هل تنهي الانتخابات الرئاسية في السنغال حالة الاضطراب؟
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
دكار – تشهد السنغال بعد أقل من أسبوع انتخابات رئاسية حاسمة، تأتي عقب أزمة سياسية غير مسبوقة كادت تعصف باستقرار البلد الذي شكل على مدى عقود استثناء في جواره الإقليمي بمنطقة غرب أفريقيا على صعيد الممارسة الديمقراطية ودولة المؤسسات.
وتكتسي انتخابات 24 مارس/آذار الحالي أهميتها من كونها أول انتخابات تُجرى دون مشاركة رئيس البلاد، مما يرفع مستوى التنافسية بين المرشحين الـ19، ويجعل من الصعب التكهن باسم الرئيس الخامس، كما تأتي في سياق تحولات داخلية وخارجية متسارعة تشهدها السنغال والمنطقة وتلقي بثقلها على المشهد السياسي.
وشكل قرار حسم موعد الانتخابات نهاية لأسابيع من الاحتقان في الشارع السنغالي إثر قرار الرئيس ماكي سال إلغاء موعدها الأصلي الذي كان مقررا يوم 25 فبراير/شباط الماضي، مما أسفر عن اندلاع احتجاجات شهدت مقتل عدد من المتظاهرين.
ورأت المعارضة في محاولات سال تأجيل الموعد الانتخابي أكثر من مرة مناورةً "لكسب الوقت" و"تمديد" ولايته الرئاسية التي تنقضي دستوريا بحلول الثاني من أبريل/نيسان القادم، في حين صرح الرئيس السنغالي بأنه لا ينوي البقاء في المنصب ومستعد لتسليم السلطة.
ودفع تحديد موعد الرئاسيات الجديد إلى تقليص فترة الحملات الانتخابية من 3 أسابيع إلى اثنين، مما يلقي على عاتق المرشحين تحديا إضافيا يتمثل في الحاجة إلى تكثيف دعاياتهم السياسية في ظل تنافس محموم على أصوات الناخبين.
ويتصدر السباقَ الانتخابي في السنغال متنافسون من أبرزهم مرشح ائتلاف "بينو بوك ياكار" الحاكم الوزير الأول السابق أدما با، وباسيرو ديوماي فاي مرشح الائتلاف المعارض الذي يضم أعضاء حزب "باستيف" المنحل، والذي تم ترشيحه بديلا للمعارض البارز عثمان سونكو، بعد استبعاد الأخير من قائمة المرشحين بسبب إدانته بالتشهير.
كما يضم عمدة دكار السابق خليفة سال الذي يُعد من أبرز المنافسين السياسيين للرئيس الحالي، والوزير الأول الأسبق إدريسا سك الذي حل في المركز الثاني في رئاسيات 2007.
ويُنظر إلى أصوات الشباب في الانتخابات الرئاسية الحالية باعتبارها عامل حسم في بلد يقل عمر أكثر من نصف سكانه عن 20 عاما، ويشهد تحولات على مستوى الخطاب السياسي مع تصدر أسماء شابة ينافسون الأجيال الأقدم من الساسة السنغاليين.
وتتضافر أولويات السياسة الداخلية مع انشغالات العلاقات الخارجية للسنغال في رسم خريطة التنافس الانتخابي، مع حضور بارز للوعود الاقتصادية في البلد الساحلي الذي يتطلع للبدء قريبا في استخراج الغاز الطبيعي من حقل "السلحفاة آحميم" المشترك مع موريتانيا.
تدخل السنغال الانتخابات الرئاسية وهي لا تزال تعيش ارتدادات اضطرابات دامية شهدتها بين عامي 2021 و2023، تخللتها محاكمات واعتقالات لخصوم سياسيين للسلطة، في ظل ارتفاع صوت المعارضة في أوساط الشباب.
ويرى الباحث في العلوم السياسية "هارون با" أن محورية هذه الانتخابات تكمن في كونها تمثل فرصة للسنغال لاستعادة سمعتها الديمقراطية من جديد، واستعادة السلم مع انتهاء سلسلة الاضطرابات والصراعات السياسية بين السلطة والمعارضة والتي "استنزفت الكثير من القوى وكبدت البلد خسائر في الأرواح".
ويعتبر أن تقليص صلاحيات الرئيس يأتي في مقدمة ملفات السياسة الداخلية التي تفرض نفسها بقوة على البرامج الانتخابية، ويقول "في السنغال مثل بقية معظم الدول الأفريقية، هناك أزمة هيمنة السلطة التنفيذية على باقي السلطات مما يعيق المسار الديمقراطي، وأعتقد أن كل الساسة انتبهوا إلى هذه المسألة ويعدون بتقليص هذه الصلاحيات عند الوصول إلى الحكم".
ويضيف هارون با "هذه أزمة قائمة وتمثل أمّ المشاكل في النظام السياسي السنغالي، فمن خلالها يمكن دائما للرئيس أن يفرض ما يريد باسم صلاحياته واختصاصاته".
ويعتقد أن إصلاح المؤسسات يفرض نفسه بقوة كمطلب انتخابي في التنافس الحالي بين المرشحين، مشيرا إلى أن "مرفق العدالة يحتاج إلى إصلاح جذري، لأنه ملاذ الشعب من الصراعات والتوترات والاستنزاف". ويؤكد أن ملف تشغيل الشباب لا يقل أهمية، خاصة في ظل التطلعات الاقتصادية والتنموية المعلقة على وعود إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي.
تغيرات إقليميةتترافق الانتخابات الرئاسية مع حصيلة متغيرات سياسية وجيوإستراتيجية كبرى تعصف منذ سنوات بالجوار الإقليمي للسنغال في منطقة الساحل، في صدارتها تغير أنظمة الحكم في كل من مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا، وما أسفر عنه من تقرب من روسيا على حساب المستعمر السابق فرنسا التي تراجع نفوذها العسكري والسياسي في المنطقة بصفة متسارعة.
ويعتقد الباحث المختص في العلوم السياسية ديدي ولد السالك أن هذه المتغيرات تلقي بتأثيرها على الخطاب السياسي في الانتخابات السنغالية، لاسيما لدى مرشحي الشباب الذين يمثلهم بشكل رئيسي باسيرو ديوماي فاي حليف المعارض السنغالي عثمان سونكو، وفق وصفه.
ويقول إن تأثير المتغيرات الإقليمية والدولية في جوار السنغال "سيتم استغلاله كخطاب سياسي في الحملة من كل الأطراف"، مستبعدا أن يكون له تأثير مستقبلي على سياسة البلاد الخارجية.
ويضيف ولد السالك أن دكار تتمتع بوجود "مؤسسات راسخة وطبقة سياسية ناضجة نسبيا مقارنة مع الدول الأفريقية الأخرى خاصة في منطقة الساحل"، مرجحا أن تقود الانتخابات الحالية إلى فوز مرشح السلطة أو "أحد أبناء النظام" من المسؤولين والوزراء السابقين.
وبغض النظر عن نتائج اقتراع 24 مارس/آذار المقبل، الذي يرجح مراقبون أن يسفر عن جولة إعادة في ظل التنافسية العالية بين المرشحين، تمثل هذه الانتخابات منعطفا حاسما في التاريخ الحديث للسنغال يرسخ صورتها في المنطقة والقارة بوصفها نموذجا للديمقراطية والاستقرار السياسي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الانتخابات الرئاسیة
إقرأ أيضاً:
مصر تسلم رئاسة مجلس وزراء المياه الأفارقة "الأمكاو" لدولة السنغال
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
شهد الدكتور هاني سويلم، وزير الموارد المائية والري، مراسم تسليم رئاسة مجلس وزراء المياه الأفارقة (الأمكاو) من جمهورية مصر العربية إلى جمهورية السنغال، والتي تم عقدها افتراضياً بمشاركة عدد من السادة الوزراء وكبار المسئولين الأفارقة، وممثلى الدول الأعضاء بالأمكاو، وأعضاء اللجنة الاستشارية الفنية للأمكاو.
وفى كلمته بالاحتفالية.. أعرب الدكتور سويلم عن خالص تقديره للدول الإفريقية الشقيقة وامتنانه العميق لجميع الدول الأعضاء والشركاء وأصحاب المصلحة لدعمهم مصر خلال فترة رئاستها للأمكاو مما أسهم فى تحقيق الرؤية المشتركة للقارة الإفريقية، متوجهاً بالتهنئة للدكتور الشيخ تيجان جاي وزير المياه والصرف الصحي في جمهورية السنغال بمناسبة توليه منصب رئيس الأمكاو، مشيراً إلى أن رئاسة السنغال للأمكاو ستوفر روابط قوية بين الأجندتين القارية والعالمية للمياه حيث تشغل جمهورية السنغال منصب الرئيس المشارك لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه ٢٠٢٦ إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يضع على السنغال مسئولية ضمان التوافق في خطط العمل بين الاتحاد الإفريقي والمجتمع الدولي، خاصة ونحن نقترب من نهاية رؤية إفريقيا للمياه ٢٠٢٥ مع وجود العديد من الأهداف التي لم تتحقق بعد، مما يستدعي بذل جهود كبيرة لتحقيق مستقبل أفضل للمياه والصرف الصحي في القارة الإفريقية.
كما توجه بالتهنئة للدول الأعضاء التي تم ترشيحها من خلال العمليات الإقليمية الفرعية لتولي مسؤوليات القيادة في الأجهزة السياسية لـلأمكاو للفترة ٢٠٢٥ - ٢٠٢٧ .
كما أعرب الدكتور سويلم عن شكره لجميع نواب الرئيس وأعضاء اللجنة التنفيذية وأعضاء المجلس التنفيذي فى الفترة التي خدمت فيها جمهورية مصر العربية كرئيس للأمكاو من فبراير ٢٠٢٣ إلى فبراير ٢٠٢٥ وهم النواب من دول (ساو تومي - كينيا - أنغولا - بنين - موريتانيا)، مضيفاً أنه بدعم نواب الرئيس الجدد واللجنة التنفيذية، ستواصل الأمكاو مهامها خلال العامين المقبلين، كما عبر عن تقديره العميق لجمهورية نيجيريا الاتحادية لما قدمته من حكمة وتوجيه، فضلاً عن التزامها باستضافة أمانة الأمكاو في مدينة أبوجا بنيجيريا.
وأشار لما تحقق من إنجازات خلال رئاسة مصر للأمكاو والمتمثلة في قيادة الرؤية الإفريقية خلال مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذى عُقد في نيويورك في مارس ٢٠٢٣، واستضافة الجمعية العامة الثالثة عشرة في القاهرة في يونيو ٢٠٢٣ بمشاركة غير مسبوقة لأكثر من ٤٠ وزيرًا، حيث تم افتتاح المركز الإفريقي للمياه والتكيف مع المناخ (PACWA) ليصبح مؤسسة قارية رائدة لبناء القدرات في إفريقيا، واستضافة الجلسة الاستثنائية الخامسة للجنة التنفيذية في مايو ٢٠٢٤ ، والاجتماع الرابع عشر للجنة التنفيذية في القاهرة فى أكتوبر ٢٠٢٤ .
وتمتد الإنجازات لتشمل المشاركة الفعالة في قمة المناخ الإفريقية مما ساهم في تبني إعلان نيروبي الذي يبرز التحديات والفرص الاستراتيجية في مجال المياه والمناخ، وتنظيم حدث أفريقي رفيع المستوى خلال أسبوع القاهرة السادس للمياه ٢٠٢٣ ، والذي جمع (٦) وزراء أفارقة للمياه لمناقشة الإجراءات المطلوبة لضمان أمن المياه في إفريقيا، والمشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP28 في الإمارات حيث تم تعزيز النقاش حول وضع المياه في قلب التكيف مع تغير المناخ في إفريقيا، كما شهد المنتدى العالمي العاشر للمياه في بالي بإندونيسيا تجسيدًا قويًا لوحدة إفريقيا، حيث اجتمع الأفارقة لتقديم رسالة موحدة تُوجت بإعلان بالي الذي يمثل شهادة على قوة الصوت الإفريقي على الساحة العالمية .
كما تشرفت مصر باستضافة أسبوع المياه الأفريقي التاسع فى شهر أكتوبر ٢٠٢٤ بالتزامن مع أسبوع القاهرة السابع للمياه بحضور قياسي لأكثر من ٢٠٠٠ مشارك من الوزراء وصناع السياسات والخبراء وشركاء التنمية شاركوا في مناقشات حاسمة حول التحديات الملحة للمياه في القارة وأولوياتها المستقبلية، بما يعزز الالتزام الإفريقي بالإدارة المستدامة للمياه والتعاون العابر للحدود وتسليط الضوء على الحلول المبتكرة والشراكات الاستراتيجية ، وانتهى الحدث بوضع خارطة طريق واضحة وقابلة للتنفيذ لتسريع التقدم في أجندة المياه الإفريقية ، وإطلاق نداء موجه لقمة رؤساء الدول والحكومات لاعتماد المياه والصرف الصحي كموضوع رئيسي لعام ٢٠٢٦ ، والإعداد لمذكرة تفاهم مقترحة بين مجلس وزراء المياه الأفارقة (الامكاو) والمنظمة العالمية للأرصاد الجوية .
وأضاف أنه وعلى الرغم من التقدم المحرز، لا تزال تحديات المياه والصرف الصحي قائمة في قارتنا ، حيث يُظهر أحدث تقرير لمراقبة المياه والصرف الصحي في إفريقيا لعام ٢٠٢٤ (WASSMO) أن ٥٠% فقط من السكان يستخدمون خدمات مياه الشرب المدارة بأمان ، ويستخدم ٤٥% فقط من السكان خدمات الصرف الصحى المأمونة، ولا تزال هناك فجوات كبيرة في البيانات، لا سيما فيما يتعلق بمعالجة مياه الصرف الصحي، مما يعيق التقييم الشامل للتقدم في جميع أنحاء القارة.
علاوة على ذلك، فإن هناك حاجة ماسة لرفع مكانة تمويل قطاع المياه والصرف الصحي لأعلى المستويات الوطنية، وأن تواصل مفوضية الاتحاد الإفريقي والأمكاو الدعوة لإدراج تمويل المياه والصرف الصحي كعنصر دائم في جدول أعمال قمم رؤساء دول الاتحاد الإفريقي لإدراجه فى خطط التنمية الوطنية والميزانيات، مع تعزيز القدرات البشرية والمؤسسية وتحسين أنظمة المعلومات لدعم إدارة المياه بالقارة.