استراتيجية لإصلاح التعليم في السودان تماشياً مع شعارات ثورة ديسمبر2018
بقلم
الدكتور أحمد جمعة صديق
جامعة الزعيم الأزهري - جامعة الخرطوم

تحويل المدارس الى وحدات منتجة

• نظرة مجحفة في دور وزارات التربية والتعليم.
ينظر دائماً الى وزارة التعليم في بلادنا كأوعية خدمية تخصم من الأموال العامة ولا تدعم الميزانية السنوية أو ترفدها بقدرمحسوس من الدراهم.

فوزارة التربية بهذا الفهم، ينبغي أن تكون كوزارات الصناعة والتجارة والاقتصاد والزراعة، وهي وزارات جالبة للمال وبالتالي تمثل وزارات السيادة في الدولة، يطمع كل واحد من السياسيين والحزبيين في أن تكون من نصيب حزبه. فوزارة التجارة أصبحتstigmatized من موروثات الحزب الاتحادي لان طبيعة الحزب تقوم على قاعدة تجارية تهيمن على السوق وتمسك بمفاصل التجارة الخارجية والداخلية. وبعض الوزارات يتأفف منها البعض ان كانت من نصيب حزبه في المحاصصة الوزارية كوزراة الثرة الحيوانية التي رفضها المرحوم فيلب عباس غبوش وقال انها أنسب أن تكون من نصيب (البقارة).
هذا التصور السلبي لدور وزارات التربية التعليم كوزارات خدمية أقعدها عن دورها الطبيعي في اعداد الكادر البشري والذي بدوره يقود جميع مؤسسات واجهات الحكم في السودان بصورة أفضل، لقلة المال. ولا غرابة أن يكون نصيب الوزرارة من الميزانية السنوية لا يزيد عن 3% في احسن الاحوال ولم يتجاوزر هذا الرقم الا بعد الثورة في 2018 حيث ارتفع قليلاً .فقد بلغت ميزانية التعليم في السودان عام 2015 ربع الميزانية المرصودة لإعادة تأهيل مباني وزارة الدفاع. وتبلغ ميزانية الأمن والدفاع 1700 مليار جنيه مضافاً إليها 121 مليار جنيه سوداني (فقط) لإعادة تأهيل مباني الوزارة، بينما لا تتجاوز ميزانية التعليم في كل البلاد 31 مليار جنيه سوداني فقط، أي 2.8% فقط من إجمالي الميزانية.
ومع ذلك يمكن لوزارات التعليم أن تدخل في التصنيف كوزارات جالبة للدخل اذا أدخلنا عليها بعض السياسات التي تجعل من المدرسة (وحدة انتاجية) وجالبة للدخل وتجعل من الطلاب مجتعماً منتجاً، اذا احسن ادارة هذا الملف، في تحويل المدارس وخاصة الثانوية بكافة تخصصاتها الى وحدات منتجة، في أنشطة مناسبة كالزراعة وتربية الحيوان في الريف، وبعض مشاريع التصنيع في الحضر والمدن.
هذا المقترح في رأي قابل للتطبيق اذا تولت الجهات المسئولة عمل دراسات جدواه الاقتصاديه وتمويله، كما اقترحنا آلية (التمويل الاصغر) من البنوك المحلية وقطاعات التعاون. اذن يمكن أن تصبح وزارة التربية والتعليم رافداً للميزانية العامة لتغيير الصورة النمطية السالبة عن هذه الوزرات التي تعلّم كل المهن وفي كل مجال.
• التمويل الأصغر
التمويل الأصغر في السودان يشير إلى الخدمات المالية، مثل القروض الصغيرة وحسابات التوفير ومنتجات التأمين، التي تقدم للأفراد ذوي الدخل المنخفض والشركات الصغيرة اللتين غالباً ما يفتقران إلى الوصول إلى الخدمات المصرفية التقليدية. تقدم هذه الخدمات من قبل مؤسسات التمويل الصغير (MFIs)، بما في ذلك البنوك المتخصصة في التمويل الصغير والمنظمات غير الحكومية (NGOs)، والجمعيات التعاونية الائتمانية. ويستهدف التمويل الصغير في السودان شرائح مختلفة من السكان، وتشمل:
1.رواد الأعمال الصغار: وهم أصحاب الأعمال الصغيرة، بما في ذلك بائعي الشارع والحرفيين والمزارعين ذوي الحجم الصغير، الذين يحتاجون إلى دعم مالي لبدء أو توسيع أعمالهم.
2. المجتمعات الريفية: المزارعين وعمال الزراعة في المناطق الريفية الذين يحتاجون إلى الوصول إلى الائتمان لمدخلات الزراعة والمعدات والمواشي.
3. النساء: يستهدف التمويل الصغير غالباً النساء، مع الاعتراف بدورهن كمساهمين رئيسيين في دخل الأسرة وتنمية الاقتصاد، اذ ينبغي أن يتاح للنساء فرص لريادة الأعمال وتمكينهن من خلال الوصول إلى الخدمات المالية.
4. الشباب: قد تستهدف برامج التمويل الصغير أيضاً رواد الأعمال الشبان والأفراد الذين يسعون لبدء أعمالهم الخاصة أو متابعة فرص التدريب المهني.
5. الأفراد ذو الدخل المنخفض: يستفيد الأفراد الذين يعيشون في الفقر أو الذين لديهم وصول محدود إلى الخدمات المالية الرسمية من التمويل الصغير لتلبية احتياجاتهم الأساسية، والتعامل مع الطوارئ، وبناء الأصول.
• القرض
يختلف المبلغ الذي يمكن للأفراد أو الشركات اقتراضه من خلال التمويل الصغير في السودان اعتماداً على عدة عوامل، بما في ذلك:
- سياسات ومعايير الإقراض للمؤسسة المالية الصغيرة،
- وقدرة المقترض على السداد،
- وغرض القرض.
وتتراوح القروض الصغيرة في السودان عادة من مبالغ صغيرة، اي ما يعادل بضع مئات من الدولارات، إلى مبالغ أكبر، ولكنها عموماً أصغر من القروض المصرفية التقليدية. كما تختلف شروط السداد أيضاً، حيث تتطلب بعض القروض دفعات أسبوعية أو شهرية على مدى فترة محددة. علاوة على ذلك، قد تكون أسعار الفائدة التي تفرضها مؤسسات التمويل الصغير أعلى من تلك التي تفرضها البنوك التقليدية بسبب المخاطر الأعلى المرتبطة بالإقراض للأفراد ذوي الدخل المنخفض والشركات الصغيرة.
• مبادرات عالمية ناجحة للتمويل الاصغر
هناك العديد من المبادرات الناجحة في مجال التمويل الصغير حول العالم التي أحرزت تأثيراً كبيراً في التخفيف من الفقر وتعزيز الشمول المالي وتمكين الاقتصاد. فيما يلي بعض الأمثلة:
1. بنك جرامين Grameen Bank(بنغلاديش): تأسس بنك جرامين عام 1983 على يد بروفسير محمد يونس (نال جائزة نوبل) بهذا المشروع، وهو أحد أشهر وأنجح المؤسسات المالية الصغيرة على مستوى العالم. يقدم بنك جرامين قروضاً صغيرة وحسابات التوفير وغيرها من الخدمات المالية للأفراد ذوي الدخل المنخفض، خاصة النساء، في المناطق الريفية في بنغلاديش. تم استنساخ نموذج الإقراض الجماعي والضمان الاجتماعي الذي يتبعه بنك جرامين في العديد من البلدان حول العالم.
2. براك (بنغلاديش): براك، المعروف سابقاً باسم اللجنة الريفية لتطوير بنغلاديش، بدأت كعملية إغاثة صغيرة في عام 1972 ونمت منذ ذلك الحين لتصبح واحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم. تقدم براك مجموعة من البرامج التنموية، بما في ذلك التمويل الصغير والتعليم والرعاية الصحية ومبادرات تمكين المرأة. وصل برنامجها للتمويل الصغير ملايين المقترضين، وتعد النساء هم الغالبية في بنغلاديش وخارجها.
3. SKS Microfinance (الهند): تأسست SKS Microfinance عام 1997، وهي واحدة من أكبر المؤسسات المالية الصغيرة في الهند. تقدم قروضاً صغيرة للأفراد ذوي الدخل المنخفض، وخاصة النساء، في المناطق الريفية والشبه حضرية لدعم الأنشطة التي تولد الدخل. على الرغم من مواجهتها لتحديات وجدل حول أسعار الفائدة وديون المقترضين، فقد لعبت SKS Microfinance دوراً كبيراً في توسيع الوصول المالي وتحسين معاشات الحياة في الهند.
4 Compartamos Banco. (المكسيك): تأسست عام 1990، وهي مؤسسة مالية صغيرة في المكسيك تقدم خدمات مالية للأفراد ذوي الدخل المنخفض، خاصة رائدات الأعمال النساء. لقد تعرف عليها الجمهوربسبب نهجها المبتكر في التمويل الصغير واستخدام التكنولوجيا للوصول إلى الشرائح غير المخدومة. لقد جذب الطرح العام الناجح لـ Compartamos Banco في عام 2007 انتباهاً إلى قابلية المشروع التجارية للتمويل الصغير.
5. : Kiva هي منظمة غير ربحية تسهل قروض التمويل الجماعي لرجال الأعمال والشركات الصغيرة في أكثر من 80 دولة حول العالم. اذ من خلال منصتها على الإنترنت، يمكن للأفراد أن يتقدموا للحصول على قروض بقيمة 25 دولاراً فقط للمقترض، وغالباً بالتعاون مع مؤسسات التمويل الصغير المحلية. استغلت Kiva التكنولوجيا لتعميم الوصول إلى التمويل وتمكين الأفراد لدعم مبادرات التنمية الاقتصادية على مستوى العالم.
توضح هذه الأمثلة التنوع في النماذج والنهج في مجال التمويل الصغير الذي أثبت نجاحه في التعامل ضد الاستعباد المالي وتمكين الشرائح المهمشة عبر مناطق مختلفة في العالم للتحرر من الفقر.
• المدارس الثانوية كوحدات منتجة
تحويل المدارس الثانوية في السودان إلى وحدات إنتاجية ومولدة للدخل يتطلب نهجاً مخصصاً يأخذ في الاعتبار السياق المحلي والاحتياجات التعليمية والموارد المتاحة. فيما يلي بعض الاستراتيجيات المحددة:
- التدريب الزراعي والمهني:
نظرًا لطبيعة اقتصاد السودان الزراعي بشكل رئيسي، ينبغي دمج التعليم الزراعي والتدريب المهني في منهج المدراس الثانوية. فعلى سبيل المثال، يمكن إنشاء مزارع مدرسية أو حدائق حيث يمكن للطلاب تعلم المهارات العملية في الزراعة وتربية المواشي والدواجن. ويمكن بيع الفائض من المنتجات لتوليد دخل للمدرسة.
- برامج تطوير المهارات:
يمكن تقديم برامج تطوير المهارات المتخصصة ذات الصلة بالصناعات والحرف المحلية. ويمكن أن تشمل هذه التدريبات النجارة واللحام والبناء أو المهارات المهنية الأخرى اللازمة في المجتمع. ويتم ذلك بالتعاون مع الشركات المحلية لتوفير فترات تدريبية أو فرص عمل للطلاب.
- المشاركة والتواصل مع المجتمع:
تشجيع التواصل مع المجتمع المحلي لتحديد احتياجاتهم وتطوير برامج أو خدمات تلبي تلك الاحتياجات. يمكن ذلك عن طريق تقديم دروس تعليمية للبالغين أو ورش عمل مجتمعية أو برامج الأمية مصممة وفقاً لاحتياجات السكان.
- استخدام الطاقة المتجددة:
استكشاف فرص لتوليد الدخل من خلال مبادرات الطاقة المتجددة، مثل تثبيت الألواح الشمسية أو محطات الطاقة الرياح على أراضي المدرسة. يمكن بيع الطاقة الزائدة إلى الشبكة، مما يوفر مصدرًا للدخل للمدرسة.
- السياحة الثقافية والتراثية:
الترويج للسياحة الثقافية والتراثية من خلال عرض التقاليد المحلية والفنون والحرف. تنظيم فعاليات ثقافية ومعارض حرفية أو جولات تراثية تشمل الطلاب في التخطيط والتنفيذ. يمكن توليد الدخل من خلال بيع تذاكر الدخول، ومتاجر الهدايا، أو الجولات الموجهة.
- تدريب مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات :ICT
يمكن تزويد الطلاب بالمهارات الأساسية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتحليلات، التي تزداد طلباً في مختلف القطاعات. تقديم دورات تدريبية في تكنولوجيا المعلومات أو ورش عمل في البرمجة التي تعد الطلاب لمسارات مهنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات.
- برامج تبادل اللغات والثقافات:
الشراكة مع مدارس أو منظمات من مناطق أو دول أخرى لتسهيل برامج تبادل اللغات والثقافات. استضافة لطلاب أجانب أو تنظيم جولات دراسية أو إقامات في البيوت أو برامج غمر في اللغة تولد الدخل من خلال رسوم البرنامج والإقامة.
- تعليم ريادة الأعمال:
دمج تعليم ريادة الأعمال في المنهج الدراسي لتنمية التفكير الريادي والمهارات للطلاب. ويجب تشجيع الطلاب على تطوير وإطلاق أعمالهم الخاصة، مع دعم من المدرسة من حيث التوجيه والوصول إلى الموارد والمساعدة في التسويق.
- تطوير مرافق الرياضة والترفيه:
تطوير مرافق الرياضة والترفيه داخل أراضي المدرسة وفتحها للاستخدام العام. تقديم انتساب عضوية أو الوصول بمقابل إلى المرافق مثل ملاعب الرياضة وحمامات السباحة أو مراكز اللياقة البدنية.
- الشراكات والرعايات:
التعاون مع الشركات المحلية أو المنظمات غير الحكومية أو الوكالات الحكومية لرعاية برامج المدرسة أو الفعاليات أو مشاريع تطوير البنية التحتية. البحث عن منح أو فرص تمويل لدعم المبادرات التي تتماشى مع أهداف المدرسة.
• شركاء النجاح
تنفيذ هذه الاستراتيجيات يتطلب التعاون بين إدارة المدرسة والمعلمين والطلاب وأولياء الأمور وأصحاب المصلحة في المجتمع. من الضروري إجراء دراسات مستفيضة للتخطيط ودراسات الجدوى والتقييم المستمر لضمان استدامة وفاعلية المبادرات المولدة للدخل في المدارس الثانوية في السودان.
يتطلب التعامل مع التمويل الصغير من البنوك المحلية في بيئات المدارس في السودان التعاون بين المدارس والبنوك المحلية وأصحاب المصلحة ذات الصلة. فيما يلي الخطوات لتيسير هذا التعاون:
1. تحديد الاحتياجات المالية: إجراء تقييم لتحديد الاحتياجات المالية للمدارس في السودان. تحديد المجالات الخاصة حيث يمكن أن يكون التمويل الصغير مفيدًا، مثل تطوير البنية التحتية أو الموارد التعليمية أو مشاريع توليد الدخل.
2. البحث في البنوك المحلية: تحديد البنوك المحلية في السودان التي تقدم خدمات التمويل الصغير أو لديها برامج تستهدف المؤسسات التعليمية. البحث في معايير الأهلية الخاصة بهم، وأسعار الفائدة، وشروط السداد، وعمليات التقديم.
3. إقامة شراكات: التواصل مع البنوك المحلية لاستكشاف فرص الشراكة أو التعاون المحتملة. تسليط الضوء على فوائد الاستثمار في بيئات المدارس، مثل تعزيز التعليم وتطوير المجتمع وتمكين الاقتصاد.
4. تطوير الاقتراحات: إعداد اقتراحات شاملة توضح متطلبات التمويل الخاصة، والاستخدام المقترح للأموال، والنتائج المتوقعة، وخطط السداد المحتملة. التركيز على الأثر الاجتماعي والفوائد على المدى الطويل للاستثمار في التعليم.
5. إشراك أصحاب المصلحة: تشمل أصحاب المصلحة ذوي الصلة، بما في ذلك مديري المدارس والمعلمين وأولياء الأمور وأفراد المجتمع المحلي، في عملية اتخاذ القرار. التمس مساهمتهم ودعمهم لإظهار التزام الجماعي بتحسين بيئات المدارس.
6. تخصيص حلول التمويل: العمل مع البنوك المحلية لتخصيص حلول تمويل مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات وإمكانيات المدارس في السودان. النظر في جداول سداد مرنة، وأسعار فائدة تنافسية، والدعم في بناء القدرات لضمان تنفيذ ناجح.
7 .ضمان الاستدامة: الأولوية للمشاريع أو المبادرات التي لها القدرة على توليد الدخل أو عوائد استثمار مستدامة. التركيز على الأنشطة التي تولد الدخل داخل بيئات المدرسة التي يمكن أن تولد الإيرادات لسداد القروض ودعم العمليات المستمرة.
.8رصد وتقييم: إنشاء آليات لرصد وتقييم أثر مبادرات التمويل الصغير في بيئات المدارس. تتبع التقدم، وقياس النتائج، وتحديد المجالات التي يمكن تحسينها لضمان الاستخدام الفعال للأموال والتنمية المستدامة.
9. تعزيز الوعي المالي: تقديم التدريب والدعم لمديري المدارس والمعلمين وأصحاب المصلحة لتعزيز الوعي المالي والمهارات الإدارية. تمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة، وإدارة الأموال بفعالية، وتحقيق الاستفادة القصوى من التمويل الصغير.
10. الدعوة لصياغة سياسات داعمة: الترويج لسياسات ولوائح داعمة تسهل الوصول إلى التمويل الصغير للمدارس في السودان بالتعاون مع السلطات الحكومية وصانعي السياسات والجهات التنظيمية لمعالجة العقبات التنظيمية وتعزيز الاندماج .

aahmedgumaa@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: تکنولوجیا المعلومات الخدمات المالیة البنوک المحلیة إلى الخدمات التعلیم فی فی السودان التعاون مع الوصول إلى بما فی ذلک صغیرة فی یمکن أن من خلال

إقرأ أيضاً:

هل يمكن إلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب؟

وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، سلسلة من الأوامر التنفيذية بعد ساعات من أدائه اليمين الدستورية وعودته إلى البيت الأبيض.

وتشمل أبرز الأوامر  التنفيذية والتوجيهات، الهجرة والعفو الجنائي ومجتمع “الميم” والانسحاب من اتفاقيات دولية والتراجع عن قرارات سابقة لسلفه جو بايدن.

وتُعد الأوامر التنفيذية أداة رئيسية يستخدمها الرؤساء الأميركيون في بداية ولاياتهم، لترسيخ توجهات إداراتهم الجديدة. وتمثل أعلى مستويات الإجراءات التنفيذية من حيث الرسمية، مستمدة شرعيتها القانونية من المادة الثانية في الدستور الأميركي.

وبمجرد أن يوقع الرئيس أمرا تنفيذيا، يمكن أن يدخل حيز التنفيذ فورا أو بعد أشهر، اعتمادا على ما إذا كان يتطلب إجراء رسميا من وكالة فدرالية، أو يواجه تدقيقا قانونيا.

وتأتي هذه الأوامر في شكل توجيهات رسمية يصدرها الرئيس لتنظيم عمل المؤسسات والوكالات الفيدرالية وتحديد كيفية استخدام مواردها، مع الالتزام بالضوابط والحدود التي رسمها الدستور والتشريعات الصادرة عن الكونغرس.

غير أن الأوامر التنفيذية تخضع لمجموعة من القيود والضوابط التي تحد من نطاق تأثيرها وديمومتها. فهي ليست تشريعات دائمة، إذ يمكن للرؤساء اللاحقين إلغاؤها أو تعديلها بسهولة، وهذا ما نشهده في التغييرات المتتالية بين الإدارات الأميركية.

على سبيل المثال، ألغى ترامب مؤخرا العديد من الأوامر التنفيذية التي أصدرها بايدن، تماما كما فعل بايدن الشيء ذاته عندما تولى الرئاسة عام 2021، بإلغائه أوامر سابقة لترامب.

كما أن هذه الأوامر قد تواجه عقبات تعيق تنفيذها أو تؤخرها، سواء من خلال الطعون والتحديات القانونية أمام المحاكم، أو من خلال العراقيل التي قد يضعها الكونغرس في طريق تطبيقها.

يمتلك الرؤساء الجدد في الولايات المتحدة، سلطة واسعة في إلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها أسلافهم، وهذا ما نراه بشكل متكرر عند تغير الإدارات.

على سبيل المثال، في عام 2020، بنى بايدن حملته الانتخابية على وعود بتغيير مسار سياسات ترامب، وبالفعل قام بإلغاء العديد من أوامره التنفيذية في الأسابيع الأولى من رئاسته.

وفي المقابل، عندما عاد ترامب للرئاسة، قام بإحياء بعض سياساته السابقة التي كان بايدن قد ألغاها، مثل الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.

وبقراراته الأخيرة، سجل ترامب رقما قياسياً في أول يوم من عودته للرئاسة، بتوقيعه 26 أمراً تنفيذياً خلال ساعات من تنصيبه، متجاوزا بذلك جميع الرؤساء السابقين خلال العقود التسعة الماضية، منذ بدأ مكتب السجل الفدرالي في تتبع هذه الأوامر.

وفيما يتعلق بدور الكونغرس، فإن الأوامر التنفيذية لا تتطلب موافقته المسبقة، كما أنه لا يملك سلطة إلغائها بشكل مباشر، وفقا لنقابة المحامين الأميركية.

ومع ذلك، يمتلك الكونغرس أدوات مهمة للتأثير على تنفيذ هذه الأوامر، إذ يمكنه حجب التمويل اللازم لتنفيذها، أو سن تشريعات تجعل تطبيقها صعباً.

كما أن العديد من الأوامر التنفيذية، خاصة المتعلقة بالجوانب الاقتصادية والمالية، لا يمكن تنفيذها بشكل كامل إلا بعد موافقة الكونغرس، نظراً لسلطته الدستورية الحصرية على الميزانية.

لكن في الوضع الحالي، قد يتمكن ترامب من تجاوز معظم العقبات السياسية بالنظر لسيطرة الحزب الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ.

أما من الناحية القضائية، فتخضع الأوامر التنفيذية لرقابة المحاكم، وهناك سوابق تاريخية مهمة في هذا المجال.

ففي عام 1952 على سبيل المثال، أصدر الرئيس، هاري ترومان، أمرا تنفيذياً للسيطرة على مصانع الصلب لمنع إضراب العمال خلال الحرب الكورية، لكن المحكمة العليا رفضت هذا الأمر وأكدت أنه لا يملك سلطة الاستيلاء على الممتلكات الخاصة دون قانون من الكونغرس.

وفي الوقت الراهن، هناك تحديات قانونية مماثلة قد تواجه قرارات ترامب، مثل أمره بوقف حظر تطبيق تيك توك، لمدة 75 يوماً، حيث يرى خبراء قانونيون أن الشركات قد تظل مسؤولة قانونيا عن انتهاك الحظر الذي أقره الكونغرس وأيدته المحكمة العليا.

كما يُتوقع أن يواجه أمره بإنهاء حق المواطنة بالولادة تدقيقا قانونيا مماثلاً، بعد أن قام الاتحاد الأميركي للحريات المدنية (ACLU) برفع دعوى قضائية ضد الأمر.

وتنظر المحاكم إلى الأوامر التنفيذية على أنها صالحة قانونياً، ما لم تنتهك الدستور أو القوانين القائمة.

وقد سبق للمحاكم أن أيّدت بعض الأوامر المثيرة للجدل، مثل قرار حظر السفر الذي فرضه ترامب عام 2017 على 7 دول، والذي أيدته المحكمة العليا في النهاية عام 2018.

تختلف الأوامر التنفيذية عن القوانين بشكل جوهري، رغم أن كليهما يمتلك قوة إلزامية في التنفيذ.

فالأوامر التنفيذية، شأنها في ذلك شأن اللوائح الصادرة عن الوكالات الفدرالية، تستمد قوتها مباشرة من السلطة الرئاسية، وتصدر بقرار منفرد من الرئيس دون الحاجة إلى موافقة جهات أخرى.

أما القوانين، فتسلك مسارا مختلفا تماماً، إذ تبدأ رحلتها كمشروع قانون يُقدم إلى الكونغرس، ثم تخضع لعملية تشريعية معقدة تتطلب موافقة كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ.

وحتى بعد موافقة المجلسين، لا يصبح مشروع القانون نافذاً إلا بعد توقيع الرئيس عليه.

ونتيجة لهذا الاختلاف في المسار التشريعي، تتمتع القوانين بثبات وديمومة أكبر من الأوامر التنفيذية.

فبينما يمكن للرئيس الجديد إلغاء أو تعديل الأوامر التنفيذية لسلفه بسهولة، فإن تغيير القوانين يتطلب عملية تشريعية جديدة تمر عبر نفس المراحل الصارمة.

كما أن نطاق الأوامر التنفيذية محدود بتنفيذ وتفسير القوانين القائمة، في حين أن القوانين يمكنها إنشاء تشريعات جديدة كليا.

تتفاوت سرعة تنفيذ الأوامر التنفيذية وفقاً لطبيعتها وتعقيداتها، فبعضها يدخل حيز التنفيذ بشكل فوري، خاصة تلك المتعلقة بالقرارات المباشرة التي تقع ضمن الصلاحيات الرئاسية المطلقة.

ويتجلى ذلك مثلا في قرار ترامب الأخير بإصدار عفو شامل عن معظم المشاركين في أحداث السادس من يناير 2021 بمبنى الكابيتول، حيث أمر بإطلاق سراح المسجونين منهم في السجون الفيدرالية، بشكل فوري.

في المقابل، هناك أوامر تنفيذية يتطلب تطبيقها وقتا أطول، نظراً لاتساع نطاقها وتعقيد إجراءاتها.

ومن الأمثلة على ذلك، التوجيهات الصادرة للوكالات الفدرالية بشأن معالجة تكاليف المعيشة، والتي تحتاج قد تستغرق وقتاً حتى يتم تنفيذها بشكل كامل.

أما النوع الثالث من الأوامر التنفيذية، فهو الذي يواجه عقبات قانونية تؤخر تنفيذه أو قد تمنعه.

وتخضع هذه الأوامر عادة لمراجعات قضائية وطعون قانونية قد تستغرق وقتا طويلاً قبل البت في مصيرها النهائي، مما يجعل تنفيذها مرهونا بنتائج هذه المراجعات القانونية.

الحرة – هشام بوعلي

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • هل يمكن إلغاء الأوامر التنفيذية التي أصدرها ترامب؟
  • موعد بدء الفصل الدراسي الثاني 2024-2025 بحسب الخريطة الزمنية
  • ختام امتحانات الفصل الدراسي الأول لطلاب الشهادة الإعدادية بالإسماعيلية
  • محافظ بني سويف يتابع ختام امتحانات الفصل الدراسي الأول للشهادة الإعدادية
  • رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يتفقد ختام امتحانات الفصل الدراسي الأول
  • ختامها مسك.. انتهاء ماراثون امتحانات الشهادة الاعدادية الفصل الدراسي الأول بسوهاج
  • مليون شخص فروا إلى جنوب السودان جراء الحرب في السودان المجاور
  • امتحانات الفصل الدراسي الأول في مدارس حلب تسير وفق الخطة التي وضعتها وزارة التربية والتعليم
  • مليون شخص فروا من السودان جراء الحرب إلى جنوب السودان  
  • موعد انطلاق الفصل الدراسي الثاني بالمدارس 2025