبة
  • لماذا حرم الله العمل يوم السبت على بني إسرائيل؟.. لـ 5 أسباب