«العادات والتقاليد الرمضانية في الجزائر»
تاريخ النشر: 19th, March 2024 GMT
دخل الإسلام في الجزائر في عهد الدولة الأموية وأعقاب الفتح عام 670: 710م وهي الفترة التي تحول فيها البربر والسكان الأصليين بسرعة للدخول في الإسلام الذي انتشر في عهد دولة المرابطين في القرن الثامن الميلادي وليصبح المذهب المالكي رغم وجود مذاهب أخرى هو المذهب المسيطر على المجتمع الجزائري، رغم أن الحكم العثماني جلب معه المذهب الحنفي، وقد انتشر المذهب الصوفي في المناطق الجبلية رغم انتشار الإسلام بصعوبة في الجنوبية لدرجة أن الطوارق لم يعتنقوا الإسلام إلا في القرن الخامس عشر الميلادي، وفي حقبة الاستعمار الفرنسي الذي طال أمده وأثر على الهوية الجزائرية استطاعت المقاومة أن تتحرك بقوة عندما أخذت صبغة دينية إسلامية وأطلق على المقاومين للاستعمار اسم مجاهدين وعلى القتلى اسم شهداء ولا ينسى فضل عالم الدين الكبير عبد الحميد بن باديس في بداية العقد الثاني من القرن العشرين عندما شجع على تعليم اللغة العربية والتربية الإسلامية والتصوف حتى انتشرت دعوته وأخرجت المقاومة بثوب جديد أذهل الاستعمار وساعد على عودة الروح والنضال بقوة للشعب الجزائري حتى نال الاستقلال عام 1962وبعدها عادت الجزائر بقوة إلى حاضرة أمتها العربية والإسلامية وأصبح الإسلام دين الدولة وانتشرت المساجد في عهد الدولة العثمانية وبعد الاستقلال، ويشكل المذهب المالكي نسبة 98% مع وجود مذاهب صغيرة في بعض المناطق، كما يمثل الإسلام دين الأغلبية مع أتباع المذهب السني مع حفاظ الإسلام في هذا البلد على الهوية المركزية الاجتماعية والثقافية، وتنتشر المساجد بكثرة في المدن والقرى الجزائرية، ومن أشهر المساجد مسجد كتشاوة وهو من أقدم المساجد التاريخية بالعاصمة الجزائرية ويعود للعهد العثماني 1021هجرية، 1612م، وقد تم افتتاحه في عام الاستقلال عام 1962 بعد أن حوله المستعمرون الفرنسيون إلى كنيسة ويعتبر تحفة معمارية تركية.
ويوجد المسجد بالقرب من ساحة متميزة بالقرب من مدينة القصبة بالجزائر العاصمة، ويليه في الشهرة مسجد الأمير عبد القادر ويتسع ل1500 مصلي وقد أتى إليه الكثير من الدعاة والمشايخ وكبار العلماء، ومسجد أول نوفمبر بمدينة باتنة، فالمساجد والجوامع من معالم الحضارة الإسلامية وتطورها عبر الأزمنة ومختلف الحضارات، وتشكل العادات والتقاليد مظهر حضاري وتراثي كبير يتمتع به شعب الجزائر الذي ورغم المحن مازال محافظا عليها في كل المناسبات العامة والدينية وبخاصة فيما يتعلق بشهر رمضان.
لشهر رمضان طابع مميز وجميل يجعل الجزائريون المغتربون يعودون لقضاء رمضان بين الأهل والأحباب، ويبدأ الاستعداد به مبكرا حيث يقوم الناس بإعداد المساجد وتزيينها وكذلك البيوت وتحضر صناعة الحلوى الرمضانية والأطعمة التي تتواجد بشكلها الجميل والأخاذ في المحلات طوال شهر رمضان، وتقوم الإذاعات ببث خبر رؤية الهلال ويقابل من الشعب بالأناشيد الدينية والتواشيح وتلاوة القرآن بالمساجد وتعم الفرحة ويفرح الأطفال ويغنون الأغاني الشعبية ويرتدون مع الكبار الأزياء التقليدية وتقوم بعض الأسر بختان الأطفال في رمضان طلبا للتبرك ويقبل الأطفال على الألعاب وشراء الحلوى ويتم شراء ملابس العيد خلال شهر رمضان لهم، وفي الأسواق تنتشر السلع من كل نوع ويقبل على شرائها الصائمون، وكذلك تفتح محلات الحلوى الرمضانية والأطعمة ليلا، ويذهب الناس لصلاة العشاء والتراويح ويقومون بقراءة القرآن، ويحتفلون بليلية النصف من رمضان وكذلك بليلة القدر، ويقوم الموسعون بإعداد موائد الرحمن، كما تقوم بعض الجهات والمؤسسات الخيرية بتقديم ما يسمى بقفة رمضان كل عام للفقراء،
وأحيانا ما تستخدم الأبواق في القرى النائية لتنبيه الصائمين بسبب المساحة الجغرافية الكبيرة للجزائر وتباعد قراها ومدنها ويبدأ الإفطار بالتمر الجزائري الشهير مع الحليب والبيض ثم الحريرة المنتشرة بالمغرب العربي، وبعد الصلاة يعودون لتناول الأطباق الرئيسية ومنها الطاجين ثم الخضار مع اللحم والكسكسى والثريد والشخشوخة ثم طبق البرقوق المجفف مع الزبيب مع اللوز ولحم الغنم أو الدجاج، ثم شرب الشاي بالنعناع مع الحلويات الرمضانية ومنها قلب اللوز والمقروض الزلابية والمسكوف الذي يقدم عند السحور وهو عبارة عن الكسكسى المخلوط مع اللبن والمكسرات، وبعد الصلاة تنتشر السهرات في المطاعم وتقام الألعاب الشعبية، وفي الخارج يلعب ويمرح الأطفال ليصبح رمضان بالجزائر عبارة عن عبادة وتراث وتكافل اجتماعي ومتعة وفرحة وترفيه تعم الشعب الجزائري كله الذي يهنئ بعضه بعضا خلال رمضان وعند الإفطار بقولة شهيرة هي صح فطورك وصح صيامك.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإسلام الجزائر الحكم العثماني
إقرأ أيضاً:
القيم والتقاليد عند مفترق الطرق.. كيف ندير التغيير؟!
••ليس منطقيا أن يكون الصدام أو العنف هو الحل الأمثل في مواجهة التحولات التي تشهدها القيم والعادات والتقاليد في أي مجتمع من المجتمعات، وهذه القيم تواجه في الوقت الراهن تحديات كبرى بسبب المتغيرات التي يشهدها العالم الذي نعيشه بما في ذلك صراع الأجيال وثورة المعلومات والصراعات النفسية التي يمر بها الشباب والمراهقين في مرحلة شديدة الحساسية لبناء الذات. قد يقود الصدام إلى مستوى أخطر من التحول يصعب علاجه أو مواجهته، الأمر الذي يفرض علينا البحث عن حلول أخرى لبناء ثنائية الأصالة والمعاصرة. يبدأ هذا الأمر في قراءة الظواهر التي تنتشر في مجتمع من المجتمعات قراءة دقيقة في سياقها الصحيح وربطها بما حولها من مؤثرات.
•يبدو موضوع القيم والعادات والتقاليد شديد الحساسية بالنظر إلى كونه المنظومة التي تعكس هُوية الشعب وتحدد إطاره الأخلاقي والاجتماعي. لكن من الصعب الاعتقاد أن هذه المنظومة ثابتة لا تتغير أو أنها بمنأى عن المتغيرات التي تحدث في العالم لأنها في الحقيقة ووفق الدراسات العلمية ووفق منطق الأشياء تخضع للتحولات الطبيعية التي تفرضها تطورات الزمن. ولا تكمن الإشكالية في حدوث التغيير أو التحول ولكن في نوعية ذلك التحول، وهل يتم وفق عملية تطور طبيعي يحافظ على جوهر القيم ويعيد صياغتها بما يتناسب مع العصر، أم أنه انزياح يبتعد عن الأسس التي قامت عليها المجتمعات؟
•في العقود الأخيرة، شهد مجتمعنا تغيرات واضحة في أنماط الحياة، بفعل التطور التكنولوجي والانفتاح الإعلامي، إضافة إلى التحولات الاقتصادية والاجتماعية. هذه التغيرات أفرزت أجيالا تحمل رؤى مختلفة عن الأجيال السابقة، حيث بات الشباب أكثر ميلا للحداثة والتقليد، وأكثر تحررا في سلوكهم وخياراتهم، ما أدى إلى تصادم، أحيانا، بين القيم التقليدية والممارسات الجديدة.
•لكن المشكلة ليست في التغيير بحد ذاته، وإنما في طبيعته؛ ففي الوقت الذي يفترض أن تسير التحولات نحو تعزيز القيم الإيجابية وتجديدها بما يخدم تطور المجتمع، نجد أن بعض الانزياحات تأخذ مسارا يؤدي إلى تراجع الأخلاق العامة، وتفكك الروابط الأسرية، وانحسار روح المسؤولية الاجتماعية. هذه المظاهر لا تمثل تطورا، بل تعكس خللا في التوازن بين الحاجة إلى التحديث والحفاظ على القيم الراسخة.
•والأمم لا تبني مستقبلها بالتخلي عن تراثها وهويتها، بل من خلال تطوير منظومة قيمية تجمع بين الأصالة والتجديد. فالحداثة الحقيقية ليست في نبذ العادات والتقاليد، وإنما في إعادة قراءتها وفق متطلبات العصر، بحيث تبقى الأخلاق، والاحترام، والانتماء الوطني، وحس المسؤولية، مبادئ غير قابلة للتلاشي.
•الحل الأمثل في مثل هذه التحديات التي تواجه المجتمعات هو في إدارتها، إدارة التغيير ذاته، وفي بناء وعي مختلف عند الشباب والمراهقين الذين يقودون هذه الانزياحات عن النماذج الثابتة التي تقرها المجتمعات، وهذا الأمر يحتاج إلى جهد وطني جماعي تشترك فيه الأسرة والمجتمع المحلي والمساجد والمدارس والأندية الرياضية وبشكل خاص الفرق الرياضية الموجودة في الحارات والتي لديها قدرة تأثير غير ملتفت لها حتى الآن.
•على سبيل المثال كان يمكن أن تقوم هذه الفرق الرياضية بتنظيم فعاليات متنوعة في ليلة النصف من رمضان مرتبطة بمنظومة المجتمع وقيمه ولا تترك فرصة للشباب والمراهقين للخروج عليها عبر ممارسة سلوكيات يرفضها المجتمع ولا تتناسب حتى مع روحانيات الشهر الفضيل. هذا الأمر طبقته بعض الولايات وحقق نجاحا كبيرا بل إن الصورة الذهنية التي رسمها خرجت من إطارها العماني إلى العربي حيث تم تناقلها والإشادة بها.
•موضوع إدارة التغيير مهمة جدا وفارقة في القدرة على ترسيخ الحدث في الوعي والوجدان، لكن أيضا يحتاج الأمر إلى إرادة مجتمعية، كل مؤسسات المجتمع، من أجل النجاح والاستمرار.
•ولا بد من القول إن قوة المجتمع في قدرته في إدارة التغيير وفي الموازنة بين الأصالة والمعاصرة وفي توجيه أجياله نحو المستقبل دون أن يفقد جذوره، وأيضان دون أن يفقدهم عبر تمردهم عليه. والتغيير سنة الحياة، لكن الوجهة التي يسلكها هذا التغيير هي ما يحدد مصير الشعوب والأمم.•