مع تواصل العدوان على غزة.. هكذا يمر شهر رمضان على مسلمي الولايات المتحدة
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا أعده ريس ثيبولت، ومولي هينسي- فيسك، وإيمانويل فيلتون، رصدوا فيه رمضان المسلمين في الولايات المتحدة الذي يكتنفه الحزن وسط الموت والدمار في قطاع غزة جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل للشهر السادس على التوالي.
وأشار التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "في منطقة يوربا ليندا بأورانج كاونتي بكاليفورنيا قررت إدارة المسجد توفير المال المخصص لوجبات رمضان وجمع 50,000 دولارا من أجل إطعام جياع غزة.
وقال إن "في هيوستون، ناقش بعض المسلمين ما يجب عمله في تزيين البيوت التقليدي عند حلول شهر رمضان، وتعيد العائلات في نورث إيست التفكير في الدعوات الرمضانية، وبالمحصلة، فلا أحد في مزاج احتفالي برمضان. ففي هذا العام، يتكشف رمضان الذي يكون عادة شهر احتفال وتعبد، بشكل رسمي وسط المجتمعات المسلمة في أمريكا، في وقت تواصل فيه إسرائيل القصف على غزة وتدفعه إلى حافة المجاعة".
وأضاف أنه "في الوقت الذي تدور فيه الحرب بعيدا ألاف الأميال، إلا أن حضورها عميق في مساجد الولايات المتحدة خلال هذا الشهر المقدس، حيث ينتظر روادها أخبارا عن العائلات المحاصرة وينتقلون عبر صور الدمار المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي".
ونقل التقرير عن سارة فرسخ المولدة في غزة وتعيش مع عائلتها في أورانغ كاونتي، قولها إن "رمضان هذا لا يشبه قبله" و "في بيتي، فلسطين في عقولنا بشكل دائم ومن الصعب الاحتفال بأي شيء وما يجري في فلسطين، الضفة الغربية وغزة هو كابوس شامل".
وبدلا من وضع الأطباق التقليدية الفلسطينية على الطاولة مثل المسخن والكنافة، تقضي فرسخ أوقاتها في التظاهر وتحاول إخراج عماتها وأعمامها وأبناء عمومتها العالقين في غزة إلى بر الأمان.
وذكرت لمعدي التقرير، أنه "بالنسبة لي هو ضغط وقلق دائم" و "لا نعمل بشكل طبيعي فعقولنا في مكان آخر".
ومع تواصل الحرب للشهر السادس، يقول المسلمون الأمريكيون إنهم يشعرون بعواطف مزيجة. فمن جهة يشعرون بالحزن على العنف الدائم الذي حول معظم غزة إلى أنقاض وخلق كارثة إنسانية. ومن جهة ثانية فهم غاضبون على قادة الولايات المتحدة الذي قدموا الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل طوال الحرب، حسب التقرير.
ولفت إلى أنهم "شعروا بالدعم والتضامن الواسع مع فلسطين في كل أنحاء الولايات المتحدة، مع أنهم يشعرون بالخوف من إسلاموفوبيا والتمييز، اللذين زادا بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. كل هذا جعل رمضان في الولايات المتحدة وقتا صعبا مليئا بالذكريات الحزينة للمعاناة فيما وراء البحار والعائلات التي لن تلتقي أبدا في العطلات الصيفية والمساجد المدمرة التي لن يذهب إليها المصلون وفي شهر رمضان الكريم الذي يكون فيه الطعام حاضرا، فكل سكان غزة لا يجدون ما يكسرون فيه فطورهم".
وتابع التقرير أنه في المركز الإسلامي في يوربا ليندا، الذي كان في الماضي كنيسة ولا يبعد عن لوس أنجلس سوى 40 ميلا، قال مسؤولو المركز إن الحرب في غزة دفعتهم لاختيار فكرة "الشكر" كشعار لرمضانهم. وقالت فيروز مصطفى، مسؤولة البرامج في المسجد "أظهر لنا سكان غزة العزيمة" و"جردوا من كل أساسيات حياتهم، وكل ما لديهم هو الإيمان، وهو ما يظهر لنا قوة الإيمان، ونحن ممتنون لهم لهذا"، وفقا للتقرير.
وفي ليلة سابقة، تجمع مئات المصلين لصلاة التراويح، وتم تخصيص جزء منها لغزة. وبعد الصلاة تجمع الكثيرون خارج المسجد لتناول الشاي والسؤال عن الأحوال. وقال أحمد صبح، المدير الديني للمركز، في حديثه لصحيفة "واشنطن بوست"، إن المزاج مكبوت مقارنة مع السنوات السابقة، ولا يقتصر الأمر على الثقل العاطفي المجرد الذي يحملونه. وقال صبح الذي يعود في أصوله إلى الضفة الغربية: "نشاهده" و "نشاهد لقطات فيديو كل يوم وتظهر الناس وهم يموتون، آباء يحملون أجساد أطفالهم. أطفال يصرخون إلى جانب جثث أمهاتهم، أجنة يموتون في الحاضنات، ونرى كل هذا".
ومثل بقية المساجد، يوضح التقرير أن المركز الإسلامي ليوربا ليندا زاد من الحراسات بعد هجمات تشرين الأول/أكتوبر، وقال صبح لم تسجل حوادث كبرى. والآن وأكثر من أي وقت مضى فإن المجتمع جائع لدفعة روحية. وفي بعض الليالي يصلي أكثر من ألف شخص في المسجد. وحولوا حزنهم للصدقة وقللوا من الطعام ويجمعون المال لغزة وتبرعوا للجماعات غير الربحية التي تقف خارج المسجد كل يوم.
وفي ديترويت، التي تعيش فيها أكبر جالية عربية ومسلمة في أمريكا، فرمضان العام الحالي مختلف عن السنوات الماضية. ففي ديربورن، ألغي مهرجان السحور السنوي والذي عادة ما يجلب إليه حوالي 15,000 شخصا من أمريكا.
ونقل التقرير عن مؤسس المناسبة حسن شامي، قوله إن المناسبة هي مناسبة فرح ولا تبدو مناسبة هذا العام و "لا أريد تحمل مسؤولية تنظيم مناسبة كهذه" و "هناك الكثير من الناس الذين يموتون ويجوعون في غزة".
وبتابع التقرير أنه بالمثل قررت المدينة إلغاء احتفالات رمضان احتراما للكثير من السكان الذين يندبون أقاربهم الذين ماتوا في غزة. وقال عمدة ديربورن، عبد الله حمود إن "خيار إلغاء ليالي رمضان هو قرار المجتمع ويساعدنا للتركيز على من نحبهم هنا وفيما وراء البحار". وفي المركز الإسلامي في ديترويت، يقود الإمام عمران صالحة الصلاة ويقدم أحاديث عن غزة خلال الأشهر الماضية، لكنه زاد من وتيرة الدروس التي استجاب لها المجتمع. وقال إن رواد المسجد يقلون مع مرور الشهر الفضيل، إلا أن المسجد كان مكتظا كل ليلة و "نحن نصلي في وقت عال الكثافة".
وأضاف صالحة، الذي جاء والديه من الضفة الغربية، في حديثه للصحيفة الأمريكية، قائلا: "يقول الناس: كنت أصوم لأن والدي يصومان، ولكنني أصلي اليوم لأنني أريد الله أن يستجيب لدعواتنا وأنا أصوم بسبب أهل غزة". وكان هاني سالم، واحدا من حوالي 100 شخص شاركوا بالصلاة في المسجد في مساء سابق "لا نشعر بالفرح"، وعاش سالم الذي جاء من الضفة الغربية في الولايات المتحدة لعقود "حتى عندما نأكل فإننا نفكر بالناس الذين يموتون بسبب عدم توفر الطعام. وفي كل يوم نسمع قصة"، حسب التقرير.
وفي ولاية ميتشغان، وأكثر من أي مكان آخر، يشعر الرئيس الأمريكي جو بايدن يتراجع شعبيته، بسبب دعمه لإسرائيل، وحتى مع تغير نبرته من العنف في غزة. ومع أنه فاز بالانتخابات التمهيدية إلا أن أكثر من 100,000 صوتوا بغير ملتزم في ولاية مهمة ومتأرجحة. وقال سالم إنه لا يحتمل فكرة التصويت لبايدن وربما لن يشارك في الانتخابات إلا حالة تغير شيء، حسب التقرير..
ويتابع التقرير بالإشارة إلى هيوستون حيث يقود المحافظون أكبر منظمة إسلامية، موضحا أن "ردة الفعل هي حزبية من الدعم الأمريكي لإسرائيل".
وينقل التقرير عن روجر يلتون، المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية لهيوستون الكبرى، قوله: "نفهم أن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان خطأ" و "كوني جمهوريا أعرف كل هذا ولكنني تعلمت الكثير من هذا".
ونشأ يلتون، 69 عاما كمسيحي ميثودي ولكنه اعتنق الإسلام وهو في العشرينات من عمره وعمل سنوات في دول إسلامية وبقطاع النفط. ويعيش في شمال هيوستن وفي واحدة من أكثر المناطق المحافظة في الولاية. وعلى خلاف بقية الجمهوريين، فهو لا يدعم المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل. وفقد صهره المصري عائلة في غزة، ومثل الألاف الذين يؤمون المركز في رمضان فهو يصلي لوقف إطلاق النار. و "مع مرور أيام الشهر، فسيكون مليئا بالدعوات والطلب من الله أن يمنحنا الرحمة ويوقف العنف والألم"، ويدعو دعاء واحدا وبشكل مستمر "اللهم فرج عن الصابرين".وقال يلتون لمعدي التقرير: "إذا كان هناك شخص يعاني فنحن نعاني".
وشعرت روبينا زمان، التي تعيش في حي بهيوستون، أنها وصديقاتها شعر بالذنب لتزيين البيوت أثناء رمضان. وقالت "تمضي في حياتك اليومية ولكنها في كل صلاة تؤديها" و "عندما أفطر فإنني أصلي لهم".
وأضافت في حديثها لمعدي التقرير، أن صديقتها ستعقد حفل استقبال المولود الجديد، وبدلا من الهدايا طلبت التبرعات للفلسطينيين. وقالت زمان "يحاول الناس عمل ما يمكنهم عمله". وبالنسبة لحسين يطبري،31 من برونكس في نيويورك، فالمساعدة تعني التركيز على مجتمعه المسلم. ومن السهل أن يغمرك الحجم الهائل مع المأساة في غزة، ولهذا حاول البحث عن دعم من المجتمع المسلم من المهاجرين الجدد في نيويورك تايمز.
ويقول يطربي، المدير التنفيذي للمؤسسة غير الربحية "شبكة المجتمع المسلم" إنه كان يوزع قناني المياه والوجبات الساخنة على المسجد وكان يلتقي مع قادة المجتمع المحلي لدعم المسلمين في المدينة، و "رمضان هو شهر التأمل وان كل شيء لديك في الحياة هو رحمة"، و "بالنسبة لي فهو النظر لكي شيء حصلت عليه"، حسب التقرير.
وفي بيتها في بروفندس برود أيلاند، كانن دانيا رضا تجمع كمية من الكزبرى تحضيرا لاستضافة 20 فردا من عائلتها وأصدقائها للإفطار، ولكنها لم تكن متأكدة إن كان يجب عليها عمل هذا "لا أجد يشعر بالاحتفال هذا العام ويتميز رمضان دائما بالاحتفال". ورضا هي أستاذة في القانون بجامعة ماساشوستس ودائما مشغولة بالتنظيم. وقادت حملة ناجحة لدفع اتحاد الأساتذة المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة. وكانت ناشطة في إقناع الناخبين في ماساشوستس للتصويت بغير ملتزم في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي هذا الشهر.
وفي النهاية قررت عقد حفلة الإفطار لأنها تريد من أبنائها مواصلة الحياة، مهما كانت التحديات التي يواجهون، كما في حالة غزة. وطالما عزز رمضان من الصلة بين المسلمين حول العالم، وهو رابطة ضرورية و "في أيام الشدة" "فمن المهم أن نجتمع معا"، وفقا لما نقله التقرير.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية رمضان غزة بايدن امريكا غزة الاحتلال بايدن رمضان صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الضفة الغربیة فی غزة
إقرأ أيضاً:
قلق أوروبى من فك الارتباط مع الولايات المتحدة فى عهد ترامب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
هل يمكن أن يدخل الناتو فى «بيات شتوى» طويل؟
خيار وحيد أمام القارة الأوروبية: إما الاستيقاظ في وضع مشحون للغاية أو الاضطراب المزمن
دول الاتحاد الأوروبى أثبتت عدم نضجها بعد أن أخرج الأوروبيون رءوسهم من الرمال الدافئة وصرخوا: «أصبحنا وحدنا فى العراء»!
الخوف يتصاعد فى شمال أوروبا.. ورئيس وزراء السويد: مستعدون لكل السيناريوهات.. ولكن على قارتنا أن تفعل المزيد من أجل سيادتها
دونالد ترامب ورئيسة المفوضية الأوروبية - صورة أرشيفيه
كل الدلائل فيما يبدو تشير إلى أن الأوروبيين أثبتوا عدم استعدادهم في مواجهة انتخاب ترامب،. وأثبتت دول الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة عدم نضجها المأساوي، وعدم قدرتها على الاتفاق على القضايا الكبرى والتحضير لإعادة انتخاب ترامب، على الرغم من أنه كان يمكن التنبؤ به، مما يعيد خلط أوراق العالم.
وفى تحليل متكامل، ترى الكاتبة الفرنسية ماريون فان رينتيرجيم أن زمنًا طويلًا مر منذ أن كان الفيل في الغرفة وكانت النعام تنظر في الاتجاه الآخر أو تدفن رأسها فى الرمال.. حتى جاء 6 نوفمبر 2024، حيث تم الإعلان عن فوز دونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية، فأخرج الأوروبيون فجأة رءوسهم التي ظلت مغمورة في الرمال الدافئة وصرخوا: «أوه، لكننا جميعًا وحدنا فى العراء»! ومن حولهم الصحراء.. لقد فقد الغرب هيمنته واحتكاراته لصالح دول الجنوب الصاعدة. وتمثل دول البريكس 45% من سكان العالم، كما أن حصتها في الناتج المحلي الإجمالي العالمي أعلى من حصة أوروبا في دول مجموعة السبع. لم يتنبه الأوروبيون إلى أن الهندسة المعمارية للعالم الذي بُني بعد عام 1945 آخذة في التلاشي، والقانون الدولي آخذ في الاختفاء. إن العدوان الكارثي على العراق عام 2003 دون ضوء أخضر من الأمم المتحدة أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها على المسرح العالمي، وصدم الأمريكيين الذين تراجعوا تدريجيًا منذ ذلك الحين إلى الانعزالية.
كل الرؤساء سواء
سواء كان اسمه باراك أوباما، أو دونالد ترامب فى ولايته الأولى، أو حتى جو بايدن، فإن الفيل الذي لم يرغب الأوروبيون في رؤيته ظل يحاول إخفاء نفسه منذ فترة طويلة من دون أن يحذرهم.. وتخفى جو بايدن مهندس مدرسة الحرب الباردة فى شكلها الجديد، وراء دعم أوكرانيا، حيث لم تعد أوروبا أولوية بالنسبة للولايات المتحدة. كما كان أوباما قد أعلن بالفعل عن «التوجه نحو آسيا».
ومع إعادة انتخاب دونالد ترامب، المرشد العالمي للقوميين الشعبويين الذي يعلن أن «الاتحاد الأوروبي عدو»، والذي ينوي التفاوض لإنهاء الحرب فى أوكرانيا والذي يهدد بإضعاف التحالف الأطلسي، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحديات جديدة.. لقد تضاعف حجم الفيل ثلاث مرات ولم يعد لدى النعامة ما يكفي من الرمال لإخفاء عينيها.
منذ فترة، رأى الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون كل شيء على حقيقته، عندما وصف حلف شمال الأطلسي بـ«الميت دماغيًا». وكانت خطاباته في جامعة السوربون في عامي 2017 و2024 أو في براتيسلافا في عام 2023، من بين خطابات أخرى، تؤكد على ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بتأسيس سيادته الاستراتيجية. من المؤكد أن الاتحاد قطع خطوات عملاقة في مواجهة أزمة كوفيد أو من خلال دعمه لأوكرانيا. لكن الأمور ليست على ما يرام فى أوروبا. إن فرنسا، التي أضعفتها ميزانيتها الهشة وبرلمانها الذي لا يمكن السيطرة عليه، لا تملك القدرة على النطق بكلماتها، ولا يملك رئيسها السلطة اللازمة لإسماع صوته. وتضع ألمانيا، القوة الاقتصادية الرائدة، مصالحها التجارية قبل الجغرافيا السياسية، ويتراجع مستشارها أولاف شولتز، الذي أصيب بالشلل بسبب ائتلافه الحكومي الذي انهار رسميًا الآن، إلى الوراء. ويظل اعتماد الدفاع الأوروبي على الولايات المتحدة كاملًا، على الرغم من التحذيرات.
ماكرون وشولتز رعيما أكبر اقتصادين فى أوروبالقد أثبتت دول الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين، المقسمة بطبيعتها والتي أفسدتها الموجة القومية الشعبوية، عدم نضجها المأساوي، وعجزها عن الاتفاق على القضايا الكبرى والاستعداد لإعادة انتخاب ترامب، مهما كان متوقعًا. في الوقت الذي يجد فيه الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهة تحديات لم يسبق لها مثيل في تاريخه، فهو محاط من الشرق بالحرب في أوكرانيا، ومن الجنوب بالحرب في الشرق الأوسط.
وفي بودابست، حيث اجتمع أيضًا زعماء الجماعة السياسية الأوروبية، وهي المنظمة التي من المفترض أن تعزز الروابط بين الاتحاد الأوروبي وأولئك الذين يشاركونه قيمه، كرر إيمانويل ماكرون: «نحن، الأوروبيين، لا يتعين علينا أن نفوض أمننا إلى الأبد للأمريكيين». وحتى دونالد تاسك، أول أنصار الأطلسي، يعترف بأن «عصر التعاقد من الباطن الجيوسياسي قد انتهى».
شمال أوروبا
وإذا كانت أصوات عديدة بدأت تعلو داخل القارة العجوز لتحذير دول الإتحاد الأوروبى مما هو قادم بعد نجاح الشعبوى ترامب، فإن الخوف يتصاعد بشكل واضح فى شمال أوروبا، ويحاول الزعماء أن يظهروا بمظهر جيد في مواجهة فوز دونالد ترامب.. واحدًا تلو الآخر، هنأوا الرئيس الجمهوري الجديد، لكن وراء هذه الرسائل المهذبة يكمن القلق من رؤية الولايات المتحدة تنسحب من حلف شمال الأطلسي، مما يعرض أمن المنطقة للخطر، وفقًا لرؤيتهم.
على سبيل المثال، فإن ليتوانيا تخصص حاليًا 3.5% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع وستواصل زيادة استثماراتها، وأصبح يسود اعتقاد بأن أوروبا يتعين عليها تنمية عضلاتها الخاصة ولا يمكن أن تظل معتمدة على الولايات المتحدة فقط من أجل أمنها.
نفس القصة في ريجا، حيث تؤكد رئيسة وزراء لاتفيا، إيفيكا سيلينا، أن أولوية بلادها هي الاستمرار في تعزيز العلاقات عبر الأطلسي، كما ترغب في التأكيد على أن لاتفيا تخصص أكثر من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي للدفاع، كما دعت رئيسة الحكومة الإستونية كريستين ميشال، الرئيس المقبل للولايات المتحدة إلى تعزيز العلاقة عبر الأطلسي.
وفي فنلندا، يعتقد رئيس الحكومة المحافظ بيتري أوربو أيضًا أن أوروبا يجب أن تلعب دورًا أكثر أهمية، ولا يجب أن تعتمد كثيرًا على دعم الولايات المتحدة، وحذر على قناة Yle التليفزيونية من أخطار الوضع فى أوروبا، قائلًا: «لقد علمنا التاريخ أنه إذا اتفق الكبار على الآخرين، فإن هذا ليس في مصلحة دولة صغيرة أو مستقلة، ونأمل أن يؤخذ ذلك في الاعتبار بوضوح عند التوصل إلى اتفاق سلام فى أوكرانيا في نهاية المطاف».
قيمة وجودية
وفي مؤتمر صحفي في ستوكهولم، تحدث رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، الذي أكد أن بلاده مستعدة لكل السيناريوهات، بما فى ذلك مخاطر فك الارتباط مع الولايات المتحدة، وشدد على أنه لا يوجد موضوع آخر له مثل هذه القيمة الوجودية بالنسبة لهذا الجزء من العالم، معتقدًا أن أوروبا يجب أن تفعل المزيد من أجل سيادتها. كما أعرب عن قلقه بشأن مخاطر الحمائية المتزايدة من جانب واشنطن، والتي يمكن أن تكون مدمرة للاقتصاد السويدي، الذي يعتمد بشكل كبير على الصادرات.
ومن جانبهم، شجب زعماء البيئة في الدول الاسكندنافية بالإجماع فوز دونالد ترامب، وأعربوا عن قلقهم بشأن عواقبه على المناخ. وبصوت مخالف، أشاد زعيم اليمين المتطرف السويدي، جيمي أكيسون، بفوز ترامب واعتبره رسالة قوية إلى الغرب.
ويبقى السؤال الذى يردده الأوروبيون: هل فات الأوان؟.. ليس أمام الأوروبيين إلا خيار واحد: فإما أن يستيقظوا في وضع مشحون، أو يتفككوا. إذا لم يشكلوا ركيزة أوروبية لحلف شمال الأطلسي، وإذا لم يصبحوا ذوي سيادة في شئون الدفاع، بما في ذلك النووية، فإن الدول الكبرى في القارة الأوروبية سوف تظل مجرد ألعاب صغيرة في أيدي الأقوياء العالم.. فهل يمكن أن يدخل الناتو فى «بيات شتوى» طويل؟.