حين اشتعلت المدن الفرنسية في أعقاب مقتل الشاب الفرنسي ذي الأصل الجزائري "نائل المرزوقي" البالغ من العمر 17 عاما برصاص شرطي فرنسي، كانت هناك سمة "راديكالية" للاحتجاجات، فقد هاجم المحتجون مقار الشرطة والبلديات والمراكز التجارية، وأفرغوا محتوياتها وأشعلوا النيران فيما حولها. لم يكن المشهد مجرد هبة جماهيرية لمحاولة إصلاح الدولة وتحسين مسار سياساتها بقدر ما كان هجوما غاضبا من مهمشين قانطين من نظرة الدولة الدونية لهم، وعدم اعترافها بهم بوصفهم مواطنين كاملي الأهلية ضمن صفوفها.

بدت الصورة أقرب في تفاصيلها إلى مشهد انتفاضة سكان مستعمرة ضد أجهزة دولة احتلال ونخبتها أكثر من كونها انتفاضة قطاع من الشعب ضد حكومته، والأهم في كل ذلك أن هذه ليست الحادثة الأولى، فقد ذكّرت تلك الهبة الجماهيرية بانتفاضة مماثلة وقعت عام 2005 على خلفية مقتل شابين مهاجرين صعقا أثناء مطاردة من الشرطة، وهي انتفاضة انطلقت من الأحياء المهمشة واضطرت حينها الجمهورية لإعلان حالة الطوارئ بداخلها.

ربما تُعَدُّ فرنسا هي الدولة الغربية الأكثر خوفا في العقود الأخيرة من "حرب أهلية" محتملة، يظهر هذا الخوف في السينما والأدب والمسرح وحتى على لسان بعض المسؤولين في أجهزة الدولة من حين إلى آخر. تبدَّى هذا الخوف أيضا في مضمون عريضتين وقَّع عليهما عسكريون في عام 2021، وأيَّد محتواهما أكثر من نصف الشعب، حذَّرتا الرئيس ماكرون من خطر حرب أهلية وشيكة. في غضون ذلك، تشير استطلاعات للرأي تعود إلى العام نفسه إلى أن 45% من الشعب الفرنسي يعتقدون باحتمال قيام حرب أهلية بالبلاد.

يدل ذلك كله على عمق الأزمة الوجودية في فرنسا التي يتخطى فيها مقدار ما تدره صناعة المخدرات سنويا ما تدره صناعة النشر. أزمة وجودية تفاقمت إلى الحد الذي جعلها معبرة عن نفسها بوضوح في سياسة البلاد الخارجية، إذ تبدو الجمهورية حائرة في مواجهة العالم، فلا هي تعرف موقعها من النظام العالمي الحالي، ولا هي ترسم مستقبلا واضحا، فقد مثَّلت فترة حكم الرئيس ماكرون وسياسته الخارجية مرآة كاشفة بحق لعمق أزمة بلاده الداخلية.

جسد ضخم يترنَّح

بالعودة إلى الرسالة التي وقَّعها عدد من العسكريين لتحذير ماكرون من خطر الحرب الأهلية الوشيك في عام 2021، وصف بعض الموقِّعين أنفسهم بأنهم ينتمون إلى جيل الشباب من الجنود الذين شاركوا في العمليات العسكرية الفرنسية في أفغانستان ومالي وأفريقيا الوسطى في سبيل "رفعة فرنسا"، لكنهم وجدوا دولتهم -على حد وصفهم- "تقدم تنازلات للإسلاميين في الداخل، في الوقت نفسه الذي ترسلهم فيه لمواجهة الموت بمحاربة الإسلاميين أنفسهم في الخارج".

صرح ماكرون بأن "دعم مسيحيي الشرق هو التزام (علماني) لفرنسا ومهمة تاريخية". (شترستوك)

وبغض النظر عن محتوى الفكرة التي يقدمها هؤلاء ومدى دقتها، فإنها تعكس واقع قطاع من الفرنسيين من مختلف المشارب يرون في التناقض وانعدام التجانس سمة واضحة في سياسة بلادهم، إذ تبدو الدولة في نظر الكثيرين مثل رجل ضخم يترنّح في اتجاهات متعاكسة دون أن يكون له أدنى فكرة عن وجهته. فعلى سبيل المثال، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في يوم الثاني من فبراير/شباط 2022 عن مضاعفة الدعم المالي من فرنسا للمدارس المسيحية في الشرق، وهو الأمر الذي أدى إلى انتشار الصور والأخبار الساخرة بين منتقديه على منصات التواصل الاجتماعي حينها، بسبب التناقض الواضح بين تركيز ماكرون المستمر في خطابه على علمانية فرنسا الصارمة من جهة، وبين إعلان مضاعفة تمويل المدارس الدينية من جهة أخرى، خاصة أنه صرح في قصر الإليزيه أثناء إعلانه عن هذه الزيادة المالية بأن "دعم مسيحيي الشرق هو التزام (علماني) لفرنسا ومهمة تاريخية".

لا تنتهي الأمثلة التي تشير إلى هذا التناقض والتخبط عند هذا الحد، فمنها أيضا أن فرنسا تُعلن في الخطاب الرسمي لمؤسسات سياساتها الخارجية عن التزامها الشديد بمكافحة جميع أشكال العنف ضد المرأة في جميع أنحاء العالم، كما يؤكد الرئيس الفرنسي أن معركة النساء في العالم اللواتي يردن أن يتمتعن بـ"حرية اختيار عدم ارتداء الحجاب" أو حرية الإجهاض هي معركة فرنسا أيضا. لكن فرنسا نفسها، التي يؤرقها لباس النساء وحقهن في الإجهاض، لا تُظهر الحماس نفسه لحل مشكلات النساء الأخريات ممن يعشن ظروفا يومية قاسية، فقد أظهرت بعض دراسات الاتحاد الأوروبي أن فرنسا لديها أعلى معدل من العنف المنزلي مقارنة ببقية دول الاتحاد الأوروبي.

يزيد التناقض حِدّة في الحالة الفرنسية عندما نفتح صفحة "الحرية"، ذلك المفهوم الذي يتقدم شعار الجمهورية الشهير: "حرية، مساواة، أخوة"، ففرنسا التي لطالما سوّقت لنفسها على أنها دولة حرية التعبير، وأولويتها دائما -كما تقدم نفسها- توفير المناخ الملائم للأفراد والكيانات لممارسة حقوقهم وحرياتهم والتعبير عن أنفسهم، قامت في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بحل "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا" وجمعية "التنسيق ضد العنصرية وكراهية الإسلام" دون أن يثير ذلك أي ضجة في البلاد، وقد جرى ذلك في الواقع بمباركة الجميع، بما في ذلك قسم كبير من التيار اليساري في البرلمان، دون وجود أي أدلة حقيقية على تورط هذه الجمعيات في أنشطة غير قانونية تستدعي الحل.

أزمة هيبة دولية

أظهرت السنوات الأخيرة إلى أي حدٍّ تعاني فرنسا من اهتزاز هيبتها من ناحية دورها الدولي، وقد ظهر ذلك بوضوح بعد فشلها في إبرام اتفاق الغواصات مع أستراليا عام 2021، إذ استطاعت الولايات المتحدة الأميركية مع بريطانيا وأستراليا إقصاء فرنسا من المشهد على نحو لا يخلو من الإهانة، بعد أن تفاوضت هذه الدول فيما بينها سرا حول الاتفاقية التي أدت إلى إنهاء اتفاقية سابقة بين باريس وكانبرا، وجدير بالذكر هنا أن ماكرون قد علم بهذه الاتفاقية الجديدة قبل ساعات فقط من إعلان أميركا وأستراليا وبريطانيا عنها.

صحيح أن أستراليا قد وافقت بعد ذلك بفترة على تسوية الأزمة مع باريس بدفع تعويض لها، لكن هذه الأزمة أجبرت فرنسا على النظر بجدية في المرآة التي آثرت طويلا الابتعاد عنها، لتواجه السؤال الصعب: هل ما زالت الجمهورية الفرنسية قوة عظمى؟

ينعكس ذلك "القلق الباريسي" حول المكانة العالمية لبلاد الأنوار على "الطريقة الانفعالية" التي باتت تتعامل بها الإدارة الفرنسية مع مجريات السياسة الخارجية في السنوات الأخيرة، فعلى سبيل المثال أعلن ماكرون في أعقاب انفجار بيروت عام 2020 عن تشكيل حكومة جديدة في لبنان خلال 15 يوما، وقد أراد بذلك أن يحقق نجاحا يُعيد لفرنسا مكانتها وسُمعتها بوصفها قوة كبرى، وحين لم يحدث ما رغب فيه الرئيس ولم تتشكل الحكومة كما طلب، اتهم النخبة السياسية في لبنان بالخيانة، وعبَّر عن شعوره بالخزي تجاه ذلك.

باتت الإدارة الفرنسية تستخدم تعبيرات "شخصية وفردية" لوصف الأحداث السياسية، وكأنها شخص يعاني من نرجسية مجروحة، لا دولة تدير خطواتها بخطة مسبقة محكمة وتتوقع أن تأتي الرياح بما لا تشتهيه. كل هذا وغيره يعطينا ملامح عن "فرنسا جديدة مشوشة" وصلت إلى قمة حيرتها في عهد الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، فلم تعد باريس تمتلك أية إجابات وافية وكافية حول أسئلتها المحورية كالهوية ونقاط القوة والقيمة والدور العالمي.

تتجلى مظاهر هذه الحيرة أيضا في صعوبة تعرُّف باريس على ملامح مستقبلها وموقعها، فقد صرح الرئيس الفرنسي في أبريل/نيسان عام 2023 بعد عودته من زيارة إلى الصين بأن أوروبا ينبغي ألا تصبح تابعة لأميركا فيما يتعلق بالصراع مع الصين حول تايوان، ولكنه سرعان ما تنبَّه بعد ذلك إلى أن تصريحاته تأتي في وقت تُنفق فيه الولايات المتحدة مليارات الدولارات على أوكرانيا لحماية أمن ما يُسمى بـ"الغرب"، ومن ثم خرج أحد مساعديه ليصرح أن الرئيس قد قال مرارا إن فرنسا ليست على مسافة متساوية بين الولايات المتحدة والصين، فهي تتقاسم مع الولايات المتحدة "قيما مشتركة"، بحسب قوله.

عصر "ماكروني" تائه

اعتمد إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي الحالي الذي دشن ولاية ثانية العام الماضي، على حياده أمام أزمة الهوية الداخلية المتفاقمة لحيازة قوة انتخابية تساعده على تحقيق مآربه السياسية، فقد استفاد ماكرون الذي رفع شعار "لا يمين ولا يسار" من المجتمع المشوش، وظل غامضا خلال فترة الانتخابات عام 2017، وهو ما منحه الأفضلية في بيئة ضبابية، حيث مثَّل "وعاء فارغا تستطيع قطاعات كبيرة من الناخبين أن تصب فيه آمالها وأحلامها حول ما يمكن أن تكون فرنسا"، بحسب تعبير الباحثَيْن جيريمي شابيرو ومانويل لافونت في مقال تحليلي لهما على مؤسسة أبحاث بروكينغز. ويُعَدُّ اختيار الشعب الفرنسي لماكرون وجها من وجوه أزمة الهوية، إذ اختار الناخبون رجلا يقيم فلسفته على البراغماتية السياسية والأهداف قصيرة الأمد، وهو ما يمكن اعتباره هروبا شعبيا من الأسئلة الكبرى وعلى رأسها الهوية.

في الواقع، تعود جذور الارتباك في أزمة هوية فرنسا التي تعيشها حاليا إلى ماضيها الاستعماري ذي الطابع الخاص، فقبل منتصف القرن العشرين شكَّلت فرنسا علاقتها مع مستعمراتها غير البيضاء بناءً على أيديولوجيا ما سُمي حينها بـ"علم تحسين النسل"، وهي أيديولوجيا عنصرية تحقيرية للأجناس غير البيضاء، اكتسبت الكثير من الزخم في أوروبا تحديدا مع بدايات القرن العشرين، إذ كان تصوُّر فرنسا هو أن السكان غير البيض في المستعمرات الفرنسية يُمثِّلون أعراقا أدنى.

ورغم انسحاب فرنسا من مستعمراتها السابقة -وإن ظلت محتفظة بنفوذها في أغلب هذه المناطق- فإن هذه المستعمرات نفسها لعبت دورا في تشكيل الهوية الفرنسية الحديثة، بحسب الباحث في العلوم السياسية شون ويت، هوية تأسست على فكرتين؛ الأولى هي "التفوق الفرنسي" في مقابل المستعمَرين الأدنى منزلة، والثانية هي الدخول في حرب لا تقبل القسمة على اثنين مع الشعوب المسلمة التي كانت تخضع بعضها لباريس حتى وقت قريب.

وفي الوقت نفسه الذي شكَّل فيه الاستعمار وممارساته ركيزة في هوية فرنسا الحديثة، لعبت تلك الممارسات الاستعمارية دورا في الهجرات الواسعة إليها، ومع هذه الهجرات أصبح "الآخر" الذي بُنيت هويته الفرنسية على فكرة التفوق عليه مكونا كبيرا في المجتمع، وقد أدت هذه العملية إلى حدوث ارتباك، ومهَّدت الطريق في النهاية لأفكار مدفوعة بمشاعر الرعب مثل نظرية "الاستبدال العظيم"، التي تعني الخوف من أن يستبدل المهاجرون المسلمون المسيحيين الفرنسيين ليتحول السكان الأصليون من العِرق الأبيض إلى أقلية بسبب توافد المهاجرين (المسلمين) وتكاثرهم، وهو ما يعني دخول فرنسا وبعدها أوروبا في غزو ديموغرافي يُغير دينها وهويتها إلى الإسلام.

يمكننا هنا أن نتخيل كيف ستكون الحالة النفسية لدولة يشعر قطاع ليس يسيرا من سكانها أنهم مستهدفون "جينيا" من جيرانهم المسلمين في الأحياء المهمشة، وهو ما يقودنا إلى الجزء الثاني من الرواية، حيث تذكر إحدى الدراسات أن أكثر من نصف المهاجرين الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية يشعرون بأنهم لا يبدون فرنسيين. يمكننا إذن انطلاقا من هذه المعطيات فهم حالة المجتمع الفرنسي بشكل أفضل، ومعرفة السبب الذي جعل هذا المجتمع مسكونا بهاجس الحرب الأهلية في فنه ورواياته.

على الجانب الآخر، ولفهم كيف تنعكس تلك الأزمات الوجودية على سلوك فرنسا، علينا ألا ننسى أن جزءا كبيرا من الدور الذي تقوم به أي دولة وتُظهر به نفسها في الساحة الدولية ويرسم الملامح الأساسية لسلوكها ما هو إلا تشكُّل اجتماعي، فرغم أن النخب في الدول الديمقراطية الغربية هم مَن يتخذون القرارات، فإنهم مقيدون في اختيار توجهاتهم الدولية بشكل يقبله ناخبوهم في النهاية، ومن ثم فإنه في حالة مثل حالة فرنسا، يؤثر المشهد شديد التعقيد في الداخل على تحديد مسار واضح للدور الذي تلعبه فرنسا على الملعب العالمي، وهو ما يؤدي إلى التخبط والتناقض في الخطوات، ذلك لأن الهوية الوطنية نفسها مدفوعة بالخوف والطائفية والحيرة والالتباس. ويرى منظرو العلوم السياسية أن الرأي العام والاحتياجات الاجتماعية ومبادئ القيم الوطنية تشارك بنسبة كبيرة في تشكيل الدور الذي تحاول الدولة لعبه على الساحة الخارجية تماما، ومن ثم فإذا كانت تلك المؤشرات نفسها تعاني من ضبابية كبيرة، فإن الدور الخارجي سيعاني بالتبعية من الضبابية والارتباك.

كان المسؤول الدبلوماسي السابق في وزارة الدفاع الفرنسية "أرنو دانجيان" قد وصف جزءا مهما من أزمة تصوُّر فرنسا لدورها في العالم بعد فشل صفقة الغواصات مع أستراليا قائلا: "فرنسا تحتاج إلى رسم أولويات واضحة في سياستها الخارجية، لكنها حاليا مسجونة داخل تصورها عن نفسها بأنها قوة كونية". ليست وحدها الدولة التي تعاني من هذه المشكلة التي وصفها الدبلوماسي الفرنسي السابق، فالمواطنون الفرنسيون هم أيضا يعانون -كما تُظهر استطلاعات الرأي- من مخاوف وجودية وليست حياتية، مثل القلق من سيرورة الحياة اليومية والخوف من ضياع الرفاهية، بالإضافة إلى المخاوف تجاه الأمن المالي والمعاناة من انعدام اليقين والسيولة، وقد تبلورت المخاوف الفرنسية كما تُبين الاستطلاعات بشكل أساسي في السنوات الأخيرة في شكل ذعر كبير من الهجرة وقلق من "الهجمات الإرهابية" المحتملة.

تجد السياسة الخارجية الفرنسية، بسبب هذا القلق والخوف المجتمعي، نفسها مدفوعة إلى أمرين متعارضين في الكثير من الحالات، الأول هو الاستجابة للمخاوف الفردية لدى الفرنسيين البيض ومحاولة حل تلك المخاوف التي تتكاثر في الداخل من خلال العمل عليها في الساحة الخارجية عبر مواجهة شبحَيْ الهجرة و"الراديكالية الإسلامية"، إذ يرتجف قسم كبير من الشعب الفرنسي خوفا مما يسميه اليمين المتطرف مصير "الاستبدال العظيم" و"انقراض العِرق الأبيض"، والأمر الثاني هو تمسُّك فرنسا كما وضحنا سابقا بصورتها عن نفسها بوصفها قوة عظمى تُعلِّم العالم الأدنى في الخارج، لا سيما الشعوب المسلمة، كيفية احترام حقوق المرأة والإنسان والالتزام بالديمقراطية الغربية.

تَظهر هذه الحيرة جلية في علاقات فرنسا مع بعض الدول الأفريقية في أكثر من مناسبة، فبينما كان ماكرون من أكثر المنتقدين الأوروبيين علنا لبعض زعماء تلك الدول وممارساتهم من منظور حقوق الإنسان، كانت بلاده على الجانب الآخر الأكثر تورطا في مد هؤلاء الزعماء بوسائل يُضيّقون بها الخناق على معارضيهم، فمن جهة لا تريد فرنسا في سياستها الخارجية التخلي عن شعاراتها التنويرية الرنانة، ومن جهة أخرى تضع مخاوف مواطنيها البيض نصب أعينها، والمتمثلة في الفرص الاقتصادية من خلال تسويق الأسلحة الفرنسية، وضبط الحدود وكبح الهجرة إلى أوروبا، وإيجاد متعاونين جادين فيما تعتبره "الحرب على الإرهاب"، ومحاصرة الإسلام السياسي.

_____________________________________

المصادر:

History and identity: tracing the legacy of colonial history in modern French identity France’s Macron stirs confusion, criticism with Taiwan comments Macrons foreign policy claiming the tradition France is haunted by civil war Introduction to 2018 special issue of European Security: “ontological (in)security in the European Union” National Role and Foreign Policy: An Exploratory Study of Greek Elites Perceptions towards Turkey An Uncomfortable Question in France: Are We Still a Great Power? In the suburbs, too many feel France’s founding ideals don’t apply to them domestic violence Le silence navrant des gauches françaises sur l’islamophobie 10 سنوات مرّت على "أحداث الشغب" في الضواحي الفرنسية.. ما الذي بقي منها؟ "أثينا".. هل تقع الحرب الأهلية في فرنسا عسكريون فرنسيون يحذرون من حرب أهلية في رسالة نُشرت في مجلة يمينية فرنسا تضاعف دعمها المالي للمدارس المسيحية في الشرق فرنسا ملتزمة على الصعيد الدولي من أجل مناهضة العنف ضد المرأة "منتدى جيل المساواة"… مؤتمر أممي في باريس لدعم حقوق المرأة صفقة الغواصات: أستراليا توافق على تسوية الأزمة مع فرنسا ودفع تعويض

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الرئیس الفرنسی حرب أهلیة أکثر من من جهة وهو ما

إقرأ أيضاً:

انتكاس فرنسا في إفريقيا

هيمن المستعمر الفرنسي على مناطق شاسعة من القارة الإفريقية بعد غزوها في القرن السابع عشر الميلادي؛ فيما عُرف ببداية مرحلة الاستعمار الأوروبي للقارة السمراء الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية المتنوعة ذات الوفرة.

استخدمت فرنسا أبشع أنواع العنف والتنكيل بالشعوب الإفريقية التي وقعت فريسة لها، وتلظت بنير عسفها وجورها وتسلطها غير المسبوق والمنقطع النظير، الذي تميزت به المدرسة الاستعمارية الفرنسية عن غيرها من مدارس الاستعمار الأوروبي الحديث.

مدرسة فرنسا الاستعمارية:

اتخذت فرنسا منهجا استعماريا خاصا بها أصبح مدرسة لها خصائصها التي عُرفت بها، تلتقي في بعض ملامحها مع مناهج الاستعمار بصفة عامة، وتختلف بتميز الطابع الفرنسي الخالص.

فشكلت المدرسة الفرنسية للاستعمار القائمة على مقومات عديدة، منها:

• استخدام القوة المفرطة، والعنف والقسوة، والإبادة ضد الشعوب المُستعمَرة.
• الإدارة المباشرة للمناطق التي تستعمرها بقوتي الحديد والنار.
• تدمير الهوية المحلية والقضاء على لغة الشعوب المحلية التي تقع تحت سيطرتها، وإحلال اللغة الفرنسية حتى يسود مشروع فرنسا الاستعماري الذي عُرف بـ”الفرنكوفونية”، أي الدول أو الشعوب الناطقة بالفرنسية من غير الفرنسيين.
• مسخ عقل الإفريقي اللون والعرق، وتحويله إلى فرنسي الفكر والهوى والتبعية.
• استنزاف ثروات الشعوب المستعمرة وتوظيفها في ازدهار فرنسا وبناء قوتها العسكرية والاقتصادية.
• قمع حركات المقاومة وارتكاب المجازر، وحملات تنصير كبيرة لتحويل إفريقيا إلى قارة مسيحية.
• إفقار الأفارقة وإبقاؤهم تحت نير الثالوث الاستعماري: “الجهل، والفقر، والمرض”.

ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترة الاستقلال:

استمرت فرنسا في حملات الإبادة والقمع للشعوب الإفريقية منذ بدايات استعمارها لأوطانهم، وارتكبت خلالها أبشع صور الإبادة لحركات المقاومة، وخاصة الإسلامية منها. وأكبر دليل على ذلك ما ارتكبته فرنسا في تشاد من قتل أكثر من 400 عالم مسلم في مذبحة عُرفت بـ”كبكب” سنة 1917 ميلادية.

مع اندلاع الحرب العالمية الثانية سنة 1939 ودخول فرنسا أوزارها، احتاجت إلى الجنود من مستعمراتها كوقود في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ووعدتهم في مقابل ذلك بنيل الاستقلال إذا كسبت الحرب منّا وكرما منها، لا استحقاقا طبيعيا لشعوب ترنو لنيل حريتها واستقلالها وتقرير مصيرها.

ومع انتصار الحلفاء، إلا أن المستعمر لا تُؤمَن بوائقه، فأخلفت الوعد وتلكأت وماطلت وسوّفت. إلا أنها استجابت مضطرة، ورغم أنفها، بعد هذه المماطلة أمام إصرار الأفارقة الذين نالوا قسطا من التعليم في فرنسا، وعادوا للمطالبة بالتحرر والاستقلال من خلال تكوينهم جمعيات ومنظمات وأحزابا قادها رموز من الحركات الوطنية الإفريقية مثل: لومومبا ونيك روما وغيرهم. أُجبرت فرنسا منكسرة على تلبية مطالب الشعوب الإفريقية بالحرية والاستقلال عنها في ستينيات القرن المنصرم.

مرحلة الاستقلال الصوري:

خرجت فرنسا من بعض مستعمراتها الإفريقية تحت ضغط حركات التحرر، التي نشطت وقدمت الكثير من التضحيات لأجل نيل الاستقلال والحرية، وتمكين أبناء البلاد من حكمها وإدارة مقدراتها، وإدخال برامج التنمية للقضاء على ثالوث ركائز الاستعمار الفرنسي – الفقر والجهل والمرض.

خرجت فرنسا من الباب في الظاهر، لكنها في الحقيقة لم تخرج، وإن ظن البعض ذلك؛ بل عادت من النافذة، وذلك لعدة اعتبارات:

1. أن من تسلم قيادة هذه الدول هم صنيعة فرنسا الاستعمارية: ثقافةً ولغةً وأفكارا وتبعية مطلقة.
2. أن فرنسا ربطت مقدرات هذه الدول بالتبعية لها وسيطرت على مواردها الطبيعية، التي استخدمتها في صناعتها التي تقدم الرفاهية لمواطنيها، وتحرم الأفارقة من عائداتها؛ ليبقوا تحت نير الثالوث الفرنسي الذي فرضته فرنسا على الأفارقة.
3. ربط اقتصاد المستعمرات الإفريقية السابقة بالفرنك الفرنسي، حتى إن بعض الدول مصارفها المركزية في فرنسا وليس في عواصمها. وهذا لا يمكن وصفه إلا أنه نوع من أنواع الوصاية على هذه الدول المتطلعة للحرية والتنمية.

السياسة الفرنسية في دول إفريقيا ما بعد الاستقلال:

ترسخت السياسة الفرنسية في إفريقيا وفق منهجية استمرارية لتجذر وتثبيت ثالوثها القاتل للشعوب، والمغذي لثرواتها وقوتها على حساب هذه الشعوب التي كانت تستعبدها. وزاد الطين بلة، والأمر تعقيدا وخرابا، حين استبدلت الاستعمار المباشر بقادة الاستقلال الأوائل الذين خيم على إداراتهم الفشل والتبعية، وعدم القدرة على التخلص من ربقة الاستعمار الفرنسي في صورته الثانية.

وسرعان ما تيقنت فرنسا من فشلهم، فاستبدلتهم بقيادات أكثر تبعية وأكثر إخلاصا لفرنسا من إخلاصهم لأوطانهم وشعوبهم، من خلال انقلابات عسكرية متتالية ومتعاقبة بين ضباط عسكريين متصارعين على السلطة لا همّ لهم إلا السلطة، مع جهل تام بإدارة الدولة، وغياب مفاهيم الحرية والتنمية والاستقرار؛ ما أفرز حروبا أهلية أودت بالآلاف من الضحايا من الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، ما حوّل هذه الدول إلى مناطق إبادة ومجاعات، رغم ما تزخر به من ثروات كبيرة ومتنوعة كفيلة بازدهارها ونموها.

مرحلة الوعي الإفريقي وما قبل الانتكاسة

ترتب على هذه السياسة القاصرة وغير الأخلاقية ردة فعل لدى النخب الإفريقية، التي أدركت ما تمر به بلادها من تخلف وفقر وحروب وتبعية؛ فأخذت في الدعوة إلى الخروج من تحت الهيمنة الفرنسية، التي لم تحقق استقرارا ولم تساعد في تنمية، بل كانت هذه الهيمنة السبب الأول والمباشر لاستمرار واستقرار ثالوث الجهل والفقر والمرض.

وخلصت النخب الإفريقية إلى أنه لن تقوم لها قائمة في ظل هذا الوجود بشقيه المدني والعسكري، المتمثل في وجود قواعد عسكرية في المنطقة أصبحت غير مرغوب في وجودها، لأنها مصدر قلاقل أكثر من كونها مصادر استقرار.

العامل الخارجي المساعد للأفارقة في نكسة فرنسا

في مرحلة الوعي الإفريقي بما يثقل كاهل المستعمرات الفرنسية السابقة من نفوذ يكبل حرياتها ويسلب ثرواتها، برز الحل في التخلص من هذا النفوذ وإلقائه عن كاهل هذه الدول. وصادف ذلك دخول ثلاث قوى على الخط في هذه الموجة المطالبة بإخراج النفوذ الفرنسي والتخلص منه: اثنتان منهما قوى دولية عظمى، والثالثة قوة إقليمية صاعدة تتمدد.
• القوة الدولية الأولى تميزت بالجانب العسكري (روسيا)، التي أخذت في التمدد بعد انكفائها عقب تفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي. بقيادة رئيسها الحالي “فلاديمير بوتين”، جعلت من إفريقيا هدفا لبناء قواعد عسكرية تزاحم بها نفوذ حلف الناتو عدوها اللدود. ووجدت في حالة التبرم الإفريقي من الوجود الفرنسي فرصةً للدخول على الخط لإخراج فرنسا من مستعمراتها السابقة.
• القوة الدولية الثانية هي الصين، التي دخلت الساحة الإفريقية اقتصاديا، ففتحت الآفاق أمام الأفارقة بإمكان الاستفادة من رغبة الصين في التمدد الاقتصادي نحو إفريقيا، وقد أتاح هذا للأفارقة فرصة تحسين أوضاعهم الاقتصادية، والاستفادة من ثرواتهم الطبيعية لتحقيق تنمية شاملة.
• القوة الإقليمية الثالثة تمثلت في تركيا، التي دخلت أيضا على الخط اقتصاديًا وإن كان بدرجة لا تنافس الصين، وتميز وضع تركيا بوجود علاقات قديمة بالقارة الإفريقية تعود إلى أيام الدولة العثمانية في تلك المناطق.

الانتكاسة والخروج غير المشرف

تضافرت كل الظروف التي أذنت بانتكاسة فرنسا في القارة الإفريقية، كان أولها السياسة التي اتبعتها الحكومات الفرنسية المتعاقبة على مدى عقود، دون اعتبار لحاجات الشعوب الإفريقية وتطلعاتها، ولا لحركة التاريخ وسنن التغيير.

• مع يقظة سياسية بين الأجيال الشابة الإفريقية، وفقدانها الأمل في تغيير السياسة الفرنسية.
• ضرورة التغيير والخروج من تحت عباءة الوصاية الثقيلة التكلفة.
• دخول أطراف سياسية وازنة لها طموحات سياسية واقتصادية وعسكرية ومصالح في القارة، لن تتحقق إلا بإزالة النفوذ الفرنسي.

وقد حالفها الحظ في وجود التيار الوطني المناهض للنفوذ الفرنسي المسيطر على مقاليد الحياة العامة في هذه الأجزاء من القارة، الذي سرعان ما فتح أبوابه أمام دخول المشروعات الاقتصادية الصينية والتركية، وانتهى الأمر بتغلغل القوات العسكرية الروسية، وإخراج القوات العسكرية الفرنسية التي كانت جاثمة على أراضيهم بحجة مكافحة الإرهاب وغيرها من المبررات.

وكانت النهاية غير المشرفة لفرنسا بمغادرتها تلك الأراضي بضغط شعبي عارم، ولسان حال الأفارقة يردد ما تمثل به الشاعر الليبي أحمد رفيق المهدوي حين خرجت القوات الإيطالية من ليبيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية:

“ذهب الحمار بأم عمرو

فلا رجعت ولا رجع الحمار”.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • نظام الذل يعترف بإفلاس الدولة الجزائرية…تبون يثير السخرية : لن نرسل مرضانا إلى المستشفيات الفرنسية
  • انتكاس فرنسا في إفريقيا
  • ماكرون: على الاتحاد الأوروبي فرض احترامه في حال تعرضه لهجوم تجاري
  • رئيس الجزائر: نحن نضيع الوقت مع ماكرون
  • الرئيس تبون: ماكرون لن يكسب شيئا من الخطأ الفادح الذي ارتكبه في قضية الصحراء الغربية
  • عاجل | لوبينيون الفرنسية عن رئيس الجزائر: مستعدون لتطبيع العلاقة مع إسرائيل في نفس اليوم الذي ستكون فيه دولة فلسطينية
  • بعد 483 يوماً من جحيم لا يمكن تصوره..ماكرون: أتقاسم الفرح مع أقارب الرهينة الإسرائيلي الفرنسي
  • ماكرون يعرب عن سعادته بإطلاق سراح المحتجز عوفر كالديرون من غزة
  • إيمانويل ماكرون: نبذل كل ما في وسعنا لإطلاق سراح محتجز يحمل الجنسية الفرنسية
  • ماكرون: نبذل ما في وسعنا لإطلاق سراح محتجز يحمل الجنسية الفرنسية من قطاع غزة