أ. د. حيدر أحمد اللواتي **

تنتشر في بعض المجتمعات قناعات مُعينة بقدرة أشخاص مُعينين في الكشف عن المستقبل كأن يتنبأ لأحدنا بأن الصفقة التجارية التي نرغب في عقدها ستكون مربحة، أو أنه يوجهك بعدم الإقدام على شراء أرض معينة لأنَّ ذلك ليس في صالحك.

إن هذه القدرات تارة تكون ناتجة عن خبير في الصفقات التجارية، مطلع على معلومات وبيانات معينة يستطيع من خلالها توقع نجاح أو فشل الصفقة التجارية وحساب المخاطر من عقد الصفقة التجارية، أو قد يكون خبيرا بسوق الأراضي ولذا فلديه قدرة جيدة على التوقع وتقييم المخاطر، وعلى الرغم من الخبرة الطويلة التي يمتلكها هؤلاء إلا أن نسب النجاح لا يمكن لها أن تصل إلى 100%، ولكن يمكنها أن ترتفع بنسبة معقولة بحيث تولد لديك نوعًا من الثقة في توقعاتهم.

لكن بعضنا يلجأ إلى أشخاص من نمط مغاير، يمتلكون القدرة على التنبؤ بالمستقبل في جميع مجالات الحياة، فيقول لك لا تقدم على هذه الصفقة التجارية، ولا تتناول الدواء الفلاني، ولا تسافر في هذه الطائرة؛ بل قد يصل الأمر لدى بعضنا بأن يرجع لهؤلاء في تحديد عدد من قرارته المصيرية، وقد يكون الشخص الذي يرجع له عرافًا أو مشعوذًا أو مُنجِّمًا أو ربما متلبسًا بلباسٍ ديني مُعين أو ممن ينتحلون صفة العلم الزائف لكنهم يشتركون بالقيام بالعمل نفسه والوظيفة ذاتها وهو توجيه الآخرين للقيام بالعمل أو بتركه لأنه يستطيع أن يقرأ المستقبل بطريقة ما ويكشف عن عاقبة ذلك العمل!

وقد يحاجج بعضنا ممن يلجأ إلى هؤلاء، بأن التجارب تثبت صحة ادعاءاتهم، فلقد وجدنا عددًا من الحوادث يتنبأ بها هؤلاء وتتحقق نبوءتهم، أليس في ذلك دليل على علمهم ومعرفتهم وموهبتهم؟ أليس في ذلك دليل على سلامة وصحة الأدوات التي يستخدمونها للكشف عن عواقب الأعمال التي نسعى القيام بها؟!

والواقع أن ذلك ليس صحيحًا على إطلاقه؛ فالتجارب التي يتم الاستشهاد بها، قد لا تثبت الادعاء، ويمكن تفسيرها وبسهولة بالرجوع الى قوانين الاحتمالات، فعندما يتنبأ أحدهم بأن إقدامك على هذا الأمر حسن وفيه مصلحتك، فإن احتمال تحقق ما تنبأ به هو 50%  واحتمال الفشل أيضا 50%، وكلما زاد عدد من يرجع اليه في أمر من الأمور ليتنبأ له، كلما زاد احتمال صحة تخمينه واقترابه من النصف، فعندما يرجع اليه الآلاف فان احتمال صحة تنبأه يرتفع الى النصف وبالتالي فإن تخمينه يصدق بـ50% من الحالات، ولذا فلكي تكون التجارب دليلًا على صحة المدعي، فإن نسب النجاح يجب أن تزيد عن 50%، وهذا أمر لا يمكننا الجزم به، ما لم نطلع على نتائج التجارب الأخرى، فتجربتنا الشخصية، في العادة لا تتجاوز حالة أو حالتين أو ربما أكثر من ذلك بقليل.

لنفترض أنك ادعيت بأن لديك قدرة على التخمين ومعرفة الفائز في سباق الخيول مثلا، وسباق الخيول هذا يتكون من ثمانية متسابقين، واستطعت أن تقنع 400 شخص بموهبتك هذه، و لكي تضمن نجاحك، فان كل ما عليك القيام به، هو أن تقسم تنبؤك على الـ400 شخص، فتتنبأ لخمسين منهم بفوز الحصان الأول وتتنبأ لخمسين آخرين بفوز الحصان الثاني وهكذا تستمر فتوزع البقية بالتساوي على بقية المتسابقين. وهذا يعني في نهاية المطاف أن 12.5% من المراهنين سيظنون بأن تنبؤك صحيح وأن لديك موهبة عظيمة وقدرات خارقة لمعرفة المستقبل، وهذا كاف ليجلب لك عددا كبيرا من المراهنين في السباق التالي، فلقد صدق تنبؤك مع 50 شخصًا، هذا على فرض أنك جاهل تماما عن إمكانات الخيول المشاركة في السباق ولا تمتلك أية دراية ولا خبرة في سباق الخيول، ومع ذلك فيمكنك أن تحقق كل هذا النجاح!

من هنا.. فإننا نقول إن التجارب الشخصية والتي لم تخضع للمنهج العلمي الدقيق لا نستطيع من خلالها أن نوضح نسب الخطأ والصحة فيها، وقد أشرنا في مقالات سابقة الى أهمية التفريق بين التجارب العلمية التي يمكن الركون اليها والاستدلال بها وبين التجارب الشخصية والتي لا يمكن استخدامها للخروج بقواعد علمية يمكن الركون لها والاعتماد عليها، ففي مثال سباق الخيول الذي ذكرناه، فإننا لو قمنا بجمع جميع البيانات لاكتشفنا أن نجاحك لا يعود لمواهب معنية تمتلكها كأن يكون لك اتصال بالجن أو معرفة بعلم النجوم أو أنك تقرأ من كتب تكشف لك المستقبل وإنما يعود لمعرفتك بقوانين الاحتمالات وتمكنك منها.

** كلية العلوم، جامعة السلطان قابوس

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

ولي عهد الفجيرة: القمة العالمية للحكومات حدث مهم لمشاركة التجارب والأفكار

دبي (وام)

أخبار ذات صلة طحنون بن زايد: الإمارات تقدم نموذجاً رائداً للحكومات 71 ألف ولي أمر مستخدم لتطبيق «سلامة» القمة العالمية للحكومات 2025 تابع التغطية كاملة

أكد سمو الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة، أن القمة العالمية للحكومات باتت حدثاً مهماً تنتظره حكومات العالم لمشاركة التجارب والأفكار وتعزيز الشَّراكات وبناء العَلاقات التي تخدم استشراف مستقبل حكومات العالم، وتقدم حلولها ومخرجاتها نحو خير العالم والبشرية.
جاء ذلك خلال حضور سموه جانباً من أعمال القمة العالمية للحكومات 2025 في دبي، تحت شعار «استشراف حكومات المستقبل».
والتقى سموه خلال حضوره القمة، سمو الشيخ محمد بن سعود القاسمي، ولي عهد رأس الخيمة.
كما التقى سموه، عدداً من الوزراء والسفراء والمسؤولين في حكومة دولة الإمارات، حيث تبادلوا الحديث حول مختلف المواضيع والقضايا التي تطرحها القمة ضمن محاورها هذا العام.
والتقى سموه، خلال حضوره أعمال القمة، كلاً من معالي آمنة بنت عبدالله الضحاك الشامسي، وزيرة التغير المناخي والبيئة، ومعالي أحمد بن عبدالله بالهول الفلاسي، وزير الرياضة، ومعالي عبد الرحمن بن محمد العويس، وزير الصحة ووقاية المجتمع، ومعالي سهيل بن محمد المزروعي، وزير الطاقة والبنية التحتية، وعبدالله علي خصيف الحمودي، سفير الدولة لدى بنغلاديش.
وتبادل سموه مع ضيوف الحدث والمسؤولين وصناع القرار، الحديث حول مختلف القضايا والمواضيع المطروحة في أجندة أعمال القمة العالمية للحكومات هذا العام، مشيراً سموه إلى أهميتها في مواكبة التحولات العالمية التي يشهدها العالم اليوم، ومساهمتها في دعم مستقبل الشعوب وتنمية الدول واستشراف المستقبل.

مقالات مشابهة

  • ولي عهد الفجيرة: القمة العالمية للحكومات حدث مهم لمشاركة التجارب والأفكار
  • «أبوظبي للغة العربية» يعرض مخطوطة «الخيول الشرقية وسلالاتها» النادرة
  • السيسي ورئيسة وزراء الدنمارك يشددان على ضرورة وقف الهجمات التي تستهدف السفن التجارية في باب المندب
  • بمشاركة 81 دولة.. انطلاق المؤتمر الدولي للإدارة والابتكار في الضمان الاجتماعي
  • «أبوظبي للمحاسبة» يوضح أنواع المخالفات التي يمكن الإبلاغ عنها
  • انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي للإدارة والابتكار في الضمان الاجتماعي غدا بالقاهرة
  • مشاركة 81 دولة في مؤتمر الإدارة والابتكار في الضمان الاجتماعي غدا
  • ما كمية الشاي التي يمكن تناولها في اليوم؟
  • رئيس الحكومة : الامريكي ماكر ووضعنا في مواجهته اسوأ الاحتمالات
  • أما آن للجيش السوداني أن يتعلم من التجارب السابقة ويعترف بأخطاء الماضي؟ (1- 2)