الحكومة المدنية لدى قحت وتقدم : إحتكار للسلطة وإقصاء للآخرين
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
*الحكومة المدنية لدى قحت وتقدم : إحتكار للسلطة وإقصاء للآخرين*
*لا أؤيد المظاهر العسكرية ، بل حكومة تكنوقراط للبناء والاعداد للانتخابات*
..
د.ابراهيم الصديق علي
(1)
فى 17 اغسطس 2019م ، شهدت قاعة الصداقة إحتفال توقيع الوثيقة الدستورية ، بين قوى الحرية والتغيير (قحت) وبين المجلس العسكرى ، وجرى تصفيق حار ودموع وحديث طويل ومهرجانات ، وخلاصة تلك الوثيقة أنها (تقاسم السلطة بين العسكر وفصيل سياسي) ومن خلالها اتيح للفريق أول البرهان ومجلسه العسكرى حكم البلاد 18 شهرا ، رئيسا لمجلس السيادة الانتقالي ، وحتى الإتفاق الإطاري جاء على ذات المنوال (تقاسم السلطة مع الجنرال) ، كان كل ذلك تحت سقف ومسمى (التحول الديمقراطى والمسار السياسي) ، و كل تلك الوثائق والدساتير لم تتحدث عن انتخابات شفافة وموثق بها ، سوى فى مادة واحدة بالوثيقة ، اما الفعل السياسي الجاد وتكوين المفوضية والتعداد السكاني فقد كان أمرا مؤجلا ، وطيلة أيام ترأسه للحكومة لم يتحدث دكتور حمدوك قط عن الانتخابات الحرة النزيهة سوى مرة واحدة وجاءت عرضا فى بيان مأزوم.
لم يقل لن نكون حكومة مدنية ؟..
لم يتم إعلان طوارىء والبلاد فى حالة حرب ، إحتراما للمسار المدني؟..
لم يعلن ولاة بخلفيات العسكرية مع كثرة الضغوط والضرورة وإنما اختار تكنوقراط ، لادارة الجهاز التنفيذى ؟..
بل تحدث عن الإنتخابات.. فما هو المزعج فيما قال ؟..
(2)
ما يزعج قحت وتقدم ، واثار حنقهم هو أنهم :
* لا يروون فى الساحة السياسية والمدنية والمجتمعية إلا وجوههم ، هم وحدهم القوى السياسية الفاعلة ، هم وحدهم القوى المدنية ، هم وحدهم القوى الاجتماعية ، هم وحدهم الذين من حقهم تسلم السلطة وادارة الشأن السياسي واحتكار القرار الوطنى..
هل تذكرون فى مثل هذه الأيام من العام الماضي كانت أشهر احاديثهم (يوم السبت ح نوقع الإتفاق ويوم الأحد ح نشكل الحكومة ، ويوم الاتنين شوفوا لو لقيتوا واحد يتحاوم) ، كان استبدادهم جاهز ومسنود بقوانين باطشة..
وبعد كل هذا الخراب الذي حل بالبلاد ، ما زالوا فى ذات النقطة وذات المحطة..
اما ما يزعجهم ثانيا: هو خروج مليشيا الدعم السريع من المعادلة السياسية ، وهذا أكثر نقاطهم ضعفا وإستنزافا لطاقاتهم وجهدهم و ماء وجههم ، ولا أدري بأى منطق تتوسل قوى سياسية ذات وعى وحصافة بمليشيا أرتكبت أكثر وأكبر الجرائم فى حق شعبهم ؟ .. أين عقلاءهم ؟
إن أكبر شواهد حماقة (تقدم) هو توقيع ميثاق سياسي مع هذه المليشيا ومد يد التحالف معها ، ومن الغريب أن أحد شروط (تقدم) للمشاركة السياسية هو عدم (تأجيج الحرب) ، بينما هى تضع يدها على زناد المليشيا وقدمها فى ميدانه ، المليشيا التى ارتكبت أكثر فظائع بشاعة ، وما زالت.. يا للعجب .. أن ما يحدد مواقف تقدم ليس منظومة قيمية أو معايير سياسية ، ما يحدد مواقفهم هو اسهل الطرق للوصول لكراسي السلطة والتحكم فى رقاب الناس دون حق أو انتخابات.
وثالثا: ما يزعج قحت وتقدم هو غيظ أو كره للجيش ، إنطلاقا من موقفه من الإطارى أو إفشاله لإنقلابهم وتحالفهم مع حميدتى واشعال الحرب فى 15 ابريل 2023م و بحثهم عن أي ثغرة أو حديث لتجريم العسكر أو الجيش ، فهذا مربط الفرس ، ولدلق حنقهم المكبوت..
ونلحظ ذلك فى بياناتهم واخرها اجتماعهم قبل يومين فى القاهرة..
وتلك مصيبة كبيرة وهفوة وطنية ينبغي على الحكماء مغادرتها والتنصل عنها..
(3)
وللتأكيد ، فإن هذه المرافعة لا تعني تأييد تشكيل حكومة ذات طابع عسكرى أو تولي العسكر الشأن السياسي ، هذا خطأ فادح إذا حدث، وقد قلت بعد 25 اكتوبر 2021م ، إن تشكيل حكومة عسكرية خيار غير موفق ، كما أن إعلان حل حكومة دكتور حمدوك ببيان وبزة عسكرية لم يكن خيارا موفقا..
وللحقيقة ، فقد كان من الأخطاء التقديرية للرئيس البشير تشكيل حكومة ذات طابع عسكرى فى فبراير 2019م ، وإعلان ولاة بخلفيات عسكرية ، كل ذلك يعني إنسداد الأفق فى الحلول المدنية والحياة الطبيعية..
ولذلك نحمد للمجلس العسكرى عدم اللجوء إلى خيار العسكرة..
وما نطرحه ويتوافق عليه الجميع ، إعلان حكومة مدنية ورئيس وزراء مدني من التكنوقراط لادارة البلاد فى فترة الانتقال لادارة ملفين لا أكثر: إعادة الاعمار و الترتيب للانتخابات .. وارجو أن يكون ذلك ما قصده الفريق اول العطا ، وفى ظني أن موقف الجيش ما زال على موقفه الانصراف عن الشأن السياسي..
وعلي القوى السياسية والمجتمعية الترتيب لبناء تحالفاتها وادارة ملفاتها للانتخابات والمساهمة فى التعبئة الوطنية للبناء..
وهذا هو الموقف الوطنى وما خلا ذلك مجرد (صراخ وتهريج صبياني يجيده قادة ورموز قحت وتقدم)..
حفظ الله البلاد والعباد
د.ابراهيم الصديق علي
18 مارس 2024م
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
دستور سوريا المؤقت الجديد.. خطوة واعدة أم تركيز للسلطة؟.. معظم الصلاحيات فى يد الشرع رغم الإعلان عن مبدأ الفصل بين السلطات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
وقّع الرئيس السورى المؤقت، أحمد الشرع، دستورًا مؤقتًا يَعِدُ بإصلاحات جوهرية، ويُرسّخ فى الوقت نفسه جزءًا كبيرًا من سلطة قيادة البلاد فى يد الرئيس، حسبما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" فى تقرير شامل لها، فيما أكدت عدة صحف أمريكية وفرنسية أن الأكراد أعلنوا تحفظهم على هذا الدستور المؤقت واعتبروه متنافيًا مع تنوع مكونات سوريا.
وبحسب "نيويورك تايمز"، تُمثّل هذه الوثيقة الجديدة لحظةً حاسمةً فى مسيرة التحول السياسى الطويل فى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد. وبينما يضمن الإعلان الحريات الفردية، ويتضمن وعودًا بحكومة شاملة، ينقسم النقاد والخبراء حول ما إذا كان يُتيح تحررًا سياسيًا حقيقيًا، أم أنه مجرد استبدال شكل من أشكال الاستبداد بآخر.
تساؤلات مشروعة
يمنح الدستور الجديد، الذى وُضع بعد حل الدستور السورى السابق فى عهد نظام الأسد، الرئيس المؤقت الشرع صلاحياتٍ واسعة. فلا يُمنح الرئيس سلطة إعلان حالة الطوارئ فحسب، بل يمتلك أيضًا سلطة تعيين ثلث أعضاء المجلس التشريعى خلال الفترة الانتقالية. تُثير هذه الصلاحيات التنفيذية الواسعة مخاوف بشأن إمكانية استمرار السيطرة المركزية فى نظامٍ اتسم بعقودٍ من الدكتاتورية.
وقد صاغ الشرع هذا الدستور المؤقت على أنه قطيعة مع الماضي، واعدًا بتاريخٍ جديدٍ لسوريا. ومع ذلك، ورغم ضمانات الحريات، بما فى ذلك حرية التعبير والصحافة، يشكك بعض الخبراء فى النطاق الحقيقى لهذه "الحرية" عمليًا، نظرًا لسيطرة السلطة التنفيذية على القضاء وغياب الضوابط على التعيينات الرئاسية.
دافع عبد الحميد العواك، عضو لجنة صياغة الدستور، عن الوثيقة، مُدّعيًا أنها تضمن فصل السلطات - وهو تناقضٌ صارخ مع تركيز السلطة فى يد الشرع. لكن استمرار هيمنة السلطة الرئاسية يُثير مخاوف من أن التغيير السياسى الحقيقى قد يكون سطحيًا أكثر منه جوهريًا.
مرحلة انتقالية
وحدد الإعلان الدستورى "المرحلة الانتقالية بخمس سنوات" على أن يتم "إحداث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية" بهدف "تحديد سبل المساءلة ومعرفة الحقائق وتحقيق العدالة لـ"الضحايا والناجين" فى النزاع المدمر الذى اندلع اعتبارًا من عام ٢٠١١.
ومن بين البنود التى تضمنها الإعلان الدستورى أيضا، "ضرورة تشكيل لجنة لكتابة دستور دائم"، إلا أنه لا يتيح إمكانية عزل رئيس الجمهورية. وردًا على سؤال صحفي، قال عضو لجنة صياغة الإعلان عبد الحميد العواك إن "القضية الأساسية تكمن فى أنه لا يستطيع رئيس الجمهورية أن يعزل نائبًا، ولا مجلس الشعب يعزل الرئيس، لأنه نظام رئاسي، هكذا هو نظامه، ومطبق فى أمريكا وفى تركيا والعديد من الدول".
الشريعة الإسلامية
يحتفظ الدستور الجديد ببندٍ رئيسى من سابقه: الشريعة الإسلامية لا تزال الأساس القانونى للنظام القانونى السوري. تؤكد الوثيقة على أن الشريعة الإسلامية ستكون المصدر الرئيسى للتشريع، مع ضمان "حرية المعتقد". ومع ذلك، يسمح هذا البند بتقييدات محتملة للحقوق، لا سيما عندما يكون الأمن القومى أو النظام العام على المحك.
إن خلفية الشرع كقائد للقوى الإسلامية خلال الحرب الأهلية السورية تُغذى الشكوك حول مدى التزامه بحكومة ليبرالية أو بإطار قانونى شامل حقًا. ولا يزال ارتباطه السابق بجماعات متطرفة مثل القاعدة، على الرغم من قطعه منذ سنوات، عالقًا فى أذهان الكثيرين، مما يُلقى بظلال من الشك على ما إذا كان حكمه سيعكس حقًا وعود التسامح الدينى والثقافي.
وضع الأقليات
تتألف سوريا من مجموعات عرقية ودينية متنوعة، ويَعِد الدستور الجديد بحماية حقوق جميع المواطنين. ومع ذلك، لا تزال الشكوك قائمة، لا سيما بين الأقليات. فقد أعرب السكان الأكراد، الذين يسيطرون على شمال شرق سوريا، عن مخاوفهم من أن الدستور الجديد يعكس الإطار الاستبدادى لعهد الأسد، مع بقاء السلطات التنفيذية المطلقة ثابتة.
فقد جاء أول رد فعل من الداخل حيث انتقدت الإدارة الذاتية الكردية هذا الإعلان الدستوري، معتبرة أنه "يتنافى" مع تنوع سوريا ويضم بنودًا تتشابه مع حقبة حكم حزب البعث.
وفى بيان، اعتبرت الإدارة الكردية أن الإعلان الدستورى "يتنافى من جديد مع حقيقة سوريا وحالة التنوع الموجود فيها، ويخلو من مكوناتها المختلفة من أكراد وعرب بما فى ذلك السريان والآشوريين وباقى المكونات الوطنية السورية". وأشارت إلى أنه "يضم بنودًا ونمطًا تقليديًا يتشابه مع المعايير والمقاييس المتبعة من حكومة البعث" الذى حكم البلاد لعقود. وتابع البيان قائلًا إن الإعلان الدستورى "لا يمثل تطلعات شعبنا ولا يدرك حقيقة هويته الأصيلة فى سوريا وهو بمثابة شكل وإطار يقوض جهود تحقيق الديمقراطية الحقيقية فى سوريا". وأضاف البيان "نأمل ألا تعود بنا بعض الممارسات والأفكار الضيقة إلى مربع الصفر لأن ذلك سيجعل الجرح السورى منزوفًا من جديد".
علاوة على ذلك، اندلع العنف الطائفى عقب الإعلان الدستوري، مما أبرز الانقسامات العميقة داخل البلاد. فى الأسبوع الماضي، نصب موالون للأسد كمينًا للقوات الحكومية، مما أدى إلى حملات قمع عنيفة استهدفت الأقلية العلوية، وهى فرع من الشيعة. تُبرز هذه الأحداث هشاشة سيطرة الشرع على البلاد واستمرار التقلبات فى السياسة السورية.
فى حين أعربت الأمم المتحدة عن أملها فى أن يُعزز الدستور الجديد عملية انتقالية شاملة، إلا أن الواقع على الأرض لا يزال غامضًا. تردد المجتمع الدولي، بما فى ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، فى رفع العقوبات عن سوريا، وحثّ الحكومة الجديدة على إظهار التزام حقيقى بعملية سياسية شاملة وحماية حقوق الأقليات.
حرية التعبير بحدود
يكفل الدستور الحريات الأساسية، بما فى ذلك الحق فى حرية التعبير والمعلومات والصحافة. ومع ذلك، تأتى هذه الحريات مع محاذير، مثل القيود المفروضة على التعبير الذى يُمجّد نظام الأسد. ويجادل النقاد بأن هذه القيود قد تُخنق المعارضة وتمنع ظهور مساحة ديمقراطية حقيقية للنقاش العام.
من الجوانب الأكثر تقدمية فى الدستور الجديد التزامه الصريح بحقوق المرأة، وضمان حصولها على التعليم والعمل، وتمتعها بكامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وقد بدا الشرع حريصًا على تصوير نفسه كمصلح فى هذا المجال، إذ اعتمد لغةً تراعى الفوارق بين الجنسين فى خطاباته، وأقرّ بالدور المحورى الذى لعبته المرأة فى الثورة. ومع ذلك، وفى ظل السياق السياسى الأوسع، لا تزال هناك تساؤلات حول كيفية صون هذه الحقوق عمليًا.
* عن التايمز