من أعلام القدس.. الدكتور نظمي الجُعبة وقصة ألم أثرت على مسار حياته
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
القدس المحتلة – ضمن سلسلة تقارير من القدس حول شخصيات مقدسية وضعت بصمتها في المدينة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية والعلمية وغيرها، ترصد الجزيرة نت تجربة أستاذ التاريخ الدكتور نظمي الجُعبة، الذي نشأ في البلدة القديمة من المدينة، ويعمل محاضرا في جامعة بيرزيت في رام الله منذ 34 عاما.
ولد الأكاديمي المقدسي الدكتور نظمي الجُعبة في البلدة القديمة من مدينة القدس عام 1955، وفيها نشأ وترعرع لأب كان يعمل في العطارة.
لم يكمل الجعبة دراسته في القدس، إذ انتقل إلى مدينة رام الله تفاديا لدراسة المنهاج الإسرائيلي المفروض على مدارس القدس.
في جامعة بيرزيت، نال الجعبة درجة البكالوريوس في دراسات الشرق الأسط والآثار، ثم عمل مديرا لمتحف الآثار الإسلامية في المسجد الأقصى، قبل أن يتجه إلى ألمانيا ليلتحق بجامعة توبنغن لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في الآثار.
حتى اليوم مضى على عمل الجعبة 34 عاما في التدريس بجامعة بيرزيت، وبالتوازي مع الجانب الأكاديمي أشرف على ترميم مبان تاريخية في أنحاء فلسطين.
تتركز الأعمال الأكاديمية للجعبة بشكل أساسي على مدينة القدس والخليل وبيت لحم، ونشر حتى الآن نحو 18 كتابا، آخرها "حارة اليهود وحارة المغاربة.. التاريخ والتدمير" و"القدس في الروايات التاريخية الإسرائيلية"، وله تحت الطبع حاليا كتاب "القدس في العصر المملوكي.. التاريخ والعمارة والتراث".
يقول الجعبة إن نشأته في القدس أثرت على اهتمامه الأكاديمي، فمدرسته الأولى هي "المدرسة العمرية" في الجدار الشمالي للمسجد الأقصى، وأمضى طفولته بين جنبات المسجد وأشجاره ومصاطبه.
وترك هدم حارة المغاربة في يونيو/حزيران 1967 أمام ناظري الجعبة فيه أثرا وألما لم يشفَ منه حتى الآن.
وأضاف أن تلك التجربة تحوّلت إلى تحد له في عمله الأكاديمي من ناحية إثبات الوجود العربي الفلسطيني على مر العصور وخاصة في القدس، ونشر وتعميم المعرفة حول التاريخ والتراث في هذه المدينة الفريدة من نوعها.
ويختم الجعبة قائلا عن مدينته "جوهرة تضم في ثناياها آثارا حضارية من مختلف العصور قلّما نجدها في أي مدينة أخرى في العالم، أقل من كيلومتر مربع، اختصرت جزءا أساسيا من تاريخ البشرية، وحمايها ليست حماية للماضي، بل حماية لوجودنا في المستقبل".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 حريات
إقرأ أيضاً:
سور الصين العظيم.. أسطورة التاريخ
فيصل السعدي
بينما أخطو خطواتي وأصعد السلم تلو الآخر في سور الصين العظيم، أشعرُ وكأنني أعود إلى نقطة البداية، التفتُ مرارًا لأتأكد من مدى صعودي، وكأنني أبحث عن إجابة لسؤال يتردد في داخلي: كيف استطاعوا؟ كيف لجهد البشر أن يُشيِّد سورًا يمتد لأكثر من 21 ألف كيلومتر، من مواد بسيطة لا تتجاوز الطوب والخشب؟! كيف تمكنت عزيمة الصينيين من أن تصنع أسطورة خالدة، أصبحت رمزًا للصمود والقوة في وجه الزمن؟
ظل شعور غريب يراودني أثناء مسيري، وكأن خيالي أوصلني إلى رؤية سور يمتد من بكين إلى مسقط؛ بل أطول من ذلك بأربع مرات. هذا السور الذي لم يكن مجرد بناء عملاق؛ بل كان درعًا حصينًا حمى الممالك والأسر الحاكمة في الصين من غزوات الشمال على مرِّ القرون. بدأ بناؤه منذ القرن السابع قبل الميلاد، واستمر عبر العصور، ليُصبح أطول وأقوى نظام دفاعي شيده الإنسان في التاريخ.
بناءٌ عجزت ظروف الأزمان أن تُثني من شموخه، ليُبرهن مدى إصرار وقوة مئات آلاف من الجنود والبُناة الذين لم يدركوا أنهم صنعوا رمزًا وفخرًا للصين. وما أن أضع قدمي على حجارة السور، حتى أشعر بأنني أعود إلى حقبة بعيدة من الزمن. أُلامسُ الطوب، وأتأمل النقوش، وأتجول بين أبراج المُراقبة التي كانت يومًا مراكز لحراسة الحدود. وكأنني أسمع أصوات الحروب وصيحات الجنود الذين دافعوا بشجاعة عن وطنهم. هذه المشاهد ليست مجرد خيال؛ بل هي ما جسدته العديد من الأساطير والأفلام التي تحكي عن هذا السور الأعظم.
الصينيون يقولون إن جزء "جيورانغ" هو أجمل أجزاء السور في بكين؛ حيث يمتاز بجمال طبيعته الساحرة؛ إذ إن هناك ثماني بوابات تتيح الوصول إلى السور في بكين، ما يعكس امتداد السور كأجزاء متفرقة، وليس كجدار متصل.
تحيط بالسور العظيم مياه وافرة ومساحات خضراء شاسعة، تمتد إلى أبعد ما تصله العين، ما يجعل المشهد يبدو كلوحة فنية فريدة. ولعل هذا الجمال الطبيعي كان أحد الأسباب المهمة لبناء السور؛ حيث صُمم لحماية الأراضي الزراعية الخصبة من الغزاة.
عند النظر إلى التفاصيل الدقيقة للسور، يمكنك أن تُدرك الحكمة وراء تصميمه. الفتحات الصغيرة والنوافذ التي تنتشر على طول الجدار لم تكن مجرد إضافات عشوائية؛ بل أدّت دورًا حيويًا في مواجهة الأعداء. تعرجات الجدار، التي تبدو وكأنها تناغم بين البناء والطبيعة، أظهرت عبقرية الصينيين في استغلال التضاريس الصعبة لصالحهم.
في زيارتي الأخيرة للسور، كنت بصحبة حقيبة مليئة بالمأكولات الخفيفة، ولكن هذه المرة، كانت زيارتي تحمل طابعًا مختلفًا؛ فقد تزامنت مع أيام شهر رمضان المبارك. صعدتُ إلى أعلى قمة سُمح لي وقت الزيارة بالوصول إليها، متأملًا عظمة ما صنعه الإنسان بإرادة لا تعرف الكلل. قررتُ أن أتحلى بالصبر، فلا أكون أقل عزيمة من أولئك البُناة الذين شيدوا هذا السور تحت ظروف قاسية، لتحيا ذكراهم في كل حجر وطوبة.
سور الصين العظيم ليس مجرد بناء حجري؛ بل هو أسطورة حيَّة تروي قصة الإصرار والعزيمة. إنه رمز للصمود الذي تغلَّب على الزمن، وظل شامخًا في وجه كل التحديات. ولا ريب أنَّ زيارة هذا الصرح العظيم تتجاوز تجربة سياحية؛ لأنها رحلة معرفية وتأملية في أعماق التاريخ، ودرس في قوة الإنسان عندما يجتمع الإصرار مع الإبداع.