كيف تعطل الصراعات وتغير المناخ طرق الشحن البحري؟
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
يمن مونيتور/الحرة
في غمرة الاضطرابات الجيوسياسية والاحتباس الحراري في العالم، تشهد طرق الشحن اضطرابا كبيرا. ففي غضون بضعة أشهر فقط، واجهت حركة المرور البحرية تعقيدات كبيرة على طريقين يعتبران حاسمين للتجارة العالمية.
وأربكت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، إلى جانب التأثيرات الناجمة عن الاحتباس الحراري، حركة الملاحة البحرية، حيث أجبرت الدول على استخدام طرق بحرية جديدة، مكلفة ماليا ومناخيا.
تراجع حركة الملاحة في عدة مضايق
شهدت قناة بنما، التي تربط المحيطين الأطلسي والهادئ وتمر عبرها 5% من التجارة البحرية العالمية، انخفاضا في حركة المرور بنسبة 30% بسبب الجفاف غير المسبوق الذي أدى إلى انخفاض منسوب المياه في الأقفال.
وبات يتعين على السفن التي تربط الصين بالساحل الشرقي للقارة الأميركية الانتظار عدة أسابيع ودفع مبالغ كبيرة للحصول على حق المرور، أو تفريغ بضائعها لنقلها برا.
وعلى الطرف الآخر من الكوكب، فقد الطريق الاستراتيجي الذي يربط أوروبا بآسيا عبر قناة السويس والبحر الأحمر 40% من حركة المرور منذ ديسمبر 2023، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على غزة.
وفي اليمن، يقوم الحوثيون المدعومون من إيران، والذين يقولون إنهم يستهدفون السفن “تضامنا” مع الفلسطينيين، بتكثيف هجماتهم حول مضيق باب المندب.
وعلى الرغم من انخفاض عدد الحوادث منذ نهاية يناير، لا يزال التهديد مرتفعا، وكذلك أسعار التأمين على البضائع والسفن.
وتفضل العديد من السفن الآن الإبحار على طول الساحل الأفريقي، عبر رأس الرجاء الصالح، مما يزيد من أوقات النقل وتكاليفه.
ومنذ غزو روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير 2022، أثرت اضطرابات الشحن في البحر الأسود بشكل كبير على تجارة الحبوب العالمية.
واضطرت مصر، التي انخفضت وارداتها من القمح الأوكراني بنسبة 81% في الأشهر الثمانية الأولى من الصراع، إلى طلب إمدادات الطوارئ من روسيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وفي الوقت نفسه، اتجهت إثيوبيا نحو الأرجنتين والولايات المتحدة، وفق تقرير لصحيفة “لوموند” الفرنسية.
فاتورة اقتصادية ومناخية مكلفة
يترجم التأثير التراكمي لهذه الاضطرابات، إلى مسافات طويلة لنقل البضائع، وتصاعد تكاليف التجارة، وزيادة في انبعاثات الغازات الدفيئة الناجمة عن اضطرار الشحن إلى السفر لمسافات أكبر وبسرعة أكبر.
ويقول “مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية” (unctad) إن تجنب قناة السويس وبنما يتطلب مزيدا من أيام الشحن، مما يؤدي إلى زيادة النفقات.
وقد ارتفع السعر اليومي لأقساط الشحن والتأمين، مما أدى إلى تفاقم التكلفة الإجمالية للعبور.
بالإضافة إلى ذلك، تضطر السفن إلى السفر بشكل أسرع للتعويض عن التحويلات، وحرق مزيد من الوقود لكل ميل وانبعاث مزيد من ثاني أكسيد الكربون، مما يزيد من تفاقم المخاوف البيئية.
ويشدد المؤتمر الأممي على الآثار الاقتصادية البعيدة المدى المترتبة على هذه الاضطرابات. إذ تشكل الانقطاعات الطويلة، خاصة في شحن الحاويات، تهديدا مباشرا لسلاسل التوريد العالمية، مما قد يؤدي إلى تأخير عمليات التسليم وارتفاع التكاليف.
وفي حين أن أسعار الحاويات الحالية تبلغ ما يقرب من نصف الذروة خلال أزمة جائحة كورونا، فإن نقل أسعار الشحن المرتفعة إلى المستهلكين يستغرق وقتا، ومن المتوقع أن يظهر التأثير الكامل في غضون عام.
وتشهد أسعار الطاقة ارتفاعا كبيرا مع توقف عمليات نقل الغاز، مما يؤثر بشكل مباشر على إمدادات الطاقة، خاصة في أوروبا.
وتنعكس الأزمة أيضا في أسعار المواد الغذائية العالمية، حيث من المحتمل أن تؤدي المسافات الطويلة وارتفاع أسعار الشحن إلى زيادة التكاليف.
وتشكل الاضطرابات في شحنات الحبوب من أوروبا وروسيا وأوكرانيا مخاطر على الأمن الغذائي العالمي، مما يؤثر على المستهلكين ويخفض الأسعار المدفوعة للمنتجين.
ومنذ الهجمات التي شنها الحوثيون في البحر الأحمر، اختار العديد من مالكي السفن تجاوز أفريقيا، على الرغم من ارتفاع التكاليف والتأخير. ويؤدي هذا الانعطاف إلى تراجع الخدمة المقدمة إلى موانئ البحر الأبيض المتوسط.
القرصنة
يعتبر خليج غينيا، المنطقة البحرية الأكثر خطورة في العالم، إذ يمثل نحو 90٪ من جميع عمليات الاختطاف في البحر.
وعلى الرغم من أن هذه المنطقة لا يعبرها طريق تجاري رئيسي، إلا أن القراصنة أصبحوا الآن قادرين على الهجوم بشكل مكثف، مما يعقد عمليات المراقبة والإنقاذ.
ويعد هذا المضيق ممرًا أساسيًا بين آسيا وأوروبا، وهو ثاني أكثر المضيق استخدامًا بعد هرمز لنقل النفط.
تمر سفينة كل ثماني دقائق، على الرغم من ارتفاع مخاطر القرصنة.
ومع تصاعد التوترات في بحر الصين، تجري الآن دراسة طرق بديلة، مثل حفر قناة عبر برزخ كرا في تايلاند، أو إنشاء ممر بري عبر بورما.
ولا تحظى هذه المشاريع بالإجماع من قبل البلدان المعنية.
الصين وتايوان.. وحرب التعريفات بين واشنطن وبكين
تكثف الصين، التي تدعي السيادة على تايوان، إجراءات الترهيب حول الجزيرة، مما يعطل حركة المرور على هذا الطريق الاستراتيجي، الذي مرت عبره 48% من سفن الحاويات في العالم في عام 2022.
ومن شأن تجاوز المضيق أن يدفع السفن نحو المياه الفلبينية، والتي تتأثر بالأعاصير.
تعمل هذه التوترات التجارية على إعادة تشكيل تدفق البضائع، التي يتم نقل 80% منها عن طريق البحر، وكذلك العلاقة المتدهورة بين بكين وواشنطن، على خلفية حرب التعريفات الجمركية.
وقد انخفضت حصة الحاويات من الصين التي تم تفريغها على الأراضي الأميركية من 40٪ في عام 2017 إلى 31٪ في عام 2022. ولكن خلال الفترة نفسها، ارتفعت حصة فيتنام من 4٪ إلى 8٪، ومن 3٪ إلى 5٪ من الهند. .
خطر العواصف والفيضانات
البنية التحتية للموانئ معرضة بشكل خاص لمخاطر العواصف والفيضانات، والتي تفاقمت بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري.
ففي صيف عام 2023، ضرب إعصار دوكسوري الصين، ما تسبب في أسوأ فيضانات منذ نصف قرن، في بكين، وأجبر الموانئ الرئيسية في جنوب شرق البلاد على إبعاد عشرات السفن، إلى درجة تعطيل سلاسل الخدمات اللوجستية العالمية.
ويمكن لذوبان الجليد أن يفتح هذا الطريق ويختصر الرحلات بين أوروبا وآسيا. لكن ذلك لا يزال بعيد المنال، لأسباب عدة، أبرزها، عدم وجود بنية تحتية للموانئ للسفن ذات الحمولات الكبيرة.
وهذا الطريق، الذي يكون مفتوحا لجزء من العام، متاح فقط لسفن معينة مجهزة للظروف القاسية، أو ترافقها كاسحات الجليد الروسية.
نزاعات الصيد
أشار لويس بورير، محلل الأمن البحري في شركة ريسك إنتليجنس، في حديثه للصحيفة الفرنسية، إلى أن “الهجمات، المرتبطة على الأرجح بنزاعات الصيد غير القانوني، تستأنف قبالة سواحل الصومال وفي المحيط الهندي منذ نوفمبر 2023″.
وتابع في إشارة إلى تفاقم الوضع ” لقد تم الإبلاغ عن مزيد من الهجمات لا سيما في خليج غينيا، وهو بؤرة القرصنة في العالم، مع هجمات عنيفة ومعقدة وبعيدة المدى في بعض الأحيان”.
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: البحر الأحمر الصراع الملاحة البحرية على الرغم من حرکة المرور فی العالم
إقرأ أيضاً:
الصين تقدم شكوى لمنظمة التجارة العالمية بسبب الرسوم الجمركية الأمريكية (تفاصيل)
أكدت منظمة التجارة العالمية أنها تلقت طلبا من الصين للتشاور بشأن الرسوم الأمريكية على صادراتها مشيرة إلى أنه يتعين على الطرفين تسوية الخلاف خلال 60 يوما قبل اللجوء إلى لجنة تحكيم.
وجاء في بيان المنظمة: "طلبت الصين إجراء مشاورات داخل منظمة التجارة العالمية بشأن النزاع مع الولايات المتحدة بسبب الإجراءات الجمركية الجديدة التي فرضتها الأخيرة على البضائع المصنّعة في الصين، وتم إرسال الطلب إلى أعضاء المنظمة في 5 فبراير".
وأشار البيان إلى أن "الجانب الصيني يرى أن فرض رسوم جمركية إضافية على السلع المستوردة من الصين إلى الولايات المتحدة يخالف التزامات واشنطن تجاه الدول الأعضاء في المنظمة، والتي تستفيد من مبدأ الدولة الأكثر تفضيلا، وفقا للاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (GATT) لعام 1994".
وبموجب الإجراءات المعمول بها داخل منظمة التجارة العالمية، أمام بكين وواشنطن 60 يوما لمناقشة الخلافات وإيجاد حل يرضي الطرفين دون اللجوء إلى التقاضي. وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق، يحق للصين طلب إحالة القضية إلى هيئة تحكيم لإصدار حكم بشأنها.
وفي وقت سابق من اليوم الأربعاء قال مصدر في بعثة الصين الدائمة بمنظمة التجارة العالمية إن بكين ستتعاون مع الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية لمواجهة الإجراءات الأحادية التي تتخذها واشنطن.
وأكد المصدر أن "الصين تعتبر مؤيدا قويا للنظام التجاري المتعدد الأطراف، وفي القلب منه منظمة التجارة العالمية.. وباعتبارها عضوا رئيسيا مسؤولا في المنظمة، تنظر الصين دائما إلى المشاكل بعقلانية، وستسعى إلى إيجاد حلول من خلال منصة المنظمة".
يذكر أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان قد وقع مؤخرا على أمر تنفيذي يفرض رسوما جمركية بنسبة 10% على المنتجات القادمة من الصين، وزيادة هذه المؤشرات في حال اتخاذ إجراءات انتقامية.
وأعربت بكين عن استيائها الشديد من الرسوم الجمركية الأمريكية على وارداتها.
وردا على قرار ترامب، أعلنت الصين فرض رسوم جمركية على البضائع الأمريكية بنسبة 10%، مؤكدة أن الرسوم ستطبق مطلع الأسبوع المقبل.
وقال وزارة التجارة الصينية، إن بكين سترفع دعوى قضائية لدى منظمة التجارة العالمية وستتخذ التدابير المضادة المناسبة.
بدورها، أشارت وزارة الخارجية الصينية إلى أنه لن يكون هناك طرف فائز في حرب التجارة والتعريفات الجمركية.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن الرسوم الجمركية الجديدة قد تقوض النظام التجاري العالمي وتتسبب في أضرار جسيمة لقطاعات رئيسية في الاقتصاد الأمريكي نفسه، بما في ذلك صناعة السيارات، وبالتالي ستؤدي لفتح فرص جديدة للصين في الأسواق الدولية.