عن الولايات المتحدة وما يسمى «إسرائيل»
تاريخ النشر: 17th, March 2024 GMT
كان الأستاذ محمد حسنين هيكل، حريصا على أن يذكرنا دائما بأنه وعلى عكس جماعات المجتمع المدني الأمريكي، والاقتصاديين، وأصحاب العلاقات البنكية، والقائمين على السينما والإعلام، في الولايات المتحدة، كانت الإدارة الأمريكية ضد قرار تقسيم فلسطين، وحتى شريك الرئيس (هاري ترومان) وصديقه اليهودي المقرب (ساملسون)، لم يكن له أي تأثير، فترومان كان يكره اليهود ولا يثق بهم، وكان يصفهم بالأنانية والافتقار للإحساس بالانسجام والقدرة على تقييم الشؤون الدولية وعدم الاهتمام بعدد القتلى من الشعوب الأخرى إذا كانوا يتلقون معاملة حسنة في الدول التي يعيشون فيها، وما أن يتمتع اليهود بنفوذ سياسي أو مالي حتى يصبحوا أسوأ من هتلر وستالين في إساءة معاملة الآخرين.
ومع ترومان كان المستوى الرسمي في الولايات المتحدة ضد التقسيم، وكان رأي الجنرال (جورج مارشال) وزير الخارجية، ومن قبلها رئيس أركان حرب أميركا، ثم وزير دفاع أمريكا سنة 1950، أن أمريكا لا يمكن أن تعطي لليهود دولة لن تستمر لأكثر من سنتين، لان اليهود أعجز من أن يحصلوا على موارد، وإن حصلوا عليها فلن يتمكنوا من إيصالها إلى المستوطنات.. مارشال كان متيقنا من أن العرب سوف يلتهمون اليهود في زمن قياسي.. ولكن خلال عام 1948، صدم صانع القرار الأمريكي أن ملايين المتطوعين العرب لم يأتوا، والكلام عن قطع النفط ظل كلاما.. وأن مستوى الدعم السياسي الرسمي لا يحسب له أي حساب، والجيوش العربية لم تزحف.. ونحو 25 ألف ضابط وجندي عربي، ثلثهم تقريبا كان مزودا بأسلحة اشتراها النظام الملكي المصري ضمن صفقة سلاح فاسد، ما كان في استطاعتهم الانتصار على 100 ألف يهودي، أتقنوا فنون الاستيلاء على وطن، والاستفادة من عشوائية، وهزال خصومهم العرب.
نخلص من هذا السرد التاريخي، إلى نقطتين جوهريتين، الأولى: أن ضعف العرب هو أمضى وأقوى سلاح في يد الصهاينة، وهوانهم هو الضامن الوحيد الذي يمد في عمر هذا الكيان، والعامل الوحيد الذي ضعضع هذا الضمان، هو المقاومة..
النقطة الثانية: هي أن الدعم الأمريكي المطلق للصهاينة ليس من منطلق حب، ولكنه من باب المصلحة المطلقة، وأيضا من منطلق حرص الصهاينة على الدوام أن تكون لهم علاقة متميزة بقوة عظمى، يحاول الصهاينة من خلالها توظيف ما في يدهم من أوراق قوة وضغط، يوحيان باستقلالية القرار.. وهي على أي حال، أوراق أقل وأوهن من أن تقارن بأوراق، وإمكانات العرب، الذين استمرأ كثير منهم دور الخانع، عديم الثقة في نفسه، فضلا عن قناعة آخرين منهم بأن الخوف من أمريكا واقعة، والتبعية لها شرف.
نعم، سوف يحتج البعض حتما، من خلال دفعهم بدور (أيباك)، المتحكم في الصياغة النهائية لأي قرار أمريكي متعلق بالشرق الأوسط، فهذه حقيقة، ومع ذلك لا يجب أن تأخذنا الأمور بعيدا عن (الشرق الأوسط)، ولا يجب أن نختصر الكرة الأرضية كلها في (الشرق الأوسط)، ولا أن تطيح بنا في آتون التصور بأن الولايات المتحدة حلت محل السكان الأصليين، إنما فعلت ذلك من أجل عيون كيان صهيوني، سوف يُختلق بعد قرون، ولا أن الولايات المتحدة ترهن نفسها حاضرا، ومستقبلا، بكيان هي تعلم جيدا أن عمره لن يبلغ القرن.. .ولا أن تستمر في بذل ماء وجهها، وما تبقى من سمعتها العالمية، من أجل كيان يفترض أنه في حماية جيش كان يجب ألا تقهره كل الجيوش العربية، وإذا به يغرق في وحول 365 كيلو مترا مربعا (هي مساحة غزة)، ويتجرع مرارة العجز والفشل، على يد منظمة (حماس).. .والسؤال الذي يدور (أو يجب أن يدور)، الآن في كل رأس استراتيجي أمريكي هو: هل في وسع (إسرائيل أن تضطلع بالدور الوظيفي الذي أقيمت أصلا من أجل أن تؤديه)؟ وهل سيكون في وسع هذا الكيان الهزيل أن يحمي أطماع أمريكا في غزة، وبحرها؟
نعم، فأحد الأسباب الجوهرية في الرصيف البحري الذي قررته أمريكا في بحر غزة، قبالة خان يونس، هو طمعها في احتياطيات النفط والغاز في الأراضي الفلسطينية والتي تقدر بنحو 1.5 مليار برميل من الخام و1.4 تريليون قدم مكعب من الوقود الأزرق، حسب مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية ((UNCTAD، كما يعد حقل (غزة مارين)، الواقع على بعد نحو 30 كيلومترا من ساحل غزة بين حقلي الغاز العملاقين (لوثيان) و(ظهر)، من حقول الطاقة الهامة في منطقة شرق المتوسط.
ويحتوي الحقل على أكثر ما يزيد عن تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي.. .فإذا كان على الولايات المتحدة أن تتولى بنفسها ترتيبات وإجراءات الاستيلاء على هذه الثروة، كما كان عليها بنفسها أن تخرب العراق، وأن تواجه الوحش الحوثي الصاعد في البحر الأحمر، والحشد الشعبي، في العراق، وأنها اضطرت إلى حشد بوارجها وحاملات طائراتها، ومنها العملاقة (جيرالد فورد) لتحمي ربيبتها (إسرائيل)، من حزب الله الذي تمكن في ساعات من ترحيل 200 ألف مستوطن من مستوطنات الشمال.. .فهل أوجدت (إسرائيل) لتكون قاعدة استعمارية متقدمة؟ أم لتكون كيانا مهلكا في طلباته، ومؤذيا في سلوكياته، وهزيلا في آدائه؟
الإدارة الأمريكية إذن، (ديمقراطية، أو جمهورية)، لا يمكن أن تُضحّي بعظمويتها، لأجل عيون جماعة ضغطٍ مّا، فضلا عن تبعات طوفان الأقصى وإمعان الصهاينة في مجازرهم، ووحشيتهم، أوجد بالفعل شروخا في العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والكيان، وقد أصبحت هذه الشروخ جروحا غائرة على صعيد شعبي يتسع بشكل آخذة في التضخّم، والأجيال الحالية والجديدة من الأمريكيين أصبح من المؤكد أنهم أفلتوا من شرنقة الانقياد إلى أكاذيب الصهاينة، وادعاءاتهم، وليس من باب الوهم، ولا المغامرة، الجزم بأن تحديا كبيرا يتبلور اليوم ضد الطبقة الأمريكية الحاكمة، من أجل كسر دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وأن المتحدين لن يجدوا سبيل لذلك، أقرب من انتزاع حاضرهم ومستقبلهم من براثن الشركات والبنوك، وتجار السلاح.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إسرائيل الأمم المتحدة العراق قضية فلسطين طوفان الأقصى الولایات المتحدة من أجل
إقرأ أيضاً:
موراليس : الولايات المتحدة فقدت قوتها الاقتصادية
بوليفيا – صرح الرئيس البوليفي السابق إيفو موراليس، خلال حديثه مع وكالة “نوفوستي” الروسية، إن الولايات المتحدة لم تعد متماسكة إلا بفضل حلف “الناتو” والجيش.
وأشار موراليس إلى أن الولايات المتحدة لم تعد بالنسبة له قوة اقتصادية لأن اقتصادها مستمر في التراجع، فيما لا تزال القوة العسكرية للولايات المتحدة ملموسة”، على حد تعبيره.
وأضاف رئيس بوليفيا السابق إلى أن “الناتو” أصبح إحدى وزارات الولايات المتحدة، مؤكدا أنه “لو لم يكن حلف شمال الأطلسي موجودا، لما كانت هناك الولايات المتحدة أصلا، حسب قوله.
المصدر: نوفوستي