تبقى الأولوية الأولى للسودان بعد الحرب هي الأمن ثم الأمن ثم الأمن وهذا شأن لا قبل للأحزاب السياسية والقوى المدنية به وهي على هذا القدر من قلة الحيلة قبل الحرب وبعدها بسبب ارتهان بعضها وتداعي هياكل بعض آخر منها وتشرذمها أو بسبب قلة حيلة متأتية لدى بعض آخر من اجترار خطاب سياسي لا رجاء كثير منه لمعضلات ما بعد الحرب.

فكارثة الحرب هي منتج أداء هذه القوى المدنية التي فشلت فشلا مأساويا في تحقيق أي منجز يدفع بالمشروع الديمقراطي سنتيمترا واحدا إلى الأمام بل قدمت تجربة مزهدة في الديمقراطية مرة بسبب العجز الوظيفي لمن فرضوا أنفسهم قادة للدولة ومرة بسبب استخذائهم أمام العسكر ولا يختلف اثنان أن تجربة السنوات التي تلت إسقاط البشير قدمت شارعا يملك عنفوانا ثوريا وأحلاما كبرى في التغيير ما بلغ (القادة كيفما اتفق) أن يدركوا ولو طرفا منها لا من جهة تمثلها ولا من جهة النزول على مطلوباتها في الممارسة السياسية فلا برلمان تم تشكيله ولا عدالة انتقالية تحققت ولا عرف الشعب السوداني من قتل الثوار في القيادة العامة.

والحال كذلك فإن القوى المدنية التي عرفها الناس شخوصا ومؤسسات لا تملك وعدا بجديد. فحمدوك قد سقط في امتحان القيادة يوم باركته الملايين قبل أن تعرفه و(شكرته) قبل أن يفعل فكانت الحرب حصاد فشله في أن يكون قائدا وقد آثر أن يكون عضوا في لجنة اقتصادية يترأسها حميدتي. وكان المرء يظن بالقوى المدنية (اللاجئة) أن تحسن الظن بنفسها وكوادرها فتأتي برجل غير مثقل بالتبعات والأخطاء كحمدوك لكنها قلة الجرأة وقلة الحيلة مع تعلق مرضي بالسلطة. هل يسمح الشعب السوداني بأن يعيش تجربة أخرى في التيه السياسي تنتهي به إلى محرقة؟ هل يفعل ذلك منخدعا تحت التأثير السحري لعبارات من شاكلة (التحول الديمقراطي) و(الانتقال الديمقراطي) و(الحكم المدني) وهي مطالب صحيحة في سياقها الصحيح أي البيئة القابلة لاستنباتها وهي ذاتها أعني المطالب يمكن أن تكون مطايا لحكم مدني فاسد لا يستوفي من شروط الديمقراطية إلا الجانب الشكلاني منها: ترشيح وانتخاب وحملات وصندوق انتخاب و رمز الفأس الذي يقطع الشجرة.

التجربة السياسية لما بعد الحرب يجب أن تكون أمرا جديدا لا يشبه ما كان قبله وأن تكون بحثا عن وجوه جديدة، عن قادة حقيقيين (لا يجعلون من ممارسة السياسة وسيلة لكسب العيش).

ورغم إيماني العميق بحق الشعب في حكم مدني ديمقراطي فإنني أشد ما أكون ايماناً بضرورة أن يكون الجيش هو المسؤول عن إدارة شؤون البلاد في المرحلة المقبلة. مرحلة يقودها ضباط وطنيون غير مرتبطين بأي أجندة خارجية، ضباط يحبون هذه البلاد ويحلمون بغدها الزاهر كما يحلم المدنيون الزاعمون لأنفسهم وطنية مبرأة من كل عيب. قيادة جديدة لا برهان ولا العطا ولا كباشي ولا جابر فيها فهؤلاء جميعا مسؤولون عن الحرب وعن الدماء التي سفكت تماما كمسؤولية حميدتي وقوات دعمه السريع.

ولكن لا سلطة للجيش بلا تعهدات غلاظ تنهي سلطته بعد سنوات خمس تكمل خلالها الأحزاب والقوى المدنية (واجباتها الوطنية المؤجلة سواء داخل أحزابها أو تجاه عموم الشعب). فتعيد إصلاح وترتيب بيوتها الخربة وتصفي صراعاتها بعيدا عن أجهزة الدولة، وتنصرف إلى واجباتها السياسية فتنتشر في الريف السوداني تقعد مع الناس في الواطة تحدثهم عن الثورة وعن الانتقال الديمقراطي والتحول الديمقراطي وأزمة (الحاكورة) في مقابل (الحوكمة) قبل أن تعود راشدة إلى الحكم وقد قويت الثقافة الديمقراطية في نفوس الناس ووقع (الاختبار والنخل) في الطامحين إلى تمثيل الجماهير حتى يكون تمثيلا لهم لا تمثيلا بهم.

إن الديمقراطية ليست فروقا في (الزي) بين أصحاب البزات العسكرية وبين أصحاب البدل والكرفتات والعمم والشالات؛ إنها عملية تاريخية سياسية/ثقافية/اجتماعية معقدة تقوم على حامل فكري يشكل عقيدة الغالبية العظمى للشعب في قضية الحكم.

وخلاصة القول إن (تجربة الأحزاب والقوى المدنية وتراثها السياسي في زمن السلم) لا يزكيها بأي حال أن تكون قائدة وحدها للبلاد في واقع السودان بعد الحرب.

هذه مسؤولية وطنية يجب ان يتم التعاطي معها خارج التصنيف الدارج : حكم مدني/حكم عسكري. تلك طريق مطروقة وتوصيف سهل لا ابداع فيه.

حاجة البلاد اليوم إلى شراكة وطنية راشدة تدخل فيها القوى كافة عسكرية ومدنية حديثة ومدنية تقليدية.. لأن الساعة ليست بساعة صراع على السلطة بل المهمة الكبرى هي إنشاء السلطة نفسها،، هي لملمة كيان الدولة المبعثر.. وهذا عمل السودانيين جميعا بلا استثناء جيشا ومدنيين مع سلطة للجيش أعظم يحتمها واقع ما بعد الحرب.

ملحوظة: هذا البوست يرحب بالببغاوات والدجاج الملون البلدي يعني والدجاج الكورالي ذي السمت الواحد(دجاج المزارع) وترحيب خاص بالمجترين المقولات .

فوزي بشرى

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: بعد الحرب أن تکون

إقرأ أيضاً:

عضو بـ«الشرق للسياسات»: حادث تصادم طائرة مدنية بمروحية عسكرية في واشنطن غير مسبوق

قال ماركو مسعد عضو مجلس الشرق الأوسط للسياسات، إنّ حادث تصادم طائرة مدنية بمروحية عسكرية قرب مطار ريجان في واشنطن يعد غير مسبوق وأليم للغاية، موضحًا أنَّ طائرة الركاب كانت تحمل 60 شخصًا، كما كان هناك 3 جنود عسكريين على متن المروحية التابعة للجيش الأمريكي التي اصطدمت بالطائرة.

صعوبة نجاة أي شخص بعد حادث التصادم في واشنطن

وأضاف «مسعد» خلال مداخلة هاتفية عبر قناة «القاهرة الإخبارية» أنّ هناك صعوبة في الحصول على الناجين، لأنّهم إذا نجوا من التصادم الفعلي بين الطائرة المدنية والمروحية العسكرية، فمن الصعب النجاة من درجة الحرارة، إذ أنهم سقطوا في الماء، مشيرًا إلى أنَّ مطار ريجان مزدحم للغاية، وبالتالي من الصعب أن نشهد مثل هذه الحوادث، إذ أنَّه لا يوجد معلومات إذا كان هناك خطأ من برج المراقبة أم لا.  

الطائرة كانت على ارتفاع 500 قدم فوق الأرض ومستعدة للهبوط 

وتابع: «أغلب التقارير تقول أن هذه الطائرة كانت على ارتفاع 500 قدم فوق الأرض وكانت مستعدة للهبوط  في سرعة 140 ميل في الساعة، إذ أنّها سرعة ممتازة، لكن مع الهبوط وجدت المروحية التابعة للجيش الأمريكي أسفل هذه الطائرة، ما أدى إلى تصادمهما».

مقالات مشابهة

  • مصرع 28 شخصاً باصطدام طائرة مدنية بمروحية عسكرية فوق واشنطن
  • أمريكا.. قتلى وجرحى بتصادم طائرة مدنية وأخرى عسكرية بواشنطن
  • عضو بـ«الشرق للسياسات»: حادث تصادم طائرة مدنية بمروحية عسكرية في واشنطن غير مسبوق
  • الجيش الأمريكي: 3 جنود كانوا على متن مروحية عسكرية اصطدمت بطائرة مدنية
  • «خطأ بشري» وراء حادث اصطدام طائرة مدنية بمروحية عسكرية في واشنطن
  • بث مباشر.. اصطدام مروحية عسكرية بطائرة مدنية قرب مطار ريجان في واشنطن
  • ترامب: حادث الاصطدام بين طائرة مدنية ومروحية عسكرية «أمر مروع»
  • على متنها 60 شخصا.. سقوط طائرة مدنية أمريكية بعد اصطدامها بمروحية عسكرية
  • عقل القلوظة الديمقراطي
  • القوى المدنية ودورها في صنع طريق السلام في السودان