ترجمة: محمد مستعد

مقدمة:

عند اندلاع الحرب في قطاع غزة في 7 أكتوبر 2023، كان الكاتب الروائي ووزير الثقافة الفلسطيني عاطف أبو سيف (1) في زيارة مع ابنه ” ياسر” (15 عاما)، إلى القطاع الذي ولد وتربى فيه عاطف أبو سيف. جاء من رام الله في زيارة عمل ولتفقد عائلته، لكنه سيجد نفسه محاصرا مع ابنه. فقرر أن يكتب كل يوم طيلة 3 أشهر ليوثق بدقة عن ويلات هذه الحرب التي خلفت أزيد من 30 ألف قتيل فلسطيني نتيجة القصف الإسرائيلي.

هذه المقتطفات من اليوميات، التي تنشرها جريدة “اليوم 24″، نقلا عن جرائد فرنسية وإنجليزية، كانت لها أصداء عالمية. وستصدر قريبا في كتاب بعد أن استطاع عاطف أبو سيف أن يخرج مؤخرا من قطاع غزة.

 

الثلاثاء 17 أكتوبر: “وسام” تفقد رجليها ويدها

مرت أحد عشر يوما على الحرب، وصارت متشابهة: نفس التفجيرات، نفس الأخبار، نفس الخوف، ونفس الرائحة. في الليلة الماضية لم يكن لدي من خيار سوى النوم في بيت صديق لي في جباليا. في السابق وخلال ثلاثة أيام متتالية، كنت أنام مع ولدي في حديقة بالمركز الصحفي. كان ولدي مرعوبًا بالطبع من الشظايا التي كانت تتحطم على مدار الساعة.

فجأة رن هاتفي. فسمعت صوت سيدة من عائلتي من الضفة الغربية. قالت لي إن قصفا قد استهدف شارعا في حي “تل الهوى” بجنوب مدينة غزة. وهو الحي الذي يسكن فيه ابن عمي “حاتم” المتزوج من “هدى” الأخت الوحيدة لزوجتي واللذان يسكنان في منزل بعمارة من أربعة طوابق مع والدة الزوجة وإخوتها وعائلاتهم.

بعد ثلاثين دقيقة، وصلت إلى حي “تل الهوى”. فأخبرني شقيق “حاتم” أن منزل العائلة أصيب فعلا بقذيفة. وأن “وسام”، إحدى بنات “هدى” هي الوحيدة التي نجت من الموت وتم نقلها إلى العناية المركزة حيث أجريت لها عملية جراحية بسرعة. وتم قطع رجليها ويدها اليمنى. أما باقي أفراد العائلة فلم يتم العثور عليهم.

كنا نصرخ وسط الركام وننادي بأسماء أفراد العائلة على أمل أن يكون البعض لا يزال على قيد الحياة تحت الركام. لكننا في نهاية اليوم وجدنا خمس جثث، من بينها جثة طفل يبلغ من العمر 3 أشهر. فذهبنا لندفنهم في المقبرة.

في نفس المساء ذهبت لرؤية “وسام” في المستشفى. كانت ما تزال نصف نائمة، وقالت لي وهي تسأل:

“خالو، أنا أحلم، أليس كذلك؟ أنا لا أحب هذا الحلم، خالو. ”

اضطررت إلى أن أخرج، ولمدة 10 دقائق طويلة، بقيت أبكي، وأبكي…

الأربعاء 18 أكتوبر: “الخطر  موجود في كل مكان”

كانت ثاني ليلة أقضيها في مخيم “جباليا” حيث اجتمع كل أفراد عائلتي: الأب، الأخوات، الإخوة. كان الانترنت مقطوعا وليست هناك وسائل للتواصل الاجتماعي. لقد عدنا إلى عصر الراديو. الانفجارات متتالية، ونحس بها في كل مرة أقرب إلينا. وكنت في كل مرة أتحسس جسمي من أجل أتأكد وأتحقق بأنني لم أتعرض لأية إصابة.

في كل مكان، يقف الناس في الطوابير لشراء الخبز. وإذا كنت محظوظا، تستطيع أن تحصل خلال ساعتين أو ثلاث ساعات على الخبز اللازم لإطعام العائلة خلال ليلة واحدة. لم نستطع الأكل منذ نهار أمس، شربنا القهوة والقهوة، ثم المزيد من القهوة.

ذهبت إلى “المركز الصحفي”، حيث يوجد عادة الكهرباء وحيث تستطيع أن تقوم بشحن هاتفك المنقول وتتبع الأخبار على التلفزيون. خلال الليلة الماضية، تم تدمير هذا الحي سبب القصف. داخل “المركز الصحفي” تحطمت جميع النوافذ والأرضيات، والسقوف والرفوف والأبواب. الزجاج المكسور موجود في كل مكان، إلى جانب قطع من الخشب والألمنيوم الملتوي. القمامة في كل زاوية. باب الحديقة تخربت. لو كنت قضيت الليلة هنا مع “ياسر” ومع أخي كما كنا نفعل طوال الأسبوع الأول من الحرب، لربما كنا قد قتلنا. لا أحد يعرف في الوقت الحالي، ما هو آمن وما هو محفوف بالمخاطر. وما هو جيد وما هو سيء. عليك فقط أن تقوم باختيار معين. وكأنك تلعب لعبة حظ.

يقال إن الإسرائيليين يريدون ترحيل أكثر من 60% من سكان القطاع، ربما من أجل مسح مدينة غزة بالكامل. المروحيات الإسرائيلية ترمي بمنشورات باللغة العربية تحذر بأن أي شخص سيبقى في شمال “وادي غزة” سيتم اعتباره كشريك لمنظمة إرهابية، وبالتالي يمكن استهدافه بدون سابق إنذار. لكنني لن أسمع لإنذاراتهم. زوجتي “هناء” كانت تتوسل إلي، وترسل لي رسائل نصية عبر الهاتف تدعوني لانتقل إلى رفح حيث يوجد ابني “ياسر” حتى نكون قريبين من نقطة العبور إلى مصر في حال إعادة فتح هذا المعبر لحامليه من أصحاب جوازات السفر الأجنبية أو الدبلوماسية. لكنني كنت أجيبها: ” أنا لا أثق في الجيش الإسرائيلي”. لقد قتل مآت الفلسطينيين أمس في عمليات قصف صاروخي استهدفت طريق “صلاح الدين”، وهو الشريان الرئيسي للذهاب نحو جنوب القطاع. الخطر موجود وحاضر في كل مكان مثل ضجيج الطائرات الإسرائيلية بدون طيار. وصديقي الصحفي “بلال” مدير مركز الصحافة يقول لي دائمًا: “لا يوجد مكان آمن في غزة”.

عاطف أبو سيف كاتب روائي ووزير الثقافة الفلسطيني. يكتب بالعربية والإنجليزية، له كتب في العلوم السياسية، وروايات، منها رواية بعنوان “حياة معلقة”. وكتاب بعنوان ” الدرون يأكل معي” The Drone Eats with Me وهي يوميات كانت تحكي عن حرب 2014 الإسرائيلية على غزة. وصدرت آنذاك بمقدمة للكاتب الأمريكي نعوم تشومسكي.

عاطف أبو سيف هو عضو في الحكومة الفلسطينية في رام الله، علما بأن هناك حكومة موازية بقيادة  حماس  في قطاع غزة.

 

 

كلمات دلالية عاطف ابو سيف غزة

المصدر: اليوم 24

كلمات دلالية: عاطف ابو سيف غزة عاطف أبو سیف فی کل مکان

إقرأ أيضاً:

يوميات ضابط أمريكي على خط النار

يسافر سكوت بينيت، الضابط السابق في الجيش الأمريكي، إلى دونباس ليعاين الواقع على الأرض بنفسه وينقل الحقيقة للأمريكيين.

مقالات مشابهة

  • مراد تفقد سير الامتحانات في البقاع الغربيّ
  • أسرة كانت ومازالت نموذج لما نتمناه في مجتمعنا.. محمد صبحي يستعيد ذكريات مسلسل "يوميات ونيس"
  • بث مباشر| الحكومة تؤدي اليمين الدستورية أمام الرئيس السيسي
  • عاجل| ننشر أسماء التشكيل الوزاري الجديد كاملًا
  • رئيس الشاباك: السجون تضم 21 ألف معتقل فلسطيني
  • يوميات ضابط أمريكي على خط النار
  • الأسرة الإعلامية المغربية تفقد أحد أيقوناتها
  • (جولة الفجر الرياضي).. هل وجد الأهلي ضالته الهجومية في وسام أبو علي؟
  • وزير الزراعة يُشرف على أوضاع المحاصيل الصيفية
  • ميقاتي تفقد مع الحلبي الإمتحانات الرسمية في مركز سرطان الأطفال سان جود