احمد بابا اهل عبيد الله مقدمة  لا شك أن النظام الدولي الراهن يمر بمرحلة تحول من الهيمنة الأمريكية الأحادية إلى نظام متعدد الأقطاب، ويعتبر التنافس الأمريكي- الصيني القائم الآن أحد هذه العوامل التي بات مجرياتها حاسمة بشأن مستقبل النظام الدولي و التوازنات الدولية. في برغم أن العلاقات الأمريكية- الصينية أقل عدائية مقارنةً بنظيرتها الأمريكية- الروسية (الإتحاد السوفيتي سابقا) خلال الحرب الباردة أو الحالة القائم الآن في حرب روسيا على أو كرانيا ودعم الولايات المتحدة لهذه الأخيرة بكل الوسائل)،غير أن المتتبع للمنافسة بين الدولتين (الصين_أمريكا) يرى أنها لم تصل بعد إلى النوافذ العسكرية بشكل مباشر أو غير مباشر ،لكن من جهة اخرى هناك تنافس كبير بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية في المجالات التكنولوجية والأيديولوجية والسياسية والاقتصادية، وهذا التنافس ظهر جليا ،حيث اتخذت الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس، ترامب، سياسة أكثر تشددًا تجاه الصين، منذ العام 2018،إذ لجأت إلى فرض التعريفات الجمركية من جانب واحد، واعتماد سياسة الدبلوماسية النشطة لمنع تبني التقنيات الصينية مثل تقنيةHuawei5G داخل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، واتخاذ تدابير لمنع بيع التقنيات الأميركية والأوروبية للشركات والمؤسسات الصينية، وإعاقة استثمارات الصين في الولايات المتحدة.

لكن، كل هذا لم يثني الصين عن التراجع عن استراتيجيتها المرسومة رغم التديق الأمريكي ،بل ذهبت إلى أكبر من ذلك ،حيث باتت تسعى، أن تكون فاعلة بشكل أكبر في الحياة الدولية. و ارتكزت سياسات “والمدركات الصينية للتحوّلات العالمية” على الرغبة في حماية تجربة الاصلاح الاقتصادي القائم وتفاعلات العالمية، والمحافظة بذلك على طابعها الصيني الخاص، وهو ما يعرف بالتجربة الصينية. من هذا المنطلق يطرح السؤال التالي: هل بدأت الصين فعلا بمحاولة ريادة المشهد الدولي ؟ أولا :البراغماتية و تأكيد الحضور الدولي بدأت الصين تأكيد الحضور الدولي ، ورغم الضغوط الأمريكية المتوالية من اجل الحد من ذلك الحضور والنمو ،لكن “بكين “اخذت ألمبادرة من أجل إيجاد الشروط الملائمة لاستمرار نجاح سياساتها الاقتصادية ، لما لها من أهمية في بناء دور الصين المستقبلي. هذا فعلاً ما سعت إليه الصين منذ عقود، بعد إنهاء جزء مهم من إصلاحاتها الداخلية على المستويين السياسي والاقتصادي، إلى الانطلاق نحو تأكيد الحضور وبلورة معالم الدور عالميا، في نظام دولي أخذت معالمه ترتكز على معطيات اقتصادية محضة وعلى المصالح وفتح الأسواق “العولمة”، بعد أن كان للإيديولوجيا في معظم مراحل القرن الماضي، دور مهم في إدارة السياسات الخارجية للدول وفي رسم بنية التحالفات والتوازنات على المسرح الدولي. في تغير معالم النظام الدولي وتعدد اطروحة الأقطاب وظهور مفهوم “القرية الواحدة” قد ساعد الصين ،وفتح أمامها هامشا واسعا وفرصة جديدة كي تتعامل مع جملة قضايا ربما كانت تعد في عهد القطبية الثنائية و الأحادية، حكرا على القوّتين العظميين، الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد السوفياتي السابق. هذا التنافس مع الولايات المتحدة و التغير العالمي في هيكل الصراعات الدولية، أعطى ل “بكين” فرصة حاسمة بأن تكون فاعلا دوليا ولها دور محوري في التفاعلات والأحداث الدولية والإقليمية، ولهذا تحركت باتجاه مجموعة الازمات والقضايا الراهنة. _الحرب الروسية _الاوكرانية: لم تتبع الصين خطى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي في تعاملها مع حرب روسيا بل عقدت اتفاقيات وتحالفات مع روسيا ؛ _الملف النووي الايراني: الصين لم تتخذ ذلك النهج الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية في التعامل مع إيران بل استمرت العلاقات الصينية الإيرانية كما هي رغم العقوبات التي فرضتها أمريكا ، _علاقة الصين وكوريا الشمالية: لم تتغير رغم كل الخطوات والتجارب العسكرية التي قامت بها في تجاه دول الجوار (كوريا الجنوبية _اليابان) بل ظلت علاقتها قائمة. _تكتلات الإقليمية والدولية منافسة: بات الصين تبحث عن تكتلات إقليمية ودولية تنافس بها الولايات المتحدة و الإتحاد الأوروبي وترسم من خلالها سياساتها ونظرتها للمنتظم الدولي الراهن ،وكمثال على ذلك مجموعة “البريكس”. ثانيا: القوة الناعمة و النفوذ الدولي القوة الناعمة ‏:هو مفهوم صاغه (جوزيف ناي) من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم دون الإكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع. هذا المفهموم عملت به الصين منذ عقود وكان سلاحها الخارجي مع الدول، حيث تحول نمط التفكير الصيني من موقع  (الانحسار النسبي) في مرحلة القطبية الثنائية، إلى (القوة الناعمة) في مرحلة الحالية، الأمر الذي فرض على الصين أن تجهز نفسها للبحث عن مقومات دور جديد يتلاءم وحقائق التقدم والتطور الاقتصادي والعسكري التي أظهرته للعالم، وأن تثبت من خلاله مكانتها الدولية.  وهذا ما عكسته، مجموعة من الإنجازات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، حققتها الصين في العقود الأخيرة، وفتحت لها بذلك، البيئة الأنسب لتتحرك داخل دهاليز الساحة الدولية. في الصين ومن خلال التدخلات الاقليمية والعلاقات البراغماتية التي تقوم بها في آسيا أو الصين أو أمريكا اللاتينية ،هي  في مسعى دائم لتحسين مكانتها الدولية، وتعظيم نفوذها، لتعزيز مصالحها وحمايتها. لذلك، مع التطور الاقتصادي والنمو المتصاعد لحاجيات الصين من الطاقة وفتح ممرات للسلع ، وفي ظل هذا كله أدركت” بكين” أن استمرار  مدركات القوة الناعمة غير ممكن دون امتلاك النفوذ الجيوستراتيجي القادر على إسناد صعودها، إذ إن تأمين احتياجات الصعود الاقتصادي ،بحاجة إلى علاقات سياسية بدول المصدر والممر، وكذا حضور عسكري لحماية هذه الإمدادات، وبنفس المستوى بخصوص الصادرات التي يشكل النفوذ الدولي دعًا أساسيًّا لإكسابها. وفي مسعى لتحقيق هذا المكتسب الاستراتيجي ،بدأت الصين فعلا ببناء شبكة علاقات من التحالفات الدولية وخاصة في اسيا وافريقيا  ،حيث تكون لها رافعة استراتيجية لعلاقاتها الدولية الراهنة و المستقبلية ،إذ اتجهت الصين في السنوات الأخيرة غربًا ، لعوامل عديدة منها معاناتها من جهود الولايات المتحدة لمحاصرتها من جهتي الشرق والجنوب، وتزايد حاجة الصين إلى استيراد النفط والغاز الطبيعي من البلدان الواقعة على طريق الحرير التاريخي. وتستفيد في توجهها هذا من رغبة العديد من الدول النامية في تزايد النفوذ الصيني لتعديل هيمنة النفوذ الأميركي.  وهذا العمل الاستراتيجي ،تم تفعيل عن طريق مبادرة (الطريق والحزام) التي أعلن عنها الرئيس الصيني سنة 2013 ،وهو مشروع جيوسياسيا عملاق ،تسعى من خلاله الصين إلى تحقيق  مشاريع عالمية كبرى أبرزها: انشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ومبادرة (صنع في الصين 2025)،و كذا تشكيل شبكة من الحلفاء والشركاء من أجل تأمين واردات الصين من الطاقة، وتأمين خطوط تجارتها البحرية والبرية من أراضيها . يتضح اذن أنه من خلال التطور الاستراتيجي والبناء المتوازن،لم تعود الصين فقط تعتمد على مبدأ مفهوم القوة الناعمة فقط لتتفاعل مع المجتمع الدولي والعلاقات الدولية، بل أضافت إلى ذلك عامل اخر للتقدم والاستمرارية وهو رسم خطط واستراتيجيات للمستقبل، لكي تتحكم في اركان النظام الدولي ،وفي نفس الوقت يصبح لها نفوذ اكبر داخل الحياة الدولية (المنتظم الدولي).  في الختام ،تشير المؤشرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى تقدم مطَّرد للصين على المستوى العالمي، فيما تشير المؤشرات السياسية إلى تراجع متسارع للهيمنة العالمية للولايات المتحدة الأمريكية، وفي إطار استشراف التوازنات القادمة، يبدو أن الصين تمضي بخطى ثابتة، تحكمها المصلحة والوعي الجيوسياسي الجديد، الذي يتطلب مفهوم “القوى الناعمة” الى جانب رسم النفوذ. في الصين كانت معروفة بتمردها على مبادئ العلاقات الدولية، كما كان الحال في فترة “ماو تسي تونغ”. إلا أنها في الوقت الراهن، اتخذت استراتيجية خارجية محورها تطوير الحوار والتنمية على المستوى الدولي والأخذ بمبدأ «البراغماتية الدولية”، أي تغليب البعد البراغماتي على البعد الإيديولوجي، كسياسة تتبعها مع دول العالم، وتوسيع نفوذها في العلاقات الدولية عن طريق الانخراط في التكتلات الإقليمية والدولية كمجموعة ” البريكس” وهو عامل بات محورياً في رسم السياسات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وحتى الثقافي على المستوى الدولي . باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة العلاقات الدولیة النظام الدولی الصین من

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم يبحث مع سفير الصين التوسع في تدريس اللغة الصينية بمصر

استقبل محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، لياو لي تشيانغ سفير جمهورية الصين الشعبية في القاهرة، والوفد المرافق له؛ لمناقشة عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك لتطوير التعليم قبل الجامعي في مصر.

في مستهل اللقاء، أعرب الوزير محمد عبد اللطيف عن تقديره العميق للعلاقات المثمرة التي تجمع البلدين لتطوير التعليم، مؤكدًا أن هذا التعاون يعد نموذجًا يحتذى به ويعزز تبادل الخبرات لتحسين جودة العملية التعليمية في ضوء أحدث التقنيات والابتكارات في مجال التعليم لضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

مدارس التكنولوجيا التطبيقية

وثمّن وزير التربية والتعليم دعم الجانب الصيني المستمر، والتزامه بتعزيز هذه العلاقات الثنائية في مختلف المجالات وخاصة في مجال التعليم، مؤكدًا تطلع الوزارة إلى مواصلة التعاون في مجال مدارس التكنولوجيا التطبيقية، وتطوير تكنولوجيا التعليم، والتوسع في مجالات جديدة تسهم في تطوير المنظومة التعليمية بما يعود بالنفع على الجانبين.

المنظومة التعليمية

واستعرض الوزير، خلال اللقاء، تجربة الوزارة خلال الـ 6 شهور الماضية لمواجهة التحديات التى تواجه المنظومة التعليمية ومن بينها ارتفاع الكثافات الطلابية، والعجز في أعداد المعلمين، والحلول التي اتخذتها الوزارة في هذا الشأن، مؤكدًا على الاهتمام بالاطلاع على تجربة دولة الصين فى التعامل مع الكثافات الطلابية، والتعرف على آلية التعامل مع سد العجز في أعداد المعلمين.

ومن جانبه، نقل السفير الصينى تحيات وزير التعليم الصينى إلى السيد محمد عبد اللطيف، معربًا عن سعادته بهذا اللقاء المثمر، واهتمام وزارة التربية والتعليم المصرية بتعزيز التعاون بين مصر والصين في مجال التعليم قبل الجامعي، مؤكدًا على الشراكة الوطيدة بين البلدين والتزام بلاده بدعم الجهود المشتركة للنهوض بالعملية التعليمية في مصر، وتقديم كافة الإمكانيات اللازمة لتحقيق الأهداف المشتركة، مشيدًا بجهود الوزير محمد عبد اللطيف في تطوير العملية التعليمية وما شهده قطاع التعليم قبل الجامعي في مصر من تغيرات إيجابية.

وثمّن  لياو لي تشيانغ الدور الحضاري للبلدين، فضلا عن الطفرة الواضحة في العلاقات الثنائية في ظل الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين والتي انعكست على تعزيز التعاون في مختلف المجالات.

كما أوضح السفير الصيني أن مصر هي الدولة الوحيدة في القارة الافريقية التي تضم ورشتين لوبان والتي تعد نموذجًا للتعاون الصيني الأفريقي مما ساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين والتعاون العملي بينهما، كما تقوم الشركات الصينية الموجودة بمصر كل عام بتوظيف عدد من خريجي التعليم الفني الذين درسوا اللغة الصينية بمصر، مشيرًا إلى أن اللغة الصينية قد لاقت شعبية كبيرة بين المعلمين والطلاب، وهناك سعي لزيادة عدد المدارس في هذا المجال في إطار مذكرة التفاهم التي تستمر لمدة 6 سنوات و تنتهي عام 2025.

استخدام التكنولوجيا في التعليم

وشهد اللقاء سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في استخدام التكنولوجيا في التعليم لعلاج التحديات التي تواجه العملية التعليمية، والتوسع في تدريس اللغة الصينية في المدارس المصرية، حيث يبلغ عدد المدارس التي تدرس اللغة الصينية كلغة أجنبية ثانية 21 مدرسة، وكذلك مواصلة الاهتمام بالمدرسة الصينية النموذجية بالسادس من أكتوبر، ومدرسة الحرية النموذجية في مدينة منوف، فضلًا عن التعاون في مجال تطوير مناهج اللغة الصينية.

تعاون في التعليم بين مصر والصين

وناقش اللقاء أيضا التعاون مع الجانب الصيني في مجال تطوير التعليم الفني وخاصة مدارس التكنولوجيا التطبيقية ذات اختصاص السياحة والفنادق بالمناطق الجاذبة للسياحة، وكذلك تطوير ورشة لوبان في المدرسة الفنية المتقدمة لتكنولوجيا الصيانة، وزيادة عدد المنح الدراسية لطلاب التعليم الفني المتفوقين من خريجي مدارس ورشة لوبان لاستكمال دراستهم في جمهورية الصين الشعبية والاستفادة من الشركات الصينية العاملة في مجال التكنولوجيا في مصر.

مقالات مشابهة

  • وزير التعليم يبحث مع سفير الصين التوسع في تدريس اللغة الصينية بمصر
  • الخارجية الصينية تطالب الولايات المتحدة بالتوقف عن تسليح تايوان
  • بسبب مشكلة فنية.. الخطوط الجوية الأمريكية توقف جميع رحلاتها في الولايات المتحدة
  • الخطوط الجوية الأمريكية توقف جميع رحلاتها في الولايات المتحدة بعد مشكلة فنية
  • تفاصيل تصدر مصر قائمة الدول الأفريقية في القوة الناعمة (فيديو)
  • المسلمي: القوة الناعمة تؤثر في الشعوب مثل الدبلوماسية الهادئة والفن والرياضة (فيديو)
  • موقع عبري: الحوثيون لا يمكن ردعهم.. الجماعة التي تتحدى الولايات المتحدة وتتحدى العالم
  • ما موقف الولايات المتحدة من أحمد الشرع وما يحدث بسوريا؟.. متحدث الخارجية الأمريكية يجيب
  • الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة تقدر دور مصر الكبير في المنطقة
  • بلمهدي يستقبل سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية