فلسفة الحياة في رواية ثلاثة جياد للكاتب الإيطالي آري دي لوكا
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
في رواية "ثلاثة جياد" للكاتب الإيطالي آري دي لوكا وترجمة نزار آغري وهي من منشورات الجمل، يستمتع بطل الرواية بقراءة الكتب المستعملة بقناعة استحقاق الكتب لأكثر من حياة، لذلك يرى أن الكتب يجب ألا تُركن في رفوف المكتبات، حيث تفقد حيواتها، وهذا بالضبط ما تفعله مكتبات بيع الكتب المستعملة التي تمنح الكتب حيوات أخرى تستحقها، ويستحقها قرّاء آخرون غير قادرين على شراء الكتب الجديدة.
الكتب القديمة لها أوراق مهادنة، تشبه بذلك أرواح كبار السن الذين مضغوا الحياة أو مضغتهم ببطء، يمكن للمرء قراءة كتاب دون أن يضطر للإمساك بالصفحة المتعجلة للكشف عن أختها، كما في الكتب الجديدة، أو كما ورد في الكتاب (أقرأ الكتب المستعملة لأن الصفحات حين تقلب مرات عدة وتمسدها أصابع كثيرة تستقر في العيون بشكل أعمق، ولأن كل نسخة من الكتاب تملك أرواحا عدة). ينبغي للكتب أن تكون متاحة للجميع في أماكن عامة من دون حراسة وأن تذهب برفقة المارين بها الذين يأخذونها معهم لبعض الوقت. أن تموت حين يموتون من أثر المحن والعذابات والأمراض أو تحترق في مدفأة في الشتاء أو تتمزق حين يعمد الأطفال إلى صنع قوارب من صفحاتها).
في عمل روائي مكثف لم يتجاوز الـ128، استطاع الكاتب سلب لُبّي كقارئة، وهذا جعلني أفكر في الأعمال الروائية التي تقتل متعتنا القرائية بسردها البطيء والتفاصيل التي (لا تقدم ولا تؤخر) في المشهد السردي للعمل الأدبي لمجرد إكثار عدد الصفحات، لأُصادق أخيرًا على قناعتي السابقة/ الدائمة أن الأعمال الأدبية المكثفة أكثر جمالا من تلك الغارقة بالتفاصيل الفضفاضة.
بالعودة إلى الحدث الروائي، سنجد الكاتب يقول في حوار بين البطل وصاحب فندقٍ قديم، ليوجّه الأخير كلامه للبطل قائلا: (عمر الإنسان يطول بقدر أعمار ثلاثة أحصنة، وأنت قد دفنت الأول) من هذه القناعة يستمد العمل الروائي المدسوس بعناية في 128 صفحة عنوانه، وكما دفن بطل الرواية الحصان الأول من عمره في بدايتها دفن الحصان الثاني في نهايتها، وبقي الثالث يركض بأفكار القارئ في صفحاتٍ لم تحملها الرواية بين دفتيها.
متى دفن القارئ حصانه الأول؟ في أعماق المحيط، حيث أُلقيت حبيبته (دفورا) من طائرة مقيدة اليدين والرجلين وتمكن هو من الهرب من الموت لأنه امتلك جواز سفر إيطاليا، بعد أن قُبض عليها وتُرك (بظهر محنيّ في الشارع) يراقب ما يفعلونه بها.
هكذا مر الموت بجانبه ولم يأخذه. مصورا ما يحدث في تلك الفترة الواقعة بين 1976 - 1982م بقوله (الأرجنتين تنتف من الوجود أحد أجيالها، مثلما تفعل امرأة مجنونة بشعرها)، وقد اختفى خلال تلك الفترة التي كان الحكم فيها عسكريا دكتاتوريا ما يقارب الأربعين ألفا، دون مقابر تدل عليهم، وأغلب هؤلاء المختفين من الشباب.
يظل محتفظا بحذاء حبيبته، بخيوطه التي لم تُحلّ لأنها اعتادت خلعه من قدميها دون حلها، ليحلها بعد فترة مستحضرا عجزه عن حل القيود المحيطة بيديها وقدميها هناك حيث تقيم للأبد في أعماق المحيط.
ثم دفن الثاني عندما قتل (سليمُ) الرجلُ الإفريقي الذي كان البطل يساعده، ويمنحه الأزهار ليبيعها دون مقابل؛ فارتأى أنه مدين له، وتسديد الدين كان بأن قتل نيابةً عنه الرجل الذي يود قتله، وهكذا خلّصه من موتٍ محتمل، أو من ارتكاب الموت، وقتل من كان يخطط لقتله، لأنه كان يعلم أنه إما أن يَقتُلَ أو يُقتَل.
يلخص البطل الحياة بتصويرها كمثلث، وفي ذلك إشارة إلى أن خطوط الحياة تعود بالمرء دائما من حيث بدأ، معددا زواياه، واصفا الزاوية الحادة بالجيدة، والمنفرجة بالسيئة، والمستقيمة بالبين بين. وكأنه يريد القول إن الحياة مثلث ولكنه غير مكتمل، أو لا يمكنه أن يبدو حقيقيا لأنه في الحقيقة لا يوجد مثلث كل زواياه منفرجة.
هل الحرب جذابة؟ يرى الكاتب أنها كذلك بالفعل، لأن المرء ينخرط فيها في البدء مرغما، حتى لا يُتهم بالجُبن، ثم يتورط بغضبه الذي يدفعه للاستمرار، والتحول إلى محارب شره، في حين يعتبرها البعض فرصة للتخلص من بعض الوثائق التي تثقل كاهله، ولكنها أخيرا لا تفعل ذلك كما يتمناه خائضوها، بل إنها تحرق البيوت (الدول) بمن فيها. والكل في الحرب خاسر، حتى من يظن أنه انتصر.
والآن أخبروني، هل سبق أن فكرتم وقت فراغكم كما فكر فيه الكاتب؟ (حين ينتابني إحساس بأن وقتي فارغ من أي محتوى، أفكر بالوقت الذي يمضي في هذه الأثناء في حال سبيله جنبا إلى جنب وقتي في عالم فارغ من المحتوى: إنها الأشجار التي تنشر حبات الطلع من زهورها، والنساء اللواتي ينتظرن جريان الماء، والولد الذي يحفظ سطرًا من دانتي، وآلاف الأجراس التي تقرع في كل مدرسة في العالم إيذانًا بالفرصة، والنبيذ الذي يختمر للمرة الثانية، وكل الأشياء التي تحدث في وقت واحد، وبالتالي ترتبط بوقتي وتمنحه محتوى).
نعم، الوقت لا يمضي فارغًا، بل نحن من نحاول بعبثية الهرب من/إلى (الحياة) ومن/إلى (الموت)، ولا نعلم أن (النجاة لا تعني سوى الغوص أعمق في المصيدة، وليس الخروج منها. النجاة تكمن في الموت).
في نهاية قراءتي أذكر جملة وردت على لسان صاحب فندق في الجنوب، يُعلّق الخريطة مقلوبة رأسا على عقب، مؤكدا أن الجنوب هو قلب الأرض، وهو ما يجب أن يكون في الأعلى
(نحن هنا في قرن العالم، نقعد على الأرض كي لا تكنسنا الريح).
• بدرية البدري كاتبة وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
توقيع رواية "حتى إشعار آخر" للكاتبة هناء عبدالكريم بمعرض الكتاب
ضمن جدول فعاليات كتبنا، أُقيم حفل توقيع رواية "حتى إشعار آخر" للمؤلفة هناء عبدالكريم وذلك يوم الأحد الموافق 2 فبراير 2025 في معرض القاهرة للكتاب في دورته ال 56.
وجاء في الرواية: العلاقة بين الرجل والمرأة لا زالت لغز لم يستطع أحد فك طلاسمه، تبدو سلسة في ظاهرها إلا أن باطنها متشابك فكل منهما يرى هذه العلاقة من منظوره وزاويته، كل شيء في هذه العلاقة مشترك لا يوجد جانٍ ومجني عليه بل الإثنين جناة والمجني عليه هي الحياة بينهما، تتحول المشاكل إلى كوارث بالتجاهل والإنكار، يموت الحب موت بطيء حين يتسلل إهمال المشاعر بين الشريكين وتموت الروح تدريجياً حين تعيش الحياة حتى إشعار آخر...
هناء عبدالكريم
كاتبة روائية، كاتبة قصة وسيناريو وعضو في ورشة كتابة د. مدحت العدل للأعمال الدرامية، شاركت في كتابة أكثر من مسلسل والإعداد لأكثر من مسرحية غنائية.
شهدت قاعة "فكر وإبداع"، اليوم الأربعاء، آخر فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ56، وذلك ضمن محور "كاتب وكتاب"، حيث تمّت مناقشة كتاب "رواد وقادة" للكاتب محمد الشافعي.
حضر الندوة نخبة من الكتاب وأساتذة الأدب، وجلس على المنصة كلٌّ من: الدكتورة عزة هيكل، رئيس لجنة الثقافة بالمجلس القومي للمرأة وأستاذ الأدب المقارن، الكاتب والشاعر أحمد سويلم، الدكتور جمال شقرة، والدكتور راضي جودة. فيما أدار الجلسة الإذاعي محمد عبد العزيز.
قدم الإذاعي محمد عبد العزيز الكاتب محمد الشافعي، واصفًا إياه بأنه أديب ومؤرخ للمقاومة، وصحفي بارز تولى رئاسة تحرير عدد من إصدارات دار الهلال.
وأشار إلى أن الشافعي أصدر ما يقرب من 40 كتابًا، تناول فيها البطولات المصرية، كما وثّق في أعماله جوانب مختلفة من تاريخ محافظات مثل الإسماعيلية، والسويس، وبورسعيد.
في كلمته، رحب محمد الشافعي بالمنصة وجميع الحضور من كُتّاب وقراء وفنانين، وقدّم كتابه "رواد وقادة"، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
وأوضح أن الكتاب يضم حوالي 10 دراسات حول شخصيات مصرية بارزة، من بينها عزيز صدقي، أحمد هيكل، بليغ حمدي، حافظ إبراهيم، رشدي سعيد، حسن دياب، جابر عصفور، محمد سيد طنطاوي، فاروق إبراهيم، خالد محمد خالد، والبطل أحمد منسي.
من جانبها، أشادت الدكتورة عزة هيكل بالكتاب، مؤكدة أنه يتميز بجمعه بين مختلف الاتجاهات، حيث تناول سِيَر ملحنين وشيوخ وقادة عسكريين ورياضيين، دون تبني توجه واحد.
كما أعربت عن امتنانها للكاتب محمد الشافعي لما قدّمه من إضاءات حول شخصية والدها، الباحث والأديب أحمد هيكل، مشيرة إلى أهمية هذه الإضافة للأجيال الجديدة والراغبين في التعرّف على سيرته الطيبة.
من جانبه، عبر الدكتور جمال شقرة عن تقديره للكاتب محمد الشافعي، واصفًا إياه بأنه أحد أهم الكتاب المؤرخين.
كما أشاد باعتماده المنهج التاريخي وجمعه للمادة العلمية الشاملة، وهو ما جعل كتاباته تخلو من الأخطاء التاريخية. وأثنى كذلك على أسلوبه الذي يجمع بين السرد الأدبي والعرض العلمي الدقيق.