وزير الأوقاف بمؤتمر مكة: وحدة الصف واجب الوقت في ظل التحديات الراهنة
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
ألقى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف كلمة في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر : "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية" ، والذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية.
وأكد جمعة على أن سياق الحديث عن وحدة الصف وعدم الفرقة في القرآن الكريم ، ذلكم السياق الذي ارتبط بعدة سياقات لا تنفك عنه ، وهي تقوى الله (عز وجل) والاعتصام به ، وأنه لا قوة لنا ولا قدرة لنا على مواجهة أعدائنا إلا بوحدة صفنا ، فقوله تعالى في سورة الأنفال في الآية السادسة والأربعين : "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"، هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى في الآية الخامسة والأربعين : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، فلا ثبات ولا قوة لنا في مواجهة أعدائنا إلا بوحدة صفنا.
وقوله تعالى: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا"، جاء بعد الأمر بالتقوى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ"، ومن تقوى الله (عز وجل) أن نعتصم بحبله جميعًا. ثم نقرأ بعدها في الآيتين الرابعة والخامسة بعد المائة : "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، فالأمر بوحدة الصف أمر بالمعروف والنهي عن الفرقة نهي عن المنكر وفيهما فلاح هذه الأمة.
وربما يسأل سائل : هل ذلك ممكن مع واقعنا المؤلم ، فنقول وبكل ثقة نعم إذا صدقت نوايانا مع الله (عز وجل) ثم مع أنفسنا وبعضنا بعضً، حيث يقول الحق سبحانه: "وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ، مع ملاحظة أن هذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"، فلا قوة لنا إلا باعتصامنا بالله (عز وجل) ووحدة صفنا :
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا
فإذا انفردن تكسرت آحادا
كما أكد جمعة على أن وحدة الصف واجبة على كل حال من منطلق إيماني، وأنها في ظل التحديات الراهنة التي تتهدد بعض شعوب أمتنا بل تتهدد الجميع تعد واجب الوقت ومن أولى أولوياته، كما نؤكد أن كل من يشهد أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويحترم سيادة دولنا، ولا يستبيح دماءنا ولا أعراضنا ولا أموالنا ولا أوطاننا، ولا يؤلب علينا أحدًا، ولا يأوي لنا عدوًا، ولا مفسدًا في ديارنا، فهو منَّا ونحن منه، ويدنا ممدودة له بالمحبة والسلام.
فيجب أن نبني علاقاتنا على الاحترام المتبادل، وإذا كان شوقي (رحمه الله) قد قال في شأن الاحترام المتبادل بين الأديان:
نعلي تعاليم المسيح لأجلهم
ويوقرون لأجلنا الإسلاما
الدين للديان جل جلاله
لو شاء ربك وحَّد الأقواما
فمن باب أولى أن يحترم كل منا في المذاهب المختلفة مشاعر الآخر وأن يتحاشى ويتفادى جرحها أو كلمها أو نكأها، بل مجرد مسها، فالعلاقة الرشيدة هي التي تقوم على احترام مشاعر الآخرين بصدق في السر والعلن بل في السر كالعلن حتى نستطيع معًا أن نصنع تعايشًا حقيقيًّا وسلامًا حقيقيًّا لنا وللإنسانية جمعاء.
واختتم جمعة قائلا: أن هذه المؤتمرات تسهم بلا شك في بناء جسور الثقة و علمية التقارب، وتكسر بلا شك كثيرًا من الحواجز، وأننا نعمل على ذلك، وسنظل نعمل عليه لا نحيد عنه، بغض النظر عن مواقف الآخرين لإيماننا العقدي بأننا يجب أن نعمل على ذلك ما وسعنا الجهد والطاقة، من منطلق طاعتنا لله ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، ونكل أمرنا وأمر إخوتنا في الدين إلى الله، هو ولينا ومولانا وحسبنا وحسبهم، فنعم المولى ونعم الوكيل.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: وزير الاوقاف مؤتمر مكة المكرمة عز وجل
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان سيدنا رسول الله ﷺ أمرنا بالصدق، وسأله أحد الصحابة : أيزني المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيسرق المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «نعم». قال: أيكذب المؤمن، يا رسول الله؟ قال: «لا». قد يشتهي الإنسان، فتدفعه شهوته للوقوع في المعصية، أو يحتاج، فيعتدي بنسيان أو جهل. أما الكذب، فهو أمر مستبعد ومستهجن.
واضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انه عندما التزم الناس بهذه النصيحة، وهذا الحكم النبوي الشريف، عرفوا أنهم لا يقعون في الزنا ولا في السرقة. سبحان الله! لأن الإنسان إذا واجهته أسباب المعصية، وكان صادقًا مع نفسه، مع ربه، ومع الناس، فإنه يستحي أن يرتكب المعصية.
وجاء رجلٌ يُسْلِمُ على يدي رسول الله ﷺ، فقال: يا رسول الله، أريد أن أدخل الإسلام، ولكني لا أقدر على ترك الفواحش والزنا. فقال له النبي ﷺ: «عاهدني ألا تكذب».
فدخل الإسلام بهذا الشرط، رغم كونه شرطًا فاسدًا في الأصل. وقد وضع الفقهاء بابًا في كتبهم بعنوان: الإسلام مع الشرط الفاسد.
دخل الرجل الإسلام، وتغاضى النبي ﷺ عن معصيته، لكنه طالبه بعدم الكذب. ثم عاد الرجل إلى النبي ﷺ بعد أن تعافى من هذا الذنب، وقال: والله، يا رسول الله، كلما هممت أن أفعل تلك الفاحشة، تذكرت أنك ستسألني: هل فعلت؟ فأتركها استحياءً من أن أصرح بذلك، فالصدق كان سبب نجاته.
الصدق الذي نستهين به، هو أمر عظيم؛ الصدق يمنعنا من شهادة الزور، ومن كتمان الشهادة. وهو الذي ينجينا من المهالك. وقد ورد في الزهد : »الصدق منجاة؛ ولو ظننت فيه هلاكك، والكذب مهلكة؛ ولو ظننت فيه نجاتك».
وفي إحياء علوم الدين للإمام الغزالي، رضي الله عنه: كان خطيبٌ يخطب في الناس عن الصدق بخطبة بليغة. ثم عاد في الجمعة التالية، وألقى نفس الخطبة عن الصدق، وكررها في كل جمعة، حتى ملَّ الناس، وقالوا له: ألا تحفظ غير هذه الخطبة؟ فقال لهم: وهل تركتم الكذب والدعوة إليه، حتى أترك أنا الدعوة إلى الصدق؟! نعم، الصدق موضوع قديم، ولكنه موضوع يَهُزُّ الإنسان، يغير حياته، ويدخله في البرنامج النبوي المستقيم. به يعيش الإنسان مع الله.
الصدق الذي نسيناه، هو ما قال فيه النبي ﷺ : »كفى بالمرء كذبًا أن يُحَدِّث بكل ما سمع ».
ونحن اليوم نحدث بكل ما نسمع، نزيد على الكلام، ونكمل من أذهاننا بدون بينة.
ماذا سنقول أمام الله يوم القيامة؟
اغتبنا هذا، وافتَرَينا على ذاك، من غير قصدٍ، ولا التفات. لأننا سمعنا، فتكلمنا، وزدنا.
قال النبي ﷺ: «إن من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه».
وأخذ بلسانه وقال: «عليك بهذا».
فسأله الصحابي: وهل نؤاخذ بما نقول؟ فقال النبي ﷺ : وهل يَكُبُّ الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ لقد استهنا بعظيمٍ علمنا إياه النبي ﷺ. يجب علينا أن نعود إلى الله قبل فوات الأوان.
علق قلبك بالله، ولا تنشغل بالدنيا الفانية، واذكر قول النبي ﷺ: «كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل».
راجع نفسك، ليس لأمرٍ من أمور الدنيا، ولكن لموقف عظيم ستقف فيه بين يدي رب العالمين. فلنعد إلى الله، ولا نعصي أبا القاسم ﷺ.