الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

يقول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" في القرآن الكريم: {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا}[الإسراء: الآية89]، ويقول "جلَّ شأنه": {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا}[الكهف: الآية54]، ويقول "جلَّ شأنه": {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[الزمر: الآية27].

القرآن الكريم كتاب هداية، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" قدَّم فيه الأساليب الكثيرة التي هي متنوعة جداً، توصل لنا الحقائق والتعليمات الإلهية بأشكال متعددة، وأساليب متعددة، ومن ضمنها، من ضمن الأساليب القرآنية: تقديم العِبَر والدروس المهمة جداً، من خلال ما قصه من قصص الأنبياء والرسل السابقين، والأمم والأقوام، وكذلك نماذج من الشخصيات التي قص القرآن الكريم عنها، وكذلك البعض من الأحداث ذات الأهمية الكبيرة التي فيها العبر والدروس، التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها.

والقرآن الكريم كما قال عنه رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه": ((فِيْهِ نَبأُ مَا قَبلَكُم، وَخَبرُ مَا بَعْدَكُم))، فيه ما هو عن الأخبار الماضية أنباء من سبقنا من الأمم، فيما قدَّمه من نماذج ذات أهمية كبيرة، وفائدتها كبيرةٌ جداً، ودروسها وعبرها ذات فائدة كبيرة لنا، نحن في أمسِّ الحاجة إليها، في مقدمتها ومن أهمها من قص قصصهم من الأنبياء، وكان في مقدمة من يستفيد من ذلك هو رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، كما قال الله "جلَّ شأنه": {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود: الآية120]، فنجد الأهمية الكبيرة لما قصه عن نماذج من الأنبياء والرسل الذين سبقوه "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"؛ ليستفيد من ذلك، وفي مقدمة ما يستفيده هذه الفائدة المهمة جداً: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}.

هي أيضا من معالم الرسالة، ومن أنباء الغيب؛ لأن رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، كان أمياً وفي بيئة أميَّة، ولم يكن يعرف عن الأخبار الماضية، وقصص الأمم الماضية، والرسل والأنبياء السابقين، أي معرفة تفصيلية، وعندما قدَّم الله له تلك الأنباء من الغيب، مما قد مضى وانقضى وهي غير معروفة، لا يعلمها لا هو، ولا يعلمها قومه، ولا هي معروفة في بيئته ومحيطه الاجتماعي، هي مجهولة تماماً؛ فكانت أيضاً من معالم الرسالة، كما في قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى": {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ}[هود: الآية49]، يقول الله "جلَّ شأنه" أيضاً: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ}[آل عمران: الآية44]، يقول "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أيضاً: {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}[القصص: 44-46]، فهي من معالم الرسالة، ومن أنباء الغيب، ومن الدلائل الواضحة على أن ما أتى به رسول الله "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، أتى به من عند الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

والقرآن الكريم يُقدِّم ما يُقدِّمه من القصص والأحداث ليس لأنه كتابٌ تاريخي، ليس بهذا الاعتبار: أن ننظر إليه ككتاب تاريخي، أو كتاب قصص، ولكنه كتاب هداية، ما يقدِّمه من القصص، وما يُقدِّمه من الأنباء والأخبار عن الأمم الماضية، والأحداث الماضية، والماضي الذي أصبح من الغيب بالنسبة لنا، هو يقدمه في إطار ما يعرضه لنا من الحقائق، والتعليمات المهمة، والدروس العظيمة، والعِبَر التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، فهو لا يسرد السرد التاريخي، ولكن يُقدِّم بطريقة يركز فيها على موطن العبرة، وعلى الدروس المهمة والمفيدة.

والقصص القرآني تنوع، وشمل أشياء كثيرة جداً وواسعة للغاية، ومجالات كثيرة، وبذلك فهو غنيٌ جداً فيما قدَّمه من دروس ومن عبر؛ لأنها تشمل كل الجوانب، كل المجالات التي نحن بحاجة إليها. حديثه عمَّا قد مضي، وعن الماضي الذي أصبح- كما قلنا- بالنسبة لنا من الغيب:

- تحدث عن بداية التكوين والخلق للسماوات والأرض، ونشأة الإنسان، وغير ذلك.

- تحدث عن الملائكة أيضاً، وعن الجن، وعن الإنس.

- قدَّم نماذج مهمة من قصص الأنبياء والرسل، ومنها عن نبي الله آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، عن مجموعةٍ من الأنبياء: نبي الله نوح، وإبراهيم، وهود، وصالح، وشعيب، ولوط، ويونس، وإسماعيل، ويعقوب، ويوسف، وداوود، وسليمان، وموسى، وهارون، وزكريا، ويحيى... وعن غيرهم. نحن نذكر على سبيل المثال.

- هناك أيضاً نماذج مهمة في القرآن الكريم من القَصص المهم، والأنباء الماضية المفيدة، تحدثت عن نماذج، وقدَّمت لنا نماذج من المؤمنين من غير الأنبياء، مثل: ما قصه عن مؤمن آل فرعون، وعن أصحاب الكهف، وعن مؤمن أهل القرية (في سورة يس)، وعن لقمان الحكيم، وعن المؤمن الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها، وعن الحواريين. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر، كأمثلة.

- هناك أيضاً في القرآن الكريم قصص لنماذج راقية جداً من النساء المؤمنات، مثل: ما قصَّه عن الصديقة الطاهرة مريم ابنت عمران "عليها السلام" في عدة مواضع في القرآن الكريم، وسورة باسمها، تحدث عن حواء أيضاً، في سياق الحديث في قصة آدم "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، وهي أم البشر، تحدث عن أم موسى (نبي الله موسى "عَلَيْهِ السَّلَامُ")، وعن أخته، وعن امرأة فرعون. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

- هناك نماذج مهمة من قصص الأمم والأقوام، وفيها دروس وعِبَر كبيرة وكثيرة، مثل: قوم نوح، وعاد، وثمود، وأصحاب مدين، وأصحاب الرس، وقوم فرعون، ويأجوج ومأجوج، وتُبَّع، وبني إسرائيل، وهناك حديث واسع جداً عن بني إسرائيل في القرآن الكريم.

- هناك أيضاً في القرآن الكريم، فيما قصَّه، نماذج من قصص الملوك والقادة، باختلاف أحوالهم (ما بين مؤمنين، وكافرين)، مثل: قصة ذي القرنين في القرآن الكريم (في سورة الكهف)، مثل قصة ملكة سبأ، مثل قصة الملك المعاصر لنبي الله إبراهيم، الذي يقال أنه النمرود، وعن فرعون. وهذا على سبيل الأمثلة.

- هناك أيضاً نماذج عن التجار الذين طغوا، بما في أيديهم من تجارة، مثل: قصة قارون، وما هو أوسع من ذلك، ليس على المستوى الشخصي، مثل: تجارة سبأ.

- في القرآن الكريم أيضاً نماذج عن المزارعين والزراعة، في القصص الذي تضمَّن عِبراً مهمة، مثل: قصة صاحب الجنتين (في سورة الكهف)، ومثل: قصة أصحاب الجنة (في سورة القلم).

- هناك أيضا في القصص القرآني نماذج عن علماء السوء، مثل: قصة عالم السوء (في سورة الأعراف)، والذي يقال أنَّ اسمه (بلعام بن باعوراء).

- نماذج أيضاً من القرى، مثل: قصة أصحاب السبت.

- هناك أيضاً في القرآن الكريم سورٌ بأكملها، كانت أسماؤها عناوين لقصص وأخبار مهمة، مثل: (سورة البقرة)، وذكرت قصة بقرة بني إسرائيل، وفيها حديثٌ واسع عن تاريخ بني إسرائيل، وقصص بني إسرائيل، كله في إطار: الدروس، والعِبر، والحقائق المهمة، والتذكير المهم، وإقامة الحجة... وغير ذلك. وفي سورة آل عمران، المائدة، ويونس، وهود، ويوسف، وإبراهيم، والحجر، والكهف، ومريم، والأنبياء، والنمل، والقصص، والروم، ولقمان، والأحزاب، وسبأ، والأحقاف، والفتح... وغير ذلك، هناك سور كثيرة.

في القرآن الكريم، تأتي مسألة الدروس والعبر المستفادة من القصص القرآني هي التي ينبغي التركيز عليها؛ لأنه ليس مجرد قَصص عادي، نقرأه هكذا للتسلية، أو لمجرد معرفة عادية عمَّا مضى، أو عن أحداث مضت، وأخبار مضت؛ ولذلك له مميزات مهمة، منها:

- أنه قصصٌ واقعيٌ:

القصص القرآني هو قصص واقعي، ما ذكره من قصص الأنبياء، من قصص الأقوام، من قصص الأشخاص، كله قصصٌ واقعيٌ حقيقي، حصل فعلاً، ليس قصصاً خيالياً؛ لأن البشر يعتمدون أسلوب القصص الخيالية، ولا سيما في العصور المتأخرة كثرت جداً، هي مسألة معروفة، وعادة معروفة في الواقع البشري على مدى التاريخ، أنهم يكتبون القصص الخيالية، ويحاولون أن يعالجوا من خلالها مواضيع معينة، أو يرسِّخوا مفاهيم معينة، أو يخدموا قضايا معينة، هذا شيء معروف في واقع البشر، وفي هذا العصر تطور كثيراً، يعني: هناك مسلسلات، هناك أفلام، هناك كتب، وهناك في المجال الأدبي هناك مجال واسع جداً لكتابة القصص الخيالية؛ ولكنَّ ما في القرآن الكريم هو قصصٌ واقعيٌ؛ ولذلك العبرة فيه كبيرة ومهمة، لا يمكن للإنسان أن ينظر بانتقاص إلى حقائق معينة؛ باعتبار أنها إنما كانت بناءً على قصص خيالية.

الشيء الواقعي بالنسبة للإنسان مقنع، مؤثر، محل ثقة، الإنسان ينظر إلى الأشياء الواقعية بنظرة مختلفة عن الأمور الخيالية؛ فالقصص القرآنية هو قصصٌ واقعي، على الإنسان أن يتعامل معه بثقة، فيه ما يستخلص منه أيضاً من دروس وعبر، وأن يطمئن إلى هذه الحقيقة.

- أيضاً هو سليمٌ من الشوائب:

قصص القرآن، بالقدر الذي في النص القرآني، غير مسألة ما ورد في التفاسير، ما ورد في النص القرآني هو سليمٌ تماماً من الشوائب، ليس فيه مبالغات، ولا أكاذيب، ولا حشو، وليس فيه أي زيادات عن الحق والواقع، وهذه مسألة مهمة جداً؛ لأن ما لدى أهل الكتاب مثلاً، وما هو موجود في كثير من المرويات غير الصحيحة، فيه الكثير من الشوائب، الزيادات غير الصحيحة، وأحياناً التحريف المتعمد؛ لتشويه حقائق تاريخية ذات أهمية كبيرة جداً، فحصل لدى أهل الكتاب تزييف لكثير من الحقائق، في القصص المتوفر لديهم:

- لتشويه أنبياء من أنبياء الله، والإساءة إلى أنبياء الله.

- وقلب الكثير من الحقائق.

- ولترميز وتعظيم وتمجيد أشخاص سيئين.

- ولتقديم مفاهيم خاطئة.

وهكذا تأثر ما لديهم من القصص بما أصبحوا عليه من الضلال، والتحريف، والانحراف، والتوجهات الخاطئة؛ فحولوا ذلك بما يخدم ما هم عليه.

وتسرَّب من أهل الكتاب تسرَّب تاريخياً إلى المسلمين ما يعرف بـ(الإسرائيليات)، يعني: مرويات منشؤها من اليهود، وتسرَّبت إلى بعض الشخصيات من المسلمين، ممن كتبوا في التاريخ، أو كتبوا في التفسير، أو كتبوا في بعض المجالات ذات العلاقة؛ فكان لتسرُّبها تأثير خطير جداً في واقع المسلمين؛ حيث وثق بها البعض، وتقبَّلها، وتأثَّر بها، وبنى على ما فيها، اعتمد عليها؛ لأجل الاستناد إليها تجاه حقائق معينة، أو مفاهيم معينة، أو ثقافات معينة، أو تصورات معينة؛ فكان لذلك تأثيرات خطيرة، والمسلمون يصيحون من تأثير ما تسرب إليهم من الإسرائيليات، كمرويات، أو قصص، أو أخبار، أو تفسير، معروف عند كل المذاهب أنهم يصيحون من تأثيرها الخطير، وأنها مثَّلت فعلاً اختراقاً فكرياً وثقافياً أثَّر على المسلمين.

فما قدَّمه الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" من قصصٍ في القرآن الكريم، ما هو موجودٌ في النص القرآني، هو سليمٌ تماماً من الشوائب، يتعامل معه الإنسان وهو مطمئن، مطمئن النفس؛ ولهذا تحدث القرآن عن هذه الميزة، في قول الله "جلَّ شأنه": {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}[الكهف: من الآية13]، {بِالْحَقِّ} يعني: سليماً من أي باطل، من أي شوائب، من أي أكاذيب، من أي افتراءات، نقياً، خالصاً، سليماً، وهذه نعمة كبيرة.

- قبل كل المميزات، الميزة الأكبر، والأعظم، والأهم للقصص القرآني: أنَّ مصدره الله "جلَّ شأنه":

فحينما نقرأ قوله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ}[الكهف: من الآية13]، {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ}[يوسف: من الآية3]، وهذه ميزة عظيمة جداً.

الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، عالم الغيب والشهادة، الذي لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، يقدِّم لنا هو في كتابه الكريم قصصاً مفيداً، غنياً بالدروس والعبر، مليئاً بالحقائق المهمة التي نحن في أمسِّ الحاجة إليها، غنياً بالمعارف ذات القيمة المهمة لنا في حياتنا، وشؤوننا، ومعرفتنا، وحكمتنا، وبصيرتنا... إلى غير ذلك، الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بعلمه، بحكمته، برحمته، بهدايته الواسعة، يختار لنا هو أحسن القصص، حتى في الاختيار، اختيار القصص، اختيار من يقصُّ لنا عنهم، اختيار الأحداث التي يقدِّمها لنا، اختيار النماذج التي تلامس واقع حياتنا من جوانب كثيرة: المجالات العقائدية، والسياسية، والمجالات الاقتصادية، المجالات الاجتماعية... مختلف المجالات، فهذا شيءٌ عظيمٌ جداً، ومهمٌ للغاية، وهو بالفعل أحسن القصص؛ لأنه باختيار من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" للقصص المهم، المفيد جداً، الذي يفيدنا.

ليس كحال الكثير من القصص، التي قد يضيع الإنسان عليها وقته، تستغرق من كثيرٍ من الشباب من أبناء الأمة من أوقاتهم الكثير، والبعض مغرمون بالكتب القصصية، ومعظمها- كما قلنا- مما هو خيالات، وذات تأثير سلبي على نفسية الإنسان، على فكره، على ثقافته، على توجهاته؛ فيخسر الكثير من الشباب، يخسر الكثير من الناس الكثير من أوقاتهم وراء شيءٍ لا طائل منه، وضره أكثر من نفعه،

بينما ما في القرآن الكريم قصص مرتبط بحقائق، وشخصيات، ودروس، وعبر، وله أهمية كبيرة جداً، وله تأثيره الكبير، وفائدته المهمة. {نَحْنُ} الله "جلَّ شأنه" {نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ}[يوسف: الآية3].

ولأنه من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فهو يتضمَّن أيضاً ما لا يعلمه إلَّا الله، يعني: في القصص القرآني يقدِّم لنا ما يعبِّر أحياناً عن أمور نفسية، ليس فقط عن الأحداث في شكلها الخارجي، والوقائع في شكلها الخارجي، بل عمقها في النفس، خلفيتها في نفس الإنسان، في تفكيره، في دوافعه، وهذا من أهم ما يقدِّمه القرآن الكريم، وفيه دروس مهمة للإنسان؛ لأن هذا الجانب مما نحتاج فيه إلى الدروس، إلى العبر، مما نحتاج إلى أن نستفيد بشأنه ما نستفيده من حقائق التاريخ وماضي الأمم، فهو يتحدث عن أمور لا يعلمها إلَّا الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وهو الذي يقصُّها "جلَّ شأنه".

- ثم على مستوى التقديم، التقديم القرآني راقٍ جداً، ومميز:

مميز في التقديم المفيد والنافع، والأسلوب الصحيح، حتى في بعض الأمور التي إن قُدِّمت، ولو كانت بشكل حقائق، وأسلوب التقديم فيها كان تقديماً غير صحيح، بغير حكمة؛ سيكون لنفس التقديم السلبي تأثير سلبي؛ لأنه مع كونها حقائق، كذلك طريقة التقديم لابدَّ أن تكون مفيدة، ونلحظ ذلك مثلاً: في قصة نبي الله يوسف "عَلَيْهِ السَّلَامُ"، في مواطن منها، مواضع منها، أسلوب التقديم قد يكون أسلوباً- من البعض: من بعض القصَّاص، ومن بعض الكتَّاب- أسلوباً سلبياً، له نتائج سلبية؛ بينما التقديم القرآني راقٍ جداً، وعظيم، ومميز، وله تأثير إيجابي.

في سير وأخبار الأنبياء "صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِم" دروس عظيمة ومهمة جداً من أخبارهم وسيرتهم، قُدِّمت للنبي "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه"، وأيضاً للمؤمنين، والعاملين في سبيل الله، للمؤمنين والمؤمنات بشكلٍ عام، دروس مهمة للبشرية بكلها؛ ولهذا قال الله: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}[هود: الآية120]، فالرسول "صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَـيْهِ وَعَلَى آلِه" أخبرنا القرآن الكريم بأنَّه كان بحاجة إلى أن يَقُصَّ عليه أنباء الرسل السابقين قبله، فَقَصَّ عليه من أنباء الرسل، ((وقال بأن الغاية من ذلك هو: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}؛ لأن فؤاد النبي "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم" فؤاد رجل، قلب رجل مهتم، يعمل، يتحرك، وأمام كل الأحداث، وأمام كل المتمردين، أمام كل المعاندين، أمام كل الظروف والمواقف الصعبة، فسيكون لأخبار الأنبياء السابقين أثره الكبير في تثبيت فؤاده.

{وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ}[هود: من الآية120]، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: من الآية111]، رسل الله وتلك الأمم التي بعثوا إليها، عددٌ كبير، وأممٌ كثيرة، وأجيالٌ متعاقبة، وأزمنةٌ مختلفة، ونفسيات متعددة، وأحوال متباينة))، لاحظوا إلى هذا الغنى العظيم، والثروة الهائلة من الدروس والعبر.

((متى انطلقت، متى شعرت بتحمل المسؤولية أمام الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن تكون من أنصار دينه، أن تكون من العاملين في سبيله؛ حينها ستعرف قيمة كل شيء، وأهمية كل شيء، كم من الأنبياء في القرآن الكريم عرفنا كثيراً من أخبارهم، عرفنا كثيراً عن تلك الأمم التي بعثوا إليها، ولكن نمشي على كل تلك القصص المهمة دون اعتبار، دون استلهام ما نحن بحاجةٍ إليه من واقع تلك الشخصيات المهمة، دون تَعَرُّفِنا على السُّنن الإلهية))؛ لأن من أهم ما نستفيده من أخبارهم وسيرهم، وأخبار تلك المجتمعات والأقوام: المعرفة بالسنن الإلهية، ونحن بحاجة إلى معرفتها لواقع حياتنا، لأعمالنا، ((دون تَعرُّفٍ على الأساليب المهمة التي يجب أن يتوخاها، وأن يعمل بها العاملون في سبيل الله، هكذا ستجد في سيرة الأنبياء، في أخبار الأنبياء، في قصصهم ما هو عبرةٌ لأولي الألباب، ما هو دروسٌ عظيمةٌ ومهمة)). هذا اقتباس من ملازم الشهيد القائد "رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْه".

فالدروس مهمة، والإنسان المؤمن بحاجة إلى الاستفادة، بحاجة إلى العبرة، بحاجة إلى أن يأخذ من تلك الدروس ما يشدُّه أيضاً إلى أنبياء الله ورسله، ويعزز علاقته بهم، كقدوة وأسوة ورموز.

أيضاً الإنسان المؤمن هو يستفيد من كل أحداث الحياة، ومن كل متغيرات الحياة؛ لأن فيها الدروس، وفيها العبر، ما مضى، وما هو حاضر، وما سيأتي أيضاً مما يعايشه الإنسان، ويدركه الإنسان، لكن هذا يحتاج من الإنسان إلى تركيز، إلى اهتمام، إلى التفاتة.

هناك أيضاً مقتبس مفيد مما قدَّمه الشهيد القائد "رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْه"، يقول فيه: ((الإنسان المؤمن، الإنسان المسلم بمعنى الكلمة هو من يستفيد من كل شيءٍ حوله، من متغيرات الحياة، من الأحداث المتجددة في الحياة، أي حادث في أي بقعةٍ من الدنيا، تأكد أنَّ فيه شاهداً هو فيه آية، هو شاهدٌ على آية، وفيه آية، وفيه عِبَرٌ كثيرة.

ألم تكن تلك الأحداث التي وقعت في الأمم الماضية، ألم يأت القرآن الكريم يقصها علينا، وعلى النبي نفسه "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، كي يقول للجميع: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}[يوسف: من الآية111]، {لِأُولِي الْأَلْبَابِ}: الناس الذين هم لديهم لبّ، أي: لا ينظرون إلى الأشياء نظرات سطحية، هم يتفهمون الأشياء، هم يتأملونها، وينظرون ما فيها من عبرٍ؛ فيستفيدون منها.

ما هو القصص هنا؟ تلك الأحداث التي كانت تحصل، ألم يعرض القرآن أحياناً كلمة يقولها كبار العشائر في أيام نوح، أو في أيام موسى، أو في أيام صالح، أو هود... أو أي نبيٍ من الأنبياء، حتى الكلمة الواحدة يسجِّلها، هي حدث، ومن ورائها عبرة، وتوحي بالشيء الكثير، مواقف الأنبياء أيضاً؛ لأهمية هذه يقول: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ}، {عِبْرَةٌ} يعني: دروس كثيرة جداً، والدروس لا يعني فقط هو مجرد المعرفة، أي: عرفت أنه كان هناك نبي، وأنه كان يقول كذا، وقالت أمته له كذا، وانتهى الموضوع، لا، عبرةٌ فيها دروسٌ كثيرة، تعرف من خلالها نفسية أهل الباطل، تعرف من خلالها ما الذي يحول بين الناس وبين أن يؤمنوا، تعرف من خلالها أيضاً لماذا كانوا ينطلقون بجدٍ واجتهاد لمعارضة نبيٍ من أنبياء الله، تعرف من خلالها كيف كان الأنبياء "صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم" رُحماء جداً بالأمم، ومخلصون، وناصحون، وهم أيضاً أناسٌ اصطفاهم الله وأكملهم، ثم تستغرب أنَّ كل أمةٍ من الأمم، ما سلم نبيٌ من أنبياء الله، أيُّ نبيٍ يبعثه إلى أي أمةٍ من الأمم، ما سلم من أن يقولوا له أنه: [ساحر، أو مجنون]، مجنون ذلك الشخص الذي اصطفاه الله وأكمله! ذلك الذي يتقطَّع قلبه أسفاً وألماً على الناس ألَّا يهتدوا، ذلك الذي يبذل وقته كله لهداية الناس، وإخراجهم من الظلمات إلى النور، يُقابَل بأن يُقال له: [مجنون، شاعر، كذَّاب، مفترٍ، ساحر]، وإن أتى بكتابٍ من عند الله، قالوا: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الفرقان: من الآية5].

العِبر كثيرةٌ جداً من خلال الأحداث، سواءً ما قصَّه الله في القرآن الكريم من أخبار الأمم الماضية، أو من الأحداث التي تطرأ في هذه الدنيا، سواءً في تاريخنا القريب، تاريخ هذه الأمة الإسلامية، أو في عصرنا الحاضر، وما أكثر الأحداث والمتغيرات في هذا العصر الحاضر)).

فهذه الدروس ذات أهمية كبيرة جداً، ومفيدة، وينبغي أن نلتفت إليها، وأن نتأملها في القرآن الكريم.

أيضاً في ترسيخ الثقة بالله تعالى، والإيمان بوعده الصادق، وأنَّه يصنع المتغيِّرات الكبيرة. في معرفة السنن الإلهية، والتدبير الإلهي، وعواقب الأمور. فيما يتعلق بالجوانب التربوية، وفيها الشيء الكثير جداً. الدروس أيضاً المستفادة والمهمة مما قصَّه الله عن أنباء القرى والأمم التي أهلكها الله، وأسباب هلاكها، وخسارتها، وشقائها، ومن كان له دورٌ أساسيٌ في أن تصل إلى ما وصلت إليه من الهلاك، كما قال الله "جلَّ شأنه": {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}[هود: الآية100]، وكما قال "جلَّ شأنه": {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ}[إبراهيم: من الآية45].

التفاصيل عن الدروس والعبر- إن شاء الله- نتناولها مع ما نتحدث عنه على ضوء الآيات المباركة، التي تضمَّنت تلك القصص المهم جداً.

من الأشياء التي ينبغي أن نلتفت إليها: أننا أمة محمد آخر الأمم، أمامنا تاريخ طويل جداً، مليء بالدروس والعبر، وكان يفترض بنا أن نكون أكثر الأمم وعياً، وأرقاها وعياً وبصيرة، وأن نكون أخذنا العبر والدروس من تجارب الأمم الماضية، وأن نكون استفدنا كثيراً مما قصَّه الله علينا من أنباء الرسل، والأنبياء، والمؤمنين، وأقوامهم... وغير ذلك مما في القرآن الكريم.

من المؤسف جداً ونحن آخر الأمم، وبين أيدينا تاريخ مليء بالعبر والدروس، ورصيد هائل من الأحداث، أن نكون على مستوى ضعيف جداً من الوعي، من البصيرة، من الحكمة، من الاستفادة من التجارب، هذه أمور مؤسفة جداً؛ لأنه من حُسنِ حظنا أن يكون لدينا رصيد هائل من الأحداث، التي فيها الكثير من الدروس والعبر، لكن من الخطأ الفادح: ألَّا نلتفت إلى ذلك، وألَّا نستفيد الدروس التي نحن في حاجةٍ إليها.

ولذلك يقول الشهيد القائد "رضوان الله عليه": ((من حسن حظنا نحن المسلمين، الذين نحن آخر الأمم، أنَّ كان بين أيدينا رصيدٌ عظيم، رصيدٌ مهم، مليءٌ بالعبر والدروس، مليءٌ بالمواقف المتماثلة، والمواقف المتباينة، كلها دروسٌ مهمة، تراثٌ مهم، فمن العجيب ومن الغريب أن تضل أمةٌ بين يديها هذا التراث العظيم، هذا الرصيد المهم الذي عرضه القرآن الكريم بين يديها.

تجد في أنبياء الله على الرغم من كمالهم هم في أنفسهم، باعتبار الظروف، وباعتبار نوعيات الأمم التي بعثوا إليها، تجد وحدة الأنبياء، روحية الأنبياء الواحدة على اختلاف الزمان، والفارق الكبير بين كل نبيٍ ونبي، تشعر وكأنك أمام مجموعةٍ من التلاميذ عاشوا في زمنٍ واحد، وتلقوا تعليمهم على يد أستاذٍ واحد، هذا نفسه هو شاهدٌ حيٌ على أنَّ بإمكان منهج الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهديه أن يبني أمةً متوحِّدة)).

إن شاء الله نبدأ الدروس من المحاضرة القادمة؛ لندخل في القصص القرآني، وهذه المحاضرة هي مقدِّمة، مقدِّمة قبل أن ندخل في القصص على مستوى التفاصيل التي وردت في القرآن الكريم.

نَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّج عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: فی القرآن الکریم الدروس والعبر القصص القرآنی الأمم الماضیة ه ذ ا ال ق ر آن الحاجة إلیها الأحداث التی من الأنبیاء بنی إسرائیل أنبیاء الله أهمیة کبیرة التی نحن فی من الأحداث من الشوائب ع ل ى آل ه الأمم التی قصص القرآن هناک أیضا بحاجة إلى ر والدروس رسول الله الکثیر من س ب ح ان ه ت ع ال ى س ل ام ه فی القصص نماذج من وغیر ذلک من أنباء من القصص مهمة جدا على سبیل نبی الله غیر ذلک فی سورة کما قال تحدث عن أن نکون أمام کل ص ل و ات ف ؤ اد ک إلى أن الله ع ه الله من ذلک من قصص

إقرأ أيضاً:

(نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ



أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.

الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ.

أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:

السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

وصلنا بالأمس إلى قوله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، في الآيات المباركة من (سورة الأنعام): {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79].

كُنَّا بدأنا بالحديث عن هذه المفردة المهمة: (حَنِيفاً)، وكيف أنها تكررت في الحديث عن نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" في مقامات متعددة، وفي الحديث عن مقامات مشابهة، فيما ينبغي أن يكون عليه الإنسان المسلم، في توجهه نحو الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" بالعبادة بمفهومها الشامل، وكذلك فيما ذكره الله عن الأمم السابقة من قبلنا، أنَّها كانت مأمورةً بذلك.

وتحدثنا عن المفهوم بمدلوله الواسع، بما تعنيه مفردة (حَنِيفاً)، وأنَّها ذات أهمية كبيرة غفل عنها المسلمون، يعني: ليس هناك تركيز على هذه المفردة بمفهومها بمدلوله الواسع.

وتحدثنا أن البعض من المفسرين قَزَّمُوا هذا المفهوم في نطاق محدود، تحدثنا عمَّا يعنيه هذا المفهوم، من اتِّجاهٍ للعبادة إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وانطلاقةٍ إيمانيةٍ باستمرار، وثبات، وإخلاص، ومحبة، وخضوع وخشوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا هو روح الانطلاقة الإيمانية، المعبِّر عن حالة التسليم لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والاستجابة لأمره برغبة، والالتزام بتعليماته وتوجيهاته بانطلاقة جادّة وصادقة.

وَنَبَّهْنَا عن الخطورة الكبيرة على الإنسان، عندما تكون انطلاقته الإيمانية متعثرة، يتحرك فيها وهو يعاني من الترسبات الكبيرة، المؤثِّرة في نفسه، ترسبات لم يُزَكِّ نفسه للتخلص منها، من الأمور السيئة، المؤثِّرة تأثيراً سيئاً على نفسية الإنسان، التي تتحول إلى عوائق، عوائق عن الاستجابة السريعة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

ولـذلك- كما ذكرنا بالأمس- أتى أيضاً الحديث عن نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" بمواصفات هي في هذا الاتِّجاه: اتِّجاه الاستجابة بخضوع لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وخشوع لله، في مثل قول الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" وهو يتحدث عنه: قَانِتاً، {قَانِتًا لِلَّهِ}[النحل:120]، فهو بهذا التَّوجُّه الذي يُعبِّر القرآن عنه أيضاً في عبارة أخرى تحدثنا عنها بالأمس.

هذا يلفت نظرنا إلى واقعنا نحن، في انطلاقتنا الإيمانية، كيف نحرص، وكيف نسعى إلى أن تكون انطلاقتنا الإيمانية مبنية على الاستجابة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، والطاعة بخضوع وخشوع، بمحبة لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن نتخلص من العوائق في النفوس، التي تجعل الإنسان ينطلق انطلاقة متعثرة وهو مُكَبَّلٌ، ويخضع للتأثيرات السلبية، التي تُعِيقه عن المبادرة، عن الاستجابة.

الإنسان إذا انطلق انطلاقةً صحيحة، يكفيه فيما ينطلق فيه من الأعمال، أن يكون فيه مرضات الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأنه يحمل الحرص في نفسه على الاستجابة لله، على الطاعة، على الانقياد التام.

ولـذلك الحالة الأخرى المختلفة عن ذلك لدى البعض من الناس: قد ينطلق، حتى البعض انطلاقتهم إيمانية، لكنه ليس سريع الاستجابة، وليس متجهاً بدون عناء، يحتاج إلى عناء دائماً، أو في كثير من الأمور، إلى إقناعه ليستجيب، إذا اختلفت المسألة عن رغبته الشخصية، أو طموحاته الشخصية، فهو ذلك المتعب، المتعب جدًّا، الذي يعتمد على العناد، على العناد، فلا يستجيب إلَّا بعناء، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا تُدرس معه الأمور العملية إلَّا بعناء، هذه الحالة حالة سلبية لدى الإنسان، حالة سلبية بكل ما تعنيه الكلمة.

والحالة بالنسبة للعناد لدى الإنسان هي حالة ليست ايجابية أبداً؛ ولـذلك يصف الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" الجبابرة بالعناد في القرآن الكريم: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}[إبراهيم:15]، (عَنِيدٍ): لا يتقبَّل الحق، فالبعض من الناس- فعلاً- لديه هذه الحالة النفسية: أنه وهو في انطلاقته الإيمانية هو متعبٌ جدًّا، لا يتحرك إلَّا بعناء، لا يتفهَّم إلَّا بعناء، لا يستجيب إلَّا بعناء، وقد يصرفه- بعد جهدٍ جهيد حتى ينطلق- قد يصرفه أبسط عائق، أو أي إشكال، أو أي استفزاز، ويؤثِّر عليه في مدى استجابته.

الاتِّجاه إذا كان بإخلاص تام لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، بمحبةٍ لله، بخشوعٍ لله، بخضوعٍ لله، فالإنسان يتحرك فيه بمبادرة، باستجابةٍ تامة، بطاعةٍ تامة، بانقيادٍ تامٍ لأمر الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وبرحابة صدر، وبرغبة، وهذه المسألة مهمةٌ جدًّا؛ لأن البعض من الناس- فعلاً- حتى في طريق الجهاد في سبيل الله، لا يتَّجه هذا الاتِّجاه الذي يصف الله به عباده المؤمنين بأنهم (حُنَفَاءَ)، بأنهم كما يصفهم: {وَالْقَانِتِين}[آل عمران:17]، في مواصفاتهم في (سورة آل عمران)، كما يصفهم أيضاً بأنهم مُخْبِتِين إلى الله؛ وبالتالي منقادين، مستجيبين، لا يحتاج الأمر معهم إلى عناء، وعراقيل، وتعب، ولا يمكن للناس أن يُنْجِزوا خطوةً عملية في مسيرتهم الإيمانية والجهادية، إلَّا بعناء شديد، إلَّا بتعب، إلَّا بحلحلة الكثير من العقد... وهكذا، هذا درسٌ مهمٌ جدًّا؛ لأنه يمثِّل الروح للانطلاقة الإيمانية، كيف تكون بهذا المستوى: انطلاقة سليمة من العوائق السلبية.

{وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[الأنعام:79]، وهذه براءةٌ أيضاً، هو تبرأ من الشرك، وتبرأ أيضاً من المشركين، وتحدثنا بالأمس عن أهمية البراءة، وفي طريق الإيمان، الإنسان مع إيمانه له موقف، موقفٌ من الباطل، من الضلال، من الكفر، من الشرك، ليست المسألة مع الشرك، مع الباطل، مع الكفر بالله، مع الانحراف عن نهج الله، مع الصد عن سبيل الله، أنَّها وجهات نظر، يمكن التأقلم معها والتفهُّم لها، ثم ينظر الإنسان إلى الأمور في الحياة مثل نظرة البعض، وكأن المسألة وجهات نظر هنا وهنا وهنا، وجهة نظر عن الإيمان بالله، ثم وجهة نظر عن الكفر، والشرك، والفساد، والطغيان، والإجرام، والكفر، وسابر، كله سابر، لا، ليست المسألة كذلك، لابدَّ أن يكون للإنسان موقفٌ.

هذه البراءة من الشرك، من المشركين، عبَّر عنها القرآن الكريم في مقامات أخرى، فنبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام" هو أيضاً رمزٌ وقدوةٌ في البراءة، في البراءة من أعداء الله، {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}[الممتحنة:4]، فالله قدَّم لنا نبيه إبراهيم في القرآن الكريم على أنه رمزٌ للبراءة من أعداء الله، فعندما يحاول الأمريكي والإسرائيلي، ومن يدور في فلكهم من عملائهم الموالين لهم من العرب، أن يقدِّموه رمزاً للتطبيع والولاء لأعداء الله، فهذا إساءةٌ كبيرةٌ إليه، وتناقضٌ تامٌ مع الحقيقة، التي أكَّد الله عليها في القرآن الكريم، وسيأتي- إن شاء الله- في مقامات أخرى، تسليط الضوء من خلال الآيات القرآنية المباركة على هذه المسألة أكثر.

بعد هذا العرض، وبعد هذا الإعلان للموقف، الذي هو يوجِّه أيضاً دعوة ضمنية لهم، يعني: هو يُعبِّر عن موقفه هو، عن إيمانه، عن توحيده لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويتضمن في معناه وفي فحواه الدعوة الصريحة لهم، إلى ترك ما هم عليه من الشرك، وإلى التوحيد لله والإيمان به "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ولكن بهذا الأسلوب، الذي كان هو الخطوة الأولى المناسبة معهم، التي يخترق بها الحاجز الكبير، والعوائق الكثيرة جدًّا، فيصل بهم، من خلال هذا الأسلوب العملي المتدرج، إلى أن يتفهَّموا الحقيقة، إن أرادوا أن يتفهَّموها، تُصبح مُتاحةً لهم.

كيف كانت ردة فعل قومه بعد هذا؟

ردة فعلهم تدل على أنه نجح- فعلاً- في لفت نظرهم إلى الحقيقة المهمة، في أن الكمال لله وحده، وفي نقص معبوداتهم المُزَيَّفة، التي يُسمُّونها بالآلهة، عن مقام الألوهية، ونجح بأسلوبٍ مناسب، يعني: لم تكن ردة فعلهم- مع أن الموضوع حساس للغاية- لم تكن ردة فعلهم عنيفة جدًّا، أو متصلِّبة جدًّا، هُمْ صُدِموا بالموقف، وتفاجأوا بالمسألة وبما وصل بهم إليه من حقيقة، لكن ردة فعلهم لم تكن بمستوى سخط كبير جدًّا، أو عقدة شديدة؛ لأن الأسلوب بنفسه، والبداية كانت بداية موفَّقة، بداية قدَّم نفسه فيها في صورة الباحث عن الحقيقة، كانت الدعوة فيها لهم دعوة ضمنية، بلفت أنظارهم إلى الموضوع، كان التصور بالنسبة لهم أنه يُعبِّر عن موقفه الشخصي، وتوجهه الشخصي، ولـذلك كانت أقل حساسية من المقامات التالية؛ لأن له ما بعد هذا المقام مقامات أخرى، كانت موجهةً لهم بشكلٍ أكبر، ودخل بهم إلى مرحلة أخرى من الاحتجاج، من الدلائل، من التوبيخ، من التذكير... إلى غير ذلك.

عموماً، عبَّر القرآن الكريم عن ردة فعلهم بقول الله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ}[الأنعام:80]، يعني: اتَّجهوا إلى أن يجادلوه في موضوع التوحيد، وموقفه من الشرك، وبالتأكيد أنهم لا يمتلكون الحجج، لا يمتلكون الحجج، ليس لديهم الأدلة التي يمكن أن تصمد، في مقابل ما قدَّمه هو من الحجة والبرهان.

{قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ}[الأنعام:80]، هو هنا يلفت نظرهم إلى خطأهم الكبير في الجدال في الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن مسألة ادِّعاء الربوبية لغير الله تعالى والألوهية، فيه إساءةٌ إلى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"؛ لأن الله ليس له ندٌّ، ولا كفؤٌ، وهو "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" مُقَدَّس، مُعَظَّم، مُنَزَّه عن النِدّ والشريك، لا يحتاج إلى معاون؛ لأنهم عندما نسبوا إلى الألوهية شركاء مع الله، يزعمون أنهم يعينون الله، وأنهم مشتركون معه في تدبير أمور الخلق، فهم بذلك يسيئون إلى الله تعالى، وهو "جَلَّ شَأنُهُ" الذي له الكمال المطلق، والمنزَّه عن النِدّ والشريك، ومُنَزَّهٌ في عظمته وفي جلاله.

{وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، يعني: بعيدٌ أن أستجيب لكم، لا يمكن أن أستجيب لكم، الله قَدْ هَدَانِ، وما أمتلكه من الحجة والمعرفة في كمال الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وتوحيده، وتنزيهه، هو بما يدحض باطلكم بكله؛ لأن الحقيقة واضحة في بطلان الشرك، حقيقة واضحة، حقيقة جليَّة.

هذا المنطق هو منطق يُعبِّر عن ثقة بما هو عليه، ثقة تامة، وعن ثبات بما هو عليه، وهذا مهمٌ جدًّا؛ لأنه يزرع اليأس لدى المجادلين، حينما يُعبِّر بكل هذه الثقة، وبكل هذا الثبات: [لن أستجيب لكم، كيف أستجيب لكم وأنتم تجادلون في الله؛ من أجل أصنام عاجزة، لا تملك لا نفعاً، ولا ضراً، ولا حياةً، ولا موتاً، ولا نشوراً... ولا أي شيء؟!]، فهو يعبِّر عن هذا الثبات، وعن هذه الثقة، تجاه ما هو عليه من الموقف؛ لأنه يستند فيه إلى هداية الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

هنا كما لفتنا النظر سابقاً: أن الإنسان في معتقداته الدينية، في توجهه الديني، يجب أن يكون معتمداً على هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، هذا هو المستند، والمعتمد الذي ينبغي أن يعتمد عليه الإنسان، وليس على الخرافات، وليس على الأساطير، وليس على التَّخَرُّصات والظنون والأوهام، وبالحذر عن طرق الباطل، وأهل الباطل... وغير ذلك.

فالعبارة نستفيد منها أيضاً في قوله: {وَقَدْ هَدَانِ}[الأنعام:80]، الاعتزاز بالهدى، وإدراك قيمة الهدى، وعظمة أن تكون في طريق الهدى، وهذه مسألة مهمة جدًّا للإنسان، حينما يوفِّقك الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أن تكون في طريق الهدى، فاعرف قيمة وعظمة وأهمية ما أنت فيه، ونعمة الله عليك، هي نعمة عظيمة، الإنسان إذا لم يكن للهدى عنده عظمة، أهمية، قيمة، قدر؛ يمكن أن يبتذل الهدى، أن ينحرف عن طريق الهدى، أن يتأثر بأي بدائل من الضلال والباطل، وهذه حالة سلبية لدى الإنسان، حتى فيما يتعلق بالتوفيق الإلهي، إذا كان الإنسان لا يقدِّر نعمة الهدى، فهو لا يُقدِّر النعمة عليه، يعني: حتى من باب الشكر لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" على النعمة؛ لأن أعظم النعم على الإطلاق هي نعمة الهدى، {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}[الفاتحة:7].

وكما نَبَّهنا، الهُدى والضلال هما عنوانان بارزان وأساسيان في مسيرة حياة البشر، فإما أن يكون الإنسان في مسيرة حياته على هدى، وإلَّا فالبديل هو الضلال، هو الضلال والعياذ بالله، والمسألة ليست مجرد دعاوى، يعني: أن تلك الطريق تعتبر طريق هدى؛ لأن الذين على رأسها يدَّعون ذلك، أو الذين يتحركون فيها يدَّعون لأنفسهم ذلك.

فرعـون، بكل ما هو عليه من الضلال والباطل، يُخاطب قومه، يقول لهم: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}[غافر:29]، يَدَّعي الهداية لنفسه. المشركون، فيما هم عليه من الضلال الرهيب، يقولون وهم يوجهون التهمة إلى من؟ إلى رسول الله محمد "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم"، الذي هو رسولٌ من الله، ومنحه الله الهدى، ودعوته دعوة حقٍّ وهدى، يقولون: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا}[الفرقان:42]، يعني: يتهمونه بالضلال. وهكذا هي المقامات التي أشار الله إليها، وتحدث عنها في القرآن الكريم، كثيرة من هذا القبيل؛ فلـذلك المسألة ليست مرتبطة بمجرد الدعوى، هناك طريقٌ واضح للهدى: طريق كتب الله ورسله، والهداة من عباده، الذين يسيرون في دربهم، وفي طريقهم.

هم فشلوا في مسألة الاحتجاج؛ لأنهم لا يمتلكون حجةً من الأساس، يعني: المسألة بالنسبة لهم استناد إلى عاداتهم، إلى تقاليدهم، إلى أشياء لا تمثل- بنفسها- حُجةً لهم فيما هم عليه من الباطل، فانتقلوا من مسألة الاحتجاج إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام؛ لأنهم لا يمتلكون حُجةً مقنعة، حُجةً من الأساس يعني، اتَّجهوا إلى العامل النفسي؛ بهدف التأثير بالتخويف من الأصنام.

فهم حاولوا أن يخوِّفوه، وأنه سيسبب لنفسه مصائب، ومشاكل... وغير ذلك، فهو رد عليهم بطريقة حاسمة وحكيمة، ومهتدية في نفس الوقت: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ}[الأنعام:80]، لا أخاف، في مقابل حملة التخويف التي استخدموها معه، وأسلوب التخويف هو أسلوب يعتمده أهل الباطل، حتى لو قد اتَّضح باطلهم، يعني: هم يحاولون أن يكون وسيلة للضغط، للضغط على الإنسان؛ للتراجع عن الحق الذي هو حقٌّ واضح، من أجل باطلهم الذي هو باطلٌ واضح، بأسلوب التخويف، وحملات التخويف، فهو لم يتأثر بأسلوب التخويف، وكان رده مُفحماً لهم؛ لأنه لا يخاف مما يشركون به، من أصنامهم تلك، هو يعرف حقيقتها: أنها لا تملك النفع ولا الضر، ولا تملك أي قدرة أصلاً، لا للإيجابية بأن تنفع، ولا سلبية بأن تضر، وهو يُقدِّم مقارنة- ستأتي- هي مقارنة مهمة جدًّا في مسألة الخوف، من يجب أن يخاف، من حيث أنه مذنب، ومن حيث أنه في مقام المؤاخذة من الله المقتدر، ومن حيث العقوبة الإلهية، من يجب أن يخاف؟ ستأتي هذه المقارنة.

هو في البداية يقول لهم: {وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا}[الأنعام:80]، هذا الاستثناء يأتي في حديث الأنبياء، ومع أكثر من نبيٍ في القرآن الكريم، وهو استثناء مهم جدًّا، يعني: هم لا ينطلقون من منطلقات شخصية في مواقفهم، وحتى المقام هنا ليس في مقام الاعتماد على النفس، يعني: بالاعتماد على نفسي، لا أخاف ما تشركون به، معتمداً على نفسي، على قوتي، على قدرتي، ليس كذلك، الأنبياء يحرصون على أن يربطوا موقفهم بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وأن يشدَّوا الناس إلى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وأن يترفَّعوا عن الاعتبارات الشخصية، والمواقف الشخصية، وهذه مسألة مهمة جدًّا.

هو هنا يُعبِّر عن أنه ينطلق عبداً لله، مُسَلِّماً نفسه لله، وأن الأمر كله لله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، ويعبِّر عن توكله على الله، وتسليمه لأمر الله، فيشبه ما ذكره الله في تعليماته لنا في القرآن الكريم لنبيه وللمؤمنين: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا}[التوبة:51]؛ لـذلك هذا المنطق مهم جدًّا: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا}[الأنعام:80]: يعني: لن يأتي شيءٌ من جهة الأعداء لا يعلمه الله، هو الواسع علماً، المحيط علماً بكل شيء، فأنا مخلصٌ له، ومهتدٍ بهديه، ومؤمنٌ به وحده، وأعلم أنه بكل شيءٍ عليم، فلن يحصل شيءٌ يضرني في وقتٍ يكون الله غير عالمٍ به، فهو الذي لا يخفى عليه شيءٌ، وأنا أستند إلى رعايته تعالى، وأُسلِّم أمري له "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، فإذا أتى شيءٌ بعلم الله، فليكن ما كان، يُعبِّر عن ثقته بالله، عن التجائه إلى الله، عن اعتماده على الله، عن توكله على الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

{أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}[الأنعام:80]، وهو هنا بعد أن ذكَّرهم بالحق، لفت نظرهم إلى الحقيقة، إلى ما كانوا غافلين عنه، جاهلين به، والمفترض بالإنسان في مثل هذه الحالة أن يتفاعل، بالتقبُّل، بالاستجابة، عندما يكون الإنسان في الاتِّجاه الخطأ، وأتى من يُذكِّره، ومن يلفت نظره، ومن يُنَبِّهه، فالاتِّجاه الصحيح للإنسان الذي يدل على الرشد، يدل على الإنصاف، هو: أن يتفاعل إيجاباً، أن يتقبَّل؛ بينما إذا كان الإنسان مُتبلِّد الذهن، ومعقَّد النفس، لا ينفع فيه أن يُذَكَّر، تُعرَض له الحقائق، تُعرَض له البراهين، تُقدَّم له الحُجج، لا ينفع معه شيء، مهما كانت الحُجَّة، مهما كان وضوح الحق، مهما كان وضوح الحقيقة؛ يبقى معانداً، لا يتفاعل؛ لأنه مقفل الذهن، متبلِّد الذهن، وهو في نفس الوقت معقَّد النفس، ومكبَّلٌ بالضلال، وأسيرٌ للباطل، البعض من الناس يصل به الحال إلى هذا المستوى: أن يكون أسيراً للباطل، ومُكبَّلاً بالضلال.

{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}[الأنعام:81]، يستمر في مخاطبتهم تجاه مسألة التخويف، التي حاولوا أن يؤثِّروا عليه بها، {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، هنا قدَّم مقارنة مهمة جدًّا:

- (كَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ): الأصنام التي تنحتونها أنتم، لا تملك شيئاً، لا حياةً، ولا نفعاً، ولا ضراً، ولا أي شيء، وليس لها أي قدرة، هل أخاف منها؛ لأنكم منحتموها أنتم وسام الألوهية كصفة زائفة، ليس لها أي حقيقة في الواقع، اسم فقط، اسم ليس له حقيقة ولا واقع، {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ}.

- {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: أنتم المذنبون، أنتم الذين يجب أن تخافوا من ذنب شرككم بالله تعالى، فأنتم تُقِرُّون بالله، وَتُقِرُّون بقدرته على كل شيء، وأنه الذي فطر السماوات والأرض، وعلى كل شيءٍ قدير، ونؤمن جميعاً نحن وأنتم به؛ إذاً يجب أن تخافوا أنتم؛ لأنكم أنتم المذنبون ذنبًا خطيرًا جدًّا، وأنتم في مقام المؤاخذة الإلهية، في مقام العقوبة الإلهية، أنتم في الموقف الخطر جدًّا، يعني: في الذنب، الذي هو ذنب خطير على الإنسان: من حيث المؤاخذة من الله، من حيث العقوبة من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، من حيث أنه يصبح في مشكلة مع الله "جَلَّ شَأنُهُ"، فأنتم الذين يجب أن تخافوا أنكم أشركتم بالله.

{مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، وهذا كما نَبَّهْنا في كل المواطن الماضية: أن المستند والأساس في المعتقدات الدينية هو ما ثبت أنه من الله، بالحُجَّة، وبالبرهان، وليس بالشبه وبالادِّعاءات الفارغة، بالحُجَّة وبالبرهان؛ ولـذلك يجب أن يكون الإنسان مُتنبِّهاً لهذه المسألة، إيمانك يكون مبنياً في مبادئه، في أسسه، في عقائدك الدينية، على أساس ما هو من الله، من هدى الله، ببرهانٍ واضح، بدليلٍ واضح من هدى الله "جَلَّ شَأنُهُ"، وأن يكون الإنسان حذراً من الآراء الباطلة، والزخارف الزائفة، والخرافات التي باسم أنها من دين الله وليست من دين الله؛ لأن هناك من يفترون على الله الكذب، هناك من يزخرفون زخارف القول؛ للإقناع بالباطل، فئات ضالَّة، أهل الضلال، ينشطون في التضليل للناس، اليهود في هذا العصر لهم نشاط هائل، ويركِّزون على الاختراق الفكري، والثقافي، والعقائدي، ولهم ناشطون، كُتَّاب يكتبون في مواقع التواصل وغيرها، في شبكة الإنترنت، في القنوات الفضائية التي هي منابر للضلال، وتستخدم للضلال من قِبَلِهِم، القنوات التابعة للمُضِلِّين.

فهو هنا يُنَبِّه على هذه الحقيقة: {أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا}[الأنعام:81]، يعني: ليس لكم مستندٌ في باطلكم من الله، ليس هناك حُجَّة، ليس هناك برهان، لا هدى من الله، ولا كتاب من كتب الله، تستندون إليه فيما قمتم به، فيما وصلتم إليه من الانحراف، بالشرك بالله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى".

{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، من الذي هو آمن، ويستحق أن يقال له: هو آمن، {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؟ والفريقان في الآية، حين قال: {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ}:

- فريق من آمن بالله، وأخلص له، إيماناً سليماً من الشوائب.

- والفريق الآخر: الفريق الذي أشرك بالله ما لم يُنزِّل به سلطاناً.

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، يعني: تفهمون الأشياء برؤية واضحة من خلال المقارنة.

المقارنة في موضوع التخويف درسٌ مهمٌ جدًّا، من أحوج ما نحتاج إليه في هذا الزمن؛ لأن من أكثر ما يركِّز عليه الطغاة والمجرمون، والضالُّون، والمضلُّون، والمنافقون، كل فئات أولياء الشيطان، هو: التخويف، وكل القائمة التي يخوِّفون منها هي في قائمة: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}[الزمر:36]، يخوِّفونك بأمريكا، بما تمتلكه أمريكا من قوات عسكرية، وقدرات عسكرية، بما تقوم به من ضغوط اقتصادية... وغير ذلك، ويؤثِّر التخويف على الكثير من الناس، يعتبر التخويف من أكثر العوامل المؤثِّرة على الكثير من الناس.

يعني: ربما لو نتأمل في واقع أمتنا الإسلامية، كيف تتعامل مع قضايا واضحة، الحقُّ فيها واضحٌ تماماً، ليس هناك التباس لدى الناس فيها، مثل: القضية الفلسطينية، والمظلومية الفلسطينية، مظلومية الشعب الفلسطيني، وهذا التخاذل في واقع الأمة، أكبر سببٍ فيه لدى الكثير هو الخوف، لم يتحركوا، لم يجرؤوا أن يكون لهم موقف؛ خوفاً من أمريكا، على مستوى الحكومات والأنظمة، وكذلك خوفاً من الحكومات والأنظمة على مستوى الكثير من الشعوب، وهذه إشكالية خطيرة على الناس؛ لأنها ليست منجية، يعني: ما يخاف منه الناس، وبالتالي يتنصلون عن مسؤولياتهم الإيمانية والدينية، هم يسببون لأنفسهم من سخط الله، وغضب الله، وعذاب الله، ما هو الشيء الذي يجب أن يخافوا منه فعلاً، وما لا يُقارن، ما يخافون منه، وقد تخلَّوا عن ذلك بسببه، يعني: عندما يخافون من أمريكا- مثلاً- من قدراتها العسكرية، ما هي قدرات أمريكا العسكرية في مقابل عذاب الله وسخط الله، في مقابل لحظة واحدة من جهنم، عذاب الله في الدنيا والآخرة؟ لا شيء، أو في مقابل ما بحوزة إسرائيل من قدرات للقتل والبطش والجبروت؟ كذلك لا يساوي ساعة واحدة في نار جهنم، ولا لحظة واحدة في نار جهنم.

ولـذلك يجب أن يكون الإنسان واعياً، يعني: حتى بحساب الخوف، بحساب الخوف، ما هو الذي يجب أن أخاف منه؟ أين هو الخطر الأكبر؟ أين هو الضرر الأشد، الذي يجب أن أحسب حسابه: ما يأتيني من جانب الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، إن عصيته، إن فرَّطت في مسؤولياتي، إن تنصلت عن واجباتي، إن خالفت هدى الله وتعليماته؛ أو ما يأتيني من جهة الناس؟ ما يأتي من جهة الناس هو لا شيء في مقابل عذاب الله وسخط الله.

ولـذلك يجب أن يكون المعيار في مسألة ما يجب أن نخاف منه، يجب أن يكون المعيار معيار القرآن الكريم، فأولئك الذين اتَّجهوا من أبناء هذه الأمة للخضوع لأمريكا، وطاعتها، والولاء لها، وتقديم الدعم لها (المال)، والطاعة لها؛ هُمْ ابتعدوا عن الله، أصبحوا في واقعهم يعتبرون أمريكا وكأنها أكبر من الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، وكأنها نِدٌّ لله "جَلَّ شَأنُهُ"، هُمْ في الموقف الخطير على أنفسهم من عذاب الله، ومن سخط الله "جَلَّ شَأنُهُ"؛ لأنهم بخضوعهم لأمريكا يدعمون الباطل، يقفون مع الباطل، يخدمون الباطل، يُتيحون المجال للظلم، للإجرام، أكبر عامل استفادت منه إسرائيل، في عدوانها على الشعب الفلسطيني، هو: تخاذل الأمة، أمكن لها أن تفعل ما تفعل، بذلك المستوى من الوحشية والإجرام والطغيان.

الآن، على مستوى أكبر، ومستوى يُعبِّر عن المبادئ والدين، ما الذي يعيق أكثر الأمة عن الاتِّجاه وفق هدى الله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى"، أن يكون لهم الموقف القرآني، أن يتحركوا وفق توجيهات الله "جَلَّ شَأنُهُ"؟ هو الخوف، مؤثرٌ عليهم إلى درجة كبيرة جدًّا.

ولـذلك يجب أن يكون هناك تذكير بهذه المقارنة، وترسيخ لها؛ لأنها سَتُمثِّل علاجاً وحلاً لهذه العقدة، لهذه العقدة لمن يتذكر، لمن يتفهَّم. من هو في الموقف الأقوى: من يعتمد على الله، ويتوكل عليه، ويعتمد على نصره وتأييده، أو من باءوا بغضبٍ من الله، وسخطٍ من الله، ولهم الوعيد الشديد في القرآن الكريم توعدهم الله به، ومن يواليهم؟

{إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام:81]، أنت عندما تخاف من عذاب الله، وتتَّجه لما يقيك من عذابه؛ فأنت أولاً ستأمن من عذابه، والله "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" هو قادرٌ أيضاً على أن يُؤمِّنك من ضُرِّ الآخرين، ونجد الدرس العظيم في قصة نبي الله إبراهيم "عَلَيْهِ السَّلَام"، كما سيأتي في مقامات أخرى، حاولوا حتى أن يحرقوه بالنار، لكنهم فشلوا في ذلك؛ ولـذلك هذه المقارنة مهمة جدًّا.

نكتفي بهذا المقدار.

وَنَسْألُ اللَّهَ "سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى" أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد عبدالملك بدرالدين الحوثي 08 رمضان 1446هـ 08 مارس 2025م pic.twitter.com/pdbNlsttVP

— الإعلام الحربي اليمني (@MMY1444) March 8, 2025

مقالات مشابهة

  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية العاشرة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية السابعة للسيد القائد 1446هـ
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد القائد 1446هـ
  • نص المحاضرة الرمضانية التاسعة للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي 1446هـ
  • مجلس القضاء يبارك الاعلان التاريخي لقائد الثورة بشأن غزة
  • من (وعي) المحاضرة الرمضانية السادسة للسيد القائد 1446هـ
  • (نص) المحاضرة الرمضانية الـ8 للسيد عبدالملك بدرالدين الحوثي
  • (نص + فيديو) المحاضرة الرمضانية الثامنة للسيد القائد 1446هـ
  • مرايا الوحي: المحاضرة الرمضانية (8) للسيد القائد 1446