الطبيب أيمن السالمي وإنسانية غزّة
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
تمكن الطبيب العماني أيمن السالمي من الذهاب إلى غزة المنكوبة، محاولا المشاركة في التطبيب وتخفيف الجراح، وفي الوقت ذاته يقرأ الحالة الإنسانية عن قرب، ثم قراءتها ونقلها كما هي، ولا أريد في هذه المقالة تكرار ما قاله في وسائل الإعلام المختلفة، حيث أجريت معه العديد من اللقاءات منها الرسمية كبرنامج البيت في تلفزيون سلطنة عمان، ومنها الخاصة والأهلية كجلسته المطولة في مجاز من تنظيم جلسة كرك، وهناك تفاعل كبير من الناس لمعرفة ما يجري في غزة، ورغم نقل الصورة حية، وبشكل مباشر في وسائل الإعلام، إلا أن الناس لا تزال متعطشة لمعرفة ما يجري هناك، ولكي تشارك آلامهم، ولرغبتها في تقديم يد العون والمساعدة ولو مشاعريا.
خرج الطبيب العماني وليس في ذهنه - كما تحدث بذاته - إلا الإنسان الفلسطيني، فكما عبر «الإنسان قبل الحجر»، فلم يخرج وفي عقلة الباطني أي صورة مؤدلجة أخرى، دينية أم سياسية أم جغرافية أم اجتماعية، فهو خرج من عُمان كإنسان، وذهب لتطبيب أخيه الإنسان في فلسطين ومساعدته، لهذا وجد هناك جنسيات مختلفة من العالم، شرقية وغربية، عربية وغير عربية، لم يجد وحده مختلفا عنهم، فالجميع جاؤوا هنا من أقطار الأرض، مختلفين في لغاتهم وأديانهم وتوجهاتهم، إلا أن الرابطة الإنسانية جمعتهم جميعا.
فهناك كما يرى السالمي عشرات المنكوبين في العالم بسبب الحروب والأوبئة ومظاهر الطبيعة، بيد لو أن التفاعل الإنساني كان حاضرا؛ لاستطاع أحرار العالم أن يتحدوا في تقديم صورة إنسانية مترابطة في تقليص الأضرار، وإيقاف غطرسة الإنسان، وما يحدث من دمار في هذه الحياة، لأسباب انتمائية ضيقة، يكون ضحيتها الأبرياء الذين لا ذنب لهم، وغالبهم من الأطفال والنساء والشيوخ والعجزة والمسنين.
ما وجده الطبيب العماني في غزة من وضع مأساوي غير إنساني يفوق ما يتصوره خيال الإنسان، فشظايا الصواريخ التي تنفجر قبل أن تصل الأرض، وتختلط بالبشر لا تفرق بين أحد، ولا ترحم أحدا، وتدخل لتلتحم بالعظام، أو تفجر الدماغ، أو تقضي على العينين، أو تبتر أجزاء من البدن، أو تجعله معوقا طول حياته، وفي الغالب يفارق الحياة لضعف الإمكانات الطبية في غزة.
لقد وصل الحال هناك إلى درجة المفاضلة، فلم تعد رسالة الطب حقا إنسانيا للجميع، ولم يعد لقيمة الحياة معنى، ومحاولة الحفاظ عليها، وبعث الحياة في الإنسان ذات جدوى، فلضعف الإمكانات يقدمون من يأمل له عمرا أطول كالأطفال على الكبار، ومن يأمل منه الحياة على غيره، فأصبح طبيعيا أن ترى الشخص يموت أمامك، وتتركه في آلامه حتى يفارق الحياة، إذ لا يمكن والحال هذا إنقاذ الجميع من حيث الحد الأدنى من العلاج، فيضطرون إلى المفاضلة بينهم كما يذكر بذلك السالمي.
كما أن وضع المستشفيات على قلتها في حالة متدنية، من حيث نقص الكادر الطبي، فيستعينون بالناس في الإسعافات الأولية والتضميد، كما يستعينون بطلبة الطب في الجراحات والغرف المركزة، فضلا عن الكهرباء التي تنقطع كثيرا، ونقص المياه وتلوثها، فيكتفون بمقدار معين من الشرب، مع نقص وجبات الغداء، فيذكر أنهم يكتفون بوجبة واحدة في اليوم، وغالبها من الخبز أو الأرز والأجبان وبعض الفواكه، فيندر أن تجد اللحوم أو الأسماك والوجبات الدسمة والمهمة صحيا للإنسان، وما يسقط من الأعلى ذاته من مساعدات غذائية، مع صورته غير الإنسانية، ونحن في القرن الحادي والعشرين، إلا أنه ما يكون بلاء، ويحدث أضرارا مختلفة.
نعم، قامت بعض الدول في استقبال المرضى وتطبيبهم خارج غزة، إلا أن وضع خروجهم، وتعقيدات ذلك، بسبب الحصار والحرب ليس هينا، لهذا الوضع الإنساني في غزة فوق الدمار والخراب، والخوف والرعب والقتل، حالة لا يمكن تصورها بحال، أو نقلها كما هي، فما ينقل ويرى ليس كما يشاهد ويعاين هناك، فليس الخبر كالعيان، فهناك حالة لا يمكن تصويرها من الدمار والإبادة في صورة غير إنسانية، لم تفرق بين مسيء وبريء، ولا بين صغير وكبير، ولا بين امرأة ورجل، ولا بين مقاتل ومدني، فالضحية غالبهم أبرياء لا ذنب لهم، وأطفال يعشقون الحياة، فيحرمون منها مبكرا، وأسر يهدم بنيانها، ويفرق أبناؤها في عشية وضحاها.
ومع هذا الدمار، ومع هذه المعاناة، تجد أطفالهم يلعبون والصواريخ تظلهم، ويحاول الناس التشبث بأدنى خيط من الأمل في الحياة، لهذا يجب على العالم أن يضع حدا لهذه المآسي، وأن يعمق البعد الإنساني في وقف الحرب عاجلا غير آجل، ودخول الإعانات المعلقة على معبر رفح والمعابر البحرية، والتكثيف من الإغاثة الطبية والإنسانية، فالتأريخ لن يرحم أحدا، وما هذا إلا سجل أسود في تأريخ الإنسانية، كتب القدر أن نكون داخل زمنه حدوثا، بينما المجتمعات الإنسانية عاجزة عن وقف هذه الإبادة، ومنهم من أصبح يخاف حتى من أدنى درجاتها التضامن الإنساني.
ما قام به الطبيب العماني، يقوم به العشرات من الأطباء والصحفيين والإعلاميين والمعنيين بالإغاثة والمساعدات الإنسانية، يهبون حياتهم لهذه الأعمال التطوعية والإغاثية، معرضين أنفسهم للموت غير آبهين به، يستقبلونه برضا تام، لينقلوا صورة حية للعالم، لعله يستفيق إنسانيا، ويقول كلمته بحق وصدق، ولعل رسالتهم تصل إلى من بيده القدرة في القرار، وتضع حدا يوقف هذه الإبادة اليوم قبل الغد، ويضع حدا في المستقبل يحمي الإنسان، أيا كان موقعه، ليفعل رسالات الإحياء، لا الدمار والحروب والفناء.
بدر العبري كاتب مهتم بقضايا التقارب والتفاهم ومؤلف كتاب «فقه التطرف»
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
يوسف أيمن يخطف الأنظار بفضية التراب ناشئين... ومصر تلمع بـ5 ميداليات في البطولة العربية
تواصل البطولة العربية للرماية، المقامة حاليًا على ميادين المركز الأوليمبي بالمعادي ونادي الصيد المصري بمدينة السادس من أكتوبر، فعالياتها المثيرة بمشاركة أكثر من 300 رامٍ ورامية من 19 دولة عربية، خلال الفترة من 22 أبريل حتى 1 مايو 2025.
يوسف أيمن يخطف الأنظار بفضية التراب ناشئين... ومصر تلمع بـ5 ميداليات في البطولة العربيةوحقق منتخب مصر للرماية نتائج مميزة في منافسات التراب، محققين خمس ميداليات متنوعة، ما يعكس تطور اللعبة، واستمرار الجهود في إعداد جيل جديد من الأبطال.
تألق الناشئين المصريين جاء في صدارة المشهد، حيث لفت الرامي يوسف أيمن محمود الأنظار بعد أداء استثنائي تُوّج خلاله بالميدالية الفضية في منافسات التراب "ناشئين"، ليؤكد أنه مشروع بطل عربي قادم، كما أضاف زميله ياسين إيهاب محمد الميدالية البرونزية، ليُهدي مصر ثنائية مشرفة في هذه الفئة، في حين حصد القطري علي المناعي الذهب.
وفي فئة الرجال "فردي"، نال الكويتي طلال عبدالله الرشيدي الذهب، تلاه المصري أحمد يحيى قمر بالفضية، بينما حل الكويتي ناصر بدر المقلد ثالثًا. أما في فرق الرجال، فحل المنتخب المصري ثالثًا خلف الكويت وقطر.
الزمالك يضع المهاجم والجناح على أولوية الصفقات الزمالك يبحث تسويق عمر فرج.. ويتجه لتخفيض عقوبة ناصر ماهروعلى صعيد السيدات، أحرزت الكويتية شهد الحوال ذهب التراب "فردي"، وجاءت القطرية خلود حسن في المركز الثاني، بينما حصلت المصرية مريم طارق أحمد، على البرونزية. وفي الفرق، حصد منتخب مصر للسيدات فضية التراب خلف قطر، وأمام الكويت.
وفي لفتة دبلوماسية رياضية، حضر السفير القطري بالقاهرة طارق بن علي الأنصاري جانبًا من منافسات البطولة، حيث كان في استقباله عدد من أعضاء مجلس إدارة الاتحاد المصري للرماية، في تأكيد على عمق الروابط الرياضية بين الدول العربية، وأهمية البطولة في تعزيز التواصل العربي.
وتشهد النسخة الحالية مشاركة واسعة من 19 دولة عربية، من بينها السعودية، الإمارات، قطر، الكويت، البحرين، سلطنة عمان، الأردن، فلسطين، سوريا، العراق، اليمن، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، السودان، لبنان، موريتانيا، إلى جانب مصر الدولة المستضيفة.
وتُعزز هذه البطولة مكانة مصر كمركز رياضي عربي رائد، ليس فقط على صعيد التنظيم والضيافة، بل أيضًا على مستوى الإنجاز الرياضي، حيث برزت العناصر المصرية الصاعدة في مختلف الفئات، مؤكدة أن قاعدة الناشئين في مصر تسير بثبات نحو منصات التتويج العربية والدولية