الوقوف مع غزة مبدأ.. لا شعبوية
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
حتى يكون كل شيء في مكانه وفي وضعه الصحيح نحتاج إلى أن تكون مواقفنا واضحة تجاه الحرب الظالمة التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.. فليس مفهوما هذا التشتت في الرؤية من هذه الحرب بعد أكثر من خمسة أشهر ارتكبت فيها أبشع الجرائم الإنسانية وبعد إبادة أكثر من 32 ألف فلسطيني جلهم من الأطفال والنساء والمدنيين، وبعد تدمير 90% من البنية الأساسية في غزة، وبعد حرب التجويع التي لا مثيل لها في تاريخ المنطقة وتقود إلى «هولوكوست جوع» بتواطؤ عالمي.
يمكن أن نفهم الاختلافات السياسية والأيديولوجية، وإن شئتم الدينية، التي يتبناها بعض العرب في المنطقة، ولكن ليس مفهوما على الإطلاق الاختلاف إلى هذا الحد، على الجوانب الإنسانية التي تشكل جوهر قيمنا ومبادئنا، وليس مفهوما أن تكون بعض المواقف في صف العدو في لحظة يخوض فيها حرب إبادة ضد جزء أساسي من أجزاء أمتنا/ قضيتنا، وليس مفهوما محاولة تشويه المواقف المبدئية والإنسانية التي تنتصر للفلسطينيين ولحقّهم في الحياة الكريمة وفي وطن حر ومستقل.
كشفت هذه الحرب الجميع في الشرق والغرب.. كشفت من يتمسك بعروبته وبقضاياها، ومن تركها على طريق التطبيع المجاني، ومن يتمسك بمبادئه وقيمه. ومن كشف حقيقته الوظيفية التي شكل من أجلها. كشفت الحرب أيضا حقيقة «المجتمع الدولي» والمنظمات الأممية، والنظام العالمي الذي يقال في المؤتمرات: إن هدفه نشر العدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان وكرامته.. وقبل كل ذلك كشفت الحرب على غزة بكل جرائمها ومجازرها إنسانيتنا! إنسانيتنا التي من المفترض أن تكون أنبل بكثير من الخلافات السياسية والدينية والأيديولوجية والطائفية والقومية.
كما كشفت عن الكثير من المشاهد التي يمكن عبرها بناء فهم أوسع وأعمق للأمة العربية نفسها وهو فهم مهم لحديث المكاشفة والمواجهة في أي وقت من أوقات صحو الأمة ونهوضها بعد كبوة.
ما زالت هناك أصوات عربية ضائعة لا تستطيع إعلان موقفها من هذه الحرب! تعلن خلافها السياسي والأيديولوجي بشكل صريح مع المقاومة الفلسطينية وبشكل خاص حركة «حماس»، لكنها تتململ في تحديد موقفها من جرائم «إسرائيل» في العلن، وتختفي وراء أطروحات سياسية متشظية وعبارات فضفاضة من قبيل «حق الدفاع عن النفس، وموازين القوى غير متكافئة، والمصالح الاقتصادية، وطريق السلام مع إسرائيل، وحماس حركة إرهابية، وعدم حماية المدنيين!!.. إلخ» في محاولة لحفظ ماء الوجه بعد دعم العدو ونصرته في الخفاء، ضد المقاومة وضد الأمة وضد مستقبل المنطقة واستقرارها.
وهذه الأصوات السياسية و«النخبوية» و«الدينية» رغم محدوديتها ورغم ما تملكه من مكبرات للصوت، لم تكن مفاجئة، في أسوء الأحوال، فنشأتها تنبئ عن مسارها، لكنها تكشف عن خلل بنيوي في الأمة العربية وهو خلل قديم تأسس في مرحلة ما بعد الاستعمار لكنّ أثره الوظيفي بدأ في محاولة التأثير الآن في هذا الظرف العصيب الذي يمر بالأمة وباستقرارها.
وفي مقابل تلك الأصوات هناك حشد شعبي عربي مشرّف تجاوز في وعيه الكثير مما يمكن أن نسميهم «النخب» الثقافية والسياسية والفكرية، وحاول بما يملك من أدوات الإسهام في بناء السردية الفلسطينية؛ لبناء وعي عربي داخلي لدى الأجيال الجديدة ـ التي غُيّبت عن قضيتها لعقود طويلة فإذا هي اليوم ترسم وعي الجميع ـ أو لتغيير السردية الإسرائيلية لدى الشعوب الغربية التي بقيت مختطفة لعقود طويلة.
وهناك مشهد ثالث نادر لا يتكرر كثيرا في العالم العربي، رغم وجوده على أية حال، تكاملت فيه جميع الخطابات المجتمعية: السياسية والشعبية والدينية كما هو الحال في موقف سلطنة عمان، وهو موقف مشرف يتصل فيه الحاضر بالماضي سواء على مستوى الخطاب السياسي أو الخطاب الديني أو المواقف الشعبية التي كانت على الدوام منحازة لقضايا الأمة العربية ولقضايا الإنسانية، ويمكن الرجوع إلى الكثير من المواقف والأحداث التاريخية التي وقفت فيها عُمان مع قضايا الأمة وقضايا الإنسانية ليس بدءا بنجدة الإمام الصلت بن مالك الخروصي لجزيرة سقطرى، أو ما قام به الإمام سيف بن سلطان «قيد الأرض» بعد أن تحررت عُمان من الاحتلال البرتغالي حين قام بتطهير المنطقة كلها بما في ذلك شواطئ المحيط الهندي من الوجود البرتغالي ولا بموقف الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي مؤسس الأسرة الحاكمة في عُمان من احتلال مدينة البصرة وليس انتهاء بمواقف عُمان من مقاطعة مصر أو حصار العراق وغيرها الكثير من الأحداث التي وقفت فيها عُمان منحازة للمبادئ والقيم.. وقضايا الأمة.
بهذا المعنى فإن المواقف السياسية لسلطنة عمان من الحرب على غزة مبنية على مبدأ له امتدادات تاريخية وراسخ في فكر الدولة العمانية، وهي مواقف متناغمة جدا مع الموقف الشعبي ومع الخطاب الديني.. بل إن هذه المواقف يمكن أن تعطي الآخر تصورا عن قوة اللحمة الداخلية في سلطنة عمان وتماسكها ووحدة هدفها ووضوح مبدئها.
وإذا كان الخطاب السياسي في سلطنة عمان تجاه القضية الفلسطينية خطابا «نخبويا» مبنيا على فهم عميق للتاريخ والمستقبل فإن الخطاب الشعبي أو الخطاب الديني لا يقل «نخبوية» وعمقا عن الخطاب السياسي وهذا ما يفسر التكامل بين جميع خطابات المجتمع العماني.. وهي خطابات بعيدة عن الشعبوية بنفس قدر بعدها عن الطائفية وعن التشدد السلبي.
وهذا التناغم العماني موجود في النظرة للكثير من القضايا.. لأن المبدأ واحد، والروح الإنسانية واحدة. وحفظ الله عُمان ورسخ مواقفها ومبادئها وأعلى من إنسانيتها.
عاصم بن سالم الشيدي رئيس تحرير جريدة عمان
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ع مان من
إقرأ أيضاً:
دبلوماسي هولندي: مذكرة اعتقال نتنياهو كشفت ازدواجية معايير دول
أمستردام - صفا
قال الدبلوماسي الهولندي السابق نيكولاوس فان دام، إن تجاهل بعض الدول تنفيذ مذكرتي الاعتقال اللتين أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت "يضعف القانون الدولي".
وبين فان دام، الذي عمل سفيرا لبلاده لدى إندونيسيا وألمانيا وتركيا ومصر والعراق، أن بعض الدول أظهرت ازدواجية معايير إزاء مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت، واصفا رد فعل واشنطن حول ذلك بأنه "قرصنة وأسلوب عصابات".
وحذر من تداعيات تجاهل بعض الدول تنفيذ قرار الجنائية الدولية، قائلا ً إن ذلك سيجعلها تميل لتجاهل الاتفاقيات الأخرى.
وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أصدرت الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال دوليتين بحق نتنياهو وغالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الإبادة المتواصلة التي ترتكبها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين بقطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وكان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان طلب في 20 مايو/ أيار الماضي، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الجيش الإسرائيلي بغزة منذ 7 أكتوبر 2023.
المصدر الأناضول