ترجمة: أحمد شافعي -
يبدو أن شهري فبراير ومارس شهران مزدحمان في منطقة بيلتواي إذ يتوجه كبار القادة العسكريين وكبار مسؤولي المخابرات إلى الكابيتول هيل لإطلاع أعضاء الكونجرس الأمريكيين على مستجدات التهديدات المتنوعة التي تواجه الولايات المتحدة. ولكن هذا العام الذي تخللته الإحاطات المعتادة بشأن روسيا (التي استعادت نشاطها بسبب ما تعتبره دعما غربيا ضعيفا لأوكرانيا) والصين ـ في ظل رغبتها الدائمة في الهيمنة على تايوان ـ استمع أعضاء الكونجرس أيضا إلى رسالة مختلفة وغير مرحب بها على الإطلاق.
والسبب الأكثر إلحاحا في ذلك هو الحملة التي نفذتها حركة حماس الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023. ومثلما ألهم انسحاب إدارة بايدن المتسرع من أفغانستان قبل ثلاث سنوات جيلا جديدا من الجهاديين، فإن النجاح «المروع» الذي حققته حماس في هجومها على إسرائيل (والذي أدى إلى أكبر مذبحة لليهود منذ الهولوكوست) قد بث حياة وحيوية جديدتين في مجموعة واسعة من الفصائل الإسلامية.
فقد أطلعت مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ على أن «كلا من تنظيم القاعدة وداعش، بإلهام من هجوم حماس على إسرائيل، قد وجَّها أنصارهما إلى شن هجمات على المصالح الإسرائيلية والأمريكية». وعلاوة على ذلك، فإن أعمال حماس الآن «تحفز أفرادا للاستفادة من المحنة الفلسطينية في تجنيد أتباع جدد والإلهام بتنفيذ الهجمات».
ولكن هناك عوامل أخرى تلعب دورا هي الأخرى. ففي أفريقيا، على سبيل المثال، أدت الفروق الهائلة في الموارد، والحرمان الاقتصادي المستشري على نطاق واسع، وأنظمة الحكم الضعيفة ضعفا مزمنا، إلى توليد تقلبات هائلة ومنح الإسلاميين موطئ قدم كانوا في أمس الحاجة إليه.
وفي هذا الصدد قال الجنرال مايكل لانجلي، رئيس القيادة الأمريكية في أفريقيا، أمام مجلس الشيوخ في السابع من مارس إن «حركة الشباب وتنظيم الدولة الإسلامية، في شرق أفريقيا، يجلبان العنف إلى الشعوب التي تعاني بالفعل من الاشتباكات العرقية ونقص الغذاء والمياه المرتبط بالمناخ» وأضاف قائلا إن «تحديات الصراع والمناخ تلوح أيضا في الأفق على الأعداد الهائلة من السكان والموارد الطبيعية في وسط أفريقيا، في حين تواجه جنوب أفريقيا عجوزات في الاقتصاد والطاقة، إلى جانب تمرد داعش في موزمبيق».
وفي الوقت نفسه، تحقق جهة فاعلة أخرى، هي إيران، بعض المكتسبات الاستراتيجية الهائلة، فضلا عن أنها تبرز بسرعة بوصفها المستفيد الرئيسي من الفوضى الإقليمية المنتشرة في الشرق الأوسط. وفي شهادة حديثة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، أوضح الجنرال مايكل «إريك» كوريلا، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، أن التهديدات الإقليمية من قبيل هجمات الحوثيين في اليمن على التجارة البحرية واستهداف ميليشيات للقوات الأمريكية في العراق وسوريا هي جزء من نمط أكبر، تقع إيران في مركزه. وقال كوريلا إن أحداث السابع من أكتوبر قد «أنشأت ظروفا ملائمة للجهات الفاعلة الخبيثة لزرع الاضطراب في جميع أنحاء المنطقة وخارجها»، كما أن قادة إيران «استغلوا ما اعتبروه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل لإعادة تشكيل الشرق الأوسط على نحو أكثر ملاءمة لمصلحتهم».
في اللحظة الراهنة، أمريكا غير مستعدة على الإطلاق لمثل هذا الانبعاث. ففي السنوات الأخيرة، تراجعت جهود مكافحة التطرف الإسلامي لصالح «منافسة القوى العظمى» مع الصين الصاعدة ومتزايدة التشدد (وكذلك روسيا العدوانية ذات النزعة العسكرية)، وكانت لذلك تأثيرات عميقة. وقد تضاءلت ميزانيات الدفاع ذات الصلة مع نزوع متزايد من صناع السياسات في واشنطن إلى إعلاء أولوية القتال التقليدي على العمليات الخاصة والصراعات منخفضة الحدة.
وبالقدر نفسه من العمق، لم تعد مكافحة الإرهاب مبدأ تنظيميا مهما في تخطيط السياسة الأمريكية. وفي الواقع، فإن استراتيجية الأمن القومي التي أقرتها إدارة بايدن في أكتوبر 2022 لا تكاد تشير إلى الحاجة الملحة لمحاربة الحركات الإسلامية المتشددة ومواجهة الجهات الفاعلة المتطرفة.
ومع ذلك، ومثلما يعلم المخططون الاستراتيجيون تمام العلم في ما يتعلق بساحة المعركة، فإن للخصم أيضا كلمته. وهذا هو الحال مع التهديد الذي يشكله الإسلام الراديكالي. وبينما تركز أمريكا بشكل متزايد على مخاطر الإمبريالية الروسية والتوسع الصيني، فإن الجماعات المتطرفة من قبيل تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، فضلا عن الجهات الفاعلة الخبيثة من قبيل إيران، تستغل الانفتاح الناتج عن ذلك. وتتمثل نتيجة ذلك في اضطراب عالمي منتشر يهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وكل هذا يتطلب من واشنطن إعادة التركيز بشكل جدي على مكافحة الإرهاب والقيام بذلك دون تأخير.
ايلان بيرمان النائب الأول لرئيس مجلس السياسة الخارجية الأمريكية في واشنطن
عن ذي ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما الذي يؤخر مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة؟
يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المماطلة في بدء مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار بغزة، والتي كان من المفترض أن تنطلق في 3 فبراير/شباط الجاري، في حين أكدت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جاهزيتها لبدء المفاوضات.
وتشترط إسرائيل لبدء مفاوضات المرحلة الثانية نزع سلاح المقاومة من قطاع غزة، الأمر الذي ترفضه حماس.
ومن جانبها تطالب حماس بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل للاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.
وتتحدث وسائل إعلام إسرائيلية عن أن نتنياهو وعد حزب "الصهيونية الدينية" برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بعدم الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف النار بغزة لإقناعه بالبقاء في الائتلاف الحكومي، ومن ثم منع انهياره.
وفي 19 يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، والتي تتضمن 3 مراحل تمتد كل منها 42 يوما، مع اشتراط التفاوض على المرحلة التالية قبل استكمال المرحلة الجارية.
مشاكل داخليةوتباينت الآونة الأخيرة -وخاصة بعد بدء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار- عدة ضغوط ومشاكل داخلية إسرائيلية أثرت على الانتقال لمفاوضات المرحلة الثانية من الاتفاق.
إعلانوأمس السبت، صعد نتنياهو هجومه ضد رئيس جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) رونين بار، مدعيا أنه قدم توصيات قبل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بتقديم تسهيلات لحركة حماس في إدارة قطاع غزة مقابل الهدوء معها.
كما ادعى أن بار شدد على ضرورة تجنب عمليات الاغتيال في غزة ولبنان، لتفادي اندلاع جولة جديدة من التصعيد.
وفي المقابل، أوصى نتنياهو بتصفية قيادة حماس في غزة في حال حدوث تصعيد.
وخلال الأشهر الماضية، شابت العلاقة بين بار ونتنياهو خلافات حول العديد من القضايا، ليقوم الأخير بإقصاء رئيس الشباك من أي مفاوضات مقبلة مفترضة بشأن اتفاق غزة.
وتقول وسائل إعلام إسرائيلية إن سبب الخلافات بين الشخصيتين يعود بالدرجة الأولى لسببين، أولهما رغبة نتنياهو في أن يكون قرار العودة للحرب في غزة من عدمه بيده، بينما لا يريد بار العودة للحرب ويوصى بإتمام اتفاق غزة بمراحله الثلاث.
أما السبب الثاني فيتعلق بعمل نتنياهو على إرضاء الوزراء المنتمين لليمين في حكومته الذين يتهمون الجيش بالإخفاق في منع هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أو التنبؤ بها.
ضغوط ذوي الأسرىإلى جانب ذلك، تضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين، وتطالب بالإفراج عن 63 أسيرا ما زالوا في قطاع غزة دفعة واحدة خلال المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة التبادل.
وصرح أحد أقارب الأسرى بأن المرحلة الأولى من الصفقة ستُستكمل خلال الأسبوع المقبل، ولا يجوز التراجع إلى الوراء.
واتهم ذوو الأسرى نتنياهو بمحاولة عرقلة الصفقة بمرحلتها الثانية من أجل مصالحه السياسية، ومصالح الوزراء المتطرفين في حكومته.
وطالبوا الحكومة بإعادة جميع الأسرى، أحياء وأمواتا، ومن ثم حل بقية المشكلات العالقة.
ومن جانب آخر، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بأن عائلة الأسيرة بيباس طالبت بعدم حضور أي ممثل لحكومة نتنياهو في جنازة أبنائهم الثلاثة الذين استعيدت جثثهم مؤخرا من قطاع غزة.
إعلانوقال موقع "والا" الإسرائيلي إن وزراء الحكومة أُبلغوا أن عائلة بيباس لا تريد مشاركة ممثل عن الحكومة في جنازة أفراد العائلة الثلاثة.
ومن المقرر أن يمثل وزير الداخلية موشيه أربيل الحكومة ويحضر جنازة عوديد ليفشيتز والتي ستقام بعد غد الساعة 14:00 في كيبوتس (مستوطنة) نير عوز.
والجمعة، اتهمت عائلة بيباس نتنياهو بالتخلي عن أفرادها الثلاثة خلال هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والفشل في إعادتهم سالمين.
وتزعم إسرائيل أنّ شيري بيباس وطفليها قتلوا على يد آسريهم بغزة، الأمر الذي تنفيه حماس بشدة مؤكدة أنهم قتلوا جراء الغارات الإسرائيلية على غزة.
جاهزية حماسفي المقابل، أكدت حركة حماس مرارا على جاهزيتها للانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، محذرة من "عنجهية" نتنياهو التي تسببت في مقتل عدد من أسراه لديها.
كما أكدت جاهزيتها لإتمام عملية تبادل كاملة رزمة واحدة تستند لوقف نهائي للحرب وانسحاب الاحتلال وإعمار قطاع غزة، كما شددت حماس على أن ضمان إتمام عمليات التبادل القادمة هو التزام الاحتلال الإسرائيلي بباقي بنود الاتفاق وتنفيذ البروتوكول الإنساني.
وقالت حماس "نؤكد جاهزيتنا للانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، واستعدادنا لإتمام عملية تبادل شاملة، بما يحقق وقفا دائما لإطلاق النار، وانسحابا كاملا للاحتلال الإسرائيلي".
ومن جانبه أوضح حازم قاسم الناطق باسم حركة حماس، صباح السبت، أن مفاوضات المرحلة الثانية لم تبدأ حتى الآن وأن الاتصالات مستمرة مع الوسطاء.
وحذرت حماس إسرائيلَ من محاولات التنصل من الاتفاق، مجددة التأكيد على أن الطريق الوحيد لعودة الأسرى إلى ذويهم يكون عبر التفاوض والالتزام الصادق ببنود الاتفاق.
وقالت أيضا أمس إن عدم التزام إسرائيل بالإفراج عن الدفعة السابعة من الأسرى الفلسطينيين في الموعد المتفق عليه يمثل خرقا فاضحا لاتفاق صفقة التبادل ووقف إطلاق النار.
إعلانودعت حماس الوسيطين مصر وقطر وضامني الاتفاق لممارسة الضغط على الاحتلال لاحترام اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ بنوده دون تسويف ومماطلة.
وأشار رئيس حماس في الضفة الغربية زاهر جبارين إلى أن نتنياهو وحكومته غير جادين في مواصلة اتفاق وقف إطلاق النار، مضيفا أن حماس اقترحت سابقا تبادل الأسرى دفعة واحدة لكن نتنياهو يتهرب.
وأكد جبارين أن "هدفنا تحقيق مطالب شعبنا الفلسطيني وليس فقط أهداف حركة حماس، وكل فصائل المقاومة جاهزة للمرحلة الثانية من التنفيذ".
إتمام عملية التبادلوفي المرحلة الأولى من الاتفاق، تنص بنوده على الإفراج تدريجيا عن 33 إسرائيليا محتجزا بغزة سواء الأحياء أو جثث الأموات مقابل عدد من المعتقلين الفلسطينيين والعرب يُقدر ما بين 1700 و2000 معتقل.
ومنذ بدء وقف إطلاق النار بغزة، سلمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس 19 أسيرا إسرائيليا إلى جانب 4 جثث.
ومن المقرر أن تفرج إسرائيل بالدفعة السابعة عن 602 فلسطيني بينهم 50 من ذوي أحكام المؤبدات، و60 من ذوي الأحكام العالية، و47 من أسرى صفقة وفاء الأحرار عام 2011 المعاد اعتقالهم، و445 أسيرا من غزة تم اعتقالهم بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وفي وقت سابق اليوم، قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية إن إسرائيل أجلت الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين ضمن الدفعة السابعة من صفقة التبادل حتى انتهاء مشاورات أمنية يعقدها نتنياهو مساء السبت، بشأن مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة.
وتقدر إسرائيل وجود 62 أسيرا إسرائيليا في غزة (أحياء وأمواتا) كما أنها تحتجز آلاف الفلسطينيين في سجونها وترتكب بحقهم تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، مما أودى بحياة العديد منهم، وفق تقارير إعلامية وحقوقية فلسطينية وإسرائيلية.
الموقف الأميركيوعلى الصعيد الدولي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن بلاده لن تتوقف عن العمل حتى إطلاق جميع الأسرى الإسرائيليين بغزة.
إعلانومن جانبه توعد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو حركة حماس، وقال إنه يتعين عليها إطلاق جميع الأسرى الـ63 المتبقين الذين تحتجزهم على الفور أو أن يتم تدميرها، حسب زعمه.
يُذكر أن الولايات المتحدة حددت لإسرائيل وحماس هدفا للتوصل إلى اتفاق خلال الأسبوعين المقبلين، وقالت إن مبعوثها الخاص للشرق الأوسط أجرى محادثات مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بشأن الاتفاق، بما في ذلك مفاوضات المرحلة الثانية.