مرحلة ما بعد الحرب تثير سجالا بين الجيش وباقي الفرقاء بالسودان
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
أثار إعلان عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للجيش السوداني ياسر العطا بأن الجيش لن يسلم السلطة إلى القوى المدنية إلا عبر انتخابات وأن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان سيكون رأس الدولة خلال الفترة الانتقالية، جدلا وسط الفرقاء السودانيين، واتهمت قوى معارضة الجيش بالسعي للاستمرار في السلطة وتأسيس حكم استبدادي.
وقال العطا إن الجيش لن يسلم السلطة لقوى سياسية أو مدنية أو أحزاب دون انتخابات. وأضاف في كلمة أمام قيادات "تنسيقية القوى الوطنية" المساندة للجيش في أم درمان "أنه لا بد من فترة انتقالية يكون القائد العام للجيش هو رأس الدولة ومشرف عليها، تشارك فيها الأجهزة الأمنية على رأسها الجيش والشرطة والأمن".
تسوية سياسيةوأتى حديث العطا بعد يومين من كشف الحزب الشيوعي وحزبي الأمة القومي والبعث العربي الاشتراكي، في لقاء مشترك بالقاهرة، عن مشروع تسوية سياسية تؤسس لشمولية يتقاسم فيها الجيش وقوات الدعم السريع والحركات المسلحة وتنظيمات مدنية السلطة لمدة 10 سنوات.
وكان البرهان قد قال في فبراير/شباط الماضي إنه "إذا لم تنته الحرب، فلن تكون هناك عملية سياسية في السودان".
ويضغط المجتمع الدولي والإقليمي لإقرار عملية سياسية بالتزامن مع مفاوضات وقف إطلاق النار، لكن ثمة خلافات حول من يشارك في العملية وموعدها.
ويوضح مسؤول في مجلس السيادة أن ياسر العطا لم يقصد سيطرة الجيش على السلطة وإنما الإشراف على المرحلة الانتقالية التي تلي الحرب، عبر مجلس رئاسي يقوده البرهان وتشكيل حكومة كفاءات وطنية غير حزبية تدير البلاد بعد مؤتمر حوار سوداني-سوداني شامل لتحديد المستقبل السياسي.
وحسب حديث المسؤول للجزيرة نت، فإن ما يدعو له العطا أشبه بما حدث عقب ثورة أبريل/ نيسان 1985 حينما شكل وزير الدفاع وقائد الجيش عبد الرحمن سوار الذهب مجلسا عسكريا انتقاليا برئاسته كان يقوم بمهام السيادة، وحكومة مدنية برئاسة نقيب الأطباء الجزولي دفع الله، قبل نقل السلطة إلى حكومة منتخبة بعد عام.
ويرى المتحدث ذاته أن فترة ما بعد الحرب ستكون خطيرة بسبب تداعيات القتال وتحديات عظيمة لاستعادة الأمن والاستقرار "مما يتطلب وجودا فاعلا للمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية"، برأيه.
خريطة جديدةفي المقابل، انتقد قادة القوى المعارِضة ياسر العطا، واعتبروا أن هدف الحرب هو استمرار الجيش في السلطة وتأسيس حكم استبدادي.
ويعتبر عضو الهيئة القيادية لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية "تقدم" ياسر عرمان، حديث العطا "لحظة صدق نادرة أفصح فيها عن الأهداف الحقيقية لهذه الحرب ونوايا الذين يقفون من خلفها، فهي لم تكن يوما من أجل الكرامة أو الوطن، بل من أجل استعادة السلطة والجاه من قبل الإسلاميين ومنسوبيهم وحلفائهم من كبار الضباط".
ويطالب عرمان بضرورة الفصل بين مفاوضات وقف إطلاق النار والعملية السياسية التي يجب ألا تُترك لطرفي النزاع وإلا "فإن السلطة ستنتهي في يد العسكر وبمعزل عن الشعب وشعارات الثورة في المدنية والديمقراطية، فالذي يملك البندقية لا يكتب نفسه شقيا".
بدوره، يرى القيادي في قوى الحرية والتغيير ونائب رئيس المؤتمر الوطني خالد عمر أن تصريحات مساعد قائد الجيش عن السلطة تكشف عن "حقيقة جانب من أهداف الحرب، وهو ترسيخ سلطة عسكرية استبدادية، وقطع الطريق أمام أي تحول مدني ديمقراطي".
وكتب خالد عمر على منصة إكس إن "القوى المدنية ستظل ضد هذه الحرب، ولن تنحاز لأي شكل من أشكالها أو طرف من أطرافها".
من جهته، يعتقد وزير الشباب السابق والقيادي الإسلامي في حزب المؤتمر الوطني المحظور -الحاكم سابقا- حاج ماجد سوار أن تصريحات العطا وضعت الجميع أمام خريطة سياسية جديدة تتجاوز مرحلة ما بعد نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل/ نيسان 2019 بكل مساوئها.
ويدعو -عبر تدوينة على فيسبوك- القوى السياسية إلى التعاطي بإيجابية مع رؤية الجيش التي طرحها العطا وتقديم مقترحات لتحسينها.
ويقترح الفاعل ذاته تطبيق نموذج سوار الذهب بتشكيل مجلس عسكري يدير شؤون السيادة والأمن وحكومة مدنية لإدارة شؤون الحكم ومعالجة آثار الحرب، وتحسين حياة المواطنين والشروع في إعادة إعمار البلاد، وتحديد فترة انتقالية لا تتجاوز عامين قبل إجراء الانتخابات.
عسكرة السياسةيقول المحلل السياسي وخبير السياسات الحاج حمد أن موقف العطا هو حال العسكر في السودان ومحاولة فرض التدخل في السياسة، وإنه ناتج عن تدخل الأحزاب في المؤسسة العسكرية لاستخدامها في الصراع السياسي.
وفي حديث للجزيرة نت، يرى حمد أن ما يشهده السودان في المرحلة الحالية هو صراع بين جيشين "يلهثان" لإيجاد غطاء مدني، حيث وقعت قوى "تقدم" ميثاقا مع قيادة الدعم السريع، وسعى الجيش لميثاق آخر مع "الكتلة الديمقراطية" لتكون غطاء لتشكيل حكومة موالية له.
ولا يتوقع الحاج حمد تغييرا في مواقف القوى الدولية تجاه الأوضاع في السودان وأطراف الصراع، ويتوقع أن تكون الحكومة المقبلة كالمكلفة حاليا، وقد يقل سندها السياسي في حال ظهور وجوه إسلاميين في صفوفها.
أما المحلل السياسي ورئيس تحرير "إيلاف" خالد التجاني، فيرى أن القوى المدنية ينبغي ألا تكون جزءا من مفاوضات وترتيبات إنهاء الحرب، وأن إصرارها على المشاركة سيؤدي إلى "عسكرة السياسة" وتكرار الأخطاء المستمرة في تاريخ البلاد وستدفع ثمن ذلك.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول التجاني إن القوى المدنية والعسكرية لا تملك تفويضا لتحديد مستقبل السودان السياسي، ويجب ألا ينفرد أي طرف غير مفوض شعبيا بصناعة المشهد السياسي، كما أن أطراف القتال ليست أحزابا حتى تحسم قضايا سياسية.
ويعتقد المحلل ذاته أن تحديات مرحلة ما بعد الحرب تتطلب أن يكون هناك دورا للمؤسسة العسكرية لا تحدده هي وإنما عبر توافق وطني، وتشكيل حكومة إدارية ليس لها قرار سياسي، وانتخاب جمعية تأسيسية لتحديد خيارات يُستفتى فيها الشعب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات القوى المدنیة ما بعد
إقرأ أيضاً:
حملة مشبوهة ضد المقاومة بغزة.. من يقودها ومن المستفيد؟
الثورة / متابعات
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ أكثر من 18 شهرًا، شهدت الساحة الفلسطينية محاولات منظمة لتحريض الرأي العام ضد المقاومة ومحاولة زعزعة الحاضنة الشعبية.
وتأتي هذه الحملات التي يقودها الاحتلال وتنخرط فيها أطراف محسوبة على السلطة الفلسطينية وحركة فتح، التي غابت عن المشهد طوال فترة الحرب، ثم عادت لتوظيف أدواتها الإعلامية في تحريض الشعب الفلسطيني ضد فصائل المقاومة، في تماهِ واضح مع الخطاب الإسرائيلي. فكيف تفسَّر هذه المحاولات؟ ومن المستفيد منها؟
تحريض إعلامي متماهِ مع الاحتلال
منذ انطلاق عملية “طوفان الأقصى”، كثفت جهات في حركة فتح والسلطة هجماتها الإعلامية على المقاومة، متجاهلة الجرائم الإسرائيلية المستمرة بحق الفلسطينيين.
المثير للدهشة أن هذا الخطاب يتناغم بشكل كبير مع التصريحات الإسرائيلية، حيث استغل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التظاهرات الشعبية في غزة ليزعم أنها دليل على نجاح سياسات إسرائيل، كما دعا وزير الحرب الإسرائيلي يسرائيل كاتس سكان القطاع للخروج في مظاهرات ضد حماس.
وانطلقت قبل يومين تظاهرة في شمال غزة نادت لوقف الحرب والإبادة، وسرعان ما دخل على خطها مجموعة من الأفراد الذين رددوا هتافات مسيئة للمقاومة والشهداء الأبطال.
وأفردت القنوات العبرية وقنوات موالية لها مساحات واسعة للتغطية الإعلامية لحملات التحريض ضد المقاومة، واستضافت شخصيات محسوبة على فتح وأعطتها منصة للهجوم على حماس والمقاومة وتبرير إبادة الاحتلال، وهو ما يؤكد استغلال الاحتلال لهذه الأحداث لمحاولة تفجير الجبهة الداخلية في غزة.
وعمل هاربون من غزة، على تأجيج التحريض ونشر فيديوهات مفبركة لتظاهرات قديمة وضخ دعوات لتظاهرات جديدة كان اللافت أنها تجاهر بأنها ضد المقاومة وتتجاهل أصل السبب في الإبادة المستمرة منذ 18 شهرًا.
استغلال المعاناة لضرب وحدة الصف الفلسطيني
يرى مراقبون أن السلطة الفلسطينية تحاول توجيه الغضب الشعبي الناتج عن العدوان الإسرائيلي نحو المقاومة بدلاً من تحميل الاحتلال المسؤولية الحقيقية عن الكارثة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون.
وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي ذو الفقار سويرجو أن الشعب الفلسطيني أصبح أكثر وعيًا بهذه المحاولات، مشيرًا إلى أن الاحتجاجات في غزة لم تكن رفضًا للمقاومة، بل صرخة غضب من المعاناة المتفاقمة بسبب الحرب.
وأضاف سويرجو في تصريح صحفي أن محاولة السلطة استغلال هذه الاحتجاجات للتحريض ضد المقاومة ستفشل، لأنها تتجاهل حقيقة أن الاحتلال هو من يمارس القتل والتدمير، مؤكدًا أن الأولى بفتح والسلطة توجيه هجومها نحو حكومة الاحتلال، بدلاً من تأجيج الخلافات الداخلية.
دور الإعلام الإسرائيلي في التحريض
وكشف الصحفي الإسرائيلي هاليل روزين، من القناة الـ14 العبرية، أن حكومة الاحتلال تراهن على الضغوط الداخلية في قطاع غزة كبديل عن الحرب البرية.
ويرى مراقبون أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى إشعال الانقسام الداخلي الفلسطيني، لإضعاف المقاومة وتهيئة الأجواء لأي ترتيبات سياسية مستقبلية تخدم المصالح الإسرائيلية.
مواقف فلسطينية ترفض التحريض
من جانبه، أدان القيادي الوطني عمر عساف محاولات “الاستغلال الرخيص” لمعاناة سكان غزة، مؤكدًا أن الإعلام الإسرائيلي وأذرعه يحاولون تأجيج الشارع الفلسطيني لضرب وحدة الصف الوطني.
وأضاف عساف أن الشعب الفلسطيني مُجمِع على خيار المقاومة، وأن أي محاولات لتحريضه ضدها لن تنجح، لأن الجميع يدرك أن الاحتلال هو العدو الحقيقي، وأن أي محاولات داخلية لضرب المقاومة تصب فقط في مصلحة إسرائيل.
وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي، تحاول بعض الأطراف الداخلية استغلال معاناة الشعب الفلسطيني في غزة لضرب المقاومة وتشويه صورتها.
لكن الوعي الشعبي الفلسطيني يبقى الحاجز الأكبر أمام هذه المخططات، حيث يدرك الفلسطينيون أن الاحتلال هو العدو الحقيقي، وأن وحدة الصف هي السلاح الأقوى في مواجهة الجرائم الإسرائيلية.
أوسع من التنسيق الأمني
في الأثناء، قال الكاتب الصحفي عبدالرحمن يونس إن محاولات السلطة الفلسطينية وحركة فتح لتأجيج الرأي العام في غزة ضد المقاومة تأتي في سياق أوسع من التنسيق الأمني والسياسي مع الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن هذه التحركات ليست جديدة، لكنها باتت أكثر وضوحًا في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر.
وأضاف يونس أن “السلطة غابت عن المشهد الفلسطيني طوال فترة الحرب، ولم تقدم أي دعم حقيقي لأهالي غزة، لكنها اليوم تعود فقط لتحريض الشارع ضد المقاومة، متناسية أن الاحتلال هو من يمارس الإبادة بحق الفلسطينيين.”
وأشار إلى أن الإعلام العبري يروج لهذه الحملات التحريضية، مما يؤكد وجود تماهي بين الخطاب الإعلامي للسلطة وخطاب الاحتلال، موضحًا أن “نتنياهو نفسه استشهد بالاحتجاجات في غزة ليبرر استمرار الحرب، وهذا دليل على أن هناك من يخدم الأجندة الإسرائيلية من الداخل الفلسطيني.”
وأكد يونس أن “الشعب الفلسطيني يدرك تمامًا هذه الألاعيب السياسية، ولن يقع في فخ تحميل المقاومة مسؤولية ما يجري، لأن الاحتلال هو العدو الأول والأخير، والمقاومة هي الخيار الوحيد أمام شعب يتعرض للقتل والدمار منذ عقود.”
وختم بقوله: “السلطة بدلًا من أن توجه سهامها نحو الاحتلال، تهاجم المقاومة وتروج لرواية الاحتلال، وهذا سقوط سياسي وأخلاقي ستكون له تبعات على المشهد الفلسطيني برمته.”