النظام الدولي والمرحلة الانتقالية
تاريخ النشر: 18th, March 2024 GMT
يمر النظام الدولي الذي تشكل على إثر خفوت مدافع الحرب العالمية الثانية في مرحلة انتقالية مجبولة بكثير من الفوضى والعبث والانهيار الأخلاقي والسلوكي خاصة إذا ما أدركنا أن النظام الدولي القديم الذي تقف على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية ودول الترويكا الغربية، يقف عائقا أمام تحديث النظام الدولي أو استبداله باخر أكثر عدلا وأخلاقا، وفيما هناك من يسعى لاستبدال نظام الهيمنة القطبية الأحادي الذي تديره وتتحكم به واشنطن منذ انهيار القطب الآخر في المعادلة الدولية الاتحاد السوفيتي عام 1989م لتتسيد واشنطن زعامة العالم منذ عام 1990م لكنها بدلا من إرساء قيم الحق والعدل وفق النظرية الليبرالية المؤمنة بحق الفرد والمجتمع، ذهبت سياسة واشنطن بعيدا في غطرستها وتبنت سياسة استعمارية هي الأسوأ في التاريخ الاستعماري، وتحولت هذه الدولة من دولة ليبرالية تؤمن بالحريات والحقوق والقيم الديمقراطية كما زعمت ولاتزال، إلى دولة إمبريالية متوحشة تتعامل مع العالم وفق منطق ثقافة (الكابوي ورعاة البقر) وترى في العرب والمسلمين تحديدا وكأنهم (هنود حمر) الذين قامت أمريكا على انقاضهم، ومن تبقى منهم وضعتهم في محميات خاصة وكأنهم حيوانات وليس بشر، نظرية تحاول واشنطن وفق منطقها وسلوكها الراهن تطبيقها على الشعب العربي في فلسطين وعلى كل العرب والمسلمين، بما في ذلك أولئك الذين ارتبطوا بها ارتباطا عضويا، فهي لا ترى فيهم إلا مجرد جسور تمشي عليهم، وتصل من خلالهم نحو أهدافها الجيوسياسية والاستراتيجية، لكنها لن تتردد في التضحية بهم أن تطلب الأمر ذلك، وقد حدث هذا كثيرا مع شخصيات وزعامات ودول وأنظمة ارتبطوا بأمريكا ثم تخلصت منهم في لحظة ما، إما بعد أن استكملت استخدامهم، أو بعد أن احرقتهم أمام شعوبهم وخوفا من الثورة عليها وقد يأتي للسلطة من لا تنسجم معهم، فعملت على التخلص منهم عبر تصعيد بدلاء موالين لها، قاطعة بهذا الطريق أمام إرادة الشعوب وخوفا أن تؤدي أي ثورة شعبية هنا أو هناك من إيصال أنظمة معادية لواشنطن كما حدث في إيران رغم إنها ضحت بالشاه، وكما حدث في مصر السادات الذي لم يكن بمقدور أي جهة تصفيته، لولا الولايات المتحدة التي استخدمت الرجل في عزل مصر عن الصراع العربي الصهيوني من خلال اتفاقية (كامب ديفيد) وإبرام اتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني، لكن حين أدركت أن السادات له كارزمية معقدة وذات نزوع نرجسي يصعب السيطرة عليه، عملت على تهيئة الظروف للتخلص منه، وأمريكا تجد فن تهيئة ظروف الأحداث، فما حدث للسادات لم يكن جهد جماعة الإخوان، ولم يكن خالد الاسلامبولي أكثر من مجرد أداء حركته أياد خفية، وسهلت وصوله نحو غايته تماما، كما حدث مع بن لادن وتنظيم القاعدة في أحداث منهاتن عام 2001م الذي بدوره ما كان في مقدوره القيام بما قام به في ضرب أبراج منهاتن ومواقع أخرى لم تكن هناك رغبة لدى جهة ما تريد حدوث هذا الحدث أو ذاك وبالتالي تعمل على تسهيل مهمة المتحمسين للقيام به وتعطيهم الفرصة الكاملة لتحقيق ما يتطلعون إليه، والذي تتخذه واشنطن لاحقا ذريعة لتحقيق أهداف استراتيجية أعظم واشمل واكبر، وبرد فعل أعظم واشمل مما يجب أن يستحقه الحدث.
غطرسة واشنطن طيلة عقود هيمنتها أوصلتها إلى هذه المرحلة التي يمكن وصفها إنها مرحلة ( السعار الأمريكي وتوحش سلوكها) بدءاً من غزوها لجمهورية يوغسلافيا السابقة وإسقاط نظامها وتقسيم هذه الجمهورية إلى دويلات عرقية وطائفية، إلى غزو أفغانستان بذريعة مكافحة الإرهاب وإسقاط نظام طالبان الذي صعدته للسلطة الأفغانية عام 1995م، ثم قررت إسقاطه عام 2001م بذريعة تعاونه مع تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن الصديق الذي تحول لعدو ، ثم عملت على غزو العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي كذبة افتعلتها أمريكا وكانت تدرك انها تكذب علي العالم، ولكنها كانت تبحث عن ذريعة تجبر الآخرين بالتسليم بمواقفها، والمؤسف أن غالبية النظم العربية صدقت مزاعم أمريكا في مكافحة الإرهاب وان القاعدة هي من هاجمت أمريكا، وان العراق يشكل خطرا على دول الجوار، كما صدقوا أن الإخوان وخالد الاسلامبولي هم من خططوا ونفذوا جريمة اغتيال الرئيس السادات، وأين في ساحة العرض العسكري الذي يتفاخر به الرجل ويتباهي بصناعته وهو يوم العاشر من اكتوبر ذكرى حرب 1973م ومع أن مكان وتوقيت اغتيال الرجل كان يحمل رسالة واضحة وكافية غير أن كثيرين لم يستوعبوا، ليأتي بعده من قدم افضل وأهم الخدمات لأمريكا والصهاينة..!
سياسة غطرسة أمريكا تراكمت، وزاد سخط العالم شعوبا وأنظمة على تصرفاتها بما في ذلك حلفاؤها، وهي التي لا حليف لها غير الكيان الصهيوني في الوطن العربي، والمملكة المتحدة في أوروبا، وغير هؤلاء ليس هناك حلفاء تحترمهم واشنطن وتتعامل معهم كحلفاء، وحتى حلفاءها التقليديين في أوروبا لا ترى فيهم غير مجرد اتباع، وعليهم أن يكونوا كذلك بدليل أن قواعدها في كل أوروبا لاتزال ثابتة حتى بعد انتفاء مهمة هذه القواعد وزوال الخطر الذي تم إنشاء هذه القواعد لمواجهته وهو حلف وارسو..
في جنوب شرق آسيا الأمر لا يختلف عن الحال في أوروبا
خلال عقود هيمنة واشنطن على العالم تبلورت قناعات دولية بأهمية إيجاد نظام دولي متعدد الأقطاب يتجاوز هيمنة واشنطن ويسقط توحشها تجاه شعوب وأنظمة العالم بعد أن تعمدت طيلة ثلاثة عقود على فرض قوانينها الخاصة بدلا عن القانون الدولي، فصادرت بذلك مهام الأمم المتحدة والجمعية العامة، ومجلس الأمن الدولي وهي المنظمات المعنية بحماية السلم والأمن الدوليين، غير أن أمريكا صادرت مهام هذه الجهات الدولية وعطلت قوانينها ونظمها ودورها، لتحل قوانينها الخاصة وتصبح قوانينها هذه ملزمة على شعوب وأنظمة العالم ومن يخالفها أو يعترض عليها فهو إرهابي وضمن محور الشر ويستحق العقاب، بل ابتكرت قانون العقوبات وحصار وتجويع الشعوب، وتجبر دول وأنظمة العالم ومؤسساته الاقتصادية والتجارية على تنفيذ قوانينها المنافية لكل القوانين والتشريعات الدولية والإنسانية والأخلاقية، مستغلة عملتها (الدولار) كعملة دولية لتفرض على شعوب العالم إجراءات لخدمة مصالحها بمعزل عن مصالح شعوب ودول وأنظمة العالم.
وبما ان لكل بداية نهاية، فإن كل ما تقوم به أمريكا اليوم هو محاولة لتجنب النهاية الحتمية المرتقبة سواء تعلق الأمر بانسحابها من أفغانستان بعد عشرين عاما من الاحتلال والحرب ضد إرهاب طالبان ثم في النهاية تنسحب وتسلم السلطة لطالبان الإرهابية..!
فسعت لتطويق تصاعد روسيا والصين عبر تشكيل حلف ناتو جديد ضد الصين مكون منها ومن بريطانيا وأستراليا، إلى تفجير حرب أوكرانيا، غير أن مهمتها هذه أخفقت لعوامل ذاتية وموضوعية، فقفزت نحو منطقتنا راكبة موجة معركة طوفان الأقصى معلنة انضمامها للكيان الصهيوني، وشريكة فعالة إلى جانبه في حرب إبادة ضد الشعب العربي في فلسطين، منذرة كل دول وأنظمة المنطقة، ومهددة من يتدخل لنصرة الشعب الفلسطيني بالعقاب الساحق رافضة فكرة توسيع الصراع وحصره في نطاق قطاع غزة، معطية لكيانها اللقيط حق إبادة شعب تحت الاحتلال بذريعة ( الدفاع عن النفس) والحقيقة أن هذا الحق هو للشعب المحتل وليس لجيش الاحتلال، ولكنه منطق أمريكا..!
التي اصطفت دفاعا عن جرائم الاحتلال وهي في واقع الأمر تدافع عن هيمنتها وعن ديمومة تسلطها على العالم، لأن معركة طوفان الأقصى ليست مجرد معركة عابرة بين المقاومة في فلسطين والعدو، ولكنها معركة وجودية متصلة بمنظومة النظام الدولي الذي أسقطته مقاومة غزة وأسقطه الموقف اليمني الذي جاء من حيث لا تحتسب واشنطن والعدو الصهيوني، وان كان هناك من يحاول التقليل من الموقف اليمني فهذا لأنه غبي، فالموقف اليمني أحدث زلزالا لواشنطن، وأهان كبرياءها وغرورها، وداس على غطرسة اتخذتها أمريكا هوية لتطويع شعوب العالم.
بيد أن الخطأ الذي وقعت به واشنطن هو أنها تجاهلت حقيقة جوهرية تاريخية وحضارية ودينية وهي أن الأمة العربية ليست أمة (الهنود الحمر) مع احترامي لامة الهنود الحمر وحضارة (الاسكا والانكا)، ولكن هذه الأمة أمة حضارية وأمة الرسالات السماوية التي نزلت فيها وعلى رسل وأنبياء بعثهم الله من أبنائها، وبالتالي هذه الأمة تنكسر وتبتلي، ولكن لا تموت ولا تنقرض، ومنها الشعب الفلسطيني الذي يقاوم العالم بأسره وينتصر ويصنع المعجزات والأساطير في معركة أذهلت أمريكا وكيانها اللقيط والعالم، معركة أسطورية تكتب حروفها الملحمية مقاومة عربية إسلامية مسنودة من بقايا شرفاء الأمة الذين لم تتمكن أمريكا من تطويعهم، ولذا تصفهم بالإرهابيين وهذا الوصف إن أتى لأحدكم من أمريكا والغرب فهو شرف ما بعده شرف، بل وسام فخر واعتزاز يعلق على صدور كل من تصفهم أمريكا بالإرهابيين، لأن هذا الوصف بمثابة شهادة تؤكد على أن من تصفهم أمريكا بهذا الوصف هم أحرار وأصحاب سيادة وكرامة وقرار.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
إحراق مستشفى كمال عدوان.. شاهد على وحشية الصهاينة وسقوط المجتمع الدولي
يمانيون/ تقارير
تحت سماء ملبدة بسحب الدخان الأسود، وفي قلب المعاناة، تتعالى أنين الآلام القادمة من قطاع غزة، المكان الذي بات يُجسد أعمق ألوان المأساة الإنسانية. منذ أن جرّت الحرب أذيالها على هذا القطاع المنكوب، لم يكن هناك مكان بل وحتى المستشفيات، مفترض أن تكون ملاذًا للشفاء، قد نجا من استهداف وحشية العدو الصهيوني الذي يسعى لتصوير نفسه كباحث عن “الأمن”، بينما هو يغتال البراءة في أبشع صورها.
شهدت الأيام الأخيرة زاد العدو الصهيوني من وحشيته واستهدافه الممنهج للمدنيين، خصوصا عقب إعلان العدو ما أسماه بخطة “إخلاء شمال غزة” من السكان وتحويلها إلى منطقة عسكرية. ففي ظل التصعيد المستمر، أقدمت الآلة الحربية الصهيونية على اقتحام مستشفى كمال عدوان في شمال غزة، الذي تعرض لقصف متواصل منذ بداية العدوان الإسرائيلي. هذه الجرائم تعكس انهيارًا أخلاقيًا متجذرًا في تاريخ الكيان الصهيوني، الذي لطالما ارتكب الفظائع بلا تردد.
تتزايد الاعتداءات الصهيونية بشكل يومي، مخلّفة ورائها مشهداً تراجيديا مليئًا بالأحزان والدموع. مستشفى “كمال عدوان”، الذي لم يزل إلى الأمس يُعد شبه ملاذ غير آمن للمصابين والجرحى، تحول إلى ساحة للاعتداءات الصهيونية. في أروقته، يُعتدى على الأطباء والممرضين، بل ويُستهدف المرضى في أسوأ انحدار أخلاقي ممكن، حيث يُتعامل مع الحياة وكأنها لعبة عشوائية بين أيديهم.
لم يكن بوسع طاقم المستشفى إلا أن يشهدوا كيف اقتُحمت قاعاتهم، حيث الضحايا ينتظرون العلاج، و باتت أضواء غرف العمليات تُستبدل بنيران البنادق، بينما يُهزّ الجرحى في عذابات لا تنتهي. إن الاعتداء على الطواقم الطبية، بضربهم واعتقالهم على أيدي عصابات العدو. ومن ثم إحراق المستشفى بمن فيه، هو برهان كافٍ على مدى وحشية الكيان الصهيوني وأن الرهان على المنظمات الإنسانية والحقوقية وكذلك الأمم المتحدة مجرد هراء .
ومع كل صرخات الأطفال والأمهات التي ترتفع كنداء للحياة، يُظهر المجتمع الدولي برمته تواطؤه وصمته المذل. هذا الصمت هو خذلانٌ واضح من أولئك الذين يُفترض أن يكونوا حماة للحقوق، إنه تجسيد للخيبة وفقدان الأمل، إذ يُترك الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة آلة القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري.
الأسوأ من ذلك، تُظهر المواقف المرتبكة من قبل بعض الدول الإسلامية تجاه ما يحدث في غزة، جوهر الخذلان الذي يُجرد روابط الأخوة ونصرة المظلوم الذي يحثنا عليهما الدين الإسلامي من ضمير الأمة. أين قادة الأمة الإسلامية من أطفال غزة الذين يجابهون أقسى معاناة عرفتها البشرية منذ الخليقة الأولى؛ يموتون بمزدوج الجوع والبرد.. يموتون وحناجرهم تصرخ: لماذا يبقى التكافل الإنساني مسجلاً فقط في الكتب والشعارات ولا يُترجم إلى أفعال؟ بينما تُفجع أرواح هؤلاء، يُصبح الصوت العائد من المآذن صدى فارغًا، غير قادر على شحذ همم المنابر السياسية؟.
إبادة جماعية
إن ما يجري في غزة ليس شكلا من أشكال الحرب، بل أصنافا من فظائع الجرائم ضد الإنسانية تتطلب من الجميع وقفة حقيقة. عندما تُفجر الأماكن التي يُفترض أن تكون آمنة، وتقصف مخيمات النازحين كيف يمكن للعالم أن يغمض عينيه عن هكذا حقائق مروعة، خصوصا وهي تعرض على الشاشات على مدار الساعة؟.
في غمرة هذه الأحداث، يبقى السؤال مُلحًا: إلى متى ستبقى الشعوب الإسلامية صامتًة بينما تُرتكب الجرائم في وضح النهار؟ وإلى متى سيظل الفلسطينيون وحدهم في معركة مستمرة للحفاظ على إنسانيتهم ضد عدو هو الأكثر والأبشع وحشية في التاريخ؟.
تتجاوز القضية الفلسطينية حدود الجغرافيا لتصبح قضية إنسانية بامتياز، وأصواتٌ في كل أنحاء العالم يجب أن ترتفع، مُطالبةً بحماية الإنسانية وإيقاف جرائم الإرهاب الصهيونية البشعة. أين العالم الإسلامي، الذي ينبغي أن يكون الأعلى صوتا في كل العواصم، يؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأسرها، وأن سقوط غزة يُعدّ سقوطًا لكل ما يشمله مفهوم الوجود الإسلامي؟.
تواطؤ المجتمع الدوليإن الوضع في فلسطين، ولا سيما في غزة، يشهد تدهورًا متزايدًا، فمع تصاعد العدوان الصهيوني ، يبرز الدعم العملي والسياسي الذي يتلقاه الكيان الصهيوني من بعض الدول الكبرى، ويظهر بشكل جلي تواطؤًا غير مقبول مع الجرائم التي تُرتكب يوميًا. ولعل أبرز تجليات هذا التواطؤ هو ما تقوم به الولايات المتحدة حاليًا من ممارسة ضغوط قوية لسحب تقرير المجاعة الذي أعدته منظمة الإغاثة الدولية، والذي يسلط الضوء على الحالة المأساوية التي تسببها إجراءات العدو الصهيوني في حظر دخول المساعدات ومستلزمات الإغاثة إلى سكان غزة. هذا الموقف يُعد دليلاً أفظع على مشاركة أمريكا للكيان الصهيوني في ارتكاب جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
إن الصمت الدولي والتراخي في تقديم الدعم للضحايا وتوفير الحماية للمدنيين يحول العالم بأسره إلى شريك فعلي في المجازر وجرائم الحرب التي يرتكبها الصهاينة. لقد آن الأوان لتجاوز التعابير الشكلية التي تستخدمها بعض الحكومات للتعبير عن قلقها وكفى، وكأن من يُجزرون في غزة، ويُعذبون في معتقلات العدو الصهيوني، ومن يحظر عليهم الحصول على أبسط مقومات الحياة من الغذاء والدواء، ليسوا بشراً. إن الأطفال الذين يموتون نتيجة الجوع والبرد يواجهون قسوة عذاب مزدوجة لا يمكن تحملها. في هذا السياق، فإن العالم بأسره مُلزم، بتقديم دعم فعلي وتحرك عاجل لردع هذا الكيان وإيقاف جرائمه بكل الوسائل المتاحة. ولكن أنّى لهذا العالم أن يرفع صوته وقد فتح للصهيونية القصور وأمدهم بالعتاد والأسلحة الفتاكة.
وفي المقابل، يتكرر السرد للعدو الإسرائيلي لأصناف الأكاذيب وبشكل مستمر، خصوصًا عندما يُستخدم مصطلح “المناطق الآمنة” ليُصبح غطاءً لوصف المناطق التي تُستهدف بقصف عشوائي. إن الاعتداء المتعمد على هؤلاء المدنيين ووصمهم بالإرهاب ليس سوى تشويه للحقائق وتحريفٍ للقيم الإنسانية التي يدعي العالم إعلان حمايتها.
من منطلق الحقيقة التي تؤكد أن الصهيونية هي الإرهاب، وأن الإرهاب هو الصهيونية، يتجلى التساؤل المنطقي ليطرح نفسه بقوة: ماذا لو كانت الأحداث معكوسة، وأن المقاومة الفلسطينية هي من تمارس أبسط أشكال الرد على الاعتداءات ضد الصهاينة؟ كيف ستأتي ردة فعل المجتمع الدولي؟ .
الجهاد هو الحل
إن الجهاد في سبيل الله ضد العدو الصهيوني ضرورة بحسب الدين والعرف والقيم والتعاليم الإلهية والقوانين الوضعية والمقاومة المشروعة لأبناء فلسطين تعكس إرادة الحياة ومقاومة الظلم، ويجب أن تجد أصداءً في قلوب الشعوب الحرة حول العالم. إن السقوط الأخلاقي الذي يعكسه هجوم قوات العدو على مستشفى كمال عدوان هو تجسيد صارخ لانعدام الإنسانية، فكيف يمكن السكوت على عدو يقتحم مرفقًا طبيًا ويعتدي على المرضى والجرحى، الذين يعانون بسبب الوضع الكارثي الذي أوجده هو ؟ المستشفى يعاني من نقص حاد في الأدوية والموارد الطبية الأساسية، حيث تُحرم الطواقم الطبية من أبسط أدوات العمل لمساعدة المصابين، في ظل انعدام الأمن والحماية.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تعرضت الطواقم الطبية للاعتداء الجسدي، إذ أنه وبعد أن تم احتجاز حوالي 400 فرد من الكوادر الطبية، في محاولة جديدة من قوات العدو الإسرائيلي لتكريس الرعب والفوضى. إن هذا الفعل ليس سوى تعبير عن الفشل الذريع الذي يعيشه العدو الصهيوني أمام صمود المقاومة الفلسطينية.
إن استهداف المدنيين، بما في ذلك الأطفال والنساء، والتهجير القسري، هو علامة ليس على الانحدار الأخلاقي الذي يتميز به الكيان الصهيوني في مواجهاته فحسب، وإنما وصمة عار على جبين المجتمع الدولي الذي لم يقف في وجه هذا الكيان وقفة جادة يكون من نتائجها استعادة الحق كاملا لأصحابه الفلسطينيين من غاصبيه ووقف كل أشكال العدوان الصهيوني.
نقلا عن موقع أنصار الله