ثورة 1919.. شرارة تحرير مصر من الاستعمار البريطاني
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
ثورة 1919 اندلعت شرارتها الأولى عقب نفي سعد زغلول ورفاقه إلى مالطة، لكنّ وراءها أسبابا كثيرة دفعت المصريين إلى الخروج للتظاهر، وعلى رأسها المطالبة باستقلال مصر وإلغاء الحماية البريطانية، واستطاع الثوار تحقيق مطالبهم ونيل استقلال بلادهم عام 1922، وإصدار أول دستور مصري عام 1923.
الأسبابيبدو السبب الرئيسي الظاهر لاندلاع ثورة 1919 -الذي دفع إلى خروج الجماهير من عامة الشعب بكل طوائفه للتظاهر ضد الاحتلال البريطاني على مصر- هو نفي سلطات الحماية زعيم الحركة الوطنية سعد زغلول و3 من رفاقه إلى جزيرة مالطة.
لكن بالعودة إلى الوراء نجد أن هناك أسبابا عديدة ومتراكمة دفعت بخروج المصريين للتظاهر يوم 9 مارس/آذار 1919.
فقد عانت مصر منذ بداية خضوعها للاحتلال البريطاني في سبتمبر/أيلول 1882، لكن وضع الاحتلال ظلّ غير مستقر بسبب بقاء تبعيتها الرسمية والقانونية للدولة العثمانية.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 دخلت تركيا الحرب بجانب ألمانيا والنمسا ضد إنجلترا وفرنسا، وتورطت مصر بشكل كبير في الحرب، وفُرض عليها عدم التعامل مع ألمانيا ورعاياها، وحظر السفن المصرية من التواصل مع الموانئ الألمانية، وفي المقابل منحت إنجلترا لنفسها الحق في توظيف الأراضي والمياه المصرية لصالحها أثناء الحرب.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 1914 أعلنت إنجلترا فرض الحماية على مصر، وإنهاء تبعيتها للدولة العثمانية، ومنذ ذلك الحين واجهت مصر الشدائد.
أعلن الاحتلال البريطاني الأحكام العرفية على مصر، وفرض الرقابة على الصحف، وعطّل الجمعية التشريعية، وأصدر قوانين تجرّم الإضرابات والمظاهرات، وفرض نظام "السلطنة" بعد عزل الخديوي عباس حلمي الثاني وتعيين السلطان حسين كامل لحكم مصر تحت سيطرة الاحتلال.
وفرض على المصريين دفع فاتورة الحرب، بمصادرة المحاصيل الزراعية والمواشي، وإجبارهم على زراعة المحاصيل التي تخدم احتياجات الحرب، وجنّد مئات الآلاف من الفلاحين المصريين قسريا، للمشاركة في الأعمال المساندة خلف صفوف القتال الأمامية تحت مسمى "فرق العمل المصرية".
تأثرت الأوضاع الاقتصادية في البلاد بصورة كبيرة، وأدت الحرب إلى نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع كبير في أسعارها؛ لندرتها وزيادة نسبة التضخم، وواجه المصريون موجة غلاء شديدة خلال فترة الحرب (1914-1918)، وارتفع سعر القمح بنسبة 131%، والسكر 149%، والفول 114%.
جزء من جنود البحرية والجيش البريطاني في مصر (غيتي) بداية الثورةومع نهاية الحرب العالمية الأولى، تفاقمت الأوضاع وبلغت حالة الاحتقان ذروتها بين الشعب المصري، واقتنع كثيرون أن نهاية الاحتلال البريطاني قد أوشكت بعد انتصار حلفائه خلال الحرب، وأن الوقت قد حان لنيل المصريين حريتهم بعد أن كبدتهم الحرب خسائر بشرية ومادية باهظة.
بُث الأمل في نفوس المصريين بعد إعلان الرئيس الأميركي وودرو ويلسون مبادئه الـ14، والتي تضمن "حق تقرير المصير للشعوب"، واعتقدوا باقتراب نيل استقلالهم، وعلى الرغم من أن ويلسون كان يقصد شعوب أوروبا فإن المصريين تمسكوا بها، واعتقدوا أنها مفتاح استقلالهم.
في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 ذهب سعد زغلول وعبد العزيز فهمي وعلي شعراوي إلى دار الحماية بوساطة من رئيس الوزراء حسين رشدي، مطالبين بتحديد موعد لهم للقاء المندوب السامي البريطاني ريغنالد وينغيت، وتمت الموافقة لهم على المقابلة.
التقى الزعماء الثلاثة بالمندوب السامي البريطاني يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 وقدموا إليه مطالب الأمة، وهي: إلغاء الأحكام العرفية، وإنهاء الرقابة على المطبوعات، واستقلال مصر عن الاحتلال البريطاني.
اتفق سياسيون وقوميون على رأسهم الزعماء الثلاثة على تأسيس هيئة الوفد المصري (أصبحت فيما بعد حزب الوفد) لجمع توكيلات من الشعب، تمنحهم الشرعية والصلاحية الكاملة في تمثيل المصريين.
وصلت التوكيلات التي تم جمعها من عموم الشعب إلى مليوني توكيل من أصل 14 مليون مواطن، ومع اتساع رقعة جمع التوكيلات أمرت سلطات الاحتلال الحكومة المصرية بمنع جمع التوقيعات ومصادرة ما تم جمعه.
في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1918 تقدم الزعماء الثلاثة بطلب للجيش البريطاني للسماح لهم بالسفر إلى لندن لعرض قضية مصر والإعلان عن مطالبهم، وإدراجهم بصفة وفد ممثل عن مصر في مؤتمر السلام الذي كان مقررا عقده في باريس، وكان لا يسمح لأي مصري بالسفر دون إذن السلطة العسكرية بسبب خضوع مصر للأحكام العرفية.
وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 1918 أبلغت سلطات الاحتلال سعدا وزملاءه برفض طلبهم للسفر إلى لندن، وبأن يرسلوا طلباتهم مكتوبة، وأثار هذا الرد غضب سعد زغلول ورفاقه، مما دفعهم إلى شن حملة مضادة لسلطات الحماية، وإرسال برقيات لرئيس الوزراء البريطاني لويد جورج لعرض قضية مصر والمطالبة باستقلالها.
وقدّم حسين رشدي استقالته من منصبه احتجاجا على منع الوفد من السفر لمؤتمر باريس، وعدم السماح له ولوزير المعارف عدلي يكن بالسفر إلى لندن لمناقشة الأوضاع مع السلطات البريطانية، وقبل السلطان فؤاد الاستقالة.
في 8 مارس/آذار 1919 أُلقي القبض على سعد زغلول ومحمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي وتم نفيهم إلى جزيرة مالطة، ما أشعل فتيل الثورة بين المصريين.
في 18 ديسمبر/كانون الأول 1914 أعلنت إنجلترا فرض الحماية على مصر وإنهاء تبعيتها للدولة العثمانية (غيتي) أهم المحطاتفور انتشار خبر نفي سعد زغلول وباقي الزعماء، اشتعل غضب المصريين في القاهرة والمحافظات والقرى، وفي 9 مارس/آذار 1919 امتنع الطلاب عن تلقي دروسهم.
وخرجوا بمظاهرات سلمية في الشوارع مطالبين بسقوط الحماية، مرددين هتافات مطالبة بعودة سعد ورفاقه من المنفى، واعتقل في ذلك اليوم نحو 300 طالب.
وفي اليوم التالي امتدت المظاهرات لتشمل الأزهر وباقي طلاب المدارس العليا والثانوية، وانضم باقي أفراد الشعب إلى صفوف المتظاهرين.
اتسعت المظاهرات وضمّت عمال السكك الحديدية، الذين أعلنوا إضرابهم وقطعوا خطوط المواصلات، وانضم لهم سائقو الترام وسيارات الأجرة وعمال البريد والكهرباء والجمارك والورش الحكومية والمطابع والقضاة والمحامون، وأُغلقت البنوك.
وتوحّد المصريون مسلمين ومسيحيين من كل طبقات المجتمع، وانضم لهم الفلاحون في القرى المجاورة، وفي يوم 15 مارس/آذار 1919 شهدت القاهرة مظاهرة حاشدة تضم الآلاف متجهين إلى قصر عابدين لدعم الثورة ومطالبها.
شهد يوم 16 مارس/آذار 1919 حدثا تاريخيا، ففيه خرجت النساء للاحتجاج وقدن مظاهرات، شاركت فيها نحو 300 امرأة، على رأسهن صفية زغلول زوجة سعد زغلول، وهدى شعراوي، ومانا فهمي.
واعتلى القساوسة منابر المساجد وجامع الأزهر الشريف وخطب الأئمة في الكنائس، مما بث الخوف في نفوس الاحتلال من تحول الأزهر إلى معقل للثورة والثوار، ودفع دار الحماية إلى استدعاء شيخ الأزهر محمد أبو الفضل الجيزاوي كي يغلق الأزهر لكنه رفض.
يوم 5 أبريل/نيسان 1919 اتفق الثوار على تنظيم اجتماع حاشد لهم في ساحات الأزهر، لكن عندما علمت السلطات البريطانية أغلقت الطرق المؤدية له ووضعت العراقيل، فحوّل الثوار الوجهة إلى جامع ابن طولون لموقعه المتميز على ربوة عالية وصعوبة الوصول إليه، وحفروا الخنادق ووضعوا المتاريس في الطرق المؤدية للجامع، وبالفعل وجدت سلطات الحماية صعوبة شديدة في الوصول إليه.
شعر الاحتلال البريطاني بفقدان السيطرة على مصر، ما دفع الجنرال بولفين إلى استخدام الطيران ضد الثوار في الريف، واستعاد بعض المدن مرة أخرى للسيطرة البريطانية.
تولى الجنرال إدموند ألنبي منصب المفوض السامي البريطاني بدلا من ريغنالد وينغيت، وتبنى الدبلوماسية في التعامل مع الثوار، وسعى لإجراء المفاوضات لإيجاد حل بدلا من الوسائل العسكرية المتبعة.
الخسائر البشريةمنذ اندلاع الثورة بدأ سقوط القتلى على يد الإنجليز، وفي اليوم الثاني قتل اثنان، وفي الثالث سقط قتيل، وفي الرابع سقط 12 مصليا أثناء صلاة الجمعة.
وسقطت الثائرة حميدة خليل في أول مظاهرة نسائية أثناء الثورة، لتصبح أول فتاة تُقتل برصاص الإنجليز منذ بدء المظاهرات، وكان موتها شرارة أشعلت نفوس النساء للانضمام للمظاهرات بأعداد كبيرة، وأصبح بعد ذلك يوم وفاتها (16 مارس/آذار) يتم الاحتفاء به يوما للمرأة المصرية.
النساء شاركن بكثافة في ثورة عام 1919 بمصر (مواقع التواصل الاجتماعي)على مدار أيام الثورة حصدت سلطات الحماية أرواح الآلاف، واعتُقل الكثير من الثوار، وأحرقت قرى كاملة، فقد قتل نحو 3 آلاف مصري في الفترة ما بين 15 و31 مارس/آذار 1919.
ولم تكتفِ سلطات الحماية بقتل المتظاهرين، بل نظمت محاكم عسكرية في الشوارع لمحاسبة المتظاهرين، وإصدار أحكام بالجلد والحبس والغرامات المادية.
النتائج السياسيةبعد قرابة شهر من اندلاع الثورة، رضخت سلطات الحماية لبعض مطالب الثورة، وفي يوم 7 أبريل/نيسان 1919 أُفرج عن سعد زغلول ورفاقه وأُعيدوا من المنفى، وأُلغيت قيود السفر للمصريين، وسُمح لهم بالسفر إلى مؤتمر باريس يوم 11 أبريل/نيسان ليمثلوا المصريين هناك.
خرجت المظاهرات في جميع المحافظات احتفالا بخروج الزعماء، مع التأكيد على الاستمرار حتى يتحقق المطلب الأساسي بنيل الاستقلال التام.
لكن مؤتمر الصلح لم يسفر عن أي خطوات إيجابية تجاه قضية مصر، ورفض الاستجابة لمطالب المصريين التي قدمها الزعماء أثناء المؤتمر.
غضب المصريون من عدم تحقيق مطالبهم خلال المؤتمر، وعادوا للتظاهر مرة أخرى، مما أسفر عن نفي سعد زغلول مرة أخرى ولكن إلى جزيرة سيشل، واستمر الثوار في التظاهر.
عاد سعد زغلول من المنفى عام 1921، وبدأت الأوضاع تهدأ، وأصدرت بريطانيا تصريحا في 28 فبراير/شباط 1922 بأن مصر دولة مستقلة، وأنهت الحماية البريطانية مع تمسك سلطات الحماية بـ4 تحفظات هي: تأمين مواصلاتها في مصر، وحقها في الدفاع عن مصر ضد أي اعتداء، وحماية المصالح الأجنبية، وحماية الأقليات.
أُصدر أول دستور مصري عام 1923، وأسفر عن حياة نيابية قائمة على التعددية الحزبية ومبدأ المواطنة من خلال شعار الثورة "الدين لله.. والوطن للجميع"، وأُجريت الانتخابات وفاز بها حزب الوفد برئاسة سعد زغلول.
وتشكّلت أول وزارة برلمانية عام 1924، وعيّن زغلول رئيسا لها، وفي العام نفسه قُتل الجنرال البريطاني السير لي ستاك، حاكم السودان والقائد العسكري لمصر، مما دفع إلى استقالة وزارة سعد زغلول، وتولى المصريون المناصب الحكومية بدلا من الأجانب، وأُلغيت وظائف المستشارين الإنجليز.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات الاحتلال البریطانی سعد زغلول على مصر
إقرأ أيضاً: