من لسعته "الشوربة" ينفخ في الزبادي.. كما يقول المصريون!
ومن شاهد بايدن يقف بالباع والذراع مع إسرائيل، داعما وممولا، لا يمكن أن يتفاءل بإعلانه أنه طلب من الجيش الأمريكي الانتهاء من إنشاء ميناء شمال قطاع غزة، لتقديم المساعدات لأهالي القطاع الذي يتعرضون لمجاعة يتأذى لها الضمير الإنساني، و"الحداية لا تحدف كتاكيت".
ولأن بايدن سيئ السمعة في هذه الحرب، فإن حديث الميناء صار في الوجدان العربي العام امتدادا لإعلان أمريكي سابق عن إلقاء المساعدات على أهل القطاع من الجو، ولا يختلف اثنان ولا ينتطح عنزان في قدرة الرئيس الأمريكي على إجبار نتنياهو على فتح معبر كرم أبو سالم، أو إجبار الجنرال المصري على فتح معبر رفح، مع ضمان حرية الحركة فلا تتعرض الشاحنات للقصف الإسرائيلي؛ وهو الخوف الذي بررت به سلطة الحكم في القاهرة عدم تمكين المساعدات من الدخول من هذا المعبر، وعدم تمكين الهدي من أن يبلغ محله!
ولهذا، فإن فكرة الميناء مرفوضة، مع أنها كانت مطلبا من الجانب الفلسطيني في عام 2014، ورُفضت إسرائيليا، وإن كان الحديث وقتها عن ميناء دائم، وليس مؤقتا كما يريد بايدن، لعدم الثقة في نواياه، فماذا يمكن أن تكون نواياه؟ ولماذا توافقه إسرائيل هذه المرة؟!
إخلاء غزة:
يتخوف كثيرون من أن يكون هذا المعبر منفذا لإخلاء غزة من سكانها، وإلى واشنطن أو أوروبا هذه المرة، وتستطيع القول إن صفقة القرن فشلت، وأن ما أفشلها أن الفلسطينيين لم يؤوّبوا معها، وليس أحدا غيرهم، وإن لن يكف الحديث عنها. فمنذ النكبة في 1948، وربما قبل ذلك، لم يتوقف الحديث عن دولة فلسطينية خارج الأراضي الفلسطينية وكانت مع كل مرة تطرح فيه يتم تحديد أرض مختلفة، وذات مرة كان العرض الأمريكي أن تكون على نهر الفرات، وبتمويل أمريكي كامل، لكنها رُفضت من جانب حكومات ما قبل حركة ضباط الجيش في 1952، وفي المذكرات التي نُشرت لمحمود فهمي النقراشي إبان توليه رئاسة الحكومة، نجد من خلال الكتابة للقادة الغربيين، أن الرفض صار موضوعا يوميا في جدول أعمال وزارته!
فصفقة القرن، التي كانت تقوم على إقامة دولة فلسطينية في سيناء، ماتت، وإن لم يمنع هذا من إعادة طرحها من جديد، بصيغة مختلفة، لكن الآن ربما يكون البديل هو إفراغ غزة من السكان، طوعا أو جبرا من خلال سياسة الأرض المحروقة، والحصار المميت الذي تتبعه إسرائيل، بدلا من الخيار الأسهل وهو نقل إسرائيل إلى مكان آخر، ولو إلى ألمانيا تعويضا عما فعله هتلر في اليهود!
ومهما يكن فإن عملية تفريغ غزة من السكان حفاظا على أمن إسرائيل، والإمساك بقادة حماس ومقاتليها، ليست عملية، فساعتها فإن المقاومة ستكون قد تخلصت من هذا العبء النفسي الذي يمثله العدوان الذي يقع على المدنيين، وسيكون فضاء غزة ممهدا لاستقبال مقاتلين آخرين، لن يتعاملوا بحسابات كتلك التي تتعامل بها حماس الآن باعتبارها سلطة حكم، وتنظيم مسؤول!
التخوف الثاني أن يُستخدم هذا الميناء في فرض صيغة جديدة حلا لإشكالية الجهة التي تستلم المساعدات الخارجية، وما يلزمه هذا من فرض سياسة الحكم البديل لغزة، فيتم تمكينه من استقبال المساعدات وتوزيعها دعما لشرعيته، أو تكلف بالمهمة جمعيات ومنظمات خيرية داخلية (يتم اختيارها) أو أجنبية، ومن هنا يكون ذلك خصما من شرعية حماس. والحديث لا يتوقف عن سرقة حماس للمساعدات، لتبرير عدم تقديمها من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم دعم موقفها باستلام المساعدات القادمة من معبر رفح باعتبارها سلطة حكم منتخبة!
ومهما يكن ففي مواطن كثيرة، كان ما يشغل المقاومة هو حياة أهل غزة على قيامها بالحكم، ولا ننسى أن تنازلات قُدمت قبل سنوات نتج عنها دخول رئيس الحكومة الفلسطينية للقطاع، لولا أن خلافا نتج بين واشنطن وتل أبيب على التفاصيل، وكانت الأخيرة مع خيار دحلان، في حين كانت الأولى مع عدم المس بشرعية محمود عباس!
وإلى الآن لم تقدم المقاومة رفضا واضحا لفكرة الميناء البحري، وهي سيدة اختياراتها، حتى وهي تختار الاقتراب من الجنرال المصري، والإشادة بدوره ووساطته، مع أن هذه الأدوار تكون باهتة أحيانا، فنحن ندرك أن هذا تنازلا بسبب هذه البوابة، وبسببها فرض نظام مبارك مثلا ان يكون هو وحده في الصورة في صفقة تحرير شاليط، مع أن القطريين هم من قاموا بالمهمة، لكن عند التنفيذ قبلوا التنحي عن المشهد لأن هذه رغبة الجانب المصري، ومن أين يستمد نفوذه كله إلا من سلطته المنفردة على المعبر؟!
ومع أن حماس استُخدمت من قبل النظام العسكري في التشويش على الثورة المصرية، وفي التشهير بالحكم المدني المنتخب، وتعليق اتهامات في رقبة الحركة هي منها براء، مثل خطف الجنود المصريين وما إلى ذلك!.. مع ذلك فلم نقف ضد هذا التقارب، إيمانا منا بأن القضية الفلسطينية تستحق وأن حق المقاومة أن تختار أولوياتها، لكن الذي يدفعنا الآن لأن نقول ما في أنفسنا عن الميناء المزمع إنشاؤه هو أن المقاومة لم تعلن رفضا واضحا له!
انزعاج القاهرة:
لقد انزعجت القاهرة من الميناء، لأنه وحسب اللواء سيد غنيم سيعزل مصر عن غزة، فأضحكنا الرجل لأن مصر الحالية هي من عزلت نفسها، وهي من ساهمت في حصار غزة، وحتى الأنفاق التي كان يتركها مبارك تعمل ويقيد حركة المرور من المعبر وغالبا يمنعها تماما؛ تم هدمها.. قالها قائلهم وهو يعدد خدماتهم لإسرائيل التي لا تحفظ لهم جميلا!
ورفض ضابط المخابرات السابق اللواء محمد عبد الواحد الميناء، وقال إن ظاهره الرحمة وباطنه العذاب، لذات السبب الذي ذكره اللواء غنيم!
إن معبر رفح هو الذي جعل حاكم مصر جزءا من جملة مفيدة، فبايدن الذي قال إبان حملته الانتخابية الأولى إنه لن يتحدث مع الرئيس المصري إلا بعد تغيير في ملف حقوق الإنسان؛ وجد نفسه مضطرا للحديث معه بعد فوزه مباشرة، وبعد العدوان الإسرائيلي على غزة، وقد طلب وساطته لوقف إطلاق النار، الأمر نفسه فعله بعد عملية طوفان الأقصى. وهذا الدعم السخي بمليارات الدولارات من كل صوب وحدب هو بسبب هذا الدور، ولم يعد له من دور دولي سواه، وحتى الدور الذي كان مبارك يقوم به بحسبانه "عراب السلام" في المنطقة انتهى، ومن يريد التطبيع مع الجانب الإسرائيلي لا يلجأ للوسيط المصري ولكن يذهب مباشرة إلى إسرائيل، كما فعل الصديق الإماراتي، والجار السوداني!
ومن هنا يمكن أن نتفهم المظاهرات المفتعلة الآن أمام المعبر، كرسالة تهديد بأنه يمكن للجانب المصري أن يستجيب لضغوطها بفتح المعبر، وفي رسالة لا تخطئها العين وأنها موجهة لفكرة الميناء، والمعنى: هل ستلغون الفكرة أم أفتح المعبر؟!
فالمعبر ليس فقط لإثبات الولاء بإغلاقه، ووسيلة لتثبيت شرعية الجنرال، للحاجة الدولية لدوره الذي تولد من سيطرته عليه وإحكام غلقه، وتحكمه في أهالي غزة والمقاومة، ولكنه وسيلة لجني الأموال، ولم يذكر منها المنزعجون من الميناء إلا دخول البضائع والمنتجات المصرية، لكن لا حديث عن رسوم الخروج كما نشرتها الصحافة الأجنبية، وأن صفقات الإعمار ستعوض ما تم خسارته في فترة الإغلاق، ومن هنا يأتي انزعاج سلطة الحكم في القاهرة.
إنني لا أسلم بسلامة نية بايدن، لكني أدرك أن جانبا في الموضوع هو تبرئة لذاته من الاتهام المعلق برقبته بدعم حصار الفلسطينيين وقتل الأطفال والنساء والأبرياء، وتجويعهم.
ومن هنا، يتحتم علينا أن ندعم هذا المشروع، فإن تبدت عوراته في المستقبل، يكون هدفا من أهداف المقاومة، فمع الحصار المفروض بقسوة، يكون منفذ جديد قد فُتح، ونصف العمى أفضل من العمى كله، وقد يكون هناك معنى للطلب باستمراره.
معا دعما للميناء!
twitter.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصريون ميناء غزة معبر رفح مصر غزة معبر رفح ميناء مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة ومن هنا
إقرأ أيضاً:
حادثة مؤسفة: مقتل شخصين من الدفاع المدني والإطفاء بانهيار مبنى الميناء
أدى انهيار مبنى الزيلع في الميناء، بعد محاولات طويلة لاخماد النيران التي اشتعلت في مخزن ارضي بداخله، إلى مقتل شخصين من الدفاع المدني وفوج الاطفاء ووهما: عبدالله مهتدي (الدفاع المدني) وخليل الأشقر (فوج الاطفاء).
وصدر عن جهاز الطوارئ والإغاثة التابع لجمعية الإسعاف اللبنانية البيان الاتي: "على أثر انهيار مبنى الزيلع في مدينة الميناء، عملت فرق الإسعاف وفرق البحث والإنقاذ من مدينة طرابلس والقلمون، بالتعاون مع الدفاع المدني والأجهزة الإسعافية الأخرى لساعات طويلة، حيث تم نقل 18 إصابة موزعة على النحو التالي: 5 إصابات إلى مستشفى دار الشفاء، إصابة واحدة إلى مستشفى المنلا، إصابتان إلى المستشفى الإسلامي، إصابة واحدة إلى مستشفى النيني، و8 إصابات تم إسعافها ميدانيًا".
يُذكر أن 5 من أعضاء فرق البحث والإنقاذ التابع لجهاز الطوارئ والإغاثة كانوا ضمن المصابين، وهم: المنقذ عماد معرباني، المنقذ محمد أسعد، المنقذ مصطفى طليس، المنقذ عبد الله يخني، والمنقذ طالب عيد.