هكذا ترعى إسرائيل أمراء حرب في غزة لتفتيت المجتمع
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
بعد صدمة النزوح المتكرر من منزلها في مدينة غزة، شعرت سهى علم أنه لم يتبق سوى القليل لتخسره، فبعد أن فرت إلى مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، أرسلت رسالة إلى صديقة لا تزال في الشمال لتفقد منزل العائلة، لتخبرها أن اللصوص اخترقوا ثقبًا في جدار مكسور وسرقوا كل شيء.
ونشرت صحيفة "الإيكونوميست" تقريرًا، ترجمته "عربي21"، تقول فيه إن العديد من الفلسطينيين النازحين ذكروا أن منازلهم في الشمال تعرضت للنهب أثناء بحثهم عن مأوى في جنوب غزة.
وأضافت الصحيفة أنه يتم بعد ذلك عرض الكثير من المسروقات للبيع في أسواق مؤقتة، حيث يتمكن ضحايا السرقة في بعض الأحيان من إعادة شراء سلعهم المسروقة، بما في ذلك الأثاث. وتشكل أسواق السلع المستعملة هذه جزءًا من اقتصاد خليط ناشئ، حيث يمكن للعشائر والمافيا المحلية ورجال الأعمال الراسخين استخدام معرفتهم وعضلاتهم، بتحريض من صلاتهم بإسرائيل ومصر في بعض الحالات، لملء الفراغ.
وتابعت الصحيفة قائلة إن العشائر في غزة كانت منذ فترة طويلة من أصحاب السلطة، ولم يختفوا بشكل كامل في ظل حكم حماس، التي تعلم قادتها الأكثر حكمة عدم افتعال الخلافات مع العائلات الكبيرة، مفضلين العمل معها جنبًا إلى جنب بدلاً من المعارضة. ويقول مسؤولو الإغاثة والمراقبون إن العشائر متورطة في كلا النوعين من الاحتيال: في بعض الحالات توفر للمنظمات غير الحكومية مستودعات آمنة وحماية للتجار لبضائعهم مقابل رسوم؛ وفي حالات أخرى يقومون بترتيب سرقة المساعدات، ثم يبيعونها فيما بعد بأسعار باهظة.
وذكرت الصحيفة أنه في كانون الثاني/ يناير؛ أثارت التقارير التي تفيد بأن قادة الأمن الإسرائيليين يفضلون فكرة استخدام عشائر غزة للمساعدة في إدارة القطاع بشكل مؤقت، انتقادات دولية واسعة النطاق. ومع ذلك فقد بدأ هذا يحدث بالفعل؛ حيث تستخدم المنظمات غير الحكومية بشكل غير مباشر خدمات العائلات الكبرى في جنوب غزة لحماية والمساعدة في توزيع المساعدات على السكان اليائسين في المنطقة التي ينعدم فيها القانون. وتُظهر مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي رجالاً مسلحين بالعصي، وأحيانًا بالبنادق، يركبون قوافل المساعدات الإنسانية. وقد استشهدت "إسرائيل" بهذا كدليل على سرقة حماس للمساعدات، لكن عمال الإغاثة يقولون إنه في كثير من الحالات تم تعيين أفراد من عائلات ذات نفوذ لحماية البضائع من الحشود اليائسة التي قد تنهب الشاحنات.
ونقلت الصحيفة عن مخيمر أبو سعدة، أستاذ السياسة في جامعة الأزهر في غزة (المدمرة الآن)، والذي فر إلى القاهرة، قوله إن صعود هذه العائلات هو "وصفة للصراع الداخلي"، ويحذر من أن "هذه العشائر الكبيرة ستحاول احتكار وإملاء حياة العائلات الفلسطينية الأخرى"، مشيرًا إلى أن بعض العائلات الأكثر رسوخًا تورطت في عمليات قتل خارج نطاق القانون خلال فترات الاضطرابات الماضية. وكانت إحداها، وهي عائلة دغمش، متورطة في اختطاف الصحفي في "بي بي سي"، آلان جونستون، في عام 2007. ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن الشاحنات التي كانت تحاول الوصول إلى وسط غزة تم إيقافها عند حواجز طرق مؤقتة وتم نهبها من قبل مجموعات منظمة.
وقال أحد عمال الإغاثة إنه إذا ظل تدفق الغذاء والدواء معوقًا، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، "فسوف نشجع هذه العصابات والأسر على الاندماج ومن ثم يصبحون ببساطة جزءًا من المشهد العام".
ووفق الصحيفة؛ فيقول دبلوماسي غربي يشارك في محاولة ترتيب إمدادات الطوارئ إنه يشعر بالغضب، ففي كانون الأول/ ديسمبر؛ سُمح للشاحنات المملوكة لرجال أعمال فلسطينيين لهم صلات بـ"إسرائيل"، والتي تحمل بضائع تجارية، بالعبور من معبر كرم أبو سالم، قبل أيام من السماح بدخول أي مساعدات إنسانية، ويضيف: "خلق هذا الأسعار المجنونة".
ولفتت الصحيفة إلى أنه مع ارتفاع الأسعار وسرقة الكثير من المساعدات وبيعها، أصبح الوصول إلى المال أمرًا حيويًّا؛ حيث تُعتبر سلطة النقد الفلسطينية، ومقرها رام الله في الضفة الغربية، أقرب ما يملكه الفلسطينيون إلى البنك المركزي، ولقد سارعت إلى وضع الأموال في أجهزة الصراف الآلي القليلة في القطاع؛ حيث تعمل ستة فقط من أصل 91 جهاز صراف آلي في غزة؛ حيث إن المناشدات للحصول على إذن من "إسرائيل" للمهندسين لإصلاح الآلات المعطلة لم تلق آذانًا صاغية.
وقال جيمي ماكغولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة، إن إحدى طرق مكافحة الفوضى المتزايدة، خاصة في الشمال، هي "إغراق" غزة بالمساعدات حتى لا يتم استخدامها للابتزاز أو بيعها في السوق السوداء.
وترى الصحيفة أن خطط الولايات المتحدة لإنشاء رصيف عائم قبالة ساحل غزة قد تسمح بدخول المزيد من الإمدادات إلى القطاع، لكن المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة تقول مرارًا وتكرارًا إن المساعدات وحدها لا يمكن أن تمنع المجاعة. ولمعالجة الأزمة، لا بد من إعطاء رجال الأعمال في القطاع الخاص نصيبهم. ومع ذلك، تظل الواردات التجارية ضئيلة. لقد انهارت الأعمال الخاصة في غزة فعليًّا منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لكن أحد مسؤولي المساعدات قال: "مع نقص الإمدادات، هناك الكثير من الأموال التي يمكن جمعها".
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن حفنة من رجال الأعمال الفلسطينيين الذين تم فحصهم من قبل "إسرائيل" والذين لديهم علاقات قديمة معها تمكنوا من جلب البضائع إلى غزة بشكل خاص. لكن هذا يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، كما حدث في شباط/ فبراير عندما قُتل 112 شخصًا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات من الشاحنات التي جلبها التجار الفلسطينيون. ويتعين على التجار غير المعتمدين من قبل الإسرائيليين أن يتعاونوا مع العشائر أو العائلات لفعل الشيء نفسه، فالفساد منتشر لا محالة.
ويقول مسؤول سابق في السلطة الفلسطينية: "أنت تسمح لهؤلاء الأفراد الستة أو السبعة بالسيطرة على الاقتصاد؛ ما يتطور هو أمراء الحرب، وإسرائيل هي التي تقرر".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية غزة غزة تجويع امراء حرب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی الشمال فی غزة
إقرأ أيضاً:
حرب الإبادة.. إسرائيل تواصل عدوانها على غزة وغرق خيام «خان يونس»
يواصل الاحتلال الإسرائيلى عدوانه على غزة، إذ استُشهد وأُصيب عدد من الفلسطينيين، أمس، جراء قصف طائرات الاحتلال الحربية منزلاً فى جباليا النزلة شمال القطاع ليصل عدد الشهداء إلى 44 ألفاً و235 مواطناً، أغلبيتهم من النساء والأطفال، وإصابة 104 آلاف و638 آخرين، فى حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الركام وفى الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والإنقاذ الوصول إليهم، فيما يواصل الاحتلال قصفه المدفعى شمال ووسط وجنوب القطاع.
وفى خان يونس، تطايرت أكثر من 10 آلاف خيمة فى خان يونس نتيجة الرياح الشديدة والأمطار، ما اضطر النازحين إلى نقل خيامهم إلى مناطق بعيدة عن الشاطئ فى ظروف صعبة وقاسية جداً، وفقاً لمدير البرامج الصحية، مدير مستشفى القدس التابع لجمعية الهلال الأحمر فى قطاع غزة بشار مراد، لإذاعة «صوت فلسطين»، مشيراً إلى أن المواطنين يعانون أمراضاً صدرية مختلفة، خاصة كبار السن والأطفال نتيجة عدم توفر الملابس الشتوية ووسائل التدفئة والأغطية فى ظل تدنى درجات الحرارة بشكل كبير، منوهاً بانتشار المجاعة فى غزة، ووصول نسبة الأطفال الذين يعانون سوء تغذية إلى 40% فى الجنوب، نتيجة منع سلطات الاحتلال دخول المساعدات الإغاثية وارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل كبير.
وحذر رئيس شبكة المنظمات الأهلية فى قطاع غزة أمجد الشوا، ومدير الإغاثة الطبية فى الجنوب بسام زقوت، من خطورة الأوضاع بسبب الجوع والأمطار، مطالباً المجتمع الدولى بالتدخل العاجل لوقف العدوان وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإغاثية والغذائية، وإنقاذ حياة النازحين خاصة الأطفال وكبار السن إذ يشهد القطاع غرق المزيد من الخيام مع تعمق المنخفضات الجوية خلال فصل الشتاء، مشيراً إلى أن العديد من النازحين عادوا إلى ما تبقّى من أنقاض منازلهم، بسبب غرق خيامهم، كما أن الاحتلال يتعمد خلق الفوضى بين النازحين فى القطاع عبر استخدام عصابات منظمة خارجة على القانون تسرق المساعدات الغذائية.
وقال «زقوت» إن الأوضاع الإنسانية تزداد كارثية، مبيناً أن الجوع والبرد آفتان تقتلان المواطنين فى القطاع فى هذه المرحلة، مشيراً إلى مناشدات من عشرات العائلات النازحة خلال ساعات الليل لإيوائها بعد أن أغرقت مياه الأمطار خيامها وباتت بلا مأوى، وأن ما يحدث ظاهرة خطيرة بدأت تتصاعد وتتمثل بقيام مجموعات منظمة فى القطاع بالسيطرة على المساعدات التى تدخل إلى غزة فى إطار فوضى عارمة تعمد الاحتلال إحداثها ضمن حرب الإبادة المستمرة.
وفى الضفة الغربية، كشف رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، الوزير مؤيد شعبان، أن جيش الاحتلال والمستعمرين نفذوا 407 اعتداءات ضد قاطفى الزيتون منذ بدء الموسم فى الأسبوع الأول من الشهر الماضى وحتى الآن، وشملت الاعتداءات عنفاً جسدياً، أدى إلى استشهاد مواطن ومواطنة فى نابلس وجنين على التوالى، إضافة إلى حملات اعتقالات ومنع وصول وترهيب، موضحاً أن الاعتداءات توزعت بين 120 اعتداءً نفذها جيش الاحتلال، 242 اعتداءً من قبل المستعمرين، و45 اعتداءً مشتركاً بين الجانبين، كما تركز معظم الاعتداءات فى نابلس (160 حالة)، تلتها سلفيت (58) ثم الخليل (54)، موضحاً أن الموسم الحالى شهد تصاعداً غير مسبوق مقارنة بالسنوات السابقة، حيث زادت الاعتداءات من 333 فى موسم 2023 إلى 407 هذا العام، بينما سجل موسم 2022 ما مجموعه 108 اعتداءات، وفقاً لوكالة الأنباء الفلسطينية «وفا».
وفى سياق منفصل، لا تزال ردود الفعل العالمية متباينة على قرار الجنائية الدولية، إذ ألمحت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، أمس، على هامش اجتماع لوزراء خارجية مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى فى مدينة فيوجى الإيطالية، إلى احتمال تنفيذ مذكرة الاعتقال الدولية الصادرة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إذا دخل الأراضى الألمانية، وأن «الحكومة الفيدرالية تلتزم بالقانون لأنه لا أحد فوق القانون»، وأن «استقلالية القضاء سارية، وقد توصل القضاء فى هذه الحالة إلى نتيجة مفادها أن هناك ما يكفى من القرائن لاتخاذ هذه الخطوة الآن».
وكانت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت الخميس الماضى، بالإجماع، قرارين برفض الطعون المقدمة من قبل دولة الاحتلال بموجب المادتين 18 و19 من نظام روما الأساسى، وأصدرت أوامر اعتقال بحق كل من نتنياهو ووزير جيشه السابق يواف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب منذ 8 أكتوبر 2023 على الأقل حتى 20 مايو 2024، وهو اليوم الذى قدمت فيه النيابة العامة طلبات إصدار مذكرات الاعتقال.