عبد الله الأزرق يكتب: ????كان طارت.. حرب فلول (1)
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
بعد مدة من قرارات البرهان في 25 أكتوبر 2021، تدهورت العلاقة بينه وحميدتي.. وسبَّب هذا ضيقاً لحميدتي، وأقنعه من حوله من قوم قحت أن مشكلته الحقيقية مع الإسلاميين وأنهم هم من يحرضون البرهان ضده؛ فطلب من قريبه حسبو محمد عبد الرحمن تنظيم لقاء له مع علي كرتي، الذي كان مختفياً عن الأنظار؛ وبذل حسبو جهوداً إلى أن تمكن من تنظيم ذلك اللقاء.
جاء حميدتي للقاء وهو يتميز غيظاً؛ وقال لكرتي: إنكم – كإسلاميين – تقفون ضدي وتحرضون البرهان علي، حتى أصبح لا يستجيب لطلبات الدعم السريع بالكيفية التي كان عليها.
أجابه كرتي بأنه لا يعرف البرهان وأنه لم يلتقه إلاّ مرة واحدة في حياته، حين كان كوزير للخارجية في زيارة رسمية للصين عام 2012. وكان لقاؤه به في حضور طاقم السفارة، والبرهان وقتها ملحق عسكري بالصين. وكان لقاءً عارضاً. ومن ثم فلا يستقيم أن أقدر على تحريضه ونحن لا نعرف بعضنا بقدر كاف.
وأضاف كرتي لحميدتي: ثم إنكم والبرهان أحلتم للتقاعد عدداً كبيراً من الضباط في الجيش بحجة إنهم إسلاميون، فكيف يكون لنا تأثير على البرهان؟ وموقفنا الثابت هو أن نجنب البلاد كل توتر من شأنه أن يهز الاستقرار؛ ولو كان موقفنا خلاف ذلك لقمنا بعمل مضاد بعد الانقلاب في 11 أبريل 2019. وكُنّا في ذلك الوقت قادرين.. لكننا ورغم كل ما أصابنا من استهداف كبير وشخصي ومباشر وبلا مبررات أو إعمال قانون، صبرنا حرصاً على استقرار السودان. لذا من غير المنطقي أن نسعى لتوتير العلاقة بينكم والبرهان، فإن عدم استقرار السودان واندلاع حرب فيه سيدمر ما بقي فيه ولن يبقي لأي جهة بلداً لتحكمه.. هذا كان موقفنا الذي لم نتزحزح منه.
قال له حميدتي: إنك تفعل ذلك عبر نسيبك الضابط بمكتب البرهان.
أجابه كرتي: إنني لا أعرف هذا الضابط ولم ألتقه قط. وقد بلغني وأنا مختفٍ أن ضابطاً خطب بنت أختي فقلت لهم: تحرّوا عن شخصيته، فإن وجدتموه صالحاً فزوِّجوه، لكنني لم أره حتى الآن. ثم إنني علمت أنه أُلحق بالملحقية العسكرية بأبي ظبي وأنه غير موجود بالسودان، فكيف يستقيم ما قلته مع المنطق؟
هنا قال كرتي لحميدتي: إننا نراك تتحرك مع البرهان وتتضاحكان وتتحدثان؛ فلم لم تجلسوا لمناقشة مشاكلكم؟
رد عليه حميدتي: نعم، إننا نلتقي لكننا لا نناقش الخلافات.
هنا اقترح عليه كرتي أن يُدخلا وسيطاً موثوقاً لكليهما.
وسأله حميدتي: مثل من؟
فقال له كرتي: أنا أعرف أن الفريق ميرغني إدريس صديق لك ومحل ثقتك وهو في نفس الوقت دفعة وصديق للبرهان؛ ومن ثم فهو محل ثقة الطرفين؛ فلماذا لا تجعلانه وسيطاً بينكما؟
ارتاح حميدتي لاقتراح كرتي بتوسيط الفريق ميرغني إدريس.
وبالفعل تمت تلك الوساطة، وارتاح حميدتي لنتائجها، بل إنه قال لوفد من الطرق الصوفية: إن العلاقة بينه والجيش عادت لمجاريها.
وبعد أمد قصير سافر حميدتي للجنينة بحجة حل المشكلات القبلية بالمنطقة. وبقي هناك قرابة شهرين.
وأثناء إقامته بالجنينة، التقاه وفد يمثل مبادرة مولانا الخليفة الطيب الجد.. وعرض عليه المبادرة الوفاقية فقَبِلَها ووافق عليها.
للأسف لم يكن حميدتي صادقاً مع صديقه الفريق ميرغني حين قال له: إنه لا عداء له مع الجيش بعد وساطته. فقد اتصل بالإمارات لتوالي إمداده.
وبالفعل تواصل إمداد الإمارات لَهُ بالصواريخ الحرارية والمسيرات ومركبات النمر العسكرية، بل حتى الوجبات الغذائية الجاهزة، وتواصل تجسسه على قيادات المجلس العسكري عبر منظومة بيقاسوس (الإسرائيلية التصنيع) التي أمدته بها الإمارات؛ وتعمل من مركزها في مبنى المستشارية الأمنية الفخم الذي كان قد بناه صلاح قوش.
وتواصل الإمداد بكل أنواع السلاح، وواصل هو تجنيده لعشرات الألوف.
وواصل شراء ذمم صحفيين وإعلاميين ورجال طرق صوفية ونظّار قبائل.
وفي الجنينة التقى بنظّار وناشطين في حركات مختلفة، وفاعلين سياسيين وحرضهم جميعهم على الاستعداد للحرب القادمة مع الجلابة. وما كانت تصريحات محمد عيسى عليو (الرزيقي)؛ ولعلها كانت في أكتوبر 2022؛ بالاستعداد لاستقبال نازحين يأتون لدارفور من فراغ!!!
وكذلك كذب حميدتي على وفد مبادرة الخليفة الطيب الجد، حين صرّح لهم بقبولها.
فعل كل تلك الاشياء لأنه كان مهووساً بأنه مستهدف ويعتقد أنه من الضروري أن يستعد للأسوأ.
وكان شقيقه عبد الرحيم أشد تطرفاً في هذا، فظل يحرضه، ويوغر صدره، ويثير مزيداً من الهواجس لديه ضد الجيش وضد الإسلاميين.
لكن عودة العلاقات العادية بين البرهان وحميدتي لم يُعجب قحت، ولم يُعجب ڤولكر بيرتس.
فسافر ڤولكر بيرتس للجنينة وأقنع حميدتي أن البرهان والإسلاميين يتآمرون عليه، وأنه من الأفضل له أن يواجههم.
????السفير عبد الله الأزرق
———————————
17 مارس 2024
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: رمضان.. شهر التقوى والفضيلة
نتطلع إلى ما يجري خلال أيام شهر رمضان الكريم؛ فنجد تغيّرات حميدة في العديد من السلوكيات لدى الكثير؛ فنرى استعدادات معنوية ومادية تلوح ملامحها في أجواء تشكّل روحانيات رمضانية؛ فتسمع القرآن والتواشيح والأدعية التي تطرب القلوب وتشنف الآذان وتسقي الوجدان من فيض نغم شجن التلاوات المتنوعة لكبار القرّاء والمنشدين. كما تُعقد جلسات الذكر والوعظ التي يتجدّد من خلالها الإيمان وتزداد شعلته.
في شهر الطيبات والتسابق تجاه أعمال البر، حثّنا القرآن الكريم على تدبّر الآيات ووعي ما يوجَّه إلينا من تعاليم تهدينا إلى الصراط المستقيم، وفي التنزيل العزيز قال الله – تعالى –:
﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 185).
عَظُم هذا الشهر بتنزّل القرآن الكريم، الدستور المنظِّم للحياة بمكتمل أركانها؛ فلم يترك شاردة ولا واردة إلّا وتجد لها أصلًا وحكمًا في كتاب الله – عز وجل – لذا فقراءة القرآن وتدبّر ما به من أحكام تنير لنا الطريق ولا تدع مجالًا للغيّ أو التشرذم؛ فقد أتى بالتكليفات وشفعها بالرخص؛ فخالق الخلق أدرى وأعلم بخلجات الصدور وما تكنّه الأفئدة. وعلينا أن نزكّي النفس ونطهّرها من خلال الانغماس في الطاعات والبعد عن كل ما من شأنه أن يضعف العزيمة وينال من الإرادة تجاه الأعمال الصالحات في تلك الأيام الطيبة التي تمضي سريعًا.
رمضان فرصة سانحة كي نخرج من بيئة ممتلئة بزخم المادة ونتّصل بعبق نفحاته التي تكمن في العديد من السلوكيات الحميدة؛ حيث إن العطاء من المداخل التي تسهم في خلق مناخ إيجابي تبحر الروح من خلاله في التدبّر؛ فترى أن هجران ما يعيق الطاعات بات أمرًا ميسورًا؛ فقد أصبح سياج الحماية قائمًا على فلسفة التقبّل التي تبدو جلية فيما ننهله من مواعظ وتذكرة وما نسمعه من قصص ملهمة تخرج من ألسن صادقة وقلوب عامرة بذكر الرحمن الرحيم.
شهر التقوى والفضيلة تتكاثر فيه أسباب الخير، وتتّسع فيه شراكات الطاعات وفضائل الأعمال وصور البر، وتلك من المعينات التي تغرس في النفوس والوجدان قيمًا نبيلة، مجتمعةً كانت أم مرتبطة بالعقيدة. وهذا يجعل الإنسان لا يتهاون في أداء الفرائض، ولا يتكاسل عن أفعال الخير، ولا يتراجع عن طريق نور الهداية، بل يجتهد قدر استطاعته ويتلمّس عبر ذلك رضا الله – تعالى – ويطلب راجيًا عفوه وغفرانه بكلمات رقراقة. كما كان يقول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم:
«اللَّهُمَّ إني أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، وَالغِنَى». رواه مسلم.
نحتاج من الحين إلى الآخر لأوقات نختلي بها؛ لتأخذ الروح قسطًا من الراحة؛ حيث تشتاق للذكر وتلاوة القرآن بغية التدبّر في معانيه، والغور في سياق تراكيبه البديعة، واستلهام الموعظة والعِبرة في متلون قصصه؛ فتزداد تقوى الإنسان منا، وتلك – والله – غاية عظيمة تصبّ في فلسفة الاستخلاف على الأرض. فقد قال الله – تعالى – في محكم التنزيل: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56).
ولا ننسى أن من مفردات العبادة يتمخّض الإعمار بالعمل والجد والاجتهاد؛ فالارتباط وثيق دون ريب.
في أيام شهر التقوى والفضيلة نتخلّص من هموم الحياة وحساباتها الضيقة، ونتطلّع إلى رب السماوات والأرض، ونحاول تصفية نفوسنا من شهوات ورغبات امتلكت الوجدان، وصار البحث عنها واللهث وراءها في هرم الأولويات؛ لذا لا نتقاعس عن كل فعل وعمل مكوّنه البر ومفاده نفع الناس؛ فما أجمل استدامة العطاء.
وفي هذا الإطار نختم كلامنا بحديث رواه ابن عمر – رضي الله عنهما –:
أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله! أيُّ الناس أحبُّ إلى الله؟
فقال:
«أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفعُهُمْ للناسِ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ – عزَّ وجلَّ – سرورٌ يُدْخِلُه على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، ولأنْ أَمْشِيَ مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ أعتَكِفَ في هذا المسجدِ شهرًا. ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عورتَهُ، ومَنْ كَظَمَ غيظَهُ ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضاهُ ملأَ اللهُ قلبَهُ رجاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ، أثْبَتَ اللهُ قدمَهُ يومَ تزولُ الأقدامِ».
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.