في معادلة يمنية جديدة لافتة، أعلن السيد عبد الملك الحوثي أن التوجّه اليمني هو مواصلة العمليّات بفاعلية وتوسيع مداها: “لتصل إلى مناطق وإلى مواقع لم يتوقعها العدوّ أبدًا”، معلنًا منع السفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي من العبور ولو عبر المحيط الهندي، بالاتّجاه المحاذي لجنوب إفريقيا.
كانت ردّ الفعل التحليلية الأولى لكل المراقبين هي أن هذا الإعلان سيؤدي إلى إطباق الحصار على الموانئ الإسرائيلية على البحر المتوسط، بعد نجاح اليمن في محاصرة ميناء إيلات في خليج العقبة في البحر الأحمر.

وبعد ما أثير من شبهات حول خطوة الميناء والرصيف الأميركي في غزّة، وما يخفي وراءه من مطامع، تأتي الخطوة اليمنية كنقلة شطرنج بارعة تستهدف المطامع الصهيوأمريكية في المتوسط باستهدافها من بعد ومن المنبع، هذا فضلًا عن تعميق الحصار الاقتصادي للعدو باستهداف الطرق البديلة، والتي لم تشكّل إلا حلًا جزئيًا وصغيرًا لازمته الرئيسة.
هذا التصعيد اليمني المدروس سيؤدي، بشكل أولي ومباشر، إلى رفع أسعار التأمين على الشحنات، والتي ارتفعت أصلًا مع بدء الهجمات الحوثية على السفن المتجهة لـ”إسرائيل” عبر البحر الأحمر، وستؤدي تاليًا إلى ارتفاع كلفة الشحن بشكل عام.
هذا التهديد اليمني يستند إلى جدية ومصداقية، ولعلّ أحدث خطوة بهذا الصدد تمثلت بالقيام بتجربة لصاروخ فرط صوتي تبلغ سرعته 8 ماخ – نحو 10 آلاف كلم في الساعة- جاهز للاستخدام في الهجمات ضدّ السفن المرتبطة بـ”إسرائيل”، حسبما نقلت وكالة “نوفوستي” الروسية عن مصدر عسكري مقرّب من جماعة “أنصار الله”، والذي أشار إلى أن اليمن قامت بتطوير صواريخها وطائراتها المسيّرة لزيادة قوتها، وذلك بعد تجارب استمرت 3 أشهر.
كما يأتي الإعلان اليمني عن هذه الخطوة في سياق إشارة اليمن إلى أنها ستصعّد العمليات العسكرية، وستُدخل “سلاح الغواصات” في عملياتها التي تشنها على سفن تجارية بالبحر الأحمر ومياه أخرى خلال شهر رمضان المبارك دعما وإسنادا للشعب الفلسطيني. وهنا؛ الأضرار الاقتصادية للعدو الإسرائيلي ستتضاعف، وسيزداد نزيفه الاقتصادي وشلله التجاري، حيث تشكّل هذه التهديدات أزمة مضافة للأزمة الرئيسة التي أحدثها استهداف مصالح العدوّ في البحر الأحمر واضطرّت معها السفن المتجهة إليه إلى السير برحلة طويلة حول رأس الرجاء الصالح لتمتد مسافة الرحلة من ألفي كيلو متر بين باب المندب إلى خليج العقبة لتصل إلى 22 ألف كيلو متر للالتفاف حول رأس الرجاء الصالح مرورًا بالمحيط الاطلسي والبحر الأبيض إلى ميناء أسدود.
وكان الطريق البديل عبر المحيط الهندي عوضًا عن باب المندب قد أدى إلى ارتفاع التكاليف بسبب وقت السفر الأطول، حيث أضافت عمليات العبور عبر رأس الرجاء الصالح ما لا يقل عن 10 أيام وأكثر من 15% إلى تكاليف الشحن. كما توقفت تقريبًا حركة نقل البضائع ذات العمر الافتراضي القصير، فالسلع القابلة للتلف بما في ذلك منتجات الألبان قد لا تكون قادرة على تحمل الطرق الأطول، كما واجهت السلع الاستهلاكية تضررًا كبيرًا بسبب سلوك سفن الشحن مسارات أطول.
وأفادت تقارير اقتصادية، في بداية هذا العام، عن تراجع نشاط ميناء إيلات بنسبة 85%، وهو الميناء الرئيسي لـ”إسرائيل” على البحر الأحمر. كما تعرضت العديد من الشركات الإسرائيلية العاملة في مجال الطاقة والتجارة للضرر جراء الهجمات، وبحسب “بنك إسرائيل”، بلغت الخسائر الاقتصادية المباشرة للهجمات نحو 10 مليارات دولار. وطبقا لوزارة المالية الإسرائيلية، قد تصل الخسائر الاقتصادية الإجمالية للهجمات إلى 50 مليار دولار. ولعلّ الخبير الاقتصاد الروسي “خوجا كاوا” قد رصد جانبًا مهمًا من الخسائر، عندما قال إن الحصار الكامل على إمدادات “إسرائيل” في البحر الأحمر تكلّف 10 ملايين دولار يوميًّا على الأقل، مبينًا أن تغيير المسار حول إفريقيا “يجعل التجارة غير مربحة”.
كما سينخفض الدخل من الترانزيت عبر الموانئ، إذ من المعلوم أن موانئ إيلات وأسدود الإسرائيلية تجني الأموال عن طريق نقل البضائع بين آسيا وأوروبا. وهذا التدفق سينخفض بسبب الحصار، هنا؛ الخطوة الجديدة التي أعلنها السيد عبد الملك الحوثي ستستهدف البحر المتوسط، بشكل مباشر، ولا سيما ميناء أشدود، والذي عانى منذ طوفان الأقصى ركودًا بسبب صواريخ المقاومة الفلسطينية وقربه من غزّة.
قبل هذه الخطوة اليمنية، تمثلت مشكلة ميناء أشدود، وهو الميناء الأهم في الكيان، والذي يعمل منذ نحو 60 عامًا، أنه يبعد عن قطاع غزّة بأقل من 30 كيلومترًا، ومن ثمّ تُسمع فيه صفارات الإنذار بانتظام إشارة إلى انطلاق الصواريخ من الأراضي الفلسطينية، لتتقلص حركة المرور فيه على الأرصفة بشكل ملحوظ منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد أن كانت تعالج فيه ما بين 800 ألف و900 ألف حاوية سنويًا، أو 21 مليون طن من البضائع في العام 2022.
لقد قدّر المدير العام للميناء إيلي بار يوسف تراجع النشاط فيه بـ30 % وأوضح قائلاً: “نستقبل اليوم 12 إلى 18 قاربا يوميًّا بدل 30 في الأوقات العادية”، خاصة أن 100 من بين 1280 موظفًا يعملون حاليًا في الجيش، وأن الرحلات البحرية توقفت تمامًا بعد بداية واعدة”. كما تحدث مستورد يعمل مع الميناء منذ عقود إلى وسائل الإعلام راسمًا عدة صورة قاتمة قائلًا: “الانخفاض في حركة المرور يصل- بحسب رأيي- إلى 50 %”، مشيرًا إلى أن: “تعبئة أكثر من 300 ألف جنديّ احتياط تؤدي إلى انخفاض خطير في الاستهلاك، ثمّ في شراء المنتجات المصنعة، مضيفًا “مستودعاتي ممتلئة بالبضائع”.
وهذه التقارير كانت قبل الإعلان عن التهديدات اليمنية الأخيرة، وبالتالي، قد تؤدي الخطوة اليمنية إلى شلل تام في ميناء أشدود بعد شلل ميناء إيلات، وهو ما يعني حصارًا بحريُا كاملًا على الكيان.
هذا على الجانب الاقتصادي، أما على الجانب السياسي، فهذه الخطوة تعلن تعاظم القوّة البحرية اليمنية وميلاد قوة جديدة كبرى في الإقليم يمكنها رسم المعادلات السياسية والاستراتيجية، خاصة أنها تواجه أعتى إمبراطورية في العصر الحديث وهي الولايات المتحدة، والتي شكّلت تحالفات لمنع اليمن عن إسناد غزّة، وقامت بالعدوان على اليمن، وفشلت بعد كلّ ذلك في ثنيه عن خيار المقاومة والإسناد لغزّة ومقاومتها.
ممّا لا شك فيه أن هذه الخطوة اليمنية وإن كانت موجهة بشكل مباشر للعدو الإسرائيلي، إلا أنها موجهة لراعيه الأكبر الأميركي ولمشروعاته التوسعية في البحر المتوسط.
كاتب مصري

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

عبد الملك الحوثي يهدد: أي استخدام للقواعد الأمريكية في المنطقة ضد اليمن سيقابل برد

 حذّر زعيم جماعة أنصار الله الحوثية، عبد الملك الحوثي، دولاً عربية من التورّط في التعاون مع العدوان الأمريكي على اليمن، مؤكّداً أن أي تعاون مع واشنطن في حربها على صنعاء، يُعدّ إسناداً لـ"إسرائيل".

ونبّه الحوثي في كلمته الأسبوعية إلى أن "أي استخدام للقواعد الأمريكية في المنطقة ضد اليمن سيُقابل بردّ. وإذا قمتم بأي تعاون مع الأمريكي إما بالسماح له بالاعتداء علينا من قواعد في بلدانكم أو بالدعم المالي أو اللوجستي أو المعلوماتي فهو دعم وإسناد للعدو الإسرائيلي".

وطالب تلك الدول بـ"كفّ أذاها وشرّها عن اليمن، والاكتفاء بالتفرج على ما يحدث من جرائم ضد أبناء الشعب اليمني". 

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" نقلت عن مسؤولين أمريكيين قولهم، إن "النجاح في تدمير ترسانة الحوثيين من الصواريخ والطائرات بدون طيار والقاذفات لم يكن كبيراً". مقابل التكلفة الباهظة التي تكبدتها أمريكا من وراء عمليات القصف المستمرة في اليمن، والتي فاقت المليار دولار.


وأعلن الناطق باسم القوات الحوثية باليمن، فجر الأحد، عن استهداف سفينة إمداد تابعة لحاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" في شمال البحر الأحمر.

وقال العميد يحيى سريع إن القوات الحوثية اشتبكت مع حاملة الطائرات الأمريكية "ترومان" في البحر الأحمر بالصواريخ والمسيرات عدة ساعات.

وأكد أن القوة البحرية استهدفت كذلك سفينة إمداد تابعة لحاملة الطائرات "ترومان" بصاروخ باليستي.

ومنتصف آذار/ مارس الماضي، أعلن ترامب أنه أمر جيش بلاده بشن "هجوم كبير" ضد جماعة الحوثي في اليمن، قبل أن يهدد بـ"القضاء على الحوثيين تماما".


وشن الأمريكيون مئات الغارات على اليمن، ما أدى إلى استشهاد 67 مدنيا وإصابة 146 آخرين على الأقل، بينهم أطفال ونساء، بحسب بيانات حوثية لا تشمل الضحايا من القوات التابعة للجماعة.

بينما تجاهلت الجماعة تهديد ترامب، واستأنفت قصف مواقع داخل "إسرائيل" وسفن في البحر الأحمر متوجهة إليها، ردا على استئناف "تل أبيب" منذ 18 مارس الماضي حرب الإبادة بحق الفلسطينيين في غزة.

وبدعم أمريكي ترتكب "إسرائيل" منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت أكثر من 165 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء.

مقالات مشابهة

  • اليمن يضرب هدفا عسكريا إسرائيليا.. ويستهدف مدمرتين أمريكيتين
  • عبد الملك الحوثي يهدد: أي استخدام للقواعد الأمريكية في المنطقة ضد اليمن سيقابل برد
  • عملية برية قيد الإعداد ضد الحوثيين بدعم أمريكي سعودي إماراتي وتحرير ميناء الحديدة (ترجمة خاصة)
  • أبطال اليمن يواصلون فضح أمريكا في البحر الأحمر
  • انفوجرافيك ـ بيان القوات المسلحة اليمنية بشأن تنفيذ عملية اشتباك مع القطع الحربية المعادية شمالي البحر الأحمر وعلى رأسها حاملة الطائرات الأمريكية ترومان
  • أكبر الجزر اليمنية بالبحر الأحمر تتعرض لغارات أمريكية عنيفة
  • عدوان أمريكي بـخمس غارات يستهدف جزيرة كمران اليمنية
  • عدوان أمريكي بـ5 غارات يستهدف جزيرة كمران اليمنية
  • إعادة فتح ميناء الغردقة البحرى وانتظام الحركة الملاحية بموانئ البحر الأحمر
  • القوات المسلحة اليمنية تشتبك مع حاملة طائرات أمريكية للمرة الثانية خلال 24 ساعة