موقع النيلين:
2024-12-16@01:25:37 GMT

عشنا الحرب وغاب المعنى (1-2)

تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT


تواترت الدعوات لإشراك الطبقة السياسة المدنية في مفاوضات إنهاء الحرب القائمة في السودان والترتيبات لما بعدها، وآخرها ما جاء عند توماس بيرييلو، المبعوث الأميركي للسودان. وربما طرأ السؤال هنا، إن كان ثمة جدوى من هذا الإشراك لهذه الطبقة التي اعتزلت الحرب نفسها بتحويلها إلى فتنة مأثورة بين يمينها ويسارها.

فلم تعد الحرب في خطابهما هي الحرب المشاهدة بين القوات المسلحة وقوات “الدعم السريع” بل هي حربهما “البسوسية” من عهد الطلب في الجامعات والمدارس بطريق آخر. ويغني هنا عن قول نفصّله في المقال إن كل من يمين ويسار الطبقة السياسية يتهم الآخر بأنه من أشعل الحرب، وكأن الجيش و”الدعم” مجرد بيادق على طاولة نزاعهما التاريخي. وهكذا وجبت الخشية أن يفوت درس هذه الحرب البليغ على هذه الطبقة كفوت دروس أقل خطراً وأعمق دلالة مرت بهما عفواً حتى صح فيهم قول “ت س إليوت”: “عشنا التجربة وغاب المعنى”.

فلن تجد في خطاب هذه الطبقة عن الحرب نظراً لفقه الحرب، من حيث مشروعية شنها والقوانين التي تحكم الأداء فيها. فسؤال الحرب العادلة وشروطها مستترة في هذا الخطاب. فتواثقت تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم” على أنها حرب “لعينة” أو “عبثية” بما يعفي المرء من التحقيق في عدلها من عدمه. وتجدها مع ذلك، خصّت قوات “الدعم السريع” بعدالة حربها في إجابتها على السؤال عمن بدأ الحرب. فاتُفق لها أن الجيش هو من أطلق الرصاصة الأولى على “الدعم” يوم 15 أبريل 2023 في المدينة الرياضية بالخرطوم. وسوغت للدعم بذلك الدفاع عن النفس. وهو دفاع يكفله قانون الحرب في حالة الدول واشترط لذلك شروطاً. وهي أن تشن الحرب العادلة، سلطة شرعية بعد استنفادها كل سبيل آخر للتصدي لمظلمة ارتُكبت بحقها أم بطريقها أن تُرتكب. والدعم السريع ليس قوة شرعية حتى في نظر “تقدم” نفسها وإلا لماذا أرادت دمجها في الجيش ضمن مشروعها للإصلاح العسكري. كما أن “تقدم” لم تتحقق، أو تحقق، في ما إذا كانت قوات “الدعم” قد أُكرهت على الحرب بعد استنفادها سبل رد العدوان بوسائل أخرى. ولا يخفى أننا نطبق على حرب وطنية قانوناً جرى تشريعه للدول. ولكننا تجاوزنا مجال تطبيقه إلى معاني العدالة فيه بإطلاق. ووجدنا أنه بين الأميركيين من احتكم إلى قانون الحرب العادلة ليخلص إلى أن حربهم الأهلية (1861-1865) لم تكن حرباً عادلة بذريعة أن أبراهام لنكولن، الرئيس الأميركي الذي اندلعت الحرب الأهلية في زمنه، لم يستنفد الأسباب قبل شن الحرب. ولا بد أن “تقدم” عملت هنا بمبدأ “سدة بسدة والبادي أظلم”، لا قانون الحرب، حين جعلت إطلاق الرصاصة الأولى مسوغها لترخص لـ”الدعم السريع” أحقية المواجهة دفاعاً عن النفس. وبدا مع ذلك أنه ساور “تقدم” مؤخراً شك حول الجهة التي بدأت الحرب إذ كان من بين قرارات مؤتمرها الأخير في أديس أبابا (1 يناير/ كانون الثاني 2024) قراراً بتشكيل لجنة وطنية دولية ذات مصداقية للتحقيق حول من أشعل الحرب. وهذا جس بعد ذبح.

أما أكبر أبواب “تقدم” للترخيص بالحرب العادلة لـ”الدعم السريع” فهو إجماع أطرافها، كما لم تجتمع أبداً من قبل، على أن الإسلاميين من أنصار “نظام الإنقاذ” المباد، أي “الكيزان” أو “الفلول”، هم من أشعل الحرب الدائرة بل وفرضوها على الجيش نفسه فرضاً. وأراد الكيزان، وفق “تقدم”، من الحرب استعادة نظامهم الذي أطاحت به ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018. ومعروف أن “تقدم” كانت في قيادة الثورة وفي حكومتها الانتقالية. ومن دون عودة “الإنقاذ” للحكم، في عزيمة “تقدم”، خرط القتاد. ولم تكف أقلام تقدم منذ الحرب عن اجترار تاريخ معاناة طوائفها من “دولة الإنقاذ” بالتفاصيل المملة. ووقع تنصيب “تقدم” للفلول خصماً محارباً لاستعادة دولته لـ”الدعم السريع” على جرح. فراحت تذيع أن الحرب في حقيقتها حرب “الكيزان” وتكرر الدعوة لـ”أحرار الجيش” أن ينفضوا يدهم عنها.

أما أكبر وجوه استدبار “تقدم” لفقه الحرب فهو في محاسبتها أطراف الحرب على انتهاكاتهم. فإذا كانت قد سوغت لـ”الدعم السريع” خوض الحرب دفاعاً عن نفسه، كما رأينا، إلا أنها تعثرت كثيراً في أخذه بالشدة على انتهاكاته بحق المدنيين، إن لم تجزها عليه. فضربت بالحائط مبدأ التمييز في الحرب الذي يقصر الاستهداف في الحرب على العسكريين. فالمبدأ يقضي على المحارب التأكد من أن الهدف الذي اختاره عسكري لا مدنياً والامتناع عن ضرب الأخير بالكلية إلا بضوابط غاية في التعقيد.

ولم يكن بوسع حرب “الدعم السريع” إلا أن تكون حرباً ضد المدنيين بقدر ما هي حرب ضد العسكريين طالما استهدفت سياسياً، بل وجهوياً أو عرقياً، جماعات مدنية بعينها مثل الجماعات السودانية الشمالية النيلية من وراء دولة 56، أي تلك التي استأثرت بخيرات دولة الاستقلال دونهم في الهامش. وكانت أكبر مظاهر خروق “الدعم السريع” هي احتلال أحياء صفوتهم وغير صفوتهم، ونهب أموالهم وسياراتهم، وإكراههم على إخلائها بالعنف المباشر أو ترويعاً. ولم تجد الأقلام المنسوبة لـ “تقدم” في هذه الانتهاكات مخالفة لقانون التمييز.
ونواصل

عبد الله علي إبراهيم

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: لـ الدعم السریع الحرب العادلة

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع تصادر أجهزة “استارلينك” من سكان القطينة

قالت منصة “نداء الوسط”، إن قوات الدعم السريع.. صادرت جميع وسائل الاتصالات وأجهزة الـ “ستار لينك” من سكان مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض، بحجة تخوفها من إرسال إحداثيات لطيران الجيش.
واتهمت “المنصة”.. الدعم السريع بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة للسكان وتجميعهم في قسم شرطة المدينة واستخدامهم “دروع بشرية” من القصف الجوي، إلى جانب نهبها لجميع المحال التجارية.. محذرة الدعم السريع بوقف انتهاكاتها ضد المدنيين، مطالبة المجتمع الدولي بتصنيفها “مجموعة إرهابية”.

التيار

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تصعيد ميداني بين الجيش و الدعم السريع و تحشيد كبير حول الفاشر ومدني
  • الجيش السوداني يحبط هجوما على الفاشر للدعم السريع
  • الجيش السوداني مسنودا بالطيران يستهدف الدعم السريع بالفاشر
  • الجيش السوداني يعلن مقتل قائد لـ«الدعم السريع» في الفاشر
  • الجيش يتقدم على الدعم السريع.. هل لا يزال الحل السلمي خيارًا؟
  • الدعم السريع تصادر أجهزة “استارلينك” من سكان القطينة
  • الجيش السوداني يُعلن مقتل قائد لقوات الدعم السريع في الفاشر
  • «الدعم السريع» تتهم استخبارات الجيش بفبركة فيديوهات وخطابات لقادتها
  • «الأمة القومي» ينعي قيادي بالحزب قتل تحت التعذيب بمعتقلات الجيش
  • السودان: استمرار الاشتباكات المسلحة في الخرطوم بحري وشهود يؤكدون تقدم الجيش