مصر تعبر الأزمة.. 56 مليار دولار تعالج أوجاع الاقتصاد.. وهدية ثمينة في أبريل
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
خطوات عدة تقوم بها مصر في سبيل تجاوز أزمتها الاقتصادية والقضاء على واحدة من أسوأ حالات نقص النقد الأجنبي "الدولار" بالبلاد، وتراجع التدفقات الخارجية خلال الفترة الماضية، بإبرام عدد من الشركات والاتفاقات مع الشركاء والمؤسسات المالية الدولية، إضافة إلى إصلاح التشوهات التى عانى منها سعر الصرف وأثرت بالسلب على قيمة العملة المحلية مقابل الدولار.
وانتقلت مصر في أقل من شهر من تداعيات اقتصادية مقلقة بسبب نقص السيولة الدولارية إلى حصولها على أكثر من 40 مليار دولار من استثمارات وقروض من الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، وسط احتمالات ورود المزيد من المملكة العربية السعودية.
حزمة مساعدات جديدة لمصرمن جانبه تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو (8.1 مليار دولار) إلى مصر، في أحدث دفعة من المجتمع الدولي لدعم الاقتصاد الوطني، فيما سيتم توزيع مزيج المنح والقروض، الذي أعلنته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، الأحد، حتى عام 2027، وسيساعد ذلك مصر في التغلب على أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وقالت فون دير لاين خلال لقاء جمعها بالرئيس عبد الفتاح السيسي: نتقاسم مصالح استراتيجية في الاستقرار والازدهار"، مضيفة: "نظراً لثقلكم السياسي والاقتصادي، فضلاً عن موقعكم الاستراتيجي في منطقة مضطربة للغاية، فإن أهمية علاقاتنا ستزداد بمرور الوقت".
وكان هذا التركيز في تعزيز العلاقات واضحاً في القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي بترقية علاقته مع مصر، التي تفاقمت أزماتها بسبب الصراعات في غزة والسودان المجاورتين، إلى علاقة "شراكة استراتيجية" - حسب تقرير لـ "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".
من جهته، قال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في مؤتمر صحفي، بعد الإعلان رسمياً عن المساعدات، إن "استقرار وازدهار مصر لهما أهمية بالغة بالنسبة للاتحاد الأوروبي".
وشدد زعماء آخرون، بما في ذلك من النمسا وإيطاليا، على قضية الهجرة، قائلين إن التعاون المستدام ضروري للحد من هذه الممارسة التي أصبحت قضية رئيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
وفي تفاصيل البرنامج، أشار الاتحاد الأوروبي إلى أولويات مثل الاستقرار الاقتصادي والاستثمارات والتجارة والهجرة والأمن، ووضع ستة ركائز تشمل الديمقراطية.
وفي مواجهة النقص الحاد في النقد الأجنبي، كانت مصر على شفا أزمة اقتصادية حتى أعلنت الإمارات عن استثمار بقيمة 35 مليار دولار في أواخر فبراير الماضي.
ومهد ذلك الطريق لتخفيض قيمة العملة المحلية "الجنيه المصري مقابل الدولار"، الذي طال انتظاره في وقت سابق من هذا الشهر، وتوسيع قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليارات دولار.
تتضمن حزمة الاتحاد الأوروبي 5 مليارات يورو من القروض الميسرة، و1.8 مليار يورو من الاستثمارات في مشاريع تتعلق بالطاقة المتجددة والأمن الغذائي. وهناك 600 مليون يورو في شكل منح، ثلثها مخصص لـ"إدارة الهجرة".
أصبحت مصر مورداً متزايد الأهمية للغاز الطبيعي لأوروبا، في ظل سعي القارة العجوز للحصول على بدائل في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا. وهي أيضاً دولة عبور أساسية للمهاجرين الذين يسعون للعبور إلى أوروبا.
إبرام اتفاقيات تمويل جديدةوقال وزير المالية، محمد معيط، إنه من المتوقع أيضاً إبرام اتفاقيات تمويل جديدة مع البنك الدولي والمملكة المتحدة واليابان.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي، الدكتور كريم عادل، أن الصفقات الاستثمارية والتدفقات النقدية الدولارية، والقرارات الاقتصادية الأخيرة، جميعها أحدثت حالة من التفاؤل والآمال وحالة من الارتباك في سعر الدولار بالسوق الموازية، وكذلك الذهب الذي لا يعتمد في تسعيره على سعر الذهب العالمي فحسب بل يكون مقوم في تسعيره بسعر الدولار في السوق الموازية.
ولفت عادل - خلال تصريحات لـ "صدى البلد" إلى أنه بين آمال المواطن وآمال الاقتصاديين، في مساهمة حصيلة صفقة "رأس الحكمة" والتدفقات الدولارية من صندوق النقد الدولي بقيمة 8 مليار دولار على دفعات لمدة 4 سنوات، ودعم وتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 8.1 مليار دولار على مدار 4 سنوات في التأثير على الأسواق وخفض الأسعار، فإن التأثير والأثر المباشر لكل هذه المتحصلات الدولارية لم يظهر بعد على الأسواق، فلا زالت الأسعار على ما كنت عليه تقريباً، وهو ما عكسه معدل التضخم في نهاية فبراير الذي اقترب من 36%.
وأضاف الخبير الاقتصادي: التأثيرات ستظل غير ملموسة، وتأثيرها الحقيقي يتوقف على كيفية تعامل الدولة مع متطلبات واحتياجات وتدبير النقد الأجنبي للمستوردين والأفراد خلال المرحلة الحالية، فإذا تم تدبير المتطلبات الدولارية للشركات والأفراد بصورة كلية مستدامة ستتراجع السوق الموازية بصورة كبيرة، ولكن إذا "لم يتم سرعة التدبير واستدامته بالبنوك المصرية ستعود السوق الموازية إلى ما كانت عليه وقد يزيد".
وتابع: لا بد أن يتزامن مع توافر هذه الحصيلة قيام الدولة بسرعة الإفراج عن كافة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المتكدسة بالمواني المصرية، والاتجاه السريع نحو دعم قطاعات إنتاجية وصناعية وزراعية للتحقيق الأمن الغذائي والصناعي، وإدخالها في صناعات ذات عوائد تصديرية وهو ما يحقق استفادة حقيقية من تلك الحصيلة الدولارية وعائدات دولارية.
وشدد: لا خلاف أن الدولة لديها العديد من الالتزامات المالية واجبة السداد تجاه المؤسسات المالية الدولية، وهذه الالتزامات لها الأولوية في السداد باعتبارها ديون سيادية مستحقة، لكن يجب أن تكون هناك خطة واضحة ومعلنه لآلية إدارة هذه التدفقات النقدية وتوجيه هذه الحصيلة الدولارية بما ينعكس بالعائد على الاقتصاد الكلي بوجه عام واقتصاد المواطن المصري بوجه خاص.
وأكد أن زيارة وفد رفيع المستوى من الاتحاد الأوروبي للدولة المصرية جاءت تأكيدا على ثقل الدولة في المنطقة، ومؤشر جيد على نجاحها في تحقيق الأمن وحجب العديد من الأضرار التي كانت ستلحق بدول الاتحاد الأوروبي من هجرة غير شرعية وما يصحبها من اضطرابات اقتصادية وسياسية وأمنية بدول الاتحاد.
مكافحة الهجرة غير الشرعيةوتابع: يعتبر الدعم المقدم من الاتحاد الأوروبي بمثابة دعم عن ما تكبده اقتصاد الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة من جراء محاولات التهدئة والسيطرة على ما يجري في المنطقة من صراعات، ومن ناحية أخرى فإن تزايد عدد اللائجين وتواجدهم في الدولة المصرية يُكبد الاقتصاد المصري العديد من الخسائر الاقتصادية.
وأشار عادل إلى أن الدولة المصرية تستضيف قرابة 12 مليون لاجئ من 58 جنسية يستوطنون مصر حاليا، بحسب المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين، الأمر الذي يمثل عبئا كبيراً على الاقتصاد المحلي، خاصةً على البنية التحتية والطاقة وأسعار السلع والمنتجات والعقارات وكذلك ضغط على العملة الأجنبية، فجميعها ضغوط أنهكت الاقتصاد الوطني وجعلته يحيد عن مسار الإصلاح الاقتصادي الصحيح ومستهدفات التنمية للاقتصاد والمواطن المصري.
ولفت إلى أن الدعم الكبير من الاتحاد الأوروبي يمثل عبئا جديدا على الدولة المصرية، فيجب عليها الالتزام بالمزيد من توفير الحماية للحدود والعمل على منع الهجرة غير الشرعية لدول الاتحاد الأوروبي من الدول الملتهبة بالصراعات والتي تحيط بالدولة المصرية شمالاً وغرباً وجنوباً، وكذلك استضافة عدد جديد من اللائجين ممن هم متضررون من الأحداث والصراعات في دولهم، فهو دعم مقدم ومشروط بالعديد من الأمور ، وستكون هناك مراجعات دورية من الاتحاد الأوروبي على أوجه إنفاق هذا التمويل وفقاً لمستهدفات الاتحاد من تقديمه للدولة المصرية.
واختتم الخبير الاقتصادي، قائلا: الإصلاح ضرورة ودعم القطاعات الاقتصادية المختلفة على رأس أولويات تلك المرحلة، ويعد هو الاستغلال الأمثل للتدفقات الدولارية الأخيرة، فإن كنا تأخرنا في تلك الخطوة كثيراً إلا أن الفرصة لا زالت أمامنا للخروج من الأزمة واستدامة الاستقرار للاقتصاد والمواطن، خاصةً وأن دفعات صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي مشروطة بأوجه إنفاق وتنفيذ إصلاحات ، ومن ثم عدم تنفيذها قد يؤجل صرف أياً منها.
وهناك 56 مليار دولار يتوقع أن تطرق أبواب القاهرة للدخول في شريان الاقتصاد الوطني بعد أزمات متتالية أنهكته (بدءا من جائحة كورونا إلى الحرب الأوكرانية وأخيرا الحرب في غزة).
وتشمل هذه التدفقات - بحسب "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ":
35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة.9.2 مليار دولار تمويل من صندوق النقد وصندوق البيئة.تمويل بقرابة 12 مليار دولار من من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.من جهته، توقع معهد التمويل الدولي، مطلع مارس الجاري، أن يبلغ إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي ما يزيد عن 50 مليار دولار، أي ما يكفي ثمانية أشهر من الواردات، بنهاية السنة المالية الحالية، بدعم من صفقة رأس الحكمة الاستثمارية وإبرام الحكومة اتفاق موسع مع صندوق النقد الدولي.
وأضاف المعهد في تقرير صدر عنه، أن إبرام مصر لاتفاق بقيمة ثمانية مليارات دولار مع صندوق النقد، بدلا من ثلاثة مليارات دولار في السابق، والخفض القوي لسعر صرف الجنيه، الذي تجاوز 50 جنيها في البنوك التجارية أمس الأربعاء، فاقا التوقعات.
هدية صندوق النقد الدوليطلبت مصر من صندوق النقد الدولي أن تكون قيمة أول شريحة تحصل عليها في أبريل المقبل 5 مليارات دولار نظراً لحاجتها لتوفير أكبر قدر ممكن من السيولة الدولارية لدعم اقتصادها، بحسب مسؤول حكومي تحدث مع "الشرق مع بلومبرغ" شريطة عدم نشر اسمه.
اتفقت مصر مع الصندوق، مطلع الشهر الجاري، على زيادة قيمة برنامج التمويل الممنوح للبلاد من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار، بعد الجهود التي اتخذتها وشملت خفض قيمة العملة بشكل كبير ورفع أسعار الفائدة بنحو 600 نقطة أساس.
وأضاف المسؤول الحكومي، أن أول شريحة من القرض بعد زيادته ستصرف في أبريل المقبل بعد نظر مجلس إدارة الصندوق في زيادة قيمة التمويل نهاية مارس الجاري، موضحاً أن الحكومة طلبت زيادة قيمة الشريحة الأولى، من القرض لتكون نحو 5 مليارات دولار، وذلك لحاجة الدولة إلى توفير أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة لدعم الاقتصاد.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: مصر الدولار النقد الأجنبي سعر الصرف الاتحاد الأوروبي الجنيه المصري مقابل الدولار صندوق النقد الدولى من الاتحاد الأوروبی صندوق النقد الدولی الدولة المصریة ملیارات دولار النقد الأجنبی ملیار دولار
إقرأ أيضاً:
هل انسحاب أمريكا من صندوق النقد والبنك الدولي سيغير قواعد اللعبة؟
نشرت صحيفة "ال باييس" تقريرا حول تأثير انسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، موضحة أن "ذلك سيجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاجزا عن التأثير في النظام الاقتصادي العالمي".
وأشارت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21" إلى أنه "بعد انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس ومنظمة الصحة العالمية، قد يتخذ ترامب خطوة مماثلة بسحب بلاده من مؤسسات دولية أخرى في الأشهر المقبلة، وعلى وجه الخصوص يروج مشروع 2025، لخروج الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي".
واستدركت: "مع ذلك، بدلاً من الاستجابة لمطالب ترامب، يجب على الدول الأعضاء في هذه المؤسسات أن تدرك أن الخاسر الأكبر من هذا الانسحاب المحتمل سيكون الولايات المتحدة نفسها، ويجب عليها استغلال هذه الفرصة للتفاوض بما يخدم مصالحها الخاصة".
وذكرت أن "ترامب أمر في 4 شباط/ فبراير الماضي، بمراجعة شاملة لجميع المنظمات الدولية التي تنتمي إليها وتدعمها الولايات المتحدة، بالإضافة إلى جميع الاتفاقيات والمعاهدات التي هي جزء منها".
وتابعت: "يتماشى هذا التوجيه مع أهداف مشروع 2025، الذي يعتبر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي "وسيطين مكلِّفين" يتدخلان في التمويل الأمريكي قبل أن يصل إلى المشاريع في الخارج. وإذا اتبع ترامب هذا النهج، فإن انسحاب الولايات المتحدة من هاتين المؤسستين سيكون أمراً وشيكاً".
وبينت الصحيفة أن مؤلفي مشروع 2025 لا يبدو أنهم يدركون كيفية تمويل هذه المؤسسات وإدارتها. فبانسحاب الولايات المتحدة من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سيجعلها تفقد أحد أبرز مصادر قوتها العالمية ونفوذها الاقتصادي، وستتنازل عن أدوات حيوية يمكنها استخدامها لدعم شركائها وحرمان خصومها من التمويل.
وأفادت الصحيفة بأن وجود مقرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالقرب من وزارة الخارجية ووزارة الخزانة والكونغرس الأمريكي ليس من قبيل المصادفة. فقد حافظت الولايات المتحدة على سيطرة محكمة على هاتين المؤسستين، موجهة سياساتهما وقيادتهما لخدمة مصالحها الوطنية. فقد تمكنت دائماً من تعيين رئيس البنك الدولي، والموافقة على اختيار الأوروبيين لقيادة صندوق النقد الدولي، واختيار نائبه الإداري. ولا تزال الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة القادرة على تعطيل القرارات المهمة بشكل أحادي، حيث يتطلب كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي 85 بالمئة من الأصوات لإقرار هذه القرارات.
وأشارت الصحيفة إلى أنه ليس من المفاجئ أن العديد من الدراسات أظهرت وجود علاقة وثيقة بين سياسات منح القروض من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمصالح الوطنية للولايات المتحدة. فمن الشائع أن تستفيد الولايات المتحدة من دور صندوق النقد الدولي كمنقذ للاقتصادات، مما يحمي الاقتصاد الأمريكي، وترامب على دراية تامة بذلك. ففي ولايته الأولى، أطلق برنامجاً بقيمة 57 مليار دولار (وهو الأكبر من نوعه في تاريخ الصندوق، وقد مولته جميع الدول الأعضاء) لصديقه القديم، الرئيس الأرجنتيني آنذاك ماوريسيو ماكري. كما استخدم البنك الدولي لتعزيز الأمن والتحالفات الاقتصادية، لمواجهة التهديدات الإرهابية، ولدعم إعادة إعمار الدول بعد الحروب مثل العراق وأفغانستان بعد الغزوات التي قادتها الولايات المتحدة.
وبيّنت الصحيفة أن الأهم من ذلك هو أن التكلفة الفعلية لمشاركة الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أقل بكثير مما يعتقده البعض. إذ تقوم وزارة الخزانة الأمريكية بتقييم التأثير المالي لمساهمات البلاد في صندوق النقد الدولي سنوياً، وفي السنة المالية 2023 تم تسجيل زيادة رأسمالية غير محققة بلغت 407 ملايين دولار.
وذكرت الصحيفة أن البنك الدولي يوفر فرصاً مشابهة للاستفادة من الموارد الأمريكية. من بين خمس مؤسسات تابعة للمجموعة، يُعتبر البنك الدولي للإنشاء والتعمير الأكثر أهمية. ورغم أن الولايات المتحدة لا تتحمل عبء تكاليف تشغيل البنك، فإن كبار متلقي قروضه مثل الهند وتركيا وإندونيسيا والأرجنتين والفلبين هم من يتحملون هذه النفقات. تموَّل المقرات، ورواتب الموظفين، والنفقات التشغيلية الأخرى (التي تتدفق في الغالب مباشرة إلى الاقتصاد الأمريكي) في المقام الأول من العوائد الناتجة عن تلك القروض، إضافة إلى الإيرادات الصافية من سنوات سابقة.
وأضافت الصحيفة أن البنك الدولي للإنشاء والتعمير لا يعتمد على التبرعات المباشرة من الدول الأعضاء، بل يصدر سندات لتمويل مشاريعه الاقتصادية في الدول النامية. في عام 2024، أصدر البنك سندات بقيمة 52.4 مليار دولار، وهو يمول نفسه بالكامل. رغم أن هذه السندات مدعومة بضمانات من الدول الأعضاء، إلا أن البنك لم يطلب رأس المال المستحق، حيث يساهم كل عضو بجزء صغير من التزامه. وفي حالة الولايات المتحدة، تعادل مساهمتها 3.7 مليارات دولار، وهو ما يمثل نحو 19 بالمئة من الـ 20 مليار دولار التي قدمتها الحكومة الأمريكية لشركة "سبيس إكس" في الـ 15 عاماً الماضية.
وذكرت الصحيفة أن الولايات المتحدة تساهم في البنك الدولي بطرق أخرى، مثل موافقتها في عام 2018 على زيادة رأس مال البنك الدولي للإنشاء والتعمير بمقدار 7.5 مليارات دولار، دون الحاجة لزيادة المساهمات الأمريكية، مما يحقق فوائد كبيرة للولايات المتحدة. كما أن مساهمات الولايات المتحدة في الهيئة الدولية للتنمية هي طوعية ويتم إعادة التفاوض عليها كل ثلاث سنوات، مما يمنحها نفوذاً كبيراً على القروض التي تقدمها. الانسحاب من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سيكون خطوة كارثية للولايات المتحدة؛ حيث سيفقدها القدرة على التأثير في النظام الاقتصادي والنقدي الدولي، رغم أن بعض المسؤولين في إدارة ترامب قد يكونون متجهين نحو اتخاذ هذه الخطوة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه إذا توقفت الولايات المتحدة عن تمويل البنك الدولي دون الانسحاب منه، يمكن لدول تمثل 70 بالمئة من الأصوات تعليق حق التصويت لها بسبب عدم الوفاء بالتزاماتها المالية. في هذه الحالة؛ ستفقد الولايات المتحدة حقوقها بموجب لوائح البنك، باستثناء حق الانسحاب، وستظل ملزمة بالتزاماتها الحالية. وإذا استمر تعليق العضوية أكثر من عام، ستفقد الولايات المتحدة عضويتها تلقائياً، إلا إذا صوتت نفس الأغلبية لصالح إعادة انضمامها.
وفي الختام؛ ذكرت الصحيفة أن الرئيس الأمريكي ثيودور روزفلت قال في سياق السياسة الخارجية: "تحدث بلطف وامسك بعصا غليظة". لكن إدارة ترامب تتبع نهجاً مختلفاً، إذ تفضل الخطاب الحاد وتترك "العصا" لإيلون ماسك ليتسبب في الفوضى. ورغم صدمة العالم، إلا أن هناك أملاً في التصدي لهذا التحدي، وذلك إذا حافظت الدول الأخرى على تركيزها وتعاونت بحسم، فلا يزال بإمكانها إنقاذ النظام المتعدد الأطراف.