دكار – تشهد السنغال بعد أقل من أسبوع انتخابات رئاسية حاسمة، تأتي عقب أزمة سياسية غير مسبوقة كادت تعصف باستقرار البلد الذي شكل على مدى عقود استثناء في جواره الإقليمي بمنطقة غرب أفريقيا على صعيد الممارسة الديمقراطية ودولة المؤسسات.

وتكتسي انتخابات 24 مارس/آذار الحالي أهميتها من كونها أول انتخابات تُجرى دون مشاركة رئيس البلاد، مما يرفع مستوى التنافسية بين المرشحين الـ19، ويجعل من الصعب التكهن باسم الرئيس الخامس، كما تأتي في سياق تحولات داخلية وخارجية متسارعة تشهدها السنغال والمنطقة وتلقي بثقلها على المشهد السياسي.

وشكل قرار حسم موعد الانتخابات نهاية لأسابيع من الاحتقان في الشارع السنغالي إثر قرار الرئيس ماكي سال إلغاء موعدها الأصلي الذي كان مقررا يوم 25 فبراير/شباط الماضي، مما أسفر عن اندلاع احتجاجات شهدت مقتل عدد من المتظاهرين.

المعارض البارز عثمان سونكو استُبعد من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية بسبب إدانته بالتشهير (رويترز) تحد إضافي

ورأت المعارضة في محاولات سال تأجيل الموعد الانتخابي أكثر من مرة مناورةً "لكسب الوقت" و"تمديد" ولايته الرئاسية التي تنقضي دستوريا بحلول الثاني من أبريل/نيسان القادم، في حين صرح الرئيس السنغالي بأنه لا ينوي البقاء في المنصب ومستعد لتسليم السلطة.

ودفع تحديد موعد الرئاسيات الجديد إلى تقليص فترة الحملات الانتخابية من 3 أسابيع إلى اثنين، مما يلقي على عاتق المرشحين تحديا إضافيا يتمثل في الحاجة إلى تكثيف دعاياتهم السياسية في ظل تنافس محموم على أصوات الناخبين.

ويتصدر السباقَ الانتخابي في السنغال متنافسون من أبرزهم مرشح ائتلاف "بينو بوك ياكار" الحاكم الوزير الأول السابق أدما با، وباسيرو ديوماي فاي مرشح الائتلاف المعارض الذي يضم أعضاء حزب "باستيف" المنحل، والذي تم ترشيحه بديلا للمعارض البارز عثمان سونكو، بعد استبعاد الأخير من قائمة المرشحين بسبب إدانته بالتشهير.

كما يضم عمدة دكار السابق خليفة سال الذي يُعد من أبرز المنافسين السياسيين للرئيس الحالي، والوزير الأول الأسبق إدريسا سك الذي حل في المركز الثاني في رئاسيات 2007.

ويُنظر إلى أصوات الشباب في الانتخابات الرئاسية الحالية باعتبارها عامل حسم في بلد يقل عمر أكثر من نصف سكانه عن 20 عاما، ويشهد تحولات على مستوى الخطاب السياسي مع تصدر أسماء شابة ينافسون الأجيال الأقدم من الساسة السنغاليين.

وتتضافر أولويات السياسة الداخلية مع انشغالات العلاقات الخارجية للسنغال في رسم خريطة التنافس الانتخابي، مع حضور بارز للوعود الاقتصادية في البلد الساحلي الذي يتطلع للبدء قريبا في استخراج الغاز الطبيعي من حقل "السلحفاة آحميم" المشترك مع موريتانيا.

المرشح إدريسا سك حلّ في المركز  الثاني في رئاسيات 2007 (غيتي) رهانات الداخل

تدخل السنغال الانتخابات الرئاسية وهي لا تزال تعيش ارتدادات اضطرابات دامية شهدتها بين عامي 2021 و2023، تخللتها محاكمات واعتقالات لخصوم سياسيين للسلطة، في ظل ارتفاع صوت المعارضة في أوساط الشباب.

ويرى الباحث في العلوم السياسية "هارون با" أن محورية هذه الانتخابات تكمن في كونها تمثل فرصة للسنغال لاستعادة سمعتها الديمقراطية من جديد، واستعادة السلم مع انتهاء سلسلة الاضطرابات والصراعات السياسية بين السلطة والمعارضة والتي "استنزفت الكثير من القوى وكبدت البلد خسائر في الأرواح".

ويعتبر أن تقليص صلاحيات الرئيس يأتي في مقدمة ملفات السياسة الداخلية التي تفرض نفسها بقوة على البرامج الانتخابية، ويقول "في السنغال مثل بقية معظم الدول الأفريقية، هناك أزمة هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات مما يعيق المسار الديمقراطي، وأعتقد أن كل الساسة انتبهوا إلى هذه المسألة ويعدون بتقليص هذه الصلاحيات عند الوصول إلى الحكم".

ويضيف هارون با "هذه أزمة قائمة وتمثل أمّ المشاكل في النظام السياسي السنغالي، فمن خلالها يمكن دائما للرئيس أن يفرض ما يريد باسم صلاحياته واختصاصاته".

ويعتقد أن إصلاح المؤسسات يفرض نفسه بقوة كمطلب انتخابي في التنافس الحالي بين المرشحين، مشيرا إلى أن "مرفق العدالة يحتاج إلى إصلاح جذري، لأنه ملاذ الشعب من الصراعات والتوترات والاستنزاف". ويؤكد أن ملف تشغيل الشباب لا يقل أهمية، خاصة في ظل التطلعات الاقتصادية والتنموية المعلقة على وعود إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي.

تغيرات إقليمية

تترافق الانتخابات الرئاسية مع حصيلة متغيرات سياسية وجيوإستراتيجية كبرى تعصف منذ سنوات بالجوار الإقليمي للسنغال في منطقة الساحل، في صدارتها تغير أنظمة الحكم في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا، وما أسفر عنه من تقرب من روسيا على حساب المستعمر السابق فرنسا التي تراجع نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة بصفة متسارعة.

ويعتقد الباحث المختص في العلوم السياسية ديدي ولد السالك أن هذه المتغيرات تلقي بتأثيرها على الخطاب السياسي في الانتخابات السنغالية، لاسيما لدى مرشحي الشباب الذين يمثلهم بشكل رئيسي باسيرو ديوماي فاي حليف المعارض السنغالي عثمان سونكو، وفق وصفه.

ويقول إن تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية في جوار السنغال "سيتم استغلاله كخطاب سياسي في الحملة من كل الأطراف"، مستبعدا أن يكون له تأثير مستقبلي على سياسة البلاد الخارجية.

ويضيف ولد السالك أن دكار تتمتع بوجود "مؤسسات راسخة وطبقة سياسية ناضجة نسبيا مقارنة مع الدول الأفريقية الأخرى خاصة في منطقة الساحل"، مرجحا أن تقود الانتخابات الحالية إلى فوز مرشح السلطة أو "أحد أبناء النظام" من المسؤولين والوزراء السابقين.

وبغض النظر عن نتائج اقتراع 24 مارس/آذار المقبل، الذي يرجح مراقبون أن يسفر عن جولة إعادة في ظل التنافسية العالية بين المرشحين، تمثل هذه الانتخابات منعطفا حاسما في التاريخ الحديث للسنغال يرسخ صورتها في المنطقة والقارة بوصفها نموذجا للديمقراطية والاستقرار السياسي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الانتخابات الرئاسیة

إقرأ أيضاً:

ابن خالته ونسيب قاسم سليماني.. من أبرز المرشحين لخلافة حسن نصر الله؟

أعلن حزب الله اللبناني اليوم، رسميا اغتيال الأمين العام حسن نصر الله، في الغارة التي استهدفت مقر القيادة المركزية لـ«حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية، أمس، ما طرح تكهنات حول من يخلف حسن نصر الله في منصبه، لاسيما وأن الوضع خرج للغاية نظرا لطول المدة التي شغلها نصر الله في منصبه التي وصلت إلى 32 عاما.

وترصد «الوطن» أبرز المرشحين لخلافة حسن نصر الله في منصب الأمين العام لحزب الله.

هاشم صفي الدين

- يعد هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله والرجل الثاني في الحزب، أبرز المرشحين لخلافة حسن نصر الله.

من هو هاشم صفي الدين؟

- هاشم صفي الدين ابن خالة حسن نصر الله وصهر القائد السابق لفيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، كما أنه يشبه حسن نصر الله في الهيئة وطريقة الحديث.

ـ ولد عام 1964 في بلدة دير قانون النهر جنوب لبنان.

- تلقى تعليمه في النجف وقم، مثل حسن نصر الله، وكان من بين مؤسسي حزب الله في 1982.

- في عام 1994 طلب منه العودة إلى لبنان ليتولى رئاسة المجلس التنفيذي في حزب الله حتى يخلف حسن نصر الله في منصبه، وذلك بعد عامين من تعيين الأخير أمينا عاما لحزب الله في أعقاب اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لعباس الموسوي في هجوم بطائرة هليكوبتر.

وتولى صفي الدين على مدار 30 عاما الملفات الحساسة في حزب الله اللبناني وترك الملفات الاستراتيجية لحسن نصر الله.

رجل الظل في منظومة حسن نصر الله

تزوج نجل صفي الدين من ابنة قاسم سليماني، وفق وسائل إعلام إيرانية، كما أعلنت زينب مغنية، ابنة عماد مغنية، عن زواج زينب سليماني ورضا صفي الدين.

نعيم قاسم المرشح الثاني لخلافة حسن نصر الله

أما المرشح المحتمل الثاني لخلافة حسن نصرالله فهو القيادي نعيم قاسم الذي يتولى منصب نائب أمين عام حزب الله منذ عام 1992، والذي ولد بمنطقة البسطة التحتا في العاصمة اللبنانية بيروت عام 1953.

اغتيال حسن نصر الله

يذكر أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أعلن في بيان اليوم السبت أن الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت أمس أدت إلى مقتل حسن نصر الله. كما أضاف أن قائد جبهة الجنوب في الحزب علي كركي وعدد آخر من القادة قتلوا معه، وهو النبأ الذي أكده بيان صادر عن «حزب الله».

وكانت الطائرات الإسرائيلية قد ألقت أمس الجمعة أكثر من 10 قنابل ضخمة على مقر القيادة المركزية في حارة حريك، أو ما يعرف بالمربع الأمني المحصن، ما خلق دمارا غير مسبوق.

مقالات مشابهة

  • الرئاسي يُشيد باهتمام فرنسا بالملف السياسي الليبي
  • 6 أكتوبر.. الانتخابات الرئاسية بتونس والجامعة العربية تشارك ببعثة مراقبة
  • الكوني واللافي يبحثان مع المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي «حالة الانسداد السياسي»
  • صحيفتان كويتيتان تبرزان تحذير الرئيس السيسي من استمرار الاضطراب بالمنطقة
  • هزيمة حزب الشعب الذي يقوده المستشار النمساوي
  • المفتي: الإلحاد قضية يلزم عنها الاضطراب والصراع النفسي والتجرؤ على الذات الإلهية
  • السيسي: أريد أن أطمئنكم أن مصر بخير
  • نتنياهو.. المجرم الذي لا يزال متعطشا للدماء
  • الغرياني: استمرار حالة التشرذم السياسي والانهيار الاقتصادي يُهدّد وحدة واستقرار ليبيا ومستقبل أجيالها
  • ابن خالته ونسيب قاسم سليماني.. من أبرز المرشحين لخلافة حسن نصر الله؟