بقلم: بلال التليدي

تضاربت وجهات النظر إزاء زيارة ستيفان دي ميتسورا المبعوث الشخصي للأمين العام المكلف بملف الصحراء إلى موسكو، خاصة وأنها لم تخلف نفس ردود الفعل التي خلفتها زيارته إلى جنوب إفريقيا، فالمغرب الذي انتقد بشدة زيارته إلى جنوب إفريقيا بحجة أن هذه الدولة ليست طرفا معنيا بالصراع، ولا يمكن لها بأي حال أن تقدم شيئا لهذا الملف، لم يعلق على زيارته الأخيرة إلى موسكو، بينما رحبت جبهة البوليساريو بهذه الزيارة، واعتبرت أن روسيا تريد «تصحيح مسار التسوية السياسية، وذلك ببنائها على قرارات الأمم المتحدة» وأنها تعترض على ما أسمته «بالطريقة التعسفية واللاديمقراطية في فرض مسودات قرارات المجلس دون نقاش تشاركي من طرف جميع الأعضاء».

من الواضح أن هناك خلافا جوهريا بين الزيارتين لكل من جنوب إفريقيا وروسيا، وذلك على الأقل من ثلاثة جوانب، الأولى، أن روسيا من الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، وهي الصفة التي لا توجد عند جنوب إفريقيا، والثانية، أن جنوب إفريقيا دولة داعمة لجبهة البوليساريو معادية للرباط، في حين حصلت تطورات كثيرة في الموقف الروسي تجاه ملف الصحراء، وأصبحت موسكو أقرب إلى الراعي المحايد الذي يدعم حلا سياسيا للملف، ويرعى مصالحه بشكل متوازن مع كل من الرباط والجزائر، والثالثة، أن السياق الدولي والإقليمي، صار يدفع روسيا بشكل حثيث إلى أن تعيد تموقعها في العالم العربي، بل وأيضا في منطقة الساحل جنوب الصحراء، بخلاف جنوب إفريقيا، فليس لها الأهلية ولها القدرة على أن تتطلع للعب دور بهذا الحجم.

الواضح أن كلا من الدبلوماسية الجزائرية والمغربية، فضلا الصمت وعدم التعليق على هذه الزيارة، وإن كانت وسائل الإعلام في البلدين اتخذت مسارا مختلفا، فالإعلام الرسمي الجزائري، لا يختلف في تعليقه عن أطروحة البوليساريو التي تتمنى أن يكون للدور الروسي أثر في إعادة عقارب الساعة قليلا إلى الوراء، وتحديدا قبل السنوات الثلاث الماضية التي صدرت فيها قرارات لمجلس الأمن بخصوص الصحراء، والتي نظر إليها جزائريا على أنها غير متوازنة وأنها تخدم الموقف المغربي.

تفسير هذا الصمت من الجانبين، لا يأخذ هو الآخر منحى واحدا، فالرباط، أضحت تربطها بموسكو مصالح استراتيجية كبرى، وتدرك أن عين روسيا على منطقة الساحل جنوب الصحراء، وأنها لن تبقى تتفرج حتى تملأ إسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية المكان كله، دون أن يكون لها نصيب، فقد انتظرت منذ اندلاع حربها على أوكرانيا أن تقدم الجزائر الدعم اللوجستي الضروري للتمدد الروسي في المنطقة، لكن الجزائر لم تتحمل الضغوط الغربية، وفضلت أن تبقى في منطقة المناورة مع الطرفين (الدول الغربية وروسيا) فدفعت بذلك موسكو إلى التفكير في خيارات أخرى للتوغل في المنطقة من غير دور جزائري، في حين قدمت الرباط خدمات كبرى إلى موسكو، ففي الوقت الذي كانت الجزائر تضخ الغاز إلى إسبانيا وروما بكميات كبيرة، وتربك بذلك ورقة الغاز الروسية للضغط على أوروبا، قدمت الرباط دعما كبيرا لموسكو، وتحولت إلى نقطة بيع دولية للنفط الروسي.

في الواقع، يمكن أن نفسر الصمت المغربي عن التعليق من زاويتين، الأولى، وهي التريث حتى تظهر خلفيات الزيارة ومقاصدها، خاصة وأن طلب الزيارة كان من موسكو، وليس من المبعوث الشخصي للأمين العام، والثانية، أن المغرب يدرك أن روسيا لا تتطلع فقط إلى لعب دور أساسي في حل ملف الصحراء، بل تنظر إلى المبادرة الأطلسية على أساس أنها مناورة ذكية، يصعب أن تبقى فيها على موقع الحياد، خاصة وأن إسبانيا، أقدمت على قرار حساس يمكن أن يغير الأدوار بشكل كامل في المنطقة، وذلك بنقل مراقبة الغلاف الجوي إلى المغرب، بينما فرنسا، تسارع الخطى من أجل تصحيح علاقتها مع المغرب، حتى تستعيد جزءا من نفوذها في منطقة الساحل جنوب الصحراء عبر بوابة الشراكة المغربية الفرنسية.

الاستقراء للمعالجات الإعلامية المغربية، يشير إلى تفسيرين متناقضين، الأول يسير في اتجاه مطابق للتفسير الذي تم به قراءة زيارة المبعوث الخاص للأمين العام الأممي إلى جنوب إفريقيا، ومستند هذا التحليل، أن تخوف دي ميستورا من أن يضم المغرب المنطقة العازلة، بحجة المبادرة الأطلسية التي حظيت بدعم دولي، هو الذي دفعه إلى تنسيق هذه الزيارة، وربما تنسيق الموقف مع موسكو حتى يتم إلجام تقدم الرباط السريع نحو حل القضية، في حين يتجه تفسير آخر إلى أن روسيا تتطلع إلى لعب دور أساسي ليس فقط في ملف الصحراء، وإنما أيضا في قضايا أخرى مثل الصراع العربي الإسرائيلي (الحرب الإسرائيلية على غزة).

في الواقع، ثمة حلقات ناقصة تجعل التفسيرين السابقين غير مكتملين، فرؤية روسيا الاستراتيجية، وطبيعة علاقتها مع الرباط، والنسق التراكمي الذي حصل فيها، والذي بلغ إلى مستويات استراتيجية، هذا فضلا عن الظروف التي تعيشها، وحاجتها إلى دعم خيار التوازن، يجعل من سيناريو التنسيق (الروسي مع دي ميستورا) مستبعدا، في حين، يصعب أن نتصور دورا روسيا في المنطقة (حل ملف النزاع حول الصحراء) دون حساب دقيق للمكاسب والخسائر المفترضة، بل وأيضا للديناميات السائرة. فموسكو تعرف أن الدينامية الدبلوماسية المغربية مضت بعيدا، وبشكل جد متقدم، ولم تعد قضية ضم المنطقة العازلة إلا مسألة وقت، بحكم أن مشروع الواجهة الأطلسية، لن يكون له أي معنى دون هذه المنطقة، خاصة وأن دول الساحل المحيطة بالجزائر انضمت إلى هذا المشروع، والإرادات الدولية ترى فيه فرصا استراتيجية وتجارية وأيضا أمنية.

ولذلك، أميل إلى الاعتقاد بأن روسيا تفكر في إيجاد موطئ قدم قوي وذي تنافسية كبيرة في المنطقة الساحل جنوب الصحراء، ليس من بوابة الدول التي أقدمت على انقلابات عسكرية، وهي تعيش نوعا من العزلة إفريقيا، ولكن من بوابة مشروع الواجهة الأطلسية، التي جاء بفكرة إدماج هذه الدول في التنمية، بدل عزلها سياسيا، والتفكير في التدخل العسكري لإنهاء حكم النخب العسكرية التي قامت بالانقلاب فيها.

روسيا تعي جيدا أن المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، بمؤشر زيارته لجنوب إفريقيا، أنه يسير في اتجاه فرملة بعض خطى الرباط، وتدرك أن الدينامية المغربية، تحظى بدعم قوي، وستكون موسكو أكبر خاسر إن لم تنضم إليها وتكون طرفا قويا فيها، ولذلك، تأتي دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام لإيجاد التركيب الأساسي، الذي يتخذ من دور روسي للدفع بمسار التسوية إلى الحل عنوانا لحجز مقعد فاعل في الديناميات الدولية تجاه منطقة الساحل جنوب الصحراء.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: المبعوث الشخصی للأمین العام جنوب إفریقیا ملف الصحراء فی المنطقة أن روسیا فی حین

إقرأ أيضاً:

وزير التعليم العالي يبحث التعاون مع وزير العلوم والتكنولوجيا بجنوب إفريقيا

عقد الدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، اجتماعًا مع الدكتور بونجينكوسي إيمانويل نزيماندي وزير العلوم والتكنولوجيا والابتكار بجنوب إفريقيا والوفد المرافق له، بمبنى التعليم الخاص بالقاهرة الجديدة.

وزيرة بريطانية تشيد بخطوات تطوير التعليم في مصر وضع "معايير حديثة" تدعم جودة التعليم العالي

واستعرض الاجتماع اتفاقيات التعاون القائمة بين الجانبين، والتأكيد على ضرورة تعظيم الاستفادة من مخرجاتها، وكذلك بحث آليات توقيع المزيد من الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والبحثية؛ لتعزيز التعاون المشترك، وتحقيق أقصى استفادة ممكنة للبلدين.

كما تناول الاجتماع بحث سبل التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها مجالات (الطاقة، والمياه، والصحة، والصناعة، والزراعة، والتكنولوجيا).

دعم الدولة المصرية لمنظومة التعليم العالي 

وأكد وزير التعليم العالي عمق العلاقات التي تجمع بين مصر وجنوب إفريقيا، خاصة في مجالي التعليم العالي والبحث العلمي، مشيرًا إلى أن هذه العلاقات تتميز بالطابع الإيجابي والتعاون المثمر؛ مما يجعلها ركيزة أساسية لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين.

 

وأشار د.أيمن عاشور إلى دعم الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي، موضحًا الإنجازات التي تحققت مؤخرًا، مثل التوسع في الإتاحة، وتطوير البنية التحتية، وتحديث البرامج الدراسية؛ لتأهيل الطلاب ليكونوا قادرين على تلبية احتياجات سوق العمل المعاصر والمستقبلي.

وأضاف الوزير أن هذا الاجتماع يُعد فرصة هامة لبحث سُبل التعاون بين مؤسسات التعليم العالي في مصر وجنوب إفريقيا، وتعزيز التعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما يُسهم في تحقيق تطلعات البلدين نحو التقدم والتطور في هذه المجالات.

وأشار الدكتور أيمن عاشور إلى جهود مصر في دعم الابتكار والبحث العلمي لخدمة الصناعة والاقتصاد الوطني في إطار المبادرة الرئاسية "تحالف وتنمية"، مشيرًا إلى أهمية دور الجامعات في تحقيق أهداف هذه المبادرة بما يتماشى مع تحقيق أهداف الإستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي ورؤية مصر 2030.

واستعرض الاجتماع تفاصيل المبادرة الرئاسية "بنك المعرفة المصري" ودورها البارز في تعزيز البحث العلمي في مصر، والارتقاء بتصنيف الجامعات والمؤسسات البحثية المصرية على المستويين الإقليمي والدولي، بفضل احتوائه على مصادر ثقافية ومعرفية وبحثية تدعم التعليم والبحث العلمي.

وأعرب الوفد عن انبهاره بهذه المبادرة المتميزة، وأبدى تطلعه للاستفادة من خبرات الجانب المصري في دعم جهود الارتقاء بالبحث العلمي في جنوب إفريقيا.
 

وأكد بونجينكوسي نزيماندي أهمية تبادل الخبرات بين جامعات جنوب إفريقيا ونظيرتها المصرية في المجالات ذات الاهتمام المشترك، مؤكدًا ضرورة تبادل الخبرات بين الأساتذة؛ لتحقيق منفعة متبادلة، وعقد بروتوكولات تعاون بين المؤسسات البحثية والأكاديمية في كلا البلدين، وذلك بما يخدم جهود الارتقاء بالمنظومة التعليمية والبحثية.

وأشار الوزير إلى أن الدولتين لديهما رؤية متشابهة لتطوير منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، ودعم الابتكار وريادة الأعمال والتكنولوجيا؛ لمواكبة التكور العلمي المتسارع وللارتقاء بجودة الخدمات المقدمة للمواطنين في البلدين.

ووجه وزير جنوب إفريقيا الدعوة للدكتور أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي لزيارة دولة جنوب إفريقيا؛ لتعزيز سبل التعاون بين الجانبين وزيارة عدد من الجامعات في جنوب إفريقيا.

حضر اللقاء من جانب الوزارة، الدكتور حسام عثمان نائب الوزير لشئون الابتكار والبحث العلمي، والدكتور ولاء شتا الرئيس التنفيذى لهيئة تمويل العلوم والتكنولوجيا والابتكار، والدكتورة جينا الفقي رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا والمشرف العام على بنك المعرفة المصري، والدكتور أيمن فريد مساعد الوزير للتخطيط الإستراتيجي والتدريب والتأهيل لسوق العمل.

وحضر اللقاء من جانب وزارة العلوم والتكنولوجيا والابتكار بجنوب إفريقيا، الدكتورة راكيشني راموتار بريشل، نائب المدير العام بالإنابة للابتكار التكنولوجي، والسيد كاجيسو مولوتو، نائب المدير للتعاون الثنائي في إفريقيا، الدكتورة نهلانهلا مسومي، المدير التنفيذي لاتحاد صحة جامعة كوازولو ناتال، والسيد ريتشارد زونجو، مسؤول البروتوكول بالوزارة.

كما حضر اللقاء من سفارة جنوب إفريقيا، السيد مواجي ثوي، السكرتير الأول للشؤون السياسية، والسيدة زايدة دينولي، السكرتيرة الثانية للشؤون السياسية.

مقالات مشابهة

  • جنوب إفريقيا: الشعب الفلسطيني يعاني جراء عقود من الاحتلال غير الشرعي
  • سفير روسيا لدى فرنسا: موسكو لن تقع في فخ الغرب لتجميد الصراع الأوكراني
  • بعد هجوم ترامب .. جنوب إفريقيا "لن تتعرض للتنمر"
  • موسكو: الناتو يحاول محاصرة روسيا في بحر البلطيق
  • واشنطن تعلن موقفها من حضور قمة «العشرين» في جنوب إفريقيا
  • جنوب السودان| معلمو واراب يقاطعون التقييم بسبب نزاع على الأجور
  • بعد تهديد ترامب..رئيس جنوب إفريقيا يستنجد بمواطنه إيلون ماسك
  • حل لغز الغبار المشع الذي جاء إلى أوروبا من إفريقيا
  • موسكو تشيد بدور الإمارات في تسهيل تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا
  • وزير التعليم العالي يبحث التعاون مع وزير العلوم والتكنولوجيا بجنوب إفريقيا