رمضان دعوى للاتزان.. والصيام يخلصك من الأوهام
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
كُتب علينا الصيام لعلنا نتقى، فكان مدرسة أخلاقية تُرَوض النفس الأمارة بالسوء، وتُزكى النفس البشرية من الشهوات والرذائل، وكلما تقدم العصر نتلاقى مع متغيرات يصعُب إلغائها أو منعها تعترض القيم الرمضانية وتحولها إلى فترة سنوية للتسلية بدءاً من الأعمال الدرامية والخيم الرمضانية إلى توغل محتوى منصات التواصل الإجتماعى فى حياتنا اليومية، ويشملها بالضرورة مفاهيم مغلوطة تُذلل الطريق لانتهاك ُحرمة الشهر الكريم وتُطيح بثوابت بدعوى الحريات.
يقول محمود شلبى أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية إننا نفقد غاية الصيام حين نظن أنه مجرد تجويع للنفس، تحت مظلة «نصوم لكى نشعر بالفقراء»، رغم أن الصيام ليس إمساك عن المأكل والمشرب ولكنه الامتناع الكامل عن كل فعل مُحرم تأتيه الجوارح على اختلافها من يد وعين وقدم، كما قال رسول الله:»من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه»، وقوله صلى الله عليه والسلام: «رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر والتعب، وهذا الإمساك والتدريب ينعكس على ما بعد رمضان، لكى نصوم عن الاعتداء والمعاصى فى أيامنا المعتادة.
فيما قال الدكتور أحمد شبل عضو هيئة التدريس بكلية أصول الدين بالقاهرة إن غاية الصوم تقوى الله كما بينها عز وجل فى قوله: «يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، والتقوى تعنى أن يجدك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك، لذا يجب أن تُراقب الله تعالى فى كل أفعالك وحركاتك وسكناتك، حتى إذا خلوت بنفسك تعلم أن الله ناظرًا إليك ومطلعًا عليك.
واستشهد شبل بقول الشاعر أبو العتاهية: «إذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَوماً فَلا تَقُل، خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ، وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يُغفِلُ ما مَضى، وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيهِ يَغيبُ»، وهذا من أعظم الغايات التى نتعلمها من الصيام.
شهر ميلاد جديد
بينما أعطى الدكتور عمرو الوردانى أمين الفتوى ومدير مكتب الإرشاد الزواجى بدار الإفتاء المصرية منظورًا مختلفًا لفلسفة الصوم فى الإسلام فقال إن العبادات الكبرى كالحج والصوم إنما هى ميلاد جديد للإنسان، ونلاحظ أن رمضان يأتى فى الشهر التاسع من الأشهر القمرية كما يُولد الجنين بعد تسعة أشهر وفى أحاديث حضرة النبى عن رمضان يقول صلى الله عليه وسلم: «من صامَهُ وقامَهُ إيمانًا واحتسابًا خرجَ من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمُّهُ»، ورمضان يمر علينا فى مراحل كالجنين، فيقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن رمضان أوله مغفرة ووسطه رحمة وآخره عتق من النار، فيبدو كمراحل الخروج للحياة من نطفة إلى علقة ثم إلى مضغة، ونستخلص من هذا أننا لا بد أن نجدد حياتنا خلال رمضان لنولد من جديد ولا يمر علينا كما يمر كل عام ولا يُغير فينا شىء.
وأضاف «الوردانى» أن سُبل هذا التغيير أيضًا نستقيها من فلسفة الصوم فيقول المصطفى: «إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب»، فمعنى «صفدت الشياطين ومردة الجن» أن تقضى على كل المبررات المهلكة للذاتك وتقف على أرض صريحة مع نفسك، وأما عن «غلقت أبواب النار» يعنى أن تُدرك أن كل النيران الداخلية فى قلبك والتعب والمرارة إنما هى من وهمك ونفسك الأمارة بالسوء، وعندما تتخلص من الوهم تتخلص من الهم وتغلق نيرانك مع نيران الآخرة.
وتابع «الوردانى» عن دلالة «وفتحت أبواب الجنة» أى فُتح بينك وبين الله باب الوصال ولذلك ينادى عليك الله كما جاء فى حديث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:» يا باغى الخير أقبل»، فكل أبواب الصلة والنور مفتوحة حتى ولو كنت من غير أهل الخير، فأمامك فرصة لتُقبِل على الله، وهكذا نجد أن ما يقف بيننا وبين التغير فى رمضان هو تمسكنا بأوهامنا ونيرانا الداخلية الناتج عن فهمنا الخاطئ لرمضان.
الصائم أمام متغيرات العصر
وحول ما يعترض الصائم فى الشهر الكريم من إنتاج ترفيهى يخرج من مفهوم مغلوط عن تسلية الصائم فى نهار رمضان وليله، من مسلسلات وما استجد من منصات إلكترونية مخصصة للأعمال الدرامية، بالإضافة إلى ما يتم إنتاجه من محتوى على منصات السوشيال ميديا، كلها تتكالب على الصائم وتمتص وقته وقلبه فى شهر العبادة والقرآن، قال الدكتور أحمد شبل عضو هيئة التدريس بجامعة القاهرة بكلية أصول الدين إن شهر الصيام هو موسم يتزود منه المسلم لبقية العام، بالطاعات والإكثار من النوافل وقيام الليل والتصدق والتدرب على الإخلاق الحسنة التى يتعلمها من مدرسة الصيام، لذا ينبغى على الصائم ألا يحيد عن الغايات التى من أجلها شُرع الصيام، ومنها التقوى وهى الغاية العظمى والتى لأجلها نتدرب على كثير من الفضائل والعبادات.
ومن جامبة وضح الشيخ محمود شلبى أمين الفتوى أن المقصد فى شهر رمضان المبارك هو الانشغال بالعبادة والطاعة وما يستعين به على تقوى وعبادة الرحمن، ومتابعة أعمال رمضان الترفيهية بقدر كبير يؤدى إلى إنشغال المسلم عن العبادة وقرأة القرآن وهنا يبتعد عن مقصد شهر رمضان الحقيقى.
وفى هذا السياق حذر شبل من انغماس المُسلم فى المُلهيات كالمسلسلات وكل ما يُبحر به بعيدًا عن مقصد الصوم، فيبتعد عن اللغو والرفث والإنشغال بما لا ينفع، وكما أن شهر رمضان تُضاعف فيه الحسنات ويفتح فيه أبواب الجنة، ويغلق أبواب النيران، فالسيئات وارتكاب المحذور فيه يكون أعظم لحرمة الشهر الكريم، والانخراط فيما هو بعيد عن العبادة يتسبب فى فوات شهر الرحمة والمغفرة وهو فرصة عظيمة لا تعوض.
كما نصح شبل من يحب مشاهدة الدراما فى رمضان أن يعوضها بعد الشهر الفضيل فأمامه عام كامل، ولكن شهر المغفرة قد لا يُدركه العمر ولا يعود به مرة ثانية ليشهد رمضان، كما أنها تنتقص من صيامه لقضاء الساعات أمام الشاشات، فعليه أن يصحح الصورة ويلتزم بقراءة القرآن وملازمة الأوراد والأذكار وإتقان عمله، فهو بعيد كل البعد على أن يكون شهر كسل ونوم ولكنه موسم العمل والإنتاج للفرد وأسرته ومجتمعه.
الجهر بالإفطار بدعوى الحرية
وفى سياق متصل يظهر مع انفتاح العالم خلال ثورة السوشيال ميديا ومؤثرين الفيسبوك والتيك توك وغيرها من منصات التواصل الاجتماعى مفاهيم كثيرة منها ما لا يتسق مع الدين، ويحول فروض الله التى وضعها بوسعه ورحمته إلى قيد يطالب بالحرية، فتتعدى ظاهرة الإفطار فى نهار رمضان إلى الجهر به وانتهاك حُرمة الشهر الكريم، وذلك بدعوى متطرفة تحت مظلة الحرية: «أنا من حقى ماصومش زى ما أنت من حقك تصوم».
ويرد دكتور عمرو الوردانى أمين الفتوى بدرا الإفتاء أن الله يحب أن تكون من أهل الطاعة لأنه يريد أن يهذبك لا أن يُعذبك، فإذا كانت طاعة الله حرية شخصية لا تشكو ضيق صدرك ونزع البركة من حياتك، ولذلك نحن لا نقوم بالطاعات بسبب التكليف ولكنها لأنها توجدنا وتخلقنا من جديد، ونجد البركة والنور فنرى بنور الله، فكيف يقول لنا الله عن الصوم: «فإنه لى» ويكون الجواب: «ماليش دعوة» ثم يتذمر من تعكر وتكدر حياته، فيجب أن نتقى الله ونعلم أن التكليف قطع لمسافات التشريف، فكلفنا الله لكى يشرفنا، فتخيل أن تصوم فيقول لك ربك لقد قبلتك: «يا عبدى ونظرت إليك ورضيت عنك وفتحت لك أبواب جنتى وأغلقت أبواب نارى لتعلم لا لشىء إلا لتعلم أنك فى أمان».
فيما قال أحمد شبل عضو هيئة التدريس بأصول الدين بالقاهرة أن مجرد الإفطار نفسه سواء كان سرًا أو جهرًا هو كبيرة من الكبائر، ومن أعظم الذنوب حرمة عند الله سبحانه وتعالى، ولابد أن يعلم من يفعل ذلك أنه خرق بهذا أمر الله سبحانه وتعالى وانتهك حرمة الشهر العظيم، وارتكب محظورًا من أكبر المحظورات، وعليه أن يراجع نفسها ويستحضر عظمة الله العزيز القهار، لأن اقتراب حُرمات الله تنعكس عليه وتنتزع هيبة الله عز وجل من قلبه.
رمضان فتح من الله
وفيما يواجه المسلم كل عام فى رمضان من مفاهيم مغلوطة تُكر صفو الشهر الكريم، هى تصور رمضان كأنه شهر أعباء، عبء جسمانى ونفسى على المرأة لكثرة متطلبات المنزل، خاصة مع انصراف الزوج من منطلق التفرغ المطلق للعبادة أو الكسل والنوم بدافع عبء مشقة الصيام.
وحول هذا المفهوم يكشف الدكتور عمرو الوردانى أمين الفتوى بدار الإفتاء أن ما ترسخ فى أذهاننا من أن الصيام عبء هو سبب الكسل، لأن الكسل فكرة نفسيه، وكل من لديه ضغط جسمانى أو نفسى هو فى الواقع أمام مدد ربانى، فلابد من التعامل مع رمضان على أنه فتح من الله لأن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام تكلم عن الصيام كما روى عن رب العزة: «فإنه لى وأنا أُجزى بهِ».
كما أشار الوردانى إلى خطورة فكرة الكم فى رمضان، حيث الكمية المفرطة فى كل ما يتعلق بالشهر الكريم لأنها تتعدى الغاية الكبرى، لأن مقصدنا هو الله، فلو أنك قرأت نصف القرآن فى رمضان ولكن فى صلة ووصل بالله أفضل من قراءة متعجلة لختمه لأنه: «ما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل»، فيجب أن يكون هناك قدر من الإتزان فلا نكسل ولا نعجل، وعلينا أن ندير الوقت فى رمضان ما بين العبادات والأسرة والعمل فالجمع أولى من الترجيح، بمعنى أن تجمع بين عباداتك وشئون أسرتك وصلة الرحم التى توصل فى رمضان أولى من ترك إحداهما وتتبع الأخر إذا كنت تستطيع ذلك.
وشدد الدكتور أحمد شبل عضو هيئة التدريس بأصول أنه على الزوج مد يد العون كرب للأسرة إلى زوجته، ويكون له مزيد الأجر والثواب عند مساعدة أهل بيته بجانب العبادة كما كان يفعل رسول الله عليه الصلاة السلام، فقد كان فى خدمة أهله ويعتمد فى كثير من الاحيان نفسه فيُخيط ثيابه ويقدم يده الشريف عونًا لزوجاته فى أعمال المنزل، فيُشرعِهم بمسئولياته تجاههم، ولنا فى حضرة النبى أسوة حسنة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأوهام صلى الله علیه الشهر الکریم أمین الفتوى شهر رمضان فى رمضان
إقرأ أيضاً:
عاصفة على أبواب العراق.. هل يمكن حل الحشد الشعبي في العراق؟
على وقع التغيرات التي تشهدها المنطقة بانكفاء "محور المقاومة" بدأ الحديث عن حل الحشد الشعبي في العراق، ضمن سلسلة مطالب دولية وتحديدا أمريكية.
ورغم عدم وجود أي تصريح رسمي للحكومة العراقية حول القضية إلا أن مستشاري رئيسها محمد شياع السوداني تمنح هذه التصريحات شيئا من الواقعية.
رسائل ضمنية
أثيرت القضية بعد جملة تهديدات من الاحتلال بقصف فصائل عراقية كانت تطلق طائرات مسيرة تجاه الأراضي المحتلة، وتمكنت في تشرين الثاني/ نوفمبر من قتل جنديين "إسرائيليين" في الجولان.ذ
مطلع الشهر الجاري، التقى المبعوث الأممي الجديد إلى العراق بالمرجع الشيعي علي السيستاني، وعقب الاجتماع والحديث الدبلوماسي المعهود خرج الحسان بجملة لفتت نظر الكثيرين.
وقال الحسان، إن "العراق اليوم بحاجةٍ ماسةٍ للعمل بخطى ثابتة ومتسارعة للتخلص من تركات الماضي المؤلم، والذي يحتاج إلى قراراتٍ جريئة وعاجلة، ونحن نقول، خير البر عاجله، ونشجّع أصحاب القرار في هذا البلد على اتخاذ القرارات المطلوب اتخاذها، والتي بعضها طال أمدها".
عقب هذا التصريح خرج التفسيرات عن حل الحشد الشعبي، حتى كشفها مستشار رئيس الوزراء العراقي، إبراهيم الصميدعي الأربعاء الماضي، عن تلقي الحكومة طلبا واضحا من أطراف دولية وإقليمية بضرورة تفكيك سلاح الفصائل المسلحة.
وأضاف الصميدعي في مقابلة مع قناة السومرية العراقية، أن هناك ضغوطاً دولية متزايدة على الحكومة العراقية لضبط السلاح المنفلت خارج إطار الدولة، قائلاً: "طُلب منا بشكل صريح تفكيك سلاح الفصائل المسلحة كجزء من الجهود لإعادة الاستقرار إلى العراق ولضمان السيادة الوطنية".
وأشار إلى أن "الحشد الشعبي مؤسسة رسمية وقوية ولكن هناك فصائل منضوية تحت غطاء الحشد وهذا ما يثير الشكوك عند الغرب وأمريكا ولذلك يطالبون بحل الحشد وإنهاء نظام الدولة والدولة الرديفة"، مبينا أن "القرار السياسي قادر على إنهاء هذه الحالة وتنفيذ حل الفصائل التي تمتلك وجودا سياسيا ونعتقد أن ثنائية الدولة والمقاومة ستنتهي قريبا".
من جانبه يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي نظير الكندوري، إن أحاديث كثيرة تدور هذه الأيام، في الأوساط الإعلامية عن طلب الولايات المتحدة من حكومة محمد شياع السوداني، العمل على حل مليشيات الحشد الشعبي، والميليشيات الأخرى غير المنضوية بالحشد الشعبي".
وأضاف الكندوري في تصريح لـ "عربي21"، أن لا إعلان أو تصريح رسمي صدر بهذا الخصوص من قبل العراق أو الولايات المتحدة يعزز مصداقية هذا الخبر. لكن مع هذا، ما يرفع من مصداقية الخبر، هو ما نراه من ردود أفعال غريبة على مستوى قادة تلك الميليشيات والإشارات التي يقوم بها السوداني نفسه، فالساحة العراقية تشهد غياب قادة الميليشيات عن الاعلام وغيابهم عن الاجتماعات منذ فترة ليست بالقصيرة بعد انتهاء حرب حزب الله مع "إسرائيل".
وتابع، أن ما يرجح فرضية أن يكونوا خارج العراق، وتسربت معلومات، إنهم يمكن أن يكونوا في دولة صديقة هي بلاروسيا خشية استهدافهم من قبل الطيران الأمريكي أو الإسرائيلي.
يشير الكندوري إلى رد الفعل الغاضب من قبل رئيس الوزراء السوداني على تصريح أحد مستشاريه، بأن أمريكا طلبت من السوداني حل الميليشيات، وقام بإقالته بسبب هذا التصريح، يؤكد إن الخبر ربما تكون له درجة من المصداقية، وأن هناك شيء يحدث بالخفاء. كذلك زيارته المفاجأة إلى السعودية والاستقبال البارد من قبل بن سلمان له يرجح إنها كانت بخصوص هذا الطلب الأمريكي.
ضغوط دولية
ومع اتساع الحديث عن حل الحشد، تبدو القضية في سياق تحرك دولي متسق، حيث نقلت صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله عن مسؤول عراقي قوله، إن المرجع الشيعي العراقي الأعلى علي السيستاني يتعرض لضغوط لإصدار فتوى بحل "الحشد الشعبي"، لكنه يرفض.
وأضاف المسؤول، أن الحكومة العراقية تلقّت، أكثر من مرة، طلبات من أطراف دولية وإقليمية لحلّ "الحشد الشعبي" وتسليم الفصائل المسلحة سلاحها للدولة. وكشف مصدر آخر أن الزيارة الثانية لممثل الأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، إلى المرجع الديني الأعلى في النجف، علي السيستاني، كانت بهدف الطلب منه إصدار فتوى لتفكيك "الحشد" الذي تأسس بفتوى منه، أو دمجه مع الوزارات الأمنية، ليرفض الأخير استقباله.
وفي على ذات الخط، أكَّد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، رفضَه القبول بأي إملاءات أو ضغوط من الخارج، لا سيما بشأن حل "هيئة الحشد الشعبي"، كونها مؤسسة رسمية صدرت بقانون عام 2014 حظي بمصادقة البرلمان.
وقال السوداني للتلفزيون الرسمي لا"من غير المقبول توجيه شروط وإملاءات إلى العراق، ولا توجد أي شروط لحل الحشد الشعبي".
"أطلب المستطاع"
يرى الكندوري، أن الإدارة الأمريكية تعلم يقينًا أن السوداني غير قادر على حل الحشد الشعبي أو المساس بعملهم، لأن هذا الطلب يخالف الرغبة الإيرانية ويخالف رغبة الأحزاب التي دعمت حكومته، لذا كما يقول المثل العربي "إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع".
وأضاف، أن أقصى ما يستطيع فعله هو كسب الوقت ومحاولة الوقوف بمنطقة محايدة بين الرغبة الأمريكية والرغبة الإيرانية، والتي طالما برع في هذه الطريقة، جميع رؤساء الوزراء العراقيين بعد 2003.
وبحسب الكندوري، "فعى ما يبدو أن هذه المرة تختلف عن سابقاتها، فالإرادة الامريكية جادة هذه المرة في تصفية الميليشيات العراقية الموالية لإيران بعد نجاحها في إلحاق الهزيمة بحزب الله، وخروج الميليشيات الإيرانية من سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، واليوم جاء الدور على الميليشيات المتواجدة في العراق، وهو وقت مناسب لفعل ذلك".
هل يمكن تحجيم النفوذ الإيراني بهذه البساطة؟
يجيب الكندوري على هذا السؤال قائلا، إن الكثير من المعارضين العراقيين خارج البلد، يستبشرون اليوم باحتمالية إقدام واشنطن على تصفية الميليشيات العراقية وابعادها من المشهد السياسي العراقي، لأن من شأن هذا (حسب اعتقادهم) أن يبعد النفوذ الإيراني عن العراق، وسيستعيد العراق استقلاله وارتهانه لإيران، بغياب هذه الميليشيات.
وأردف، أن "النفوذ الإيراني ليس بهذه البساطة حتى يتم تحجيمه بغياب الميليشيات، على الرغم من أن الميليشيات لها دور كبير في الحفاظ على هذا النفوذ، إلا أن إيران لديها فواعل أخرى في العراق على مستوى الأحزاب السياسية، وكذلك المراجع الدينية التي لها تأثير كبير في العراق، وحتى على مستوى التوجهات الثقافية".
واستدرك الكاتب العراقي، أن "هذا لا يقتصر على الطائفة الشيعية العراقية فقط، فطيلة السنين التي مضت، نجحت إيران في اختراق شرائح مجتمعية عراقية أخرى، مثل السنَّة أو الكرد، وارتبطت مصالحهم بمصالح إيران".
ويختم الكندوري قائلا، إن "واشنطن إذا ما كانت جادة في ضرب الميليشيات وتجحيمها أو حلها، فسيكون خطوة مهمة بالاتجاه الصحيح، وفي طريق تحرير العراق من النفوذ الإيراني، وسيُمهد الطريق إلى العراقيين لاستعادة بلدهم، ولكن بعد المضي بطريق طويل ونضال مرير لتحقيق هذه الغاية".
خطوة بالغة الصعوبةمن جانبه، رأى نائب رئيس الوزراء السابق، بهاء الأعرجي، المقرّب من السوداني، في أحاديث إلى وسائل إعلام عراقية أن المخاوف من حصول أحداث وتطوّرات أمنية أو سياسية في العراق خلال المرحلة المقبلة بعيدة عن الواقع.
وأضاف، أن "هناك من يريد إشعال فتن داخلية للترويج لأحداث لا يمكن حدوثها في العراق، وخاصة على المستوى الأمني والعسكري". ورأى أن "تحركات الحسان واجتماعاته المختلفة طبيعية جداً، وزيارته لإيران أيضاً طبيعية، فهناك مكتب للأمم المتحدة، لكن لا يوجد له ممثل. وهذا الأمر حدث خلال فترات الممثلين السابقين للأمم المتحدة في العراق".
وأشار الأعرجي إلى أن "الحشد الشعبي مؤسسة عراقية رسمية، مشرّعة بالقانون، والحديث عن دعوات إلى حلّ الحشد غير حقيقي. أما في ما يخصّ الفصائل المسلحة، فإنّ قرارا بشأنها من تفكيك أو غيره تتخذه الدولة العراقية حصراً، فهي قضية عراقية داخلية، وأصحاب الحلّ والعقد هم من يقرّرون بقاء تلك الفصائل من عدمه، علماً بأن وجودها مرهون بوجود الاحتلال. وعند انعدام وجود هذا السبب، فلن تكون هناك فصائل مسلحة".
يقول الناشط السياسي العراقي محمد الخفاجي، إن قرارا مثل هذا سيحدث زلزالا في العملية السياسية المأزومة أصلا في العراق، فكيف ستفكك قوة مسلحة تعتبر رديفا للجيش وحامية للنظام في ظل متغيرات متسارعة بالمنطقة؟
وأضاف في حديث لـ "عربي21"، أن السيستاني لن يجعل في تاريخه قرارا كهذا، لاعتبارات عديدة أولها مذهبي، بل إن فكرة حل الحشد ستفجر أزمة داخل "هيئة الحشد" نفسها والجميع الآن في العراق يريد النأي بالبلاد عن التوترات المحيطة.
عمليا يقول الخفاجي، بات الحشد يمتلك نوابا في البرلمان ومكاتب وشركات اقتصادية، فحتى فكرة دمجه ليست بالقضية السهلة فيما لو اتفق الجميع عليها.
وعن رؤيته للمستقبل يؤكد الخفاجي، أن الوضع في العراق ذاهب للتهدئة فقد عرفت القوى الشيعية الحاكمة ببراغماتيتها العالية التي مكنتها من تجاوز الكثير من المخاطر، وسيكون التركيز في المرحلة المقبلة على تحصين الجبهة الداخلية ودراسة التعامل مع الجار الجديد في سوريا المعادي تماما للعراق.