من سنن الله مع العصاة والمذنبين والمجرمين والكافرين: الإمهال (وأملى لهم إن كيدى متين) (الأعراف: 183)، (وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهعم العذب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا) (الكهف: 58). إذا أغفل الداعية هذه السنن تعجل وربما فشل فى دعوته وكبا، إن من يريد تغير الواقع فى أقل من طرفة عين دون النظر إلى العواقب والسنن، كمن يريد أن يزرع اليوم ويحصد غدًا، بل يريد أن يغرس فى الصباح ويجنى الثمرة فى المساء وهذا محال، لابد من صبر وتروٍّ على البذرة حتى تنبت، وعلى النبتة حتى تورق، وعلى الورقة حتى تزهر، وعلى الزهرة حتى تثمر، وعلى الثمرة حتى تنضج، ثم يبادر إلى قطفها قبل أن تفسد، ومسافة ميل تبدأ بخطوة واحدة، ومن سار على الطريق وصل، إن شيوع المنكرات، وإحاطتها بالمؤمن من كل جانب، مع العجز -أحيانًا- عن تحمل أعباء الطريق مع واقع أعداء الله فى الصد عن سبيل الله، مع الطاقة الضخمة التى يولدها الإيمان فى النفس، قد يدفع هذا كله إلى العجلة إذا لم تضبط الأمور بضابط الشرع.
والله عز وجل يقول فى الحديث القدسى «من تقرب إلى شبرا تقربت منه ذراعا».
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الأسوة قد بعث والأصنام من حول الكعبة تحيط بها وتعلوها، ثم لم يقبل على إزالتها إلا يوم فتح مكة فى السنة الثامنة، أى بعد بعثته بواحد وعشرين عامًا، لتقديره صلى الله عليه وسلم أنه لو قام بتحطيمها فى أول يوم قبل أن تحطم فى داخل النفوس، لأقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أعظم وأشنع، وعندها يتفاقم الأمر ويعظم الضرر، ولذا تركها صلى الله عليه وسلم، وأقبل يعد الرجال، ويزكى النفوس، ويطهر القلوب، حتى إذا ما تم له ذلك أقبل بتلك القلوب ليفتح بها مكة ويزيل الأصنام فكان له ما أراد (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا) (الإسراء : 81).
رفقًا بالناس فى دعوتك إياهم
ولا تقنط من رحمة الله
ولا يتسلل إلى قلبك يأس من رحمة الله ونصره
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: ذكر الله عبادة يطمئن ويصلح بها القلب
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الذِّكرُ هو عبادةُ القلبِ التي يَصلحُ بها ويطمئنُّ بها، قال تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾، فإذا اطمأنَّ القلبُ صلحَ، وصلحَ بصلاحِه سائرُ الجسد، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ».
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أن الذِّكرُ عِمادُ القلبِ، والقلبُ عِمادُ الجسد، فقلبُ المؤمنِ يَحيا بذِكرِ اللهِ تعالى، وبحياةِ القلبِ يَحيا سائرُ البدن، فقد ورد عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وسلم : «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ، وَالَّذِي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ».
ويتضح ذلك المعنى عندما نعلمُ أنَّ الصلاةَ التي هي عِمادُ الدينِ ورُكنُه الرَّكينُ إنما شُرعت لأجلِ ذِكرِ اللهِ تعالى، قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾. بل عندما يُشرِعُ المسلمُ في صلاته، بقوله (بسم الله الرحمن الرحيم)؛ يُباهِي الله به ملائكته ويقول لهم: "ذكرني عبدي".
فالذِّكرُ هو الإطارُ العامُّ، والبيئةُ الطيِّبةُ التي لا بُدَّ منها حتى تَترعرعَ فيها بقيةُ العبادات، ومن ذلك نلحظ أن الإحرام بالصلاة يبدأ بالتكبير ، وختامها بالتسليم، وكِلاهُما ذِكرٌ لاسمٍ من أسماء الله تعالى ، قال تعالى : ﴿وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾.
فعلاقةُ الذِّكرِ ببقيةِ العباداتِ كعلاقةِ الشجرِ بالأرض؛ فلا يُمكنُ أن تُزرعَ شجرةٌ دون أن تمتلكَ أرضًا تُزرَعُ فيها.
فالأمرُ بالذِّكرِ هو أمرُ المُحبِّ لمَن يُحبُّ، وإنَّما يَمتثلُ له من صدقَ في الحبِّ، يقول تعالى ﴿فاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ﴾، ويقول تعالى في حديث قدسي فيما يرويه صلى الله عليه وآله وسلم : «وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ».
وإذا أحبَّ المرءُ منَّا حبيبًا، طلب منه أن يَذكُرَه – وللهِ المثلُ الأعلى – فالذِّكرُ أمارةُ الحبِّ، فما من مُحبٍّ وهو لاهٍ عن محبوبِه.