أسرار «المعركة الدبلوماسية» لاسترداد سيناء
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
ذات صباح فى عام 2015، دلنى صديق على واحد من كبار القيادات العسكرية ممن أسهموا بقوة فى التاريخ المصرى الحديث، لكنه -شأنه شأن رجال الظل- آثر الصمت وعدم الخروج للنور للحديث عن مهامه الوطنية الكثيرة، والتى أسهمت فى استرداد شبه جزيرة سيناء كاملة من الاحتلال الإسرائيلى، لأقرر أن أفتح خزائن أسراره، لكنه مثلما واجه إسرائيل وقت الحروب، والمفاوضات، لم يكن إقناعه بإجراء حوار صحفى بالأمر اليسير.
تواصلت هاتفياً مع اللواء بحرى أركان حرب محسن حمدى، وكانت معلوماتى عنه حينها أنه أحد أعضاء اللجنة الخاصة بمفاوضات معاهدة السلام «المصرية- الإسرائيلية»، لأطلب إجراء حوار صحفى معه، وكان متفاجئاً حينها من تواصلى معه، ليستفسر عن كيفية حصولى على رقمه، وما الهدف من إجراء الحوار، ولماذا فى هذا التوقيت، لنتحدث لدقائق أقنعه خلالها بأهمية دوره التاريخى، وضرورة الكشف عنه، لكنه رفض الحوار الصحفى فى البداية، قبل أن أطلب منه فرصة للتفكير لإجراء الحوار، وهو ما وافق عليه بعدها.
داخل فيلا فى أحد الأحياء الراقية بشرق القاهرة، كان اللواء محسن حمدى يعيش فى صمت، ودون أن يعلم أحد دوره الوطنى المهم، ولدى طرق أبواب منزله، خرج ليسأل عن الشاب الذى بصحبتى، لأرد بأنه المصور الصحفى، فيرد: «ماتفقناش على كده».. ثم سمح لنا بالدخول إلى منزله.
اللواء محسن حمدى كان يجلس فى فيلا حين تدخلها تشعر بأنك دخلت لـ«مقر مخابراتى محدود»، فكل شىء مرسوم بدقة.. هنا مكان للصور وصور الوثائق المهمة والتاريخية، وهنا مكتب عمل وتحليل، ما زال محتفظاً بخرائطه وورقه كاملاً، وهنا مكان للجلوس، أشبه بما كانت تُظهره الأعمال الفنية لـ«المنازل الآمنة» لأجهزة الاستخبارات، والتى تُدار داخلها الحوارات والأحاديث.
بعد حديث لعدة دقائق، اقتنع أخيراً اللواء محسن حمدى، بإجراء الحوار، وكانت لحظة أشبه بـ«فتح خزائن الأسرار»، وفى هذا الوقت قالها بوضوح لى: «كنت متردداً، ولا أريد إجراء الحوار، لكنى سأفتح قلبى لكم».
غموض المعلومات المتاحة حول اللواء محسن حمدى، قبل إجراء حوارى الصحفى معه، جعل سؤالى الأول له حول من هو، وما أبرز المناصب التى تقلَّدها، لأتفاجأ بأننى أمام كنز معلوماتى كبير؛ فالرجل بالإضافة للمعلومة التى كنت أعرفها عنه بأنه كان ضمن وفد مفاوضات السلام مع إسرائيل فى أمريكا عام 1978، عمل رئيساً للجنة العسكرية لتسلُّم سيناء من إسرائيل، ورئيس اللجنة المصرية العسكرية لتأكيد خط الحدود مع إسرائيل، ورئيس الوفد المصرى «سياسى - عسكرى» لحل أزمة طابا عام 1983، والشاهد الرئيسى أمام التحكيم بجنيف فى سويسرا فيما يتعلق بتحرير طابا.
اللواء محسن حمدى، بعد إبرام معاهدة السلام «المصرية - الإسرائيلية»، كان يشغل منصب رئيس جهاز اتصال الهيئات الدولية بالقوات المسلحة، لمدة 4 سنوات، وكُلف بصحبة وفد من كبار الشخصيات العسكرية والسياسية والدبلوماسية، بالسفر إلى واشنطن بعد إبرام اتفاق «كامب ديفيد»، وهنا يوضح «حمدى» أن اتفاق «كامب ديفيد»، ليس «معاهدة السلام»، ولكنها بمثابة اتفاق مبادئ بين البلدين بوساطة أمريكية لإبداء الرغبة فى السلام، وأطر الحل.
وكشف اللواء محسن حمدى أن الرئيس السادات قال للجانب الإسرائيلى بعد مفاوضات فى قاعدة ليدز فى بريطانيا، وفى جينيف بعد رفض إسرائيل الانسحاب من سيناء: «قاتلتكم.. وأثبتُّ لكم أننا قادرون على أخذ أراضينا بالقوة.. وما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة؛ فالأرض مقابل السلام.. واتركوا أراضينا المحتلة فى الجولان والأردن وجنوب لبنان والضفة الغربية وسيناء».
وأوضح رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء من إسرائيل أن اتفاق السلام بين «القاهرة» و«تل أبيب» كان يتضمن الانسحاب الإسرائيلى الكامل من قطاع غزة والضفة الغربية خلال 5 سنوات، وتحديداً فى عام 1982، وهو ما صدَّق عليه رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحيم بيجن، وهنا قال بعض القيادات الفلسطينية: «لماذا تتفاوض مصر باسمنا؟!»، وكان مبدأهم ضرورة انسحاب إسرائيل من كامل الأراضى الفلسطينية، وهو ما استغله الجانب الإسرائيلى لعدم إتمام هذا البند من الاتفاق.
وقال اللواء محسن حمدى، لى حينها، إننا واجهنا خصماً «يجادل لأجل المجادلة»، لكن كان قرار الوفد المصرى بأنه لن يتم التخلى عن حبة رمل واحدة من الأراضى المصرية، وقال الفريق أول كمال حسن على، وزير الدفاع المصرى آنذاك فى أول جلسة مفاوضات، إن مصر حاربت لتثبت أنها تستطيع أن تحرر أراضيها بالقتال، لكنكم تنادون بالسلام، ونحن هنا لإقامة معاهدة السلام».
وأشار إلى أن مفاوضات السلام كانت تجرى داخل غرف الإقامة فى فندق «مادسون» فى أمريكا، مرة فى الطابق التاسع، الذى سكنه الجانب المصرى، وتارة أخرى فى الطابق العاشر، الذى سكنه الجانب الإسرائيلى، ولكن مع التعنت الكبير من الجانب الإسرائيلى رحل الجانب المصرى من «واشنطن» على أول طائرة للقاهرة.
الجانب الإسرائيلى كانوا يتحدثون بأنهم موجودون فى الأرض، وأننا سنرضى «بأى شىء»، مثل رغبة إسرائيل بالاحتفاظ بمدينة شرم الشيخ، ولو بـ«الإيجار»، والاحتفاظ بـ«بترول سيناء»، لكن كان الرئيس السادات يقول لنا بشكل واضح: «إوعوا توافقوا على كده»، وكان يقول إنه مثلما أخذنا جزءاً من أرضنا بالسلاح؛ فيمكن أن نأخذ الباقى بالسلام، حتى لو كان على مراحل، مهما طالت مدة تحقيقه.
الرئيس السادات، بحسب اللواء محسن حمدى، كان يوجه المفاوض المصرى لعدم الدخول فى أى صراعات جانبية، والتأكيد على سلمية تسوية النزاعات، وقبول إسرائيل كدولة داخل الأرض المحتلة على حدود ما قبل 6 يونيو 1967، وفق قرار مجلس الأمن رقم 244، لكن الجانب الإسرائيلى كانوا يريدون الاحتفاظ بنصف سيناء والضفة الغربية وأراضى الجولان.
ومن المواقف الطريفة فى المفاوضات، يقول اللواء محسن حمدى إن الجانب الإسرائيلى، ممثلاً فى رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحيم بيجن، طلب تأجير مطارات وقواعد عسكرية ومناطق البترول وحتى مدينة شرم الشيخ لمدة 90 عاماً، وواجه الجانب المصرى ذلك بالرفض الكامل، وهو ما أيَّده الرئيس الراحل أنور السادات، ونهر مطالب الجانب الإسرائيلى فى هذا الصدد.
وإجمالاً يقول اللواء محسن حمدى إنه لم يتم تنفيذ مطلب إسرائيلى واحد يمس السيادة المصرية، فمثلاً أراد موشيه ديان أن تكون سيناء منطقة منزوعة السلاح بالكامل، وهو ما تم رفضه، كما طلب الاحتفاظ بحقول البترول فى مناطق أبورديس وخليج السويس، لكن تم رفض هذا الأمر أيضاً.
وقال إن الجانب الإسرائيلى طلب إقامة قواعد رادار فى جبال سيناء، وأن يوجد لإدارتها ضباط إسرائيليون، مع وضع كاميرات مراقبة فى سيناء، وهو ما تم رفضه بالكامل.
وأكد اللواء محسن حمدى أن معاهدة السلام «المصرية - الإسرائيلية» لا يوجد أى بنود سرية فيها، متحدياً أى جهاز مخابرات فى العالم إثباتها.
وأوضح أن الرئيس السادات رفع العلم المصرى على العريش قبل شهر كامل من موعده، بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلى، وبموافقة «بيجن» على ذلك، وكانت المبانى والمنشآت سليمة، وطلب الفريق أول كمال حسن على حينها أن تُترك «بلا أى خدش»، ليرد عزرا وايزمان، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق: «وهنديهالك مدهونة كمان»، ولم تمس «طوبة واحدة» من المنشآت قبل الانسحاب، كما يذكر اللواء محسن حمدى.
وعن أحد أسرار مفاوضات إتمام الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، قال إن «بيجن» اتصل بـ«السادات» فى يوم 19 أبريل 1982، قبل الانسحاب الإسرائيلى من سيناء، وحينها سافر وفد مصرى على طائرة عسكرية، وقال «بيجن» إنه سيؤجل الانسحاب من سيناء لحين الاتفاق على «طابا»، وطرق 14 عضواً من الكنيست منزل «بيجن» ليرفضوا الانسحاب، لكن الفريق كمال حسن على رفض هذا الأمر بشكل قاطع.
ويؤكد اللواء محسن حمدى أن الانسحاب تم بالكامل فى موعده يوم 25 أبريل 1982، بعد تدخل أمريكا لاحتواء الموقف فى اللحظات الأخيرة، ليتم توقيع وثيقة بالانسحاب من كل الأراضى المحتلة، مع ترك مسألة «طابا» لإجراءات لاحقة، ليتم هذا الأمر، حتى نجاح مصر فى استرداد أراضيها كاملة.
ورغم مرور 9 سنوات على إجراء هذا الحوار الصحفى، فإن أسراره وموضوعاته الشيِّقة تظل مناسبة قابلة للاستدعاء، خصوصاً مع ما تضمَّنه من معلومات قيِّمة، ورحيل اللواء محسن حمدى عن عالمنا قبل عامين.. رحم الله فقيد الوطن.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: وثائق السلام الجانب الإسرائیلى الرئیس السادات إجراء الحوار من سیناء وهو ما
إقرأ أيضاً:
الخارجية اللبنانية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب وتستهدف السلام الإقليمي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين في لبنان، اليوم الخميس، بيانًا شديد اللهجة تندد فيه بهجوم إسرائيلي استهدف مركبة مدنية قرب حاجز للجيش اللبناني عند مدخل مدينة صيدا.
وأسفر الهجوم عن سقوط ثلاثة شهداء من المدنيين، إضافة إلى إصابة خمسة عناصر من الكتيبة الماليزية التابعة لقوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) وثلاثة جنود لبنانيين.
وأشارت الوزارة إلى أن هذا الهجوم يُظهر استمرار إسرائيل في استهداف المدنيين، والعسكريين من الجيش اللبناني، بالإضافة إلى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
واعتبرت الوزارة أن هذا العمل يمثل انتهاكًا صارخًا للقوانين الإنسانية الدولية، ويرقى إلى جرائم حرب.
وأكدت الوزارة على أهمية الدور الذي تضطلع به قوات اليونيفيل بالتعاون مع الجيش اللبناني لتعزيز الأمن والاستقرار في المناطق الحدودية.
وشددت على ضرورة استمرار التنسيق بين الطرفين لضمان حماية الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًا، خاصة في ظل التصعيد المستمر من الجانب الإسرائيلي، والذي يعرض السلام الإقليمي للخطر.
وطالبت الخارجية اللبنانية المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته، من خلال إدانة هذه الهجمات ومساءلة إسرائيل عن أفعالها.
كما أكدت الوزارة على التزام لبنان بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701 الصادر عام 2006، داعية إلى ضرورة تطبيقه بصورة شاملة وعادلة لضمان حماية القوات الأممية، والعسكريين اللبنانيين، والمدنيين، وتحقيق الأمن الدائم في المنطقة.