عدنان علامه نجح نتنياهو بإمتياز في حماية نفسه من المحاكمة بتهم الفساد الثابتة عليه وعلى زوجته بعد 30 إسبوعًا من المظاهرات الحاشدة بإلغاء الكنيست بند “حجة المعقولية” أمس؛ والذي كان يسمح بالرقابة على الحكومة وقرارات الوزراء. وكان قرار الكنيست بالموافقة  على إلغاء بند “حجة المعقولية” بمثابة الضربة القاضية على القضاء وهو المعقل الوحيد لليسار الذي كان يفرض بموجبه عمل الرقابة على الحكومة؛ وكان أيضًا الضربة القاضية على تماسك الجيش  والمؤسسات الداخلية.

فقد أصبح الشرخ في المجتمع الصهيوني إنقسامًا عاموديًا  حادًا جدًا لا يمكن توحيده مهما حصل. وقد فتح هذا الإنتصار شهية  أطراف الإئتلاف الحكومي الأكثر يمينية وتطرفَا وعنصرية في تاريخ الكيان لتحقيق المزيد من الحد من رقابة القضاء على الحكومة. فانتهز هذه الفرصة الذهببية  بعض أعضاء الكنيست من كتلة “يهدوت هتوراة”  وقدموا مشروع قانون أساس يصف  الدراسة في معاهد تدريس التوراة (ييشيفاه) بأنها “خدمة هامة”، تكون موازية للخدمة العسكرية. ويهدف القانون إلى إعفاء الحريديين من الخدمة العسكرية، وهو يأتي ضمن خطة إضعاف جهاز القضاء. ولا بد من الإطلاع على مفهوم “النرجسية” عند كل من نتنياهو ونيرون؛ وبند ” حجة المعقولية”؛ لأنهما ستتسبان بتآكل  الكيان المؤقت بسرعة قياسية لم  ولن يتوقهعا أحد. وفي توصيف دقيق جدًا للوضع الداخلي الحالي في الكيان الصهيوني؛ فقد أصبح كعصا النبي سليمان عليه السلام التي كان يتكئ عليها، فنخرها السوس وإنهارت؛ وانهارت بعدها رفات النبي سليمان، فعرف الجن حينئذ بوفاة النبي سليمان عليه السلام. وننتقل سويًا إلى تعريف النرجسية: “إن النرجسية نزعة تتوجه فيها كافة مشاعر واهتمامات الإنسان إلى شخصه: جسده، وعقله، ومشاعره، واهتماماته الشخصية”. وبالتالي، فالنرجسي ليس عنده حب، أو تعاطف، أو عقلانية، أو حكم موضوعي. فإن الشخص النرجسي يبني جدارًا غير مرئي حول نفسه. وهو يرى نفسه أنه كل شئ، والعالم لا شئ، أو بالأحرى: هو العالم. وإن جنون عظمة نتنياهو ونرجسيته وتركيزه على نجاة نفسه من العقاب، وتقليص دور رقابة القضاء على قرارات الحكومة والوزراء، قد منعوه من رؤية حقيقة مئات الآلاف من المتظاهرين بشكل يومي وعلى مدى 30 إسبوعًا؛ الأمر الذي أدى إلى الشرخ العامودي الحاد بين يسار ملزم على الخدمة الإجبارية وبين يمين متفلت منها بحجة التدين، ومما زاد الطين بلة أن جماعة من “الحريديم” أي المتشددين المتدينين تقدموا بمشروع قانون مثير للجدل منذ بدء آلاحتلال   يساوون فيه  درس التوراة بالمدة الفعلية للخدمة العسكرية الإلزامية . واما بالنسبة لنيرون فأن أشهر جرائمه على الإطلاق كان حريق روما الشهير سنة 64 م حيث راوده خياله أن يعيد بناء روما، وبدأت النيران من القاعدة الخشبية للسيرك الكبير حيث شبت فيها النيران وانتشرت بشدة لمدة أسبوع في أنحاء روما، والتهمت النيران عشرة أحياء من جملة أنحاء المدينة الأربعة عشر. وبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق وفي وسط صراخ الضحايا كان نيرون جالساً في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة. هلك في هذا الحريق الآلاف من سكان روما واتجهت أصابع اتهام الشعب والسياسييّن تشير إليه بأنه هو المتسبب في هذا الحريق المتعمد، وتهامس أهل روما بالأقاويل عليه وتعالت كلماتهم وتزايدت كراهية الشعب نحوه، وأصبح يحتاج إلى كبش فداء يضعه متهماً أمام الشعب. فنتنياهو اراد أن يتهرب من المحاكمة بتهم الفساد، فاستبطن مشروع الإصلاح القضائي ولم يستمع إلى نصائح السياسيين والعسكريين في الداخل والخارج وحتى الرئيس بايدن طيلة 30 أسبوعًا؛ ومضى في تنفيذ  حلمه ونجح في ذلك أمس. فلنطلع سويًا على “حجة المعقولية” التي  ألغاها الكنيست. فالأمر يتعلق بتعديل من شأنه الحد من قدرة المحكمة العليا على إبطال قرارات للحكومة والوزراء حال اعتبارها “غير معقولة”. ويقول المؤيدون إن هذا سيسمح بحوكمة أكثر فعالية ويترك للمحكمة في الوقت نفسه مجالا واسعا للرقابة القضائية. ويقول المنتقدون إن التعديلات ستفتح الباب أمام الفساد وإساءة استخدام السلطة. ويعتقد المحتجون أن خطرًا يحدق بالديمقراطية، ويخشى كثيرون أن يقلص نتنياهو والحكومة اليمينية المتشددة استقلال القضاء مع ما ينطوي عليه ذلك من عواقب دبلوماسية واقتصادية وخيمة، ويدفع نتنياهو ببراءته في قضية فساد قائمة منذ فترة طويلة ويجعل ذلك من نتنياهو حاكمًا بأمره يحكم بدون أية رقابة، إي ديكتاتورًا بكل ما للكلمة من معنى. فنتنياهو بجنون عظمته ونرجسيته قد استطاع أن يزيح   نيرون عن قمة العرش الذي تربع عليه حوالي 20 قرنًا. والفرق بأن نتنياهو قد ساهم بقرار واحد فقط في تآكل  الكيان الغاصب وقوة ردع جيشه من الداخل وستكون التداعيات كارثية وستتساقط قريبَا المؤسسات كتساقط أحجار الدومينو. وسيتسبب الإئتلاف الحكومي اليميني  المتغطرس في خراب الكيان بسرعة متزايدة لأن الإئتلاف كان على أساس المصالح وليس على أي أساس آخر ؛ وبالتالي ستزداد نسبة هجرة رؤوس المال والمستوطنين إلى أكثر من 50% طلبًا للأمن الذي سيصبح مفقودًا. وإن غدَا لناظره قريب عضو الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين

المصدر: رأي اليوم

إقرأ أيضاً:

فنُّ الشِّعر

إنني أتحدث بصدق، كل صدق

القصيدة عمل شاقّ

فإما أن تخسر إيقاع سنوات الخريف

أو تقوز به،

(عندما يكون المرء شابًّا

والأزهار الساقطة لا تُجمع

يكتب المرء، ويكتب، بين الليالي

وربما يملأ مئات ومئات

من الصفحات عديمة الفائدة.

وهناك مَن يتفاخر ويقول:

«أنا أكتب ولا أصحح،

فالقصائد تخرج من يديّ

مثل الربيع الذي سيرمي

شجر السرو القديم على شارعي.

ولكن مع مرور الوقت

والسنوات تتلاشى بين الصدغين

تُخلقُ القصيدة

مثل عمل الفخاريّ؛

الفخار الذي يُطبخ بين اليدين

الفخار الذي يفرغ النّار بسرعة.

إنّ القصيدة عبارة عن

برق رائع،

مطر من الكلمات الصامتة،

غابة من الخفقات والآمال،

نشيد الشعوب المظلومة،

والنشيد الجديد للشعوب المتحررة.

كما أنّ القصيدة هي

الحب والموت

وخلاص الإنسان.

مدريد، 1961م، هافانا، 1962م

٢- قصيدةُ الخريف

لماذا تُحدّقين بي هكذا، أيّتها القصيدة؟

لماذا، وبكل إصرار، تُلاحقني؟

فأنتِ تعلمين جيدًا بأنني لم أدعوك

ومع حلول شهر الخريف، سيكون محاولة دعوتك قليلة

أجلس بين مقاعد المحطات في مارس

ولكن، ماذا تعرفين أنت عن الأشياء؟

فأنا لا أستطيع أن أشرح لك شيئًا

وإذا أحببتك، وامتلكتك

فذلك لأنّك سألتني

ولأنّك أَتيتِ نحوي، دون أن أبحث عنك

نعم، أعرف، فلا تخبريني

فقد وافقتُ على محادثاتك

السخيفة، والقديمة

الغارقة في الجبال والبحار

أنا لم أبحث عنك يومًا، أيتها القصيدة

ولم أعد أبحث عنك

أشعر بك الآن، وكأنّك في حلقي

لم أعد قادرًا على التحرّر منك

وهذا لا يجعلني أبكي

آه،

ولكن ما يحدث، هو أنّك أصبحت استثناءً

وأنا لم أعد قادرًا على امتلاك الليل والقمر،

ولا امتلاك الأنهار والبحار،

مثل قصيدة الطفل:

مداعبة الأطفال، والسماح لهم بالرحيل

واليوم ترعاهم بين يديك

وكل ليلة

وكل قمر

وكل جبل

مختلف عن الشيء الذي نقشته على الأشجار

مختلف عمّا كتبته

مختلف عمّا نتخيله الآن

وهكذا تملأ المئات

من الصفحات عن الشتاء،

وعن الربيع،

وعن الصيف،

وعن الخريف

وتكرري دائمًا البحار نفسها،

والأنهار، والليالي نفسها،

لكنها، جميعها، ليست الشيء نفسه، بالنسبة لي

(وبالنسبة للآخرين، قد يكون القمر

والليل، وأيام الخريف، والصيف،

متطابقة)

في هذه الأيام،

جلسنا بهدوء،

لنغني قدوم الخريف،

وما الذي سيفعله

الأغنية مكتوبة

ولا أستطيع إغراقها أو تدميرها،

لأنني ضدك -أيتها القصيدة- لا أستطيع فعل شيء

لأنني ضدك، لم أستطع،

لأنني ضدك، لن أستطيع.

٣- الشعور بالوحدة

في الجبال، أو في البحر..

أشعر بالوحدة، حيث الهواء، والرياح،...

والشجر، والوجه، والسماء،

والصمت، وفي الجنوب،

وعند ولادة

نهر جديد

إنّه المطر، والرياح، والبرد

والسياط

الشاطئ، والبرق، والأمل

في الجبال، أو عند البحر

وحدة، وحدة

فقط ضحتك الوحيدة،

فقط روحي الوحيدة،

فقط... عزلتي

وصمتها

خافيير هيرود شاعر بيروني (ولد في ليما/البيرو عام 1943، وتوفي عام 1963) لم يُعمّر طويلًا، لكنه في مسيرته الحياتية القصيرة عمّر بناء شعريًا مهمًا، يتميّز بتصوير الذات، ذات الشاعر، وعلاقتها بالأدوات التكوينية للقصيدة المُتخيّلة، ولذلك نجده يحاكي الأشجار، والأنهار، والشعر نفسه، في سبيل التعريف بذاته، والتعرّف عليها. وفي هذه الصفحات عدد من القصائد التي يسرد فيها هيرود علاقته مع الشِّعر، ومع القصيدة، ومع الأشياء، باحثًا عن نفسه من خلالها جميعها.

د. حسني مليطات أكاديمي من جامعة صحار

مقالات مشابهة

  • عدنان الروسان يكتب … الأردن في مواجهة الحقيقة … مالعمل..!!
  • فنُّ الشِّعر
  • اكتشاف أثري «مذهل» في روما
  • وفاة الفكر السياسي الذي أدمن المعارضة وتربى عليه الناشطون في الجامعات وأركان النقاش
  • نتنياهو يمثل للمرة السابعة أمام القضاء ليرد على تهم بالفساد
  • نتنياهو يمثل مجددا أمام القضاء للمرة السابعة ليرد على تهم بالفساد
  • مليشيا الحوثي تداهم شركة ميديكس كونكت بصنعاء وتنهب معداتها
  • رئيس اتحاد اليد: منتخب مصر تأهل إلى ربع نهائي بطولة العالم بجدارة
  • رئيس اتحاد اليد: تأهلنا إلى ربع نهائي بجدارة وطموحنا بلا حدود أمام فرنسا
  • يد مصر تهزم كاب فيردي 31 / 24 وتتأهل بجدارة لربع نهائي بطولة العالم