الوقف في عُمان ودوره في صلابة المجتمع
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
لا يمكن النظر إلى الوقف في الإسلام باعتباره مجرد مفهوم ديني تعبدي فردي، إنه أكبر من ذلك بكثير، فهو ركيزة أساسية للتنمية الاجتماعية والثقافية والعلمية عبر التاريخ.
وقام الوقف بوصفه نظاما اجتماعيا واقتصاديا بدور محوري في بناء التماسك بين المجتمعات في العالم الإسلامي وفي دعم مسيرة العلم والمعرفة.
وفي عُمان كان للوقف دور كبير في البناء الاجتماعي وفي النهضة العلمية التي شهدتها عُمان عبر التاريخ، حيث كان الأغنياء يوقفون جزءا كبيرا من ثرواتهم لخدمة المجتمع علميا واجتماعيا وثقافيا وكذلك في بناء العلاقات الدولية إذا ما استخدمنا المفهوم السياسي الجديد، فقد أوقف عمانيون أموالا لخدمة المقدسات الإسلامية بما في ذلك المسجد الأقصى.
ومكنت الأوقاف في عُمان التي تنتشر في جميع القرى العمانية من بناء مجتمع متكافل ومتآزر، وكذلك مجتمع متعلم ومحب للعلم والمعرفة، حيث دعمت الأوقاف إنشاء المدارس بمختلف مستوياتها ونشر العلم والمعرفة ما أسهم في ظهور علماء في مختلف مجالات المعرفة.
إضافة إلى ذلك، كان للوقف دور بارز في تقديم الخدمات الاجتماعية ومساعدة المحتاجين، حيث كانت الأوقاف تمول المحتاجين من الفقراء والأيتام، وتوفر الأطعمة في شهر رمضان وفي بعض المناسبات الدينية مثل موسم الحج إضافة إلى إعمار بيوت الله تعالى وكذلك في توفير المياه عبر شراء حصص في الأفلاج.
ونظام الوقف في عُمان متقدم جدا ويستحق الدراسة لفهمه باعتباره نظاما وكذلك الفهم العميق للمجتمع العماني.
في الوقت الحاضر، يُعاد اكتشاف أهمية الوقف بصفته أداة فعّالة للتنمية المستدامة وظهرت في السنوات الأخيرة الكثير من المؤسسات الوقفية التي تعيد للمجتمع أدواره الحقيقية عبر فهم عميق لدور المجتمع في بناء تماسكه وتكافله، وهذه الممارسة التي يقبل عليها الكثيرون في عمان من خلال تخصيص أسهم من أموالهم أو عبر الدعم أو الوصية من شأنها أن تسهم في ترميم بعض الفجوات الاجتماعية التي قد تفرزها التحولات الحاصلة في العالم وزيادة متطلبات الحياة اليومية، إضافة إلى إعادة مساهمة المجتمع في بناء العلم والمعرفة عبر دعم المبادرات المخصصة لدعم المتعلمين والبحث العلمي.
ومن المهم في المرحلة القادمة تحديث أنظمة الوقف وتوسيع مجالاته ليشمل مشروعات تنموية متنوعة تتوافق مع احتياجات العصر.. وهذا في حد ذاته يزيد من قوة المجتمع وتماسكه وعدالته وتحقيق تقدم مستدام.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی ع مان فی بناء
إقرأ أيضاً:
مقبرة الشريف.. شاهد على مآسي النزوح وسنوات الدم في ديالى - عاجل
بغداد اليوم – بعقوبة
على مقربة من ضفاف نهر ديالى، تقف مقبرة الشريف في مدينة بعقوبة كشاهد على تاريخٍ حافل بالتنوع القومي والمذهبي، لكنها في الوقت ذاته تحتضن بين جنباتها قصصًا من الألم والفقدان، سطّرتها الحروب والنزاعات الدامية التي شهدتها المحافظة على مدار العقود الماضية. لم تعد هذه المقبرة مجرد مكان لدفن الموتى، بل تحوّلت إلى نقطة تلاقي لآلاف العوائل التي مزقتها الحروب، حيث يجتمع أبناؤها في الأعياد لزيارة قبور أحبائهم، في مشهد يُجسد حجم المأساة التي عاشها العراقيون.
حكايات نزوح ولقاء عند القبور
في القسم الشرقي من المقبرة، يقف عبد الله إبراهيم، وهو رجل مسنٌّ، عند قبور أربعة من أقاربه، تحيط به ذكريات لا تزال حاضرة رغم مرور الزمن. يقول في حديث لـ"بغداد اليوم": "جئت من إقليم كردستان قبل ساعة من الآن لزيارة قبور أقاربي، حيث نزحت من قريتي في حوض الوقف منذ 17 عامًا، وهذه القبور تمثل لي نقطة العودة إلى الأصل، فأنا أزورهم لأقرأ الفاتحة وأستذكر إرث الأجداد والآباء، الذي انتهى بسنوات الدم".
يشير عبد الله إلى أن حوض الوقف، الذي كان يُعد من أكبر الأحواض الزراعية في ديالى، تحول إلى منطقة أشباح بعد موجات العنف التي عصفت به، حيث اضطر آلاف العوائل إلى مغادرته، تاركين خلفهم منازلهم وأراضيهم، لتظل القبور هي الرابط الوحيد الذي يجمعهم بموطنهم الأصلي.
شتات القرى يجتمع في المقبرة
على بعد أمتار منه، يقف أبو إسماعيل، وهو أيضًا أحد النازحين من الوقف، لكنه اتخذ طريقًا مختلفًا، إذ نزح مع أسرته إلى المحافظات الجنوبية. لكنه، كما يقول، يعود في كل عيد ليقرأ الفاتحة على قبور أقاربه المدفونين هنا. يوضح في حديثه لـ"بغداد اليوم": "القبور جمعت شتات قرى الوقف، حيث لا يزال 70% من سكانها نازحين، والعودة بالنسبة للكثيرين أمر صعب، خاصة بعدما اندمجت العوائل النازحة في المجتمعات التي استقرت بها".
يتحدث أبو إسماعيل بحزن عن سنوات النزوح، مؤكدًا أن كل محافظة عراقية تكاد تضم عائلة نازحة من ديالى، هربت من دوامة العنف والإرهاب الذي اجتاح مناطقهم.
الوقف.. جرح لم يندمل
أما يعقوب حسن، الذي فقد شقيقين شهيدين وعددًا من أبناء عمومته، فقد نزح إلى العاصمة بغداد منذ 17 عامًا، لكنه يرى أن مقبرة الشريف باتت تجمع شتات القرى النازحة من حوض الوقف ومناطق أخرى من ديالى، فتتحول إلى مكان للقاء العوائل التي فرّقتها الحروب.
يقول يعقوب: "كنا نعيش في منطقة تجمعنا فيها الأخوّة والجيرة، لكن الإرهاب مزّق هذه البيئة المجتمعية المميزة بتقاليدها. الوقف كان من أكثر المناطق تضررًا على مستوى العراق، واليوم يبدو أن قبور الأحبة وبركاتهم هي ما تجمعنا بعد فراق دام سنوات طويلة".
هكذا، تبقى مقبرة الشريف شاهدًا حيًا على المآسي التي عاشتها ديالى، ومرآة تعكس حجم الفقدان والشتات الذي طال العوائل بسبب دوامة العنف، لكنها في الوقت ذاته تظل رمزًا للصلة التي لا تنقطع بين الأحياء وأحبائهم الذين رحلوا، وسط أمنيات بأن يكون المستقبل أكثر أمنًا وسلامًا.