نابلس– على وقع فاجعة هزت أركانها، أفاقت مدينة نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية، أمس الثلاثاء، حيث استهدف جيش الاحتلال الإسرائيلي 3 مقاومين قرب الحي السامري في جبل جرزيم بالمدينة، إثر ادعائه محاولتهم إطلاق النار من مركبة كانوا يستقلونها صوب جنوده المنتشرين عند حاجز عسكري هناك.

واستهدف الاحتلال الشبان الثلاثة سعد الخراز ومنتصر سلامة ونور العارضة بُعيد السابعة صباحا، ثم ما لبثت مواقع التواصل أن ضجت بصورهم وهم مضرجون بدمائهم، حيث نعتهم القوى الوطنية والإسلامية معلنة الحداد عبر مكبرات الصوت في مساجد المدينة.

الشيخ ماهر الخراز (وسط) والد الشهيد سعد خلال قدومه لتلقي العزاء في ابنه قرب منزل العائلة في نابلس (الجزيرة) سيرة الشهداء

وفي حي الياسمينة بمدينة نابلس، ولد الشهيد سعد ماهر الخراز (40 عاما) من بين 7 أشقاء (5 ذكور وابنتان) لوالدين مجاهدين، فوالده الشيخ ماهر الخراز (أبو الطاهر) الداعية الإسلامي والقيادي بحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذي سجن 7 مرات في سجون الاحتلال، والمبعد لمرج الزهور عام 1992 مع قيادات وكوادر حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

وفي مسجد الخضراء حيث يعمل والده إماما، تلقى سعد تربيته الدينية، كما تخرج في مدارس المدينة، ثم أكمل تعليمه العالي وتخرج في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة النجاح، وخلال تلك المرحلة وقع الاختيار عليه ليكون أميرا للكتلة الإسلامية، الذراع الطلابي لحماس بالجامعة، حيث كان قد انتخب عام 2005 رئيسا للمؤتمر العام لمجلس الطلبة.

ولم يعمل الخراز بشهادته، إذ التحق بسوق العمل المهني كنجّار، وتزوج وأنجب 5 أطفال، آخرهم قبل شهر، وكباقي أشقائه الذكور اعتقلته إسرائيل 5 مرات، قضى خلالها نحو 5 سنوات بسجونها، كما لم يسلم هو ووالده وأشقاؤه من الاعتقال والاستدعاء لدى الأجهزة الأمنية الفلسطينية أيضا.


ويصفه والده الشيخ ماهر الخراز للجزيرة نت قائلا "كان سعد من أبناء الآخرة ولا تهمه الدنيا، كان رفيق المجاهدين الشهداء، وليس غريبا أن يلتحق بهم، فمسيرة الجهاد وصراعنا مستمران ما دام هناك احتلال".

أما عن الشهيدين الآخرين، فقد ولد نور الدين تيسير العارضة (32 عاما)، في مخيم عسكر للاجئين الفلسطينيين شرق نابلس، ومن ثم انتقل مع أسرته لحي البساتين، ثم تخرج في مدارسها، وآثر التعليم المهني واكتساب الخبرة على التعليم الجامعي، فاحترف العمل في قطاعي "التبريد والتكييف والحديد"، وكان ناجحا بعمله.

ويعد العارضة أحد 6 أشقاء وشقيقة واحدة لعائلته، تزوج وأنجب طفلته "إيلاف" بعد 5 سنوات من الزواج، ولم يسبق للشهيد نور أن اعتقل لدى الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن شقيقه الأكبر أحمد المعتقل منذ 2004 يقضي حكما بالسجن المؤبد 3 مرات و60 عاما إضافيا.

أما الشهيد الآخر فهو منتصر بهجت علي سلامة (33 عاما)، حيث ولد بمدينة نابلس وتعلم بمدارسها، وأنهى دراسته الجامعية في قسم المحاسبة، حيث عمل بمتجر خاص للهواتف الخلوية، ويصفه والده بأنه "ناجح جدا" في عمله الخاص، ويعد منتصر الأكبر بين 4 أشقاء، متزوج وله 3 أطفال، ولم يسبق أن اعتقل في سجون الاحتلال.

حماس تتبنى الشهداء

وفي بيانها، لم تتبنَّ حركة حماس -عبر جناحها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام- الشهداء فحسب، بل حددت دورهم في "المهمة الجهادية" التي أرادوا تنفيذها، مشيرة إلى أن شهداءها الذين وصفت أحدهم، سعد الخراز، بـ"القائد الميداني" والآخرَين بـ"القساميين المجاهدين"، انطلقوا لتنفيذ "غارة على أحد الأهداف المعادية، فاصطدموا بقوة صهيونية وخاضوا معها اشتباكا مسلحا قبل أن يرتقوا شهداء".

ونشر الاحتلال صورا للعتاد العسكري الذي كان بحوزة الشهداء من بنادق وذخيرة حية وأجهزة اتصال، وهو ما يعكس وفق مراقبين نية الشهداء وإعدادهم للتنفيذ، في حين تساءل البعض عمّا إذا كانت هذه المجموعة إحدى الخلايا النائمة التي تُعِد للاحتلال وتُفاجئ الناس بعملها، خاصة أن إسرائيل تلاحق المقاومة بكل أشكالها استخباريا وعسكريا.

من جانبه، يقول الباحث والناشط السياسي أسيد الخراز إن عملية الثلاثاء تأتي للرد على "عربدة" جيش الاحتلال ومستوطنيه وحكومتهم المتطرفة، مضيفا أن حماس من خلال التجربة ومنذ تأسيسها وخاصة بالضفة الغربية "تعمل بالخفاء وتبهر دائما بما يشفي الصدور"، كما أن جناحها العسكري "سري ولا يعمل بالعلن، وليس لديه مسلحون في الشوارع، وهدفه مقاومة المحتل ويضرب عبر الكر والفر بالوقت والمكان المناسبين".

وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد الخراز جازما أن ازدياد عمليات المقاومة يعزى لإجرام الاحتلال وإثخانه بالمواطنين، ومحاولته اجتثاث حالة المقاومة عبر تخريب البنية التحتية وترهيب الناس الآمنين، مشيرا إلى أنه لا يستبعد استمرار ظهور مثل هذه الحالات المقاومة، لا سيما أن "المقاومة باتت تسجل قفزات نوعية، وخاصة في ظل وجود شباب مقاوم أغلبه ممن تجرَّع مآسي الاحتلال".

أما الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني نهاد أبو غوش فيرى -في حديثه للجزيرة نت- أنه رغم بعض "الثغرات العملياتية" كعدم التحضير والتخطيط الجيد لاختيار الهدف، فإن عملية نابلس عكست إصرارا لدى الشباب ورغبة دائمة بالمقاومة أمام حالة اليأس وانسداد الأفق السياسي واستباحة الاحتلال لكل شيء، كما أن الشباب بات يبحث عن كل وسيلة للرد ولو عفويا، وفق قوله.

إرادة المقاومة

وحول ما إذا كانت العملية تشير لوجود خلايا نائمة، لم يستبعد أبو غوش ذلك، مؤكدا أن المقاومة بالضفة الغربية "مركّبة ومعقدة"، وأن المشكلة ليست بالإمكانيات والبنى التحتية والأسلحة والتشكيلات بقدر ما هي قرار وإرادة ورغبة بالتخلص من الاحتلال، مضيفا "إذا توفر الشخص المقاوم تصبح الوسيلة والأداة والظرف والتوقيت مسائل تفصيلية توفر لاحقا".

أما محلل الشأن الإسرائيلي عادل شديد فيرى أن حماس قد غيَّرت من إدارتها لحالة المقاومة بالضفة الغربية مؤخرا، ورجح وجود قرار بإعادة تفعيل خلاياها الأمنية والعسكرية، خاصة بعد التماسها رأيا عاما بالضفة مؤيدا للعمليات وغير مقتنع أن هدفه التخريب وإفشال المفاوضات وتجربة السلطة الفلسطينية السياسية.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى شديد أن الأهم هو تبني حماس، الذي أرادت منه طمأنة الشارع الفلسطيني أن العمليات لم تعد فردية بل أصبحت تأخذ طابعا تنظيميا، وقال "إن التبني جاء ردا على الرواية الإسرائيلية التي تقول إن حماس لها مصلحة بإفشال السلطة بالضفة ولا مصلحة لها بغزة، وإنها لا تتبنى عمليات الضفة كي لا تستدرج ردا إسرائيليا على غزة، وإنها لم تعد تأبه للتهديد الإسرائيلي ومستعدة لأي مواجهة، وكل هذا مرتبط بتآكل الردع الإسرائيلي".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: للجزیرة نت

إقرأ أيضاً:

ماذا وراء الحديث عن نزع سلاح المقاومة كشرط لوقف الحرب في غزة؟

فجّر الاحتلال الإسرائيلي أزمة جديدة على طاولة مفاوضات وقف إطلاق النار وعقد صفقة لتبادل الأسرى، حينما نقل إلى الوسطاء مقترحا يتضمن نصا صريحا لأول مرة يتحدث عن نزع سلاح المقاومة، كشرط لإنهاء حرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة.

وسارعت حركة المقاومة الإسلامية إلى إعلان رفضها المطلق لمناقشة هذه المسألة، لكنها أكدت في بيان صحفي، أن قيادتها تدرس بمسؤولية وطنية عالية، المقترح الذي تسلمته من الوسطاء، وستقدم ردها عليه في أقرب وقت، فور الانتهاء من المشاورات اللازمة بشأنه.

وجددت "حماس" تأكيدها على موقفها الثابت بضرورة أن يحقّق أيّ اتفاقٍ قادم: وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً لقوات الاحتلال من قطاع غزة، والتوصّل إلى صفقة تبادل حقيقية، وبدء مسار جاد لإعادة إعمار ما دمّره الاحتلال، ورفع الحصار الظالم عن الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

بدوره، قال رئيس الدائرة السياسية لحركة حماس في الخارج سامي أبو زهري، إن "الاحتلال في مقترحه الجديد لا يعلن التزامه بوقف الحرب تماما، ويريد استلام الأسرى فقط".

مليون خط أحمر
وأضاف أبو زهري في تصريحات تلفزيونية عبر قناة "الجزيرة مباشر" تابعتها "عربي21"، أنّ "المقترح المقدم إلينا هو مقترح إسرائيلي، وتضمن لأول مرة نزع سلاح المقاومة ضمن مفاوضات المرحلة الثانية".

وتابع قائلا: "تسليم سلاح المقاومة هو مليون خط أحمر، وهو أمر غير خاضع للسماع فضلاً عن النقاش"، معربا عن جهوزية حركة حماس لتسليم كل الأسرى دفعة واحدة، مقابل وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.



ونوه إلى أن "نتنياهو يعمل لصالح مستقبله السياسي وترامب شريكه في قتل سكان غزة"، مشددا على أنه "يجب ألا يكون مرحبا بزيارة ترامب للمنطقة ويداه ملطختان بدماء أطفاء ونساء غزة".

ولفت إلى أن "الاستسلام ليس واردا أمام حركة حماس ولن نقبل بكسر إرادة شعبنا"، مؤكدا أن "حماس" لم تستسلم ولن ترفع الراية البيضاء، وستستخدم كل أوراق الضغط ضد الاحتلال، وما يجري في غزة جنون ولا يمكن مواجهته إلا بجنون مماثل.

طرح مشبوه
من جهته، رأى الكاتب الفلسطيني إبراهيم المدهون أن أي حديث عن نزع سلاح المقاومة، هو طعن في ظهر الدماء الفلسطينية، مشيرا إلى أنه "يتردد في كواليس المفاوضات طرح مشبوه يتحدث عن نزع السلاح كشرط لوقف إطلاق النار".

وأضاف المدهون في منشور عبر صحفته بموقع "فيسبوك" أنّ "من يرتكب المجازر ليس الفلسطيني بل الطيران الإسرائيلي، ومن يهدم البيوت فوق رؤوس ساكنيها ليس من يحمل بندقية آلية، بل من يضغط على زر القصف من قمرة طائرة أمريكية الصنع".


وذكر أن "سلاح الفلسطيني ليس تهديدًا للأمن، بل صرخة وجود ووسيلة دفاع في وجه ماكينة عدوان لا تعرف الرحمة"، منوها إلى أننا "لا نملك طائرات  F16، ولا دبابات ميركافا، ولا قنابل ذكية (..)، نملك إرادة لا تُكسر، ورجالًا لا يعرفون الانحناء".

وأردف بقوله: "كل من يتحدث عن نزع سلاح المقاومة، قبل نزع سلاح الاحتلال، إنما يُطالب الضحية بأن تخلع درعها وهي تنزف (..)، ويمنح الجلاد سيفًا إضافيًا ليُكمل الذبح".


وختم قائلا: "المقاومة ليست بندقية فقط، بل هي شرف هذه الأرض، وروح هذا الشعب، وسلاحها ليس للمساومة بل للكرامة".

وفي الإطار ذاته، أوضح الكاتب والمحلل السياسي وسام عفيفة، أنه "عندما يتحدث الاحتلال عن نزع سلاح المقاومة في غزة، فهو لا يعني تجريد فصيل من معداته، بل يسعى لانتزاع حق شعب بأكمله في الدفاع عن قضيته ووجوده".

خلاصة عقود من النضال
وأكد عفيفة في قراءة اطلعت عليها "عربي21"، أن "سلاح المقاومة في غزة لم يكن يوما ترسانة كلاسيكية قابلة للجرد أو التسليم، بل هو خلاصة عقود من النضال، تراكمت عبر أجيال، ووسط ظروف قهرية من الاحتلال والحصار والاستهداف".

وبيّن أن "هذا السلاح وُلد في قلب الاحتلال، حين كانت دباباته تجوب شوارع غزة، وواصل تطوره رغم القصف والتضييق السياسي، كفعلٍ مستمر للنضال الفلسطيني منذ الستينات".

وشدد على أن "المعركة التي يسعى الاحتلال لحسمها اليوم بشروط الاستسلام ليست عسكرية فقط؛ بل معركة على الذاكرة والوعي والمعنى، لأن سلاح غزة ليس مجرد بندقية، بل هو تعبير عن إرادةٍ تقاوم، وصوت عشرات آلاف الشهداء والجرحى الذين قاتلوا دفاعًا عن الحق الفلسطيني".

ورأى أن "المطالبة بنزع هذا السلاح تعني عمليًا إنهاء المقاومة، وإجهاض الحلم الفلسطيني، وتحويل غزة إلى كيان منزوع الإرادة"، معتبرا أن "هذه ليست نهاية المعركة، بل بداية لمخطط تصفوي يتجاوز غزة نحو مشروع التصفية والتهجير".

وأشار إلى أن "قرار المقاومة لم يعد حكرا على فصيل أو جناح مسلح، بل بات قرارا شعبيا ووطنيا، متجذرا في الوعي الجمعي، ومرتبطا بمشروع تحرري لم يكتمل بعد (..)، مشروعٌ لا ينتهي إلا بزوال الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة".

مقالات مشابهة

  • مجازر وحشية جديدة للاحتلال بقطاع غزة واقتحامات وتهجير بالضفة
  • حماس: نعد الرد على المقترح الإسرائيلي لوقف إطلاق النار و سلاح المقاومة لن يخضع لأي مفاوضات
  • الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة بلدات بالضفة الغربية
  • «الرد خلال ساعات».. حماس تدرس المقترح الإسرائيلى لوقف إطلاق النار
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي التي اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • وزير حرب الاحتلال: مصر هي من اشترطت نزع سلاح حماس وغزة
  • قوات الاحتلال تشن عملية عسكرية في مناطق من جنين بالضفة الغربية
  • ماذا وراء الحديث عن نزع سلاح المقاومة كشرط لوقف الحرب في غزة؟
  • حماس: الرد على مقترح التهدئة الإسرائيلي خلال 48 ساعة
  • الاحتلال يقتحم نابلس ويواصل حملة الاعتقالات بالضفة