من الطبيعي أن لكل حرب إفرازاتها، سواء كانت إيجابية على أحد الأطراف، أو سلبية على طرف آخر، وتختلف التحليلات حول (إفرازات حرب غزة)، بعضها من الناحية العربية يضخم النتائج الإيجابية، ويرى في كل ما يقال في الغرب مؤيداً للقضية، وشاجباً لما يمكن أن يسمى (البربرية الأخلاقية) لأعمال الدولة الإسرائيلية، هو انتصار من نوع ما، كما يرى البعض أن معظم التضخيم دافعه هو العاطفة، لا التحليل الموضوعي، لأن الخسائر الإنسانية فادحة، تفوق كثيراً ما يمكن أن يحقق بالسياسية من نتائج.
الساحة البريطانية مؤشر للإفرازات، فقد بدأت تلك الساحة سياسياً، مناصرة كلياً للصلف الإسرائيلي، إلى درجة أن من يطلب وقف إطلاق النار في الأسابيع الأولى من العمليات من السياسيين البريطانيين، يفصل أو يجمد من الحزب المنتمي إليه.
تدريجياً، تغيرت الصورة مع اتساع هول المعاناة من الفلسطينيين العزل في غزة، واتضاح الصلف الإسرائيلي الذي ليس له سقف في معاقبة المدنيين، وبدأ سياسيون بريطانيون يرفعون الصوت في البرلمان البريطاني ضد ذلك الصلف، ومع تطور الأمر، سُمح للمظاهرات المؤيدة لفلسطين بأن تخرج بكثافة، بعد أن منعت في الأسابيع الأولى، حتى وصل الأمر إلى نجاح جورج غلوي في انتخابات فرعية جرت في آخر فبراير الماضي، وقد هزم فيها كلاً من العضو المحافظ والعمالي المرشحين ضده، وهما أكبر حزبين، ورجع إلى البرلمان بعد انقطاع عقد من السنين!
عودة غلوي مؤشر، حيث إنه استند في حملته الانتخابية على مظلومية الفلسطينيين، وخصوصاً ما يحدث للمدنيين في غزة، وقد أثار ذلك جزءاً من اليمين المحافظ، فقام بعضهم بإطلاق تصريحات ضد (الأغراب)، وخاصة المسلمين البريطانيين، وهم شريحة واسعة ولها تأثير في السياسيات الداخلية البريطانية.
حتى الآن والأمور تبدو أنها (طبيعية) في اختلاف وجهات النظر، وإن كانت حادة، إلا أن تكاثر العنف اللفظي والعملي في الساحة البريطانية، دفع الحكومة، والتي أعلن وزير خارجيتها في وقت سابق، أن بريطانيا مع إقامة دولة فلسطينية، وهو إعلان مهم، إن أخذنا دور بريطانيا في الساحة الدولية، دفع الحكومة إلى تقييم عام للموقف.
تصاعد العنف جعل من الحكومة البريطانية تعلن أنها بصدد تقديم مفهوم سياسي مُحدث حول (الإرهاب)، وانتظر الجميع ذلك المفهوم الجديد، فجاء تصريح الوزير المختص الخميس الماضي، الرابع عشر من مارس في البرلمان، الذي حدد ما هو الإرهاب، ومن هي الجماعات العاملة في بريطانيا (إرهابية)، وجاء على رأسها (فرع الإخوان المسلمين)، فقط للمقارنة، إن رجع قارئ إلى الموسوعة البريطانية في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وقرأ عن (الإرهاب في الشرق الأوسط)، سوف يجد أن تلك الموسوعة تختصر الإرهاب في الشرق الأوسط، على جماعات شتيرن والهاجناة الإسرائيليتين!
إذن مفهوم الإرهاب قد تغير اليوم، على الأقل من وجهة النظر البريطانية، وربما تلحقها الدول الغربية، وهو استخدام (الدين في السياسة)، ولأن الدين شيء مقدس لدى أي من معتنقيه، فإن تبنيه أي نوع من العنف من قبل قوى سياسية من أجل التحشيد فهي (إرهابية)، وهو أخطر المخاطر التي قد تصيب المجتمعات، حيث يصبح قتل الآخر وتدميره (مقدس)!
وهنا نصل إلى محصلة العملية كاملة، ولأن جماعة «حماس» تركن إلى (الدين) في نضالها ضد الاحتلال، وهي لا أكثر من فصيل لا يشاركها فيه بقية الفصائل الفلسطينية الأخرى، فإن القرار البريطاني يحمل الكثير من المخاطر، فهو دون مواربة يقرن الإرهاب بتبنّي فكر ديني له بعد عسكري.
بين الكواليس اليوم القطبة العالقة في مفاوضات وقف إطلاق النار، هي لا أكثر من طلب عالمي بتخلي «حماس» عن حكم غزة، و«حماس» بدورها تصر على أن تكون – بعد المعركة- هي الحاكمة في غزة! لذلك فشلت كل المحاولات للوصول إلى وقف إطلاق النار في رمضان، وقد مضى تقريباً أسبوع منه.
المعادلة الحاكمة هنا، هل يمكن الاستمرار بالتضحية البشرية الهائلة في غزة، فقط لبقاء فصيل في الحكم؟ إنها دراما إنسانية قاتلة، ولا يستطيع أهل غزة في هذا الظرف التعبير الحر عن وجهات نظرهم، فهم إما مقتولون من عدوهم الإسرائيلي، أو مقموعون من فصيل يفضل الحكم على حقن دمائهم المهدورة! لو تخلت «حماس» عن شهوة الحكم، وطالبت ببرنامج سياسي دولي للقضية، لانتصرت وأفادت، بمطالبتها بالحكم فقط، تخسر القضية من جديد!!
محمد الرميحي – صحيفة البيان
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
جنرال إسرائيلي: إسرائيل فشلت في حرب غزة
شن الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال غيورا آيلاند، هجوماً غير مسبوق على تل أبيب، قائلاً: "فشلنا في الحرب على غزة فشلاً ذريعاً"، وإسرائيل هُزمت في الحرب وفق المعايير المهنية ولم تحقق أهدافها، مضيفاً أن حماس تمكنت من فرض شروطها على تل أبيب.
وجاء ت هذه التصريحات في مقابلة أجرتها إذاعة "103FM" التابعة لصحيفة "معاريف" العبرية.
و"آيلاند"، هو مهندس "خطة الجنرالات"، التي اقتُرحت قبل عدة أشهر، ودعت إلى محاصرة شمال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه.
وقال آيلاند في المقابلة: "الصورة هي أن إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في حرب غزة، من هنا يجب أن نبدأ وإلا فإننا نخلق توقعات لأشياء غير واقعية".
وأضاف: "الهزيمة الإسرائيلية في حرب غزة تقاس وفق معيارين ليسا سياسيين ولا شعبويين، بل مهنيين: الأول هو فحص من حقق أهدافه ومن لم يحققها، والثاني هو معرفة أي طرف نجح في فرض إرادته على الطرف الآخر".
وأوضح: "وفقاً لهذين المعيارين، فإن إسرائيل لم تحقق أهدافها، بينما استطاعت حماس فرض شروطها".
גיורא איילנד מודה: "ישראל נכשלה בגדול במלחמה בעזה"https://t.co/KCVYhS3Sf3
— מעריב אונליין (@MaarivOnline) February 13, 2025وقال آيلاند: إنّ "حماس تستطيع أن تُملي علينا في المرحلة الثانية "اتفاقاً" نحصل بموجبه في أفضل الأحوال على بقية المحتجزين لديها، وهذا مهم، ولكنّنا سندفع الثمن أيضاً بالإفراج الجماعي عن مئات الأسرى".
وأضاف: "سيتعين على إسرائيل أيضاً أن توافق على إنهاء الحرب والانسحاب من المحيط الأمني"، الذي أقامه الجيش الإسرائيلي داخل غزة.
Maariv on the former head of the Israeli occupation's National Security Council, #Giora_Eiland:
"Israel failed miserably in the #Gaza war & its defeat can be measured by knowing who achieved their goals & which side imposed its will on the other. The army withdrew from… pic.twitter.com/BAUd91Jwra
وتابع قائلاً: "لا أسمّيها حماس، بل دولة غزة، انظروا إلى الصفقة (اتفاق غزة)، فتحت إسرائيل معبر رفح، وانسحبت من محور نتساريم، وعاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشمال، وهي لا تسمح فقط بدخول الغذاء والماء إلى غزة، بل أيضاً دخول المعدات التي تُشكّل بداية إعادة الإعمار".
وأقر اللواء بأن "كل ما كانت الحكومة الإسرائيلية تقوله طيلة الستة عشر شهراً الماضية هو كلمات جميلة بلا غطاء، ووعود بلا تنفيذ"، مضيفاً "ما يمكن أن يغير علاقات القوة بين دولة إسرائيل ودولة غزة هو الجانب الاقتصادي".
وأوضح: "إذا كانت إسرائيل تعتقد أن الضغط العسكري وحده سيحقق النتائج، فلن يحقق أي ضغط عسكري هذه النتائج"، مشيراً إلى عدم جدوى العمليات العسكرية بقطاع غزة.
وأضاف: "إذا تمكنت من احتلال القطاع وظل المدنيون هناك، فإن حماس ستبقى أيضاً. وبصرف النظر عن تلقي هجمات رهيبة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، فلن تكسب شيئاً".
وتابع قائلاً: "أنا لست مع التجويع، بل مع عدم تقديم المساعدات كوسيلة ضغط"، لكن "الشيء الوحيد - واليوم فات الأوان لأننا في الاتفاق القائم اتفقنا على زيادة عدد الشاحنات الداخلة - هو إغلاق جميع المعابر ومنع دخول المساعدات وإمدادات الوقود".
Former Israeli national security adviser Giora Eiland describes the recent war in Gaza as “a resounding failure” for Israel, acknowledging that Hamas has not only prevented Israel from achieving its goals but has also secured its own pic.twitter.com/e3He19U4bc
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) January 19, 2025وفي ختام حديثه بالقول: "عندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون مع المسؤولين الأمريكيين، ويخلقون لديهم انطباعاً خاطئا بأنه إذا لم تفعل حماس هذا وذاك فإننا سنجدد الحرب ونريهم ذلك، يقول الأمريكيون: افعلوا هذا، ولكن هذا لن يغير الواقع. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلق التغيير هو إغلاق كل المعابر ووقف الإمدادات"، وفق "معاريف".
وتأتي هذه التصريحات، بعد أن أعلنت حركة حماس تجميد إطلاق سراح أسرى إسرائيليين مقرر الإفراج عنهم السبت المقبل، لحين وقف انتهاكات تل أبيب، والتزامها بأثر رجعي بالبرتوكول الإنساني للاتفاق في ظل الأوضاع الكارثية في غزة.
وأمس الخميس، أعلنت حماس أن الوسطاء يضغطون على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة واستئناف عملية تبادل الأسرى السبت المقبل.
قطر ومصر تنجحان في حل أزمة اتفاق غزة.. وحماس تصدر بياناً - موقع 24أكدت حركة حماس، اليوم الخميس، الاستمرار في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما في ذلك تبادل الأسرى وفق الجدول الزمني المحدد.وبدأ سريان اتفاق غزة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، ويشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوماً، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.